أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 22nd October,2000العدد:10251الطبعةالاولـيالأحد 25 ,رجب 1421

مقـالات

الوهم ومحاور الرؤيا، للدكتور منصور الحازمي
د, أحمد بن محمد الضبيب
الوهم ومحاور الرؤيا,, دراسات في الأدب الحديث هو آخر كتاب اصدره الزميل الدكتور منصور ابراهيم الحازمي، جمع فيه ثمانية ابحاث تتناول بعض القضايا العامة والخاصة في أدبنا الحديث، وهي:
لمحات من ادبنا المعاصر.
حركات التجديد في الادب السعودي الحديث.
من معاركنا النقدية.
مكة المكرمة في قصص أبنائها المبدعين.
أضواء على تطور القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية.
البيئة المحلية في قصة احمد السباعي.
أدبنا السعودي في عيون الآخرين.
واقع الثقافة العربية بين الايجابيات والسلبيات.
والناقد الدكتور منصور الحازمي غني عن التعريف، فهو احد الرواد الاكاديميين الذين بدأوا البحث في المنجز الثقافي لبلادنا منذ أواسط الثمانينيات الهجرية الستينيات الميلادية وكان طموح الدكتور الحازمي كما كان طموح زملائه في ذلك الوقت الكشف والتأريخ لهذا المنجز من خلال البحث فيما تراكم من نتاج ودراسته دراسة منهجية، وابرازه للدارسين ثم حمله الى آفاق اوسع خارج الحدود حيث كان الوضع الثقافي مجهولا او مهمشا, وكان من اهم مشروعات الدكتور منصور عمله الرائد معجم المصادر الصحفية لدراسة الادب والفكر في المملكة العربية السعودية الذي عكف فيه وقتا طويلا على أعداد جريدة أم القرى الصادرة من سنة 1343ه الى سنة 1365ه 1924 1945م , هذا المشروع الببليوجرافي الوصفي الذي لم يصدر منه الا الجزء الاول.
وانصرف المؤلف بعده الى جريدة صوت الحجاز يفهرسها ويبوب المادة الفكرية الثرية فيها، ليكون ذلك الجزء الثاني من المعجم، وما زلنا في انتظار هذا الجزء الذي اخبرنا الدكتور انه تحت الطبع منذ مدة.
لقد استفاد من عمل الدكتور منصور الببليوجرافي أعداد من الباحثين وطلاب الدراسات العليا وإن كان بعضهم قد قابلوا عمله بالجحود، فلم يشيروا إليه في اطروحاتهم، وليس الدكتور منصور بدعا بين هؤلاء الجنود المجهولين من الباحثين الببليوجرافيين في بلادنا العربية، فأعمال هؤلاء مباحة لكل وارد ولكنها في الوقت نفسه عرضة للتنكر والجحود.
في الادب السعودي يعد الدكتور منصور الحازمي من اكثر الاكاديميين السعوديين دراسة لهذا الادب وتأملا له، وقد كتب عنه بحوثا متعددة غير أن القصة استأثرت بمعظم جهده، ولا غرو في ذلك فقد كان هذا الجنس هو اساس تخصصه في مرحلة الدكتوراه, لكن مشاركاته في تقويم هذا الادب من جميع جوانبه لا يمكن ان تنسى, ولذلك، ولكونه من ابرز المختصين في الادب السعودي فقد كان سفيرا لهذا الادب في عدد من الندوات والملتقيات التي تعقد داخل المملكة او خارجها, ولهذا وجدنا كثيراً من بحوثه ترتبط بهذه الندوات أو الملتقيات أو تكون ناتجة عنها, ولست ادري، مااذا كان ذلك من حسن حظ الدكتور منصور أم لم يكن، اذ ان التعريف بهذا الادب في مناسبات كثيرة ادى به الى نوع من الانحصار في محيط محدد، كما أوقعه في كثير من الاحيان في التكرار واعادة المقولات التي سبق ايرادها في مناسبات سابقة, ولو انه رفض المشاركة الا ببحوث مختارة يخطط لها بنفسه لأضاف اضافات مميزة في تاريخ هذا الادب، ولأغنى تجربته النقدية.
ان الموضوعات التي يعرضها الدكتور منصور في هذا الكتاب شيقة، وبعضها كان بالنسبة لي على الاقل مثيرا وقابلا للنقاش او التعليق, من هذه الموضوعات موضوعان:
أولهما: حركات التجديد في الادب السعودي الحديث.
وثانيهما: واقع الثقافة العربية بين الايجابيات والسلبيات.
أما الموضوع الاول فقد عرضه المؤلف عرضا حسنا في اطار ثلاث حركات ادبية,, الاولى: اسماها الصحوة ووصفها بأنها حركة تقع الاولى في بداية تاريخنا الادبي، وهي حركة مضادة للجمود والسكون, والثانية: حركة تقع في الوسط خلال الخسمينيات والستينيات باعتبارها حركة تستهدف التغيير في الشكل مع التركيز على المضمون , والثالثة تمتد من السبعينيات حتى وقت إعداد البحث سنة 1993م، ويرى أنها حركة ذات شعبتين متضادتين أولاهما حركة الحداثة وثانيتهما حركة الادب الاسلامي, غير انه عندما استغرق في المعالجة لم يلبث ان فصل بين الشعبتين وعالج كل واحدة منهما على حدة معتبرا إياها حركة مستقلة, فأسمى الاولى بالحداثة والثانية بالأسلمة, والواقع ان ما انتهى إليه هو الاصوب، إذ لا يمكن ان يقرن بينهما بسبب التزامن التاريخي فقط، مع ما بين المذهبين من اختلاف صارخ, وان كنت ارى ان مصطلح الادب الاسلامي (وهو مصطلح غير منضبط عند دعاته بالدرجة الاولى) لا يمكن ان يعد دالاً على حركة تجديدية.
والحازمي في هذا البحث يلتزم جانب العرض الامين الانتقائي ويتدخل بالتعليق الخاطف احيانا اذا لزم الامر، ولكنه لا يتخذ موقفا نقديا صريحا من هذه الحركات يؤيده او يعارضه وهو الامر المنتظر من ناقد كبير كالدكتور الحازمي, ولو لم نقتنص كلمة منه هنا، وتعليقا خفيف الظل من هناك، يدل على ضيق المؤلف بهذا المذهب او ذاك لما أحسسنا بموقفه النقدي الحقيقي مما عرض له من مواقف, حقا، لقد كان الدكتور الحازمي رفيقا بحركة الحداثة ومنظّريها وسدنتها ونصوصها التي وصفها بالنصوص العجيبة والغريبة، ووصفها بالشفرات السرية التي لا يمكن حلها الا بواسطة مفاتيح خاصة لا يملكها سوى القلة من الخبراء والمقربين, وهو يريد بذلك ان يقول ان الحداثة قد تحولت لتكون ادبا ثللياً كهنوتياً، ولو لم يقل ذلك وامثاله لما عرفنا موقفه الرافض لهذا الادب, ولكن ما لم يقله هو ان هذا الادب كانت تسير في ركابه مجموعة من الشباب الذين يتحدثون عن البنيوية ولا يدرون عنها شيئا، وبعضهم يتشدق بالألسنية وهو لا يقيم حرفا من اللغة، واذا وجد من هؤلاء من يمكن ان يكون على علم ودراية، فانه يكون قد ركب الموجة من اجل الحظوة عند شباب الحداثة، الذين وجد كل واحد منهم نفسه شاعرا بمجرد رصفه كلمات غير مفهومة، او غمغمته بتعابير حلزونية, ولم يقل الدكتور الحازمي ان هذه الثللية الادبية والنقدية قد أفضت بأدبنا الى الانحدار وبشبابنا الى الضياع وبتراثنا الادبي الى الاهمال والازدراء, وكان من آثارها المدمرة تكريس الهزيمة النفسية وتثبيط الهمم العربية، والرجوع بأدبنا الحديث الى الوراء، فقد كانت في بعض وجوهها أشبه بالادب الذي اصطلحنا على تسميته بأدب عصور الانحطاط, ومن هذه الزاوية فإنني استغرب ان يعد الدكتور الحازمي ادب الحداثة ضمن ادب التجديد، فأي تجديد هذا الذي اجتث تجربتنا الادبية الغنية على مدى العصور ليقيم بدلها تلك النماذج الهزيلة البائسة؟ وأي فائدة جنيناها من تلك التجربة الفاشلة التي غطت أعيننا بدخانها فترة من الزمن حتى اذا انحسرت موجتها خلفت لنا فراغا هائلا في الذائقة الادبية مكنت لنماذج اخرى تنتمي إلى عصور الأمية كالشعر العامي لتتسيد في الساحة وتستولي على عقول الجماهير وعواطفهم,؟ وكانت محصلة التجديد ان فقدنا القديم والجديد واستبدلنا بهما انماطا عامية ومشوهة.
وفي بحثه القيم الذي ألقاه في المهرجان الوطني للتراث والثقافة سنة 1418ه يتحدث الحازمي عن واقع الثقافة العربية بين الايجابيات والسلبيات ويستعرض آراء بعض الباحثين والمفكرين ويقف وقفات قصيرة امام بعض هذه الآراء ويعتمد في كثير من ذلك على ما ورد في الخطة الشاملة للثقافة العربية التي اصدرتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم, ويلفت النظر في هذا المجال ما يسمى بالتباين الثقافي بين الدول العربية , فعلى الرغم من الايمان بوحدة الثقافة العربية من ناحية اللغة والعقيدة والتاريخ وهي المكونات الاساسية لكل ثقافة اصيلة الا ان الخطة العربية الشاملة للثقافة تتطرق الى الحديث عما يسمى بالتباين الثقافي بين البلدان العربية، وكأنها بذلك تكرس او توسع الفرقة بين هذه البلدان, وقد نتج عن ذلك ما لاحظه الدكتور الحازمي من ظهور نزعة ثقافة المركز والاطراف التي تبناها بعض المثقفين العرب المحدثين، فصدرت بسببها عنهم احكام تشي بالفوقية تجاه الثقافة في بعض البلدان العربية مثل الجزيرة العربية ودول الخليج العربي التي عدت ثقافتها ثقافة نفطية!! فاعجب لخطة عربية شاملة تكرس الفرقة الثقافية بدلا من ان تتلمس عوامل التوحيد والتآلف,!
ثم ان استعمال مصطلح التباين الثقافي في خطة عربية شاملة استعمال غير موفق يشير الى التنافر,, وكان على المخططين للثقافة العربية ان يشيروا الى ذلك بالتنوع الثقافي لا التباين، لأن في التنوع الثقافي إغناء للثقافة، اما التباين فيؤدي الى القطيعة الثقافية اذا استفحل ذلك التباين, ثم ان القول بالتباين في هذا العصر امر غير مستساغ، فاذا كان العالم كله يوشك ان يتحد ثقافيا من خلال انماط ثقافية واجتماعية واقتصادية عامة، فكيف نعد العرب متباينين ثقافيا بسبب بعض المؤثرات المحلية التي تحدث في كل مكان وزمان، دون ان يكون لها تأثير قوي على مجرى الثقافة العام, وحقاً ما قاله الحازمي في نهاية هذا البحث من ان هذا التباين الثقافي او بعبارة اصح التباين الاقتصادي، كان يمكن ان يكون مصدر غنى وتنوع في الثقافة العربية بدلا من ان يكون سببا في زيادة التباعد والتنافر بين المجتمعات العربية او بين المثقفين أنفسهم، وهم كما هو مفترض قادة الفكر والتنوير في العالم العربي .
وفي موضوع الغزو الثقافي يقف الحازمي وقفات قصاراً امام بعض ما قيل في هذا الموضوع فيأخذ رأيين احدهما يمثل وجهة النظر التاريخية والثاني يمثل وجهة النظر العلمانية او الماركسية ويخلص الى ان الحقيقة القائمة التي لا يمكن الهروب منها هي التي قررها ابن خلدون منذ زمن طويل عن تشبه المغلوب بالغالب، فالعرب لا يزالون طلابا نجباء في مدارس الغرب، يحاولون ان يفهموا ويستوعبوا ويندمجوا في الحضارة الجديدة, قد يثور بعضهم ويتمرد، ولكنها ثورة الضعيف وتمرد الخائف,, ولست متأكدا من صحة ما ذكره الكاتب الفاضل من ان العرب كانوا طلابا نجباء في مدرسة الغرب، وما الدلالة على هذه النجابة وما زال اكثرهم يرسفون في قيود التبعية؟ ولو كانوا نجباء حقا لتجاوزوا ذلك الى الابداع وتوطين التقنية والاسهام في الحضارة الجديدة، كما كان الغربيون نجباء في مدرسة الحضارة الاسلامية, ان التعلم من الآخر امر لا عيب فيه، فكل الحضارات تأخذ وتعطي لكن المؤلم في الوضع العربي ان فترة التلمذة قد طالت حتى اوشكت ان تكون رسوباً متكرراً في فصول الدراسة, بل لقد تحول التلاميذ الى اجراء وعملاء وسماسرة لأساتذتهم الغربيين بدلا من ان يستقلوا بأنفسهم ويختطوا لها مسارا متميزا بين الأمم.
وبعد الغزو الثقافي يتحدث المؤلف عن واقع الثقافة العربية في الخطة الشاملة فيستعرض الحقول التسعة التي شملتها الاستبانة الثقافية لهذه الخطة وهي: التراث والفنون والآداب والفكر العلمي واللغة ووسائل الاعلام والصحافة والقطاعات الضعيفة ثقافيا ووسائل العمل الثقافي والتعاون الثقافي, ثم يستعرض الجوانب السلبية التي تتصل بكل جانب من هذه الجوانب, ولا شك ان المؤلف لم يستغرق تلك الجوانب السلبية ولكنه اختار منها ما رآه بارزا، ومع ذلك فان الاختيار كان اشبه ما يكون بالعشوائي في بعض هذه الحقول اذ ليس من المعقول أن تنحصر الجوانب السلبية في الثقافة العربية فيما يتعلق باللغة العربية بقلة وجود معاجم للمصطلحات العلمية وعدم توافر مجامع لغوية في البلاد العربية, كما انه ليس من المعقول ان تختصر الجوانب السلبية فيما يخص وسائل العمل الثقافي في محدودية الدورات الثقافية التي تعقد في جامعات الدول العربية ومعاهدها العليا.
ويلمُّ المؤلف بعد ذلك الماما سريعا بآراء الباحثين الذين دعاهم بالمختصين حول الواقع الثقافي للبلاد العربية ويلاحظ على هذه الآراء السخرية من هذا الواقع والتشاؤم من المستقبل، ويستنتج الحازمي من ذلك وجود خلل ما في أسس هذه الثقافة ما دام هؤلاء قد اجمعوا على ذلك.
ويختم المؤلف بحثه عن واقع الثقافة العربية بالحديث عن واقع هذه الثقافة في منطقة الخليج والجزيرة العربية.
وفي هذا الصدد يبدأ أيضا باستعراض آراء بعض الباحثين كشاكر مصطفى ومحمد الرميحي وعبدالعزيز الجلال ويخلص من ذلك الى القول بأن الواقع الثقافي لدول هذه المنطقة لا يعدو ان يكون خطوطا عريضة لحالة مجتمع في مرحلة تحرك وانفتاح ، وان ما لاحظه الباحثون من سلبيات تشترك فيها هذه المنطقة مع بقية البلدان العربية الاخرى مع تفاوت في النسب والمقادير, ولا ينهي المؤلف بحثه دون الحديث عن ثقافتنا بين الحداثة والأسلمة وهو هنا يعيدنا تقريبا الى ما قرره في بحثه عن التجديد في الادب السعودي وينتهي الى النتائج التي انتهى إليها هناك.
ويلفت النظر في هذا البحث الجدير بالقراءة ان المؤلف اهتم بسلبيات الثقافة العربية وهي كثيرة وما اجتزأه منها يمثل قدرا ضئيلا مما يواجه هذه الثقافة او ينتج عنها، ولم يكد يبحث في ايجابيات هذه الثقافة اذ مر عليها بثلاثة اسطر فقط عندما قال: اما ايجابيات هذه الثقافة فلا تختلف في جوهرها عن سلبياتها، فالامة العربية في وقتنا الراهن ممتلئة حتى التخمة بالعباقرة والفنانين والفلاسفة والمبدعين ولكن الغرب يظل في معظم الأحوال هو مصدر الفن والفكر والالهام ، والمتأمل في هذه النتيجة قد يعجب من هذا الوضع الذي تمتلئ فيه الأمة بالعباقرة من كل نوع، ومع ذلك تصاب بهذه الخيبة الثقافية والهزيمة النفسية والاتكاء على الاجنبي في كل شيء، ولله في خلقه شؤون!
عضو مجلس الشورى

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved