أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 12th October,2000العدد:10241الطبعةالاولـيالخميس 15 ,رجب 1421

مقـالات

الصحة النفسية: مشروع تنموي
عندما نقارن بين الذي يعاني من كسر في العظام وآخر يعاني من قليل من الرشح والبرد فإن الاهتمام بلاشك سينصب على الأول, إذ إن المريض الأول يعاني من مشكلة جسدية محددة وملاحظة من قبل الآخرين وتستدعى الرعاية الصحية المباشرة، بينما الثاني موضوعه أخف على الصحة الجسدية, لكن كلتا الحالتين يمكن تفهمهما من قبل كل الناس والاخصائيين.
ولكن الصورة تصبح اكثر تعقيدا عندما يأتي شخص في عيادة (علم النفس العيادي) ويشكو من مشكلة (نفسية)! أين التحديد الصحي هنا في وصف الحالة أو تشخيصها؟ ومن سيشعر بالتفهم لهذا الشخص؟ هنا تكمن الصعوبة في تناول الاضطرابات النفسية، إذ إنها تتعلق بالمشاعر والانفعالات النفسية وذات الخبرة الشخصية الخاصة إذ لا يمكن لنا ان نلاحظ المعاناة النفسية لدى شخص آخر ما لم يصرح بها بوضوح, ومما يزيد الطين بلة الحقيقة النفسية وهي ان الافراد لديهم الفروق النفسية التي تميز بعضهم عن بعض وتميز ادراكهم للانفعالات والخبرات النفسية.
فالصحة النفسية ليست سهلة التناول لا علميا ولا عياديا دع عنكم اعلاميا واجتماعيا لكنها من الاهمية بمكان انها تكلفنا الغالي والنفيس في النواحي البشرية والاقتصادية بصورة مباشرة وغير مباشرة, لكن هل الصحة النفسية تعنى بمجموعة من الناس دون الآخرين؟ الجواب: بلا، بل تعنينا نحن كلنا, الصحة النفسية على سبيل المثال تؤثر على (وتتأثر ب) اليوم الأول للدراسة للطفلة والطفل، ولها علاقة بالطريقة التي تعالج بها المريضة التي تعاني من سرطان في الثدي, ان الانفعالات النفسية تؤثر على تناول مريض السكري الادوية والاستفادة من نظام التغذية مثلا، كما ان الصحة النفسية (او اضطرابها كالاكتئاب) لها دور كبير جدا في ان تعرض البعض للاصابة بالنوبات القلبية اكثر من غيرهم.
فمعظم الاضطرابات الجسدية وهي تعتبر من مجالات الصحة الجسدية البحتة في الحقيقة لها علاقة تفاعلية قوية بالحالة النفسية التي يمر بها الرجل أو المرأة، والطفل أو الطفلة, ان الابحاث النفسية تشير في اغلب اماكن العالم إلى ان النسبة الكبيرة جدا من مراجعي العيادات الاولية (مثلا يشكون من الصداع وآلام الظهر والبرد وغيرها) هم اصلا يعانون من مشكلات نفسية مثل الاكتئاب والقلق والمشكلات السرية وغيرها, إلا ان الشكوى الجسدية اسهل على الانسان كما ان تفهمها من قبل الطبيب والآخرين اسرع من الشكوى النفسية, كما انه احيانا يكون لدى الفرد صعوبة في التعرف (الاستبصار) على الحالة النفسية التي يمر بها الفرد نفسه، مما يعيق التشكي والبحث عن مساعدة نفسية.
ومن ناحية أخرى فإن الصحة النفسية الجيدة هي التي تقلل من الغياب الذي يحدث لدى العمال والمدرسين والموظفين وغيرهم, فالمدرسة التي تعاني من اكتئاب أو قلق ليس خفيفاً ستجد نفسها تعاني حتى من ابسط الامور والواجبات ويصبح الذهاب للعمل مشكلة كبيرة, وغيابها يوما واحداً سيكلف بلا شك المعاناة لها وللمدرسة وللاسرة,, الخ وهذا الغياب سيكلف الدولة الكثير وخصوصا إذا تكرر وحصل من عدد من المدرسات مثلا.
أضف إلى ذلك ان احتمال ان تنوم بالمستشفى ليوم واحد قد يكلف بضعة آلاف ريال خسارة, النقطة هنا هي ان الصحة النفسية تؤثر بلا شك على الانتاجية التي يقوم بها اي واحد في موقعه او موقعها,وبعد ذلك هناك الجانب المعروف من الصحة النفسية الا وهو الاضطرابات النفسية التي يمر بها الناس, هذه الاضطرابات النفسية متعددة ومتغيرة للافراد, وتكون بعضها من الاضطرابات الشديدة مثل الفصام.
(سيكزوفرينيا ليست انفصام الشخصية او تعدد الشخصية التي نراها بالافلام) والتي تؤثر على انفعالات وتفكير وسلوك الذي يعاني من الاضطراب, وهذا الاضطراب يؤثر على الفرد واسرته وعمله في اغلب الاحيان هناك مثلا ما يقارب مليوني شخص يعاني من الاضطراب في الولايات المتحدة الامريكية، فهو منتشر جدا.
وهناك اضطرابات المزاج الذهانية والتي كذلك تؤثر بشدة على طبيعة الافكار (شكلا ومحتوى) وقد يحدث انخفاضا او ارتفاعا في المزاج, وهناك حوالي (18) مليون شخص يعانون من الاضطرابات في الولايات المتحدة مثلاً، اشارة إلى انتشاره, وهناك اضطرابات نفسية اخف مثل اضطراب القلق والرهاب والوسواس القهري واضطرابات الاكل والاضطرابات الجنسية واضطرابات الاطفال، وكلها مشكلات نفسية شائعة وتمر علينا في علم النفس العيادي,ان الابحاث التي تجرى الآن وخلال الثلاثين سنة الماضية جعلت من تناولها للاضطرابات النفسية اكثر اهمية واكثر استبصارا بهذه الاضطرابات النفسية والتي هي شائعة اكثر مما نعيه, فالابحاث التي تتناول تصوير المخ والابحاث التي تجد الدلائل الوراثية على انتقال هذه الاضطرابات لها تلقي بعض الضوء على الجوانب الجسدية للامراض, وهناك الكثير من الابحاث التي يقوم بها باحثو علم النفس العيادي والتي فيها يحاولون الوصول إلى الجوانب النفسية والانفعالية التي تسبب هذه الاضطرابات وهي كثيرة وتزيد من شدتها واستمراريتها.
كما يقوم علم النفس العيادي بجهود مكثفة في تناول الطرق العلاجية النفسية (من غير أدوية) المتعددة ودراسة فعالياتها في العلاج النفسي.
فهناك الكثير من الدراسات التي تشير بدرجة عالية من الفائدة للذين يعانون من الاضطرابات النفسية المتعددة والتي يستخدم علم النفس العيادي طرقا في علاجها، مثل العلاج السلوكي والمعرفي, وهناك الابحاث التي تشير إلى ان العلاج السلوكي الذي يقوم به علم النفس العيادي ينفع ليس فقط في التخفيف من الاعراض بل أحسن من الادوية في بعض الاحيان في استمرارية التحسن بعد العلاج.
كل هذه النقاط تصب في جانب واحد هو أهمية الصحة النفسية للفرد والمجتمع، والدور الذي تلعبه في تقديم الخدمات وتقليل الخسارة المالية للدولة.
د, موفق العيثان
استشاري وأستاذ علم النفس العيادي المساعد جامعة الملك سعود.
أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved