أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 24th October,2000العدد:10253الطبعةالاولـيالثلاثاء 27 ,رجب 1421

مقـالات

وهم الوعي الاجتماعي
علي الصباح
إن السلوك الانساني لاسيما الجانب الذي يجسد طبيعة السلطة الاجتماعية ونظام العلاقات بين الافراد والجماعات والطبقات وعلاقات المصالح الاجتماعية، يعكس حقيقة وطبيعة التعاقدات الاجتماعية والانسانية وما تنطوي عليه من مشروعية واعراف وعادات ثقافية وسلوكية ومرجعيات اعتقادية واجتماعية، والتي تقوم بدور الناظم لكل هذه الحركية الانسانية في نظام العلاقات والسلطة الاجتماعية، وبغض النظر عن صفتها الاجتماعية والثقافية وعن درجات تقاطبها الايجابي او السلبي، وعن مدى مشروعية ادوات خطابها الثقافي والاجتماعي في تسيير مستويات هذه العلاقات وانتظامها في نسق اجتماعي او ثقافي ما، ومهما تكن احجية بعض الفئات والتنوعات الثقافية والفكرية في تكريس مسلكها النفسي والفكري للتعبير عن بعدها الانساني والاجتماعي من منظورها الذي لا يعكس حتى ادنى شروط اللعبة الاجتماعية لا يمكن ان تخرج وحتى لو كانت ترتقي ببعض الادوات المعرفية والاجتماعية عن كونها جزءاً لا يتجزأ من ذلك الواقع بكل معطياته ودلالاته، وينطبق عليها ما ينطبق على بقية التقسيمات الاجتماعية والثقافية في كونها تشترك في عقل اجتماعي واحد، تشكله التحولات البعيدة والقريبة من تاريخية واجتماعية وثقافية، في بنية الحاضر والماضي على حد سواء، ولا استثناء في ذلك، اي في شروط الوعي الاجتماعي كمظهر لتلك التحولات الحقيقية التي تمت في مراحل التطور الاجتماعي والثقافي والتاريخي للمجتمع، وذلك ان خريطة التقسيمات المجتمعية بما هي قامات ثقافية مختلفة تمارس أدوارها بالتناغم والانسجام مع قواسمها المشتركة، أي الشروط العامة التي تؤثر على عمليات التثاقف دون أن يكون لها استثناء لأنها بمثابة التحول الواحد على مستوى فعل التغيير التدريجي العام في الحياة الفكرية والثقافية في الاطار العام للمجتمع، وإن كانت بعض التوجهات الثقافية تمتاز باستخدام مقولات الحداثة والعصرنة إلا أنها لا تقيم قراءة تنطلق من توفر الشروط الموضوعية ونضوج كافة العوامل التاريخية الضرورية لتلك البداية الحقيقية، فتعتبر جهوداً حتى مع ملاحظة الاعتبارية لدورها بما هي جهود تتراكم ولو بشكل جزئي نحو خلق شيء شبيه بالنموذج المنفرد عن الحالة العامة إلا أنها لا تختلف عن كونها شكلاً رديفاً للمألوف، لأنها عبارة عن حالة من التبني الجاهز نسبياً لنموذج لم تكتمل ظروفه التاريخية والاجتماعية، ومن جهة أخرى لكونه خطاباً ايديولوجياً خليطاً من البراغماتية المجتمعية وذلك الخطاب الذي يشمل لماما شيئاً من الحداثوية والشعبوية, وكذلك انتماؤها الى ذات البنى التقليدية نفسها التي تشكل الارضية المشتركة لكل قوام القوى الاجتماعية والثقافية وحتى المؤسسية منها وما يحرزه خطابها الاجتماعي على الصعيد ذاته، وهذا ما يفسر تبخر تلك الجهود المبذولة والرامية إلى خلخلة تركيبة النظام الاجتماعي التقليدي وزحزحة مفاهيمه الجامدة في جوهر نموذجه الثقافي, ففي رأيي لا تتميز فئة عن أخرى في الوعي بهذا اللحاظ أي بلحاظ تلك الشروط العامة لأنها لا تمثل موجبات للوعي على نحو كلي، بحيث تصبح مسألة التطور الاجتماعي المتميز ترعاه هذه المعطيات التي هي بيد النزر القليل من الفئات المثقفة، وهذا مما يجعل من الوعي ممارسة مقتصرة على فئات معينة من المجتمع دون ان تطال هذه الممارسة بقية الشرائح الاخرى، فعندما تكون ممارسة الثقافة بدواعٍ نرجسية، وكأنها مهمة لا تقوم بها إلا فئة محددة، وهذه الفئة تضع لها من الطقوس والمحرمات بحيث تصبح تركة الوعي الثقافي في يدها، وهي الشرعي الوحيد الذي يقرر أن الاخر يحمل شروطها ومقاساتها وأنه يستحق بالتالي أن يحصل على ألقابها ومزاياها الاعتبارية والاجتماعية، إذا ما وافق فروقاتها النرجسية والطبقية، يصبح حينئذ هذا أو ذاك مثقفاً يستحق أن تعطيه بعض القابها ومسمياتها، لا ان يصبح المقياس الحقيقي هو مدى ما يشكله حقيقة هذا المثقف بما يضيفه من وعي حقيقي يسهم في تحسين شروط الوعي الاجتماعي والثقافي وانما هو أن ترضى عنه تلك الفئات المحتكرة للوعي الثقافي والتي تحركها دوافعها الايديولوجية وما حصلت عليه من امتيازات نتيجة للبداية التاريخية التي جاءت في ظروف تسمح لها بأن تتألق دون أي منازع لاسيما وانها في محيط غير مزدهر بالثقافة والوعي الذي يجعلها تأخذ رقمها المناسب دون أن تكون هناك علاقة لبعض الاعتبارات التي يمكن ان تجعلها فيما لو كانت ضمن شروط مختلفة أن تأخذ مكانتها التي تناسبها بما تمثله من وعي ثقافي لا بما تحصل عليه من الاعتبارات والامتيازات، من هنا هي لا تختلف من هذه الناحية عن بقية التقسيمات الاجتماعية والثقافية لأن مقياس ومعيار الوعي ليس ثقافياً محضاً بل هو مجرد الانتساب الى جملة من الشروط التوافقية والتعاقدية الخاصة، لا لأنها تعبير عن التطور الثقافي ودرجة الوعي الاجتماعي، فالوعي لذاته ليس هو المطلوب بل في الغالب هي المحسوبيات والعلاقات ونوع خاص من الوعي تمليه طبيعة الخلفية الايديولوجية فلا وجود لحركة حقيقية تتبنى الوعي من منطلق معيار الثقافة لا بما تحمله هذه الفئة أو هذه الجماعة من شروط توافقية وتعاقدية تكون نتيجة لاملاءات الاخر على نحو مباشر أو غير مباشر.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved