أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 29th September,2000العدد:10227الطبعةالاولـيالجمعة 2 ,رجب 1421

محليــات

إلى جنة الخلد أبا عبدالملك
يافقيد المحراب والعلم والعلماء
لنا الله من رُزءٍ عرانا فأفزعا
وخطب ملم للبرية أوجعا

فجعت مختلف أوساطنا العلمية والاجتماعية بفقد عالم جليل من علماء هذه البلاد إثر حادث أليم، رجل نذر نفسه وحياته للعلم والمعرفة فقدم للمكتبة الإسلامية العديد من المؤلفات والكتب وتتلمذ على يديه المئات من طلبة العلم ذلكم هو شيخنا الشيخ محمد، ابن الشيخ العلامة عبدالرحمن بن محمد بن قاسم رحمهما الله رحمة واسعة.


حكم المنية في البرية جار
ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبراً
حتى يرى خبرا من الأخبار
طُبعت على كدرٍ وأنت تريدها
صفواً من الأقذاء والأكدار
ومُكلّف الأيام ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة
والمرء بينهما خيال سار

من قصيدة مؤثرة لأبي الحسن التهامي.
** ولد الشيخ محمد رحمه الله عام 1345 وبدأ القراءة والكتابة في الكتاتيب على نظام ذلك الزمان.
وعندما شب عن الطوق شمر عن ساعد الجد في طلب العلم والمعرفة بصدق وإخلاص وتفان فنهل من ينابيعها ورشف من نميرها فأتيح له من العلم مالم يتح لكثير من أقرانه لما وهبه الله من جد وذكاء وفطنة وما منحه من همة ونشاط,, وقدرة نادرة على الاستيعاب والطلب.
وقد تلقى العلم على عدد من كبار العلماء والمشائخ أولهم والده العلامة الشيخ عبدالرحمن الذي فتح له آفاق العلم الشرعي واسعة رحبة.
وأبرز مشائخه سماحة مفتي الديار السعودية رئيس قضاتها العلامة والحبر الفهامة الشيخ محمد بن إبراهيم طيب الله ثراه الذي لازمه فقيدنا زمنا طويلا ودرس عليه وتلقى عنه.
وكان يحرص على أي كلمة يلقيها سماحة الشيخ محمد في حلقاته ويسجلها ويعتني بها؛ ولهذا جمع ثروة نفيسة من تقارير الشيخ وتقاريضه وعلمه وفتاويه.
وحب فقيدنا لشيخه عميق لايوصف، وتأثره به واضح وبين وكذلك استلهامه لسيرته ومنهجه، وحسب العلماء مكانة وعلم وقدر سماحة المفتي رحمه الله والتأسي بشخصيته، وقد ترجم الفقيد الكبير هذا الحب الجم والصادق بالوفاء والتقدير والعرفان لسماحة شيخه الشيخ محمد فشمر بعد وفاته عن ساعد العمل والجد وقام بجمع فتاواه وتحقيقها والإشراف على طبعها وقد بلغت 13 مجلداً فحفظ جزاه الله خيرا للعلم وطلابه ثروة علمية كبيرة ونفيسة لا تقدر بثمن بذل من أجل إخراجها جهدا كبيرا، وعملا متواصلا، وبحثا مستفيضا، أخذ منه سنين طويلة حتى أخرجها عملا علميا متكاملا,, خدمة للعلم,, ومحبة ووفاء وبرا بسماحة شيخه الشيخ محمد سيبقى منهلا ثرا وينبوعا نيرا ومرجعا مهما للعلم وطلابه.
** ومن محطات فقيدنا العلمية المهمة انه رحل برفقة والده في مطلع شبابه إلى أوروبا في أوائل السبعينات الهجرية عندما كان السفر شاقا ومجهدا سعيا وراء جمع شتات آثار وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبعد جهد جهيد وبحث علمي متواصل حققا ما أرادا من نجاح علمي كبير وقدما للمكتبة العلمية والإسلامية فتاوى شيخ الإسلام التي بلغت 37 مجلداً ستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها مرجعا ومنهلا لا ينضب معينه للعلم وطلابه.
فجزاهما الله تعالى عن العلم وطلابه خير الجزاء لقاء ما بذلا من جهد عظيم وما مسهما من عناء ونصب في هذا السبيل.
** درّس في فترة من حياته في المعهد العلمي بالرياض ثم في كلية الشريعة ثم آثر التقاعد ليتفرع للتأليف والبحث وقد تتلمذ عليه أعداد كبيرة من طلبة العلم.
رحم الله شيخنا أبا عبدالملك رحمة واسعة, لا أنسى عندما كنت طالبا في المعهد العلمي بالرياض عندما يطل علينا في الفصل بقامته الشامخة وثغره الباسم، وشخصيته المهيبة ووقار العلماء الذي يجلله، وكان يدرسنا آنذاك النحو والصرف وأذكر مرة ان موضوع الدرس كان المستثنى وكان المقرر شرح ابن عقيل في النحو فحول رحمه الله بأسلوبه الحواري المميز إلى شعلة من النشاط في الفهم والاستيعاب ففك طلاسم الكتاب وشرحه بما وهبه الله من علم وقدرة وأسلوب رائع في الشرح لا يعتمد على السرد الممل، والأسلوب التقليدي في شرح العلوم وتدريسها، مما أوصله مكانة عالية وبخاصة في نفوس طلابه وتلاميذه.
** قلت إنه آثر التقاعد للتفرغ للعلم والتأليف وكان كثيرا مايقضي أجزاء من وقته في مزرعته القريبة من الرياض حيث أنشأ فيها مكتبة علمية تحوي الكثير من المراجع وأمهات الكتب.
ولعلنا نشير إلى مؤلفاته فيما يلي:
1 مساعدة والده رحمهما الله تعالى في جمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية التي بلغت 37 مجلداً بالفهارس.
2 جمع وتحقيق فتاوى سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله 13 مجلداً.
3 شرح كشف الشبهات.
4 شرح كتاب آداب المشي للصلاة.
5 المستدرك على فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5 مجلدات.
6 عدد من الرسائل في جملة من الفنون العلمية كالخطابة والوعظ والإرشاد, رحمك الله يا أبا عبدالملك وأسكنك فسيح جناته فلشدّ ما كنت أشتاق دائما للجلوس معك واجتلاء طلعتك البهية كلما تهيأ الوقت وسنحت مشاغل الحياة,, أستفيد من علمك الغزير,, وآنس بأحاديثك الطلية,, وأبحر في خضم تجربتك العلمية والحياتية الفذة الناضجة,.
أحاديثك لا أملها ,, وعلمك لا أرتوي منه,, وفرائدك وفوائدك لا تنتهي,, وهكذا تكون أحاديث العلماء الكبار,, والرجال القمم,.
** صفاته وسجاياه وأخلاقه يطول الحديث عنها لكننا نشير إلى أمثلة ورموز منها,.
عرف عنه التواضع الجم,, إنه تواضع العلماء الربانيين وكفى ,, ومن صفاته الحلم فنادرا ما يغضب وإذا غضب فإنه يملك نفسه عند الغضب ولا يستبد به الغضب,,
ومن صفاته الكرم والسخاء كرم المال وكرم النفس والخلق,, ومواقفه في هذا لا يمكن حصرها,.
يا أبا عبدالملك ماذا أقول,, وكيف لي أن أتحدث عن شخصيتك وسيرتك وصفاتك في هذا المقام الحزين وفي هذا المقام إنه أمر صعب المنال والتحقيق,.
يا أبا عبدالملك أيها الفقيد الكبير إن قلبي كما قال الأستاذ الأديب الزيات في إحدى مراثيه تنزف من عيني عبرات بعضها صامت وبعضها معول فهل لبيان الدمع والحزن ترجمان .
العزاء الصادق لأسرة فقيدنا ولأبنائه وإخوانه وللعلم وطلابه وللمحراب وعباده,, ولنا كل محبيه وعارفي قدره وفضله ومكانته, إلى جنة الخلد يا أبا عبدالملك مع الشهداء والأبرار والصالحين وحسن أولئك رفيقا ولا نقول دائما إلا كما أمرنا ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون كما أسأل الله تعالى أن يبارك في عقبه ويجعلهم خير خلف لخير سلف وأن يبارك فيهم جميعا فهم ولله الحمد أهل لكل خير وللسير على منهج والدهم رحمه الله تعالى.
صالح بن إبراهيم المنيف

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved