أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 24th October,2000العدد:10253الطبعةالاولـيالثلاثاء 27 ,رجب 1421

الثقافية

قصة قصيرة
الحب ,, خلف أذناب البقر
في بدايات صيف مسحوق الأوراق,, ذابل خلف ذرات الغبار,, أتاح له المد الزمني أن يحصل على قرطاس الثانوية,, ان يقف على رصيف الطموح,, متطلعا لنيل القرطاس الجامعي الأكبر,, لاح هجر القرية في الافق,, تدفقت الذكريات من ضواحي الأمس,, وانساب الحنين صهيلا أنثويا مفعما باللهفة لحبيبته,, كان القرار مزلزلا لمرافئ الماضي السعيد,, لكن الطموح المبلل بأمطار الجهل,, زرعه رويدا رويدا في حقول الغربة,, علقه من قدميه بأبواب الأمل,, أجبره على محاولة سحق بقايا العاطفة المذابة في حنايا القلب,, للمكان,, والناس,, والأحباب,, تسلح بالماماته الثقافية,, بوصايا جدته ودعوات أمه,, بأماني حبيبته له بغد أفضل,, وقبل ذلك بقراطيسه المتبرمة من خيالاته,, وأعد الرفقة ضحى,, وعصافير القرية مازالت تغازل نوافذ الصبايا,, وتعزف موالها الصباحي المعتاد,, بهجة واحتفالا بصباحات الشمس,, ودع أهله المرتمين في أحضان المبادئ,, والطيبة,, والتسامح,, غير ناس ان يرتشف من قدح الجدة الطيني,, قطرات من القهوة المرة بالهيل,, المعتقة بالاصالة,, وهو يستمع من فمها المرتعش إلى وصاياها الأخيرة له,, بالمحافظة على الصلاة,, وعدم مسايرة الاشرار والمدخنين,.
حشر نفسه مع الرفقة في سيارة يكاد وقودها ينتحر افلاسا,, انحدر الجميع إلى الوادي,, والغبار من خلفهم يتأرجح بأهداب الصبايا المندهشات من ألم الفراق,, بعد رحلة غبارية حينا,, ومسفلتة أحيانا,, وصل إلى المدينة,, إلى التمدن إلى الوهم الذي لا ينتهي,, قدم قراطيسه الى الجامعة,, مدته وجزرته مآسي المجموع,, جلدته سياط الواسطة,, حولته الى متسول لكل الارقام الكبيرة,, بغض النظر عن معرفته بأهميتها وجدواها,, الحقته بأحد الأقسام الجامعية المنسية,, المحنطة,, المهاجرة لزمن آخر,, عند ذلك هدأت نفسه,, وعادت أفكاره مجدداً للنمو,, التطلع,, الرغبة في الترقي,, خيل إليه انه يمسك بأطراف المجد,, يغزل خيوط العبقرية, بدأ باكتشاف المدينة,, التي طالما حلم بأن أقدامه تلتهم أرصفتها,, تتجول في ارجائها,, وفي ايامه الأولى فيها غرق في الاندهاش,, الصدمة,, المفاجأة,, كل شيء مختلف,, الوجوه,, الصور,, اللهجة الدارجة,, طريقة تعبير الناس عن انفسهم,, الضجيج المستمر,, الاضاءة الفاضحة للعشاق,, ومع الايام تشبع من كل ذلك,, توارى الفضول وحب التطلع خلف مرآة الحقيقة,, الواقع,, المشاهدة,, استيقظ الحنين,, لفه في مناديل الشوق,, ارسله لزمن الفوات,, زمن أصبح يدرك حجم السواد المختزل للمساحات البيضاء في وجدانه,, ذاكرته,, أعماقه,, ذبلت أزهار البراءة في عينيه,, حاصره الصخب من كل أرجاء المدينة,, وهو يبحث عن مكان هادئ يذكر فيه حبيبته,, لم يكن يعلم بأن التريث قد ألغى من قواميس المدن,, وبأن عقارب الساعة اللاهثة خلف افناء لحظات السعادة,, ستشوه احساسه اللذيذ بانتظار الغد المشرق في محطات الامل وستصادر منه لذة التأنق للمواعيد الكاذبة,, كان يبحث عن الحياة المدنية بمعناها المتحضر,, المفتوح النوافذ لكل ضوء ينبثق من عقل طموح او قلب متيم,, ما كان له ان يعلم وهو الغارق في الاحلام بأنه هواه المجنون للتمدن وللرفاهية الطبقية سيسكب بساطته المتعللة بالحرمان فوق ارصفة المدينة قطرة قطرة,, كان اعتقاده يقينيا بأن خد القمر القروي الذي أشبعه عشقا له خد آخر مدني,, أكثر وسامة وأناقه ودلالا,, الانبهار دوما بالجمال بالعيون الزرقاء,, بالشعر الليلي, ثلاثية تزيده إيمانا بأن الحياة مغامرة كبيرة فشل في اقتحامها,, لكنه يصر ان يجعل عظمة الحياة تتضاءل أمام قبلة واحدة,, يهديها لحبيبته بحرية تحت عيون القمر,, وهكذا عاش أيامه سفراً مكتوم الانفاس,, من مدينة إلى مدينة,, ومن رصيف إلى رصيف,, ومن قلب إلى قلب,, لتتحول وتدريجيا,, أحلامه وطموحاته,, إلى مدائن حجرية,, كومتها الرغبة والخيال,, على وسادة قلبه المجوف عشقا,, مكتشفا وبعد ضياع الطريق,, انه لم يكن إلا جهداً مبتذلا,, انتجه جيل الفأس والمحراث,, المتغني بالحب خلف أذناب البقر.
محمد علي البريدي
رجال ألمع
القصة تطرح فكرة (متكررة),, عن الهجرة من القرية الى المدينة,, وما ينتج عنها من صدمة حضارية كبيرة؟!,, ولكن المعالجة القصصية لهذه الفكرة اثمرت عنها رؤية مختلفة في هذه القصة,, التي نجزم بأن هذه القصة (تبشر) بمولد قاص متميز هو الصديق الجديد محمد البريدي الذي يفاجئنا في هذه القصة بنضوجه في كتابة القصة أسلوبا ورؤية.
تحية ابداع للصديق محمد,, وعلى امل ان يتواصل معنا بعطاءاته الأخرى.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved