أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 22nd October,2000العدد:10251الطبعةالاولـيالأحد 25 ,رجب 1421

الثقافية

ودعوة بجلال الكلمة ورصانة العبارة
في هذه الأيام المحمومة التي نعيشها نحن العرب خاصة والمسلمين عامة في أنحاء المعمورة وهي أحزان القدس (زهرة المدائن) وسائر المدن الفلسطينية وما يتعرض له إخواننا من غدر ومذبحة إبادة صمت عنها ضمير العالم لا نملك ازاءها إلا التضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيدي أمتنا ويعيد لها أمجادها ويقيض لها من يأخذ على عاتقه اقتفاء اثر صلاح الدين الأيوبي ويخوض حرباً ضروساً تسترد بها الكرامة العربية والإسلامية.
هذا ما أحببت أن أمهد له ونحن نعيش هذه الأيام التي تدمي القلب وكنا قبلها بأيام قلائل قد عشنا حزناً على فراق أحد أعلام الأمة العربية الشيخ حمد الجاسر الذي لايزال تأبينه يكرر عبر وسائل الإعلام ليس في المملكة العربية السعودية فحسب وإنما في أقطار العالم العربي ففي يوم الأربعاء الموافق 14/7/1421ه وأنا أشاهد القناة الفضائية العربية السورية في برنامجها الصباحي (هذا الصباح) وإذا بمقدمة البرنامج تستهله بقولها: لقد ودع العالم العربي أحد أعلام مؤسسي الصحافة العربية ورائدا من رواد الأدب والثقافة العربية حيث ودعت المملكة العربية السعودية الشقيقة علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر وبهذه المناسبة فاننا سنعرض عليكم الندوة التي عقدت في قاعة مكتبة الأسد للمحاضرات لنشاهد واياكم هذه الندوة التي شارك فيها نخبة من رجال الفكر والأدب والثقافة لتأبين علامة الجزيرة العربية بحضور الملحق الثقافي السعودي الذي شارك في إلقاء الضوء على السيرة الذاتية للفقيد.
كنت قبل ذلك متردداً في المشاركة في رثاء الفقيد ولكني لاحظت أن الكتابة عن الفقيد لم تزل متواصلة وهو ما شجعني على الرغم ان الكبار من أصحاب الفكر وحملة القلم وكثير من المسؤولين ورجال الأدب والثقافة الذين كتبوا في رثاء علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر يرحمه الله وجميع موتى المسلمين رحمة واسعة وأنا على يقين أنني ببضاعتي المتواضعة لن أقف بظل ما كتبوه وما عساي أن أقول أنا اللاحق وقد كفاني السابق وعبر عما في نفسي لقد كفاني أولئك النفر الذين يعرفون أقدار الرجال وما فتئت مشاعرهم الصادقة تفيض بالقول الصادق وهم يودعون من حمل لواء العلم عندما كان العلم مطلباً صعباً ولاينال إلا جثواً على الركب.
لقد قطع عليّ القول رجال البلاغة والفصاحة ورجال الحصافة والصحافة وجاشت قرائحهم نثراً وشعراً وأمروا اليراع أن يسطر رصانة الكلمة وجلال العبارة وما انفكت مشاعرهم تزجي فيض خواطرهم عبر مقالاتهم التي تتدافع كلماتها بعذب الكلام وابلغه وهم يستعرضون السيرة العطرة لعلامة الجزيرة ويعددون مناقبه, ليت شعري أين أنا من أولئك الرواد وهل بمقدوري أن أجاريهم في الكتابة؟ تساؤل طرحته على نفسي وأنا ممسك القلم عند شروعي في كتابة هذه الكلمات المتواضعة ولعلي لم أتهيب الكتابة كما تهيبتها اليوم وأنا أدلي بدلوي في رثاء من انتصب عملاقاً في دنيا العلم والمعرفة وطيداً شامخاً لا تزعزعه الرياح ذلك العلامة الذي كافح ونافح في طلب العلم منذ الصغر فقد أفنى زهرة صباه وريعان شبابه ووقار كهولته وجلال شيخوخته كل ذلك في سبيل العلم, نعم لقد ترددت كثيراً قبل شروعي في الكتابة ولكن ما شجعني هو أن جميع من كتبوا لم تخل كتاباتهم من المواقف والذكريات وأنا كذلك اشترك معهم في هذا الجانب ولي منه نصيب واعتبر تلك الذكريات من أجمل ما يختزله أرشيف الذاكرة لدي ويعود تاريخ ذلك إلى سنة 1404 ه عندما قدم يرحمه الله إلي الأردن للمشاركة في اجتماع منتدى آل البيت الذي يعقد كل عام في عمان ويدعى له كبار العلماء ورجال الفكر الإسلامي من جميع البلاد العربية والإسلامية لن أنسى ذلك المساء الذي تم فيه اللقاء مع الشيخ حمد لأول مرة, كنا نحن منسوبو السفارة السعودية بالأردن نجتمع نهاية كل أسبوع بما يسمى (الدورية) وفي تلك الليلة جاء الأستاذ عبدالرحمن الشبيلي وكان حينذاك هو القائم بأعمال السفارة قبل أن يكون سفيراً حيث كان آخر عمل له سفيراً لحكومة خادم الحرمين الشريفين بدولة قطر وبصحبته الشيخ حمد الجاسر وفاجأ الجميع بقوله جئتكم بالشيخ حمد الجاسر فهب الجميع احتراماً لمقدمه وكان هناك ثلة من الزملاء يلعبون الورق (البلوت) وتركوها تقديراً لمقام الشيخ لكنه يرحمه الله أصر أن يعودوا ويكملوا تسليتهم, ثم استطرد الأستاذ عبدالرحمن حديثه بقوله عندما استأذنت من الشيخ ونحن في الفندق للذهاب لأتركه كي يأخذ راحته خشية أن يكون متعباً بعد السفر استدركت وقلت يا شيخ في مثل هذه الليلة من كل أسبوع نجتمع نحن منسوبو السفارة هلا ذهبت معي إن لم تكن متعباً بعد السفر، قال لا والحمد لله لا أشعر بأي تعب وما داموا أبناء بلدنا فيسرني الذهاب معك, كنت أجلس بجانب الأستاذ عبدالرحمن التفت أليَّ وهمس بأذني قائلاً: أنت دائماً تتحدث عن علامة الجزيرة وتتابع نشاطه وأبحاثه فأنت هذه الليلة محظوظ يمكنك الاستفادة من وجوده معنا قم واجلس بجانبه بعيداً عن ضوضاء لاعبي البلوت فأنت لست من هواة لعب الورق وهذه فرصتك, قلت يا أستاذ عبدالرحمن ألا ترى أن الوقت غير مناسب ويمكن ذلك في زيارته غداً في الفندق قال بالعكس الوقت مناسب جداً، قمت وجلست بجانب الشيخ وجددت الترحاب به ومهدت لحديثي معه بفكرة هذه الدورية التي تجمعنا نحن منسوبي السفارة السعودية بعيداً عن رسميات العمل ونشم من خلالها رائحة أهلنا وبلادنا ونحن في الغربة ولكي انقل الحديث للمسميات الجغرافية قلت عن هذا الاجتماع نسميه عندنا في حائل (الشبه) وغايتي في ذلك الدخول والخوض فيما كتبه عن مواقع جغرافية في منطقة حائل هذا من ناحية ومن ناحية أخرى معرفة انطباعه عن منطقة حائل بعد زيارته لها في العام الماضي, وكان من بين ما تم التطرق له مسميات جغرافية في جبل (أجا) جاء ذكرها في شعر امرئ القيس عندما حل ضيفاً على الطائيين وهو في طريق الذهاب إلى تركيا وهذه المسميات هي جو، وبلطة وشوط، وحية، وعن الفرق بين الأخيرة وجبة وهو ما تم تصحيحه حيث ان جبة ليست من الأماكن أو المواضع التي في جبل أجا وإنما هي تقبع في قلب النفود وقد أصبحت مدينة في الوقت الحاضر, أما حية فهي موضع في أجا لكن حية قرنت جبة من جراء خطأ مطبعي وهو اقتراب إحدى نقطتي الياء من الحاء فغيرت الكلمة من حية إلي جبة, وبعد الخوض في هذا الحديث قال: يا بني أحب أن أصحح معلوماتك بأن أول زيارة قمت بها لمنطقة حائل ليست العام الماضي بل أول زيارة قمت بها كانت سنة 1380ه وكانت رحلة شاقة ومضنية لاقيت بسببها من المشقة والتعب ما جعلها راسخة في ذهني, ولكنه طمأنني أنه لا يعتبر ذلك انطباعاً سيئاً عن المنطقة واستطرد حديثه بقوله: الفصل حينها كان شتاء والبرد قارس ولم يكن الطريق وقت ذاك معبداً, ثم يستطرد بقوله: عندما اقتربنا من مشارف المدينة وإذا بالليل قد أسدل ظلامه قلت للسائق ليس بإمكاننا الدخول للمدينة ليلاً لعلنا نجد مكاناً مناسباً لقد لقينا من سفرنا هذا مشقة وتعبا وعلاوة على هذا نشعر بالجوع واخترنا مكاناً رأيناه مناسباً قرب ساتر ترابي لعله يساعد في صد الهواء البارد وبعد أن أشعلنا النار وذبحنا الذبيحة لتجهيز العشاء وإذا برجل ملثم يقف أمامنا ويقول بنبرة حادة أطفؤا النار واذهبوا من هنا وبعد الأخذ والرد قال هذا المكان ممنوع الجلوس فيه لأنكم داخل حمى المطار, قلت ما دام الأمر كذلك فأمرنا لله نزلنا قدرنا من النار أطفأناها وغيرنا المكان وفي الصباح دخلنا المدينة وذهبنا إلى الإمارة لمساعدتنا في مهمتنا فأرشدونا أن الأستاذ عبدالرحمن الملق مدير معهد المعلمين آنذاك هو خير من يساعدنا للتعرف على جغرافية المنطقة ومعالمها الأثرية وقد تم ذلك فعلاً, هذه قصة الرحلة الأولى, أما سؤالك عن وجود قصر حاتم الطائي هل هو فعلاً في توران كما يُروى فأنا مازلت أشك أن قصره هناك وليس ثمة دليل مادي يؤكد أن قبره وقصره هناك والبحث في ذلك جار, قلت مصداقاً لحديثك ياشيخ عندنا ذروة جبل تسمى الموقدة يقال ان حاتم الطائي يشعل النار فيها كي يستدل الضيف بها وهذا الجبل يقع شرقي مدينة حائل وأصبحت الأحياء الجديدة تحيط به أما توران فهو يبعد عن المدينة حوالي 50 كيلاً تقريباً, في هذه الاثناء جاء وقت تناول العشاء وقطع علينا الحديث, وفي اليوم التالي اتصل الأستاذ عبدالرحمن الشبيلي وقال أنا ذاهب للشيخ حمد في الفندق هل تحب الذهاب معي؟ قلت: نعم انها فرصة ثمينة, كان الشيخ يسكن جناحاً في فندق شيراتون ولدى وصولنا قام الأستاذ عبدالرحمن بالاتصال بمأمور سنترال السفارة ليبلغه برقم الهاتف المتواجد عنده تحسباً لأي اتصال وهو ما جرت عليه العادة باعتباره قائماً بأعمال السفارة وبعد أن أنهى المكالمة استأذن وقال سأعود إليكم بمشيئة الله بعد ربع ساعة من الآن, في هذه الاثناء ذهب الأستاذ عبدالرحمن لشأنه, كررت الطلب من الشيخ ان يوافق على تشريف بيتي حيث اعتذر الليلة البارحة مني وجميع الزملاء ولكني عندما انفردت به كنت لحوحاً في طلبي فقال ان كانت الغاية دخول البيت فأنا موافق شريطة ان يكون الآن وكان الوقت حينها مساء قلت أريدها غداً قال بل الليلة وفي هذه الأثناء دخل رجل وسلم ورحب به الشيخ وعرفني عليه قال انه الدكتور محمد الرشيد وهذا حبيبنا الابن موسى نحن بانتظار حبيبنا الأستاذ عبدالرحمن الشبيلي يا دكتور سوف نذهب وأنت معنا سوياً لنشرب القهوة في منزل الابن موسى, وفيما نحن بانتظار الأستاذ عبدالرحمن استغليت غيابه لأثني عليه وبما يتمتع به من دماثة خلق وتواضع وانه عميد هذه الدورية هنا قال الشيخ لا غرابة في ذلك انه من أسرة عريقة ديدنها مكارم الاخلاق انه شقيق الشيخ محمد ذائع الصيت حينها كان على قيد الحياة يرحمه الله وبدأ الشيخ يمجد ويروي قصة حفاوته به عندما زار ماليزيا, عقب الدكتور محمد الرشيد بقوله: ليس غريباً أن يحتفى بك وبمن هو في مقامك ولكن الشيخ محمد هذا خلقه مع كل الناس، أنا من أكون لست بمقامك ياشيخ ولا من أصحاب المناصب العالية ومع هذا غمرني بكرمه بما يعجز اللسان عن وصفه, قال ذلك الدكتور محمد الرشيد حينذاك وتواضع في وصف نفسه وهو ما كان يعلم أن مشيئة الله وتوفيقه ينسجان خيوط مستقبله ويكون من أصحاب المناصب العالية ويصبح وزيراً للمعارف.
بعد انتقالنا من الفندق إلى البيت كنا نشنف آذاننا لحديث الشيخ حمد الذي تعمد أن يملحه برواية بعض المواقف الطريفة يقول: عندما كنت في بيروت وأخشى أن يزعل من هذه القصة الابن موسى لاسيما ونحن في بيته مثل ما زعلناه الليلة البارحة في رواية قصة ذلك الرجل الذي طردنا بحجة أننا داخل حمى مطار حائل وما سأرويه لكم حدث من رجل من أهل حائل أيضاً إنه الصديق العزيز الأديب والكاتب فهد المارك يرحمه الله وهذا الرجل دائماً أتعرض منه لمقالب لكني لا استطيع ان ازعل منه، ويواصل حديثه بقوله: زارني في بيروت وكان حينها يعمل في السلك الدبلوماسي وغالب وقته في تركيا، دعاني لزيارته في تركيا قلت سألبي دعوتك ولأني كذلك بصدد البحث عن مخطوط لعلي أجده هناك وزيارتي ستتم بمشيئة الله بعد ان أبيع السيارة القديمة واشتري سيارة جديدة, ثم سألني وقال: مانوع السيارة قلت: هي كذا, قال: هذا النوع من السيارات مرغوب في تركيا وستبيعه بأضعاف ثمنه في بيروت لاتتردد هيا بنا نسافر بها ونبيعها هناك, وافقته على اقتراحه ولدى وصولنا تركيا افترقنا وانشغلت مدة يومين بالبحث عن المخطوط, يبدو أن الرجل نفد صبره لعدم اتصالي به فما كان منه إلا أن يعلن بالصحف عن اختفائي وصار البوليس يبحث عني ولدى دخولي لاحدى المكتبات إلا وبالإعلان يتصدر أحد الصحف مما أثار غضبي واتصلت به على الفور لاعاتبه، قال: هذا أيسر السبل للحصول عليك أعرفك ستنهمك بالبحث عن المخطوط ثم تسافر دون أن أراك, أما الموقف الثاني فقد حصل بالرياض، طرق الباب ذات يوم وإذا بالأستاذ فهد قلت تفضل بالدخول قال لا أنا على عجل تعال معي بسرعة هو مشوار بعده نعود إلى البيت, قلت إلي اين؟ قال قريب جداً, قلت: دعني أغير ملابسي قال لا يحتاج الأمر فركبت معه السيارة ولم نقف إلا في قصر الملك خالد يرحمه الله قلت ما هذا انا هندامي غير لائق وليس عليّ بشت, قال: لا يهم وأصبحت أمام الأمر الواقع حتى الحذاء الذي ارتديه لا يلبس إلا في البيت ظننت ان مشواري معه فقط بالسيارة.
هذا ما تختزنه الذاكرة عن الحبيب يرحمه الله هذه الكلمة التي تتدفق من فمه حبيبنا الابن حبيبنا الأستاذ ولعله من نافلة القول التنويه عن غضب الشيخ حمد الجاسر من كلمة سعادة يقول أنها ليست عربية ولشدة غيرته على لغة القرآن الخالدة فهو يغضب عند إضافة سعادة الشيخ ويقول: هذه اللغة غنية بمفرداتها ومصطلحاتها وليست بحاجة أن يؤخذ لها من مزابل الأمم, رحم الله شيخنا وجميع المسلمين رحمة واسعة.
موسى بن صالح الزريقي
أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved