أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 24th October,2000العدد:10253الطبعةالاولـيالثلاثاء 27 ,رجب 1421

رحلات

الرحالة بلجريف ,,,في سدير
الجزء الثاني
تقديم وترجمة : د, محمد بن عبدالله آل زلفة
كان الليل يهبط بسرعة عندما دخلنا مزارع الزلفي المتفرقة, قمنا بعبورها وسط استفسارات من الفلاحين الذين كانوا في طريق عودتهم إلى ديارهم بعد انقضاء يوم من العمل، كما اعترض نبح الكلاب تعدينا على اراضيها في تلك الساعة المتأخرة، وفي المدينة نفسها سرعان ما كانت دهشتنا لمقابلة أعداد من النسوة أكثر من الرجال, وقد كان ذلك ناجما عن تغيب الجزء الأكبر من السكان الذكور في حرب عنيزة, لم تكن الزلفي تنتمي حقا وعلى وجه التحديد إلى أي من المحافظات الثلاث المجاورة، بل كانت تقف لوحدها في السجل الرسمي للحكومة، وكانت تقوم بتوفير حوالي ستمائة مقاتل لحروب الدولة أو الغزوات إلا أن عواطفها كانت وهابية، كما كان قاطنوها أقرب تحالفا بحكم رابطة الدم، ،بصورة لا تقل عنها بحكم المشاعر والأحاسيس، مع النجديين الجبليين من أهالي سدير، بصورة أقوى من ارتباطهم مع سكان السهول من اهالي القصيم او تجار الذرة من اهالي الوشم, وكانت قد ارسلت فرقتها المقاتلة إلى الحملة قبل يومين فقط، إلا أن محاربي الزلفي كانوا قد سلكوا طريقا دائريا ملتويا أسفل السهل، لكي يوفروا على أنفسهم وخيولهم ذلك الاختراق القصير والشاق عبر النفود الذي قدمنا من خلاله، ولذلك لم نتقابل معهم في مسيرتهم، وربما كان ذلك من الأفضل كثيراً بالنسبة لنا.
تحسسنا طريقنا نحو قصر الحاكم، النجدي بحكم مولده، والذي يقال إنه قد قام بتجميع ثروة طائلة اثناء توليه الحكم هنا, وبما ان المدينة لم تكن محبة للحرب، ولكنها ثرية، فقد شكلت نقطة للالتقاءومحطة للتجارة المتجهة شمالا من سدير، العارض، الوشم، وكل ما جاورها، وقد كان سكانها من التجار الذين لا يقلون أهمية، كما انهم كانوا مسافرين على قدر كبير من الجرأة والشجاعة، وكانوا يشاهدون أحيانا في الزبير والكويت والبصرة, وكانت مدينتهم اضافة إلى ذلك تعد مفتاح نجد على هذا الجانب، إضافة إلى كونها موقعا حربيا مهما، وهي تفصل ايضا مدخل الوادي الذي تقع عليه، والذي يصلها مباشرة مع وادي حنيفة، حيث تؤدي من خلاله إلى العاصمة نفسها, وعلى هذا الطريق نفسه كان عبدالله بن سعود (1) ، وهو أقوى الحكام الوهابيين وأكثرهم في التاريخ، قد قاد قواته قبل ستين عاما مضت لحصار مشهد علي، وسلب كربلاء.
وبوصولنا إلى بواية القصر كانت قد تمت احاطة الحاكم علما بنا، إلا أن معاليه لم يكن في مزاج كريم تلك الليلة، ولم يكن على استعداد حتى بأن يسمح لنا بالاحتماء بفناء الدار، ولذلك خيمنا في العراء على اعتاب سوره الخارجي بجوار البوابة, كانت مجموعة من الصلبة (الصلب) قد نصبت خيامها إلى الاسفل قليلا، وكانوا قد عادوا لتوهم من رحلة صيد في مكان ما من الشمال لبيع صيدهم في الزلفي.
في هذه الأثناء كان حاكم المدينة قد تأسف نوعا ما على عدم لباقته، وقد قرر بكل حفاوة أن يمدنا بالمأكل، ولكن ليس المأوى، وإنفاذاً لهذه الفكرة الجيدة أرسل بعض تابعيه إلى الصلبة (الصلب)، واشترى منهم أيلا جميلا، وقد تم تسليمه إلى خدم النائب الذين شرعوا في اعداده للطهي توطئة للعشاء, وقد أكد الصلب انه ينتمي إلى عينة نادرة لا تشرب الماء على الإطلاق، ويفترض بأن يكون لحمه ذا مذاق شهي للغاية, وبالتأكيد فقد كان النموذج الذي امامنا يشكل وجبة ممتازة، إضافة إلى انه قد تم تقديمه مع حافز غير عادي جعله اكثر متعة، الا وهو الجوع, أما بالنسبة لما إذا كان طوال حياته منتميا في واقع الامر إلى المجموعة الممتنعة كلية عن مختلف انواع المشرب فهذا ما لا علم لي به، مع أن الأعراب يعلنون بأن هذا هو الحال بالنسبة لكافة القطاعات من فصيلة الغزلان والموجودة في هذا الجوار, ومع ذلك فإن الاعشاب الصحراوية تبدو أقل شحة في عصارتها من أن تكفي لتلبية الحاجة إلى السائل النقي، كما ان الامتصاص الجلدي لا يستخلص الكثير من الرطوبة من الجو المتقد بالحرارة, وباختصار فإنني لا اميل كثيرا إلى التساؤل عن صحة المقولة, ويقال أيضا إن طيور النعام هي الاخرى تعد معتدلة في تناولها للشراب، ومما يزيد في التأكيد على ذلك أنها نادراً ما تتم مصادفتها عدا في الأماكن المجدبة تماما، والتي يبدو من المستحيل فيها وجود أي احتمال لتوافر الماء.
في صبيحة اليوم التالي كان النائب أشد ارهاقا من ان يتيح لنا الانطلاق في وقت مبكر، وقد انتظرنا جميعا حيثما كنا لساعة أو أكثر بعد شروق الشمس, تجولت أنا وبركات وسط خيام الصلبة ، حيث كانت الأشكال المكتملة والسحنات الجميلة نسبيا لقاطنيها، ،عيونهم الواسعة المختلفة تماما عن العيون الضيقة لمعظم البدو، والشكل الغريب لملامحهم وسحناتهم، قد ساعدتني على التأكد من الاعتقاد السائد الذي يؤكد على الاصول الشمالية لهؤلاء المتجولين، الذين ربما كانوا من السوريين، وقد تمازحوا وضحكوا بما فيه الكفاية من السرور، وسواء كان ذلك معنا او علينا، فإننا لم نحصل منهم على اية معلومات واضحة، وكذلك كان تحفظهم حول كل المواضيع الجادة شيئا مألوفا، كما أنه لم يكن أمراً غائباً تماماً وسط المسلمين والوهابيين, وكانت النسوة سافرات، ويماثلن الرجال في جرأتهن، أو ربما أكثر جرأة منهم.
كانت احدى فتيات القبيلة غاية في الجمال كانت قد اتت هذا الصباح بخدعة أبعد ما تكون عن اللامبالاة, وقد كان ضحيتها النائب العجوز الذي كان قد نهض الآن وبدأ يروي ظمأه من شاي الصباح المبكر, كانت الآنسة الشابة، مصحوبة باثنتين من قريباتها، تحاول المرور جيئة وذهابا أمام المجموعة الفارسية، إلى ان أصابت نظراتها تماما قلب محمد علي في مقتل، ودخل معها في حديث مطول ومحبب انتهى بعرض للزواج, وقد أبدت العائلة، في فرحة غامرة، موافقتها الظاهرية، وتبعا لذلك، عندما صعدنا أخيراً على ظهور جمالنا لمتابعة رحلتنا، لاحظنا الحورية ذات العينين السوداوين والملامح الغجرية بصحبة أحد أقربائها الكبار في السن من قبيلة الصلبة، والذي ربما كان أباها، وكلاهما يمتطيان بعيرين ضافرين بمحاذاة النائب، الذي كان وبنظرات ملؤها الحب والحنان المكتوم، يقدم أكثر عروضه رقة لعروس المستقبل, وقد قامت هي بمقابلتها بما يلزم من الحياء والخجل، ولمدة نصف ساعة من الطريق أفضت الى مفتونها بمكنون قلبها, وقد تواصل ذلك إلى أن حان توقفنا لفترة قصيرة لتناول الافطار عند اطراف بساتين المدينة حيث زعمت بأنها تريد اخذ او استعادة شيء ما، ولا ادري ما هو ذلك الشيء القيم الذي يمكن ان تكون قد خلفته وراءها في مخيم الصلب، فعادت مع قريبها للبحث عنه، بعد ان قطعت وعداً صارماً منها كامرأة بسرعة العودة, تلكأ العاشق المخدوع يحدوه الأمل، وجعلنا نتلكأ في صبر نافد لما يقارب الساعتين، إلا ان ايا من العروس او إشبين العروس لم يعاودا الظهور مرة أخرى، وكان يتحتم على النائب ان يعزي نفسه بتذكر نصف الدستة من الزوجات (حسبما علمته منه شخصيا) اللائي كن بانتظاره عند عودته إلى دياره بمشهد علي، عندما قام بحزن وتثاقل بامتطاء بعيره وهو يضيف فصلا آخر إلى المجموعة الطويلة من النوادر التي كان، كغيره من معظم الرجال السيئين، يحب ان يرويها حول خداع الجنس اللطيف.
كنا الآن قد اجتزنا طول المدينة بأكملها، والتي كان العديد من شوارعها قد جرفت مؤخراً بواسطة سيول الشتاء التي كانت تصب في بعض الفترات جام غضبها القصير على هذا الوادي, وإلى امامنا، باتجاه الجنوب الشرقي، امتدت الحفرة الطويلة، وعلى يميننا كانت النفود، أما على يسارنا فكان هناك جبل طويق ومحافظة سدير, هبت نسمة هواء الجبل باردة، وكانت رحلة هذا اليوم اشد بهجة بكثير عن سابقه, واصلنا مسيرتنا عبر الوادي حتى فترة الظهيرة عندما لاح أمامنا نتوء جبلي واضح أو خشيم ، أو أنف صغير ، وهو الاسم العام الذي يطلق هنا على كل الصخور أو الاجراف العنقية البارزة التي تبدأ مباشرة من سطح الجبل إلى داخل الاخدود الواقع في اسفله، والذي يتفرع هنا ليذهب جزء منه باتجاه جنوب شرق شرق الى شقراء عاصمة الوشم، بينما يذهب الجزء الآخر باتجاه الجنوب الغربي إلى داخل النفود، وبالتالي إلى القصيم, وعبر هذا المسار الأخير كانت مفرزة الزلفي قد سافرت قبل ثلاثة أيام مضت, أما بالنسبة لنا فلم نتبع أيا من المسارين، وإنما استدرنا جانبا داخل ممر ضيق يتجه صاعدا بزاوية حادة نحو الشمال الشرقي، وبالتالي دخلنا وسط مرتفعات جبل طويق نفسه.
كان هذا الجبل هو الذي يكون منطقة نجد في الاساس، فهو عبارة عن سلسلة عريضة ومسطحة، أو شبه سهلية، يتخذ شكلها العام طابع الهلال الضخم، وينتمي الجزء الاوسط والأعرض منه الى منطقة العارض، أما قرنه الشمالي الشرقي، فينتمي إلى محافظة سدير كما تقع الوشم في الجزء الاول من ذراعه الجنوبي، وبعدها يمتد الجبل بين الجنوب والغرب خلف طريق الحجاج بنجد، وبالتالي يفصلها عن وادي الدواسر, وتعتبر القصيم بمنخفضاتها واقعة أماما، ومطوقة إلى درجة ما، بواسطة هذا الجزء من الهلال, بينما تشكل الحساء في الشرق، واليمامة والافلاج من جهة الجنوب، ووادي الدواسر اللامتناهي من جهة الجنوب الغربي، خلفيته او ذيوله.
وإذا ما سمح لي هنا بإعطاء تخميني التقريبي فيما يتعلق بارتفاع السهل الرئيسي، وهو تخمين يستند جزئيا إلى الغطاء النباتي، للمناخ وملامح وعوامل محلية مماثلة، وجزئيا على احصاء نسبي لدرجة الصعود نفسها وللهبوط اللاحق على الجانب الآخر المقابل للبحر، فإنني أقول إنه يتراوح بين ارتفاع ألف وألفي قدم فوق سطح المحيط من شبه الجزيرة، وبالتالي فقد يبلغ حوالي ثلاثة آلاف قدم فوق سطح البحر في أقصاه, وتوجد أكثر صخوره ارتفاعا في منطقة سدير، حيث سنمر بها عما قريب.
أما الجزء الاوسط والذراع الجنوبية الغربية فهما منخفضان بالتأكيد, ويعتبر جبل طويق بمثابة العقدة الوسطى لشبه الجزيرة العربية، او قوقازها إذا جاز القول، كما انه لا يزال، كما كان عليه الحال في العصور السابقة، يشكل نقطة التحول لمجمل شبه الجزيرة، او معظمها تقريبا، من حيث التأثير والثقل السياسي والقومي, وعليه وحده تنطبق عبارة نجد طبوغرافيا وعلى سبيل الحصر، مع ان التسمية نفسها تطلق احيانا، وبواسطة الاعراب انفسهم، على كل المحافظات الداخلية التي تقع حاليا تحت حكم الوهابيين, وبالتالي فقد اكتسبت اليمامة والحريق والافلاج، والدواسر، والقصيم، اسم نجد، ولكن بالمعنى الحكومي اكثر من كونه بالمعنى الجغرافي.
ويقوم الاجانب، ليس الاوروبيون، بل مواطنو سوريا، وبغداد ومصر، احيانا بتحديد اطلاق الاسم المشار إليه أعلاه بصورة معممة على كل ما يقع بداخل او حتى على الطوق الصحراوي الذي يفصل بين الاراضي الرئيسية للجزيرة اللاعربية الاصلية وحدودها, وبهذه الطريقة يتم تصنيف جبل شمر، بل وحتى الجوف، الكويت، والحساء بواسطتهم ضمن نجد أو الأراضي المرتفعة ، وهو خطأ مرفوض تماما بداخل حدود شبه الجزيرة، ويتوجب تبعا لذلك، إزالته ومحوه من خرائطنا, ودعني اعقب هنا بأنه يتوجب على الاوروبيين الذين يزورون أو يصفون الشرق أن يتخذوا الحيطة والحذر من ان يحملوا على وجه الدقة، وبالمعنى الحرفي،تلك العبارات المطاطة المستخدمة بواسطة معظم الاعراب، وخاصة وفوق كل شيء، المصريين والسوريين، عند التحدث عن البلدان والناس والغرباء.
إن الاستخدام المتكرر للالفاظ المترادفة والمتجانسة يعتبر ايضا من مصادر الاخطاء الشائعة بالنسبة للباحثين الاجانب, ويمكن فقط من خلال طرح الكثير من الاسئلة، في اوقات وأماكن منفصلة, ومن ثم اجراء مقارنة متمهلة في اوقات الفراغ لما دونه المرء من معلومات تم الحصول عليها بهذه الطريقة أن يتم التوصل إلى ما هو شبيه بالدقة حول اكثر المواضيع حساسية، كما ان من الافضل ايضا ان يقف المرء بعينيه وبأذنيه على النقطة أو الهدف موضوع السؤال، ما أمكن ذلك, ويعتبر غموض الافكار والآراء العربية احيانا، كما اوضحت قبل قليل، مجرد نتيجة أو أنه يتسم بالابهام والغموض في اللغة، وليس ناشئا عن اي قصد متعمد كنوع من الخداع او التمويه، ولكن الدافع الاخير قد يجد لنفسه مكانا أيضا في بعض الأحيان.
ليس هناك نجدي، كبر أو صغر شأنه، قد يكون اكثر شغفا بتزويد الاوروبي بفكرة دقيقة للغاية عن موطنه الاصلي، أكثر من أن يسمح له بدخوله، إن كان قادرا على ذلك، ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن الاعراب بصورة عامة.
***
إن الاسم طويق هو تصغير لكلمة طوق أو حلقة أو التواء ، وهو بهذا المعنى يشير إلى الحلقة الصغيرة او الالتواء الصغير, ولا يمكن ان يكون قرائي من فقهاء اللغة قد فشلوا في التعقيب قبل ذلك على تكرار حدوث التصغير المعلوم جيداً فيما يختص بالاسماء العربية، والذي يتمثل في وصيفاتها الانجليزية في حرف )O( بدلا عن الحرف المتحرك الأول، وفي حرفي العلة )ey( في الثاني, وبالتالي فإن عبارة كلب تصبح كليب ، رجل تصبح رجيل ، وضوء تصبح ضويء وهكذا دواليك, ويستخدم النجديون هذا النوع من الحديث في كل المناسبات، ملائمة كانت او غير ملائمة، وهناك القليل من الأسماء التي لديهم هي التي يكون بمقدورها تفادي العملية, وتعبر الألفة، المحبة، الاحتقار، التقدير، الصغر، بل وحتى العظمة نفسها، جميعا من الاساليب لديها لتحويل أسمائهم، أحيانا ربما يفعلونها لمجرد المرح , على وجه التحديد قد اكتسبت تسميتها المصغرة والمغلوطة (لأنه جبل ضخم) بسبب معزته الوطنية, وقد تم اضفاء فكرة الالتواء التقليدية عليه بكل سرور، لأن هناك شبكة غريبة وأكثر تعقيدا من الأودية، التعرجات، المداخل والمخارج، الأخاديد، مجاري السيول، الأجراف الشديدة الانحدار، والتي لا يمكن تخيلها، بالاضافة إلى الالتواء الملحوظ للسلسلة بأكملها، وشكلها نصف القمري، الذي وصفناه سلفا.
إن هذه الكتلة الضخمة من المرتفعات المسماة طويق أو نجد هي في الغالب ذات تكون كلسي أوجيري، مع اننا لم نجد أحيانا باتجاه الشرق والجنوب بعض القمم الجرانيتية الممزوجة مع الصخور الجيرية، أو المحتشدة لوحدها, أما بالنسبة للبازلت، وطبقا لأفضل المعلومات المتوافرة بالنسبة لي، فلا وجود له في اي مكان، وفي هذا الصدد فإن طويق يمثل تباينا واختلافا واضحا عن سلسلة جبل شمر, فالتكون السائد هناك هو البازلت والصخور الجرانيتية الحمراء، التي ترتفع في قمم وسلاسل رائعة، حيث تكون هناك في شكل ارض منبسطة بيضاء، وخطوط طويلة متوازنة مثل المدرجات, أما بالنسبة للحافة القصوى فتكون شديدة التحدر دوما، على وجه التقريب، وتأخذ شكلا صاعدا شديد الانحدار قد يصل إلى حوالي خمسمائة أو ستمائة قدم عمودية في الأجراف الطباشيرية من السهل المجاور، تتلوها ارض منبسطة، تتفاوت في مداها بحيث تكون شبه مسطحة على امتدادها، تتلوها مرحلة اخرى من ثلاثمائة أو أربعمائة قدم، تليها ارض منبسطة ثانية اكثر ارتفاعا، ومن حين لآخر يكون هناك نجد ثالث اكثر ارتفاعا يتوج الثانية، إلا ان القمة تكون منبسطة بصورة ثابتة، باستثناء القمم الجرانيتية التي تقع على الجانب الآخر من سدير، وباتجاه اليمامة, وتكتسي هذه الاراضي المرتفعة، على اسطحها العليا في الغالب، بمراع عشبية جميلة وكافية، تدوم طيلة السنة، ولكن كلما ازداد الارتفاع قلت الخصوبة، وازدادت التربة جفافا, وتعتبر الاشجار، سواء كانت معزولة أو في مجموعات صغيرة، شائعة هنا، وهي لا تنحصر فقط في اشجار الأثل السهلية، وإنما تشمل أشجار السدر أو (السدير طبقا للهجة النجدية، والتي اشتق منها اسم المحافظات الكبيرة)، أو المرخ، بفروعها الواسعة الانتشار الشبيهة بالبلوط، واشجار الطلح الشوكية المتشابكة, ويوجد القليل من الماء، على أية حال في الخريف، مع أنني قد شاهدت بعض المواقع التي كانت تبدو فيها بعض البرك في الربيع, وقد تصادفنا مع واحد وواحد فقط، من المصادر الدائمة التي سأتطرق لها بالوصف عندما نصل إليها.
ومع أن المياه السطحية كانت نادرة مؤقتة، فإن المصادر الجوفية كانت مستديمة ووفيرة، ومن ثم كانت تلك الاودية ذات خصوبة عظيمة, كذاك لم يكن الوصول إلى الماء صعبا، لان عمق الآبار على امتداد نجد لم يكن يتجاوز، إلا نادراً ما يتراوح بين اثني عشر وخمسة عشر قدما من الحافة العليا باتجاه النصف الجنوبي من العارض واليمامة.
لقد نسيت أن أذكر في وصفي الطبوغرافي للقصيم أن مياه تلك المحافظة كانت في الغالب الاعم ذات مذاق يميل إلى الملوحة، فقط بما يكفي الاحساس به، إلا انها لم تكن غير ملائمة، على الاقل بالنسبة لاولئك الذين اعتادوا على الشرب من جعبتنا الاسكندنافية, ولكن هنا في نجد يندر أن تكون المياه شديدة الملوحة على الدوام، وإنما كانت تظهر عليها، بدلا عن ذلك، آثار معقولة من الحديد, وقد وجدت تلك الظاهرة تفسيرا جاهزا يكمن في ظروف التربة المعينة ذاتها, ويعد الملح الصخري، ذو النوعية الاكثر نقاء، موجودا بصورة شائعة في القصيم، ولقد شاهدناه في عمليات البيع الرخيصة والمتوافرة في بريدة, وعلى امتداد المحافظة كانت التربة ذات مذاق ملحي عند وضعها على اللسان, ومن ناحية اخرى فقد كان خام الحديد، في نجد وعلى وجه الخصوص باتجاه الأرفف الصخرية الشرقية من السهل النجدي متوافراً بكميات كافية لجذب اهتمام الاعراب أنفسهم، وقد شاهدت بالقرب من صليع سلسلة كاملة من الجبال، الحديدية دون ريب، وقد أخبرت بوجود المزيد, وقد كان ذلك ناجما عن الأملاح الحديدية المتشربة في الماء عندما يتم ترشيحه عبر قنواته الجوفية, وهكذا كان الحال مع أغلب الآبار الموجودة حول حريملاء والرياض، وهبوطا إلى وادي حنيفة وصليع حتى آبار الأويسط.
كان مناخ الجزء الشمالي من جبل طويق، سهلا كان أو رابية، والمتطابق مع محافظة سدير، ربما اعتبر واحداً من اكثر المناخات صحة في العالم، وقد يكون الاستثناء الوحيد لصالح جبل شمر فقط, وتماثل المناطق المذكورة اعلاه بعضها بعضا كثيرا من حيث الجو الجاف، وقد تميز اهالي سدير شأنهم شأن أهالي شمر بسحنتهم الضاربة إلى الحمرة وقاماتهم المديدة, ولكن عند اقترابنا من منتصف قمة الجبل، حيث سينخفض سطحه اجمالا، في الوقت الذي يجعله فيه بعده الاكثر جنوبا اكثر قربا من التأثيرات السائدة بالنسبة للاقليم المداري، فإن الهواء يصبح اكثر رطوبة وراحة، ،يتمثل الطقس الاقل صحة نفسه في الوجوه الشاحبة والبنية النحيلة لقاطنيه, وبالنسبة لليمامة وغيرها من الاقاليم الجنوبية الأخرى، الواقعة بين طويق نفسه والدهناء الكبرى، فسوف اتحدث عنها عندما تتم زيارتنا لها, ولم تعد المزيد من العموميات حول هذا الموضوع ذات اهمية الآن، لاننا صرنا على اعتاب عبور السلسلة من طرفها إلى الآخر، ومشاهدتها بصورة مفصلة.
كنت قد ذكرت انه وقبل ان يتفرع الوادي مباشرة، جزء منه إلى شقراء ووادي خنيفة، والجزء الآخر إلى الوشم الغربية، كان دليلنا قد قادنا جانبيا من خلال استدارة حادة إلى الشمال الشرقي، حيث دخلنا أحد الممرات الضيقة لجبل طويق، وبالتالي وجدنا انفسنا داخل حدود محافظة سدير, لم يكن قد طال اتباعنا كثيرا للممر الضيق عندما اشارت الاشجار والنباتات الخضراء المحتشدة عاليا في مواجهة طرفه الايسر إلى اقترابنا من مواطن البشر, وهنا كانت توجد قرية الغاط، وهو اسم شائع بالنسبة للعديد من المواقع في وسط الجزيرة العربية، وأحيانا يتغير الى غويط، غوطة، غويطة، وما شابه ذلك، وتشير كل العبارات ضمنا إلى حفرة مقترنة بفكرة الخصوبة، وهي تقريبا المفارقة نفسها الطبوغرافية، التي تأخذ احيانا في مقاطعاتنا الوسطى تسمية التجويفة المثقوبة، أو Bowl Punch عادة , ومع ذلك أود أن ألفت انتباه كل اولئك الذين اعتادوا على الالسنة الهندية أو السنسكريتية ان اللفظة العربية لهذه الكلمة لا صلة لها بعبارة قات Ghat الهندية، أو قوت Ghawt ، كما يحلو للانجليز إساءة نطقها، مع ان المقاطع اللفظية قد تحمل توازنا عارضا.
إن مثل هذه المفارقات ذات الازدواج اللفظي يمكن ان تحدث، سواء بمجرد الصدفة، او التقليد الصوتي، بين اللغتين الهندية والعربية, وإنني على ادراك تام بمدى الضغط الذي لا مبرر له في اعتقادي الواقع عليهما من قبل بعض الجهات المحتدمة والتي نالت قدرا عاليا من المعرفة والثقافة، إلا ان التقاربات المشار إليها تبدو في ظاهرها اكثر مجالا للتأويل، وفي هذه الحالة ايضا فهي اكثر ضيقا من ان تشكل قاعدة للنظرية الفوقية والاكثر وزنا التي تبنى عليها, إن الوحدة الحقيقية والملموسة للاصل والجذور بين اللهجات السامية والآرية هي أو كما تبدو على الاقل أبعد ما تكون عن التمييز العلمي، فالينابيع ليست بأكثر تميزا عن النوافير، والألسن عن الاصل والانسب، في كل الاحوال من بابها فما دون.
إن البراهين والأدلة التي تثبت العكس ولكي تكون كافية تحتاج إلى ان تكون ضخمة، وخاصة بالنسبة للعكس من هذا النوع، إن زوجا من المجلدات قد يكون من الصعب احتواؤه، على كل ما يجب ان يقال حول الموضوع، كما ان مهمتي الراهنة جغرافية اكثر من كونها لغوية, وبالتالي فإني اترك لقرائي المطلعين مهمة البحث الدقيق في الموضوع، لو كان الوقت يسمح لي، لكنت وبكل سرور قد جندت له قدراتي ومجهوداتي الشخصية في شكل عمل منفصل, أود فقط أن اضيف هنا ومن أجل توقع خلاف محتمل
أنني أقصد باللغات الهندية فقط السنسكريتية ومحدثاتها أو تحريفاتها، وتحديداً البنغالية والمهراتية والجرايراتية والكنكانية، وما شابه ذلك, إلا انني لم اضمن التاميلية، على سبيل الحصر، إطلاقا، واللهجات الاخرى لجنوب شبه الجزيرة الهندية وسيلان، وذلك لان هناك مجموعة معينة من العبارات الجذرية التي تتم ملاحظاتها أحيانا مع أنها نادرة ما بين الاخيرة وما يطلق عليه الألسنة السامية , إنني أذكر ذات مرة، عندما حتم علي حظي التعيس ان اكون حاضرا، بصورة لا يمكن تفاديها، ضمن محاضرة عامة سمجة، وأنا أحاول طرد النعاس بتسجيل قائمة في ذاكرتي للعبارات الجذرية أو الاساسية المشتركة بين العبرية والتاميلية، وقد استطعت في خلال نصف ساعة من التذكر ان أزود نفسي بحوالي ما يقارب الثلاثين كلمة, ولكن دعنا نعود إلى سدير والغاط العربية.
كان الوقت الآن هو ذلك الجزء الاخير من فترة ما بعد الظهيرة، والذي يسميه الاعراب العصر ، عندما دخلنا الظل الوارف واتجهنا صوب منزل الزعيم, وكباقي القرية كانت تقع على طرف الوادي، تحت الجرف الابيض مباشرة، وبالتالي فقد كانت تقع في افضل موضع يمكنها من تفادي الاضرار الناجمة عن الفيضانات والسيول المتدفقة إلى اسفل الحفرة الوسطى في موسم الامطار, آثار المياه واضحة تماما على امتداد الوادي، وكانت بعض المنازل التي شيدت على انخفاض شديد في الاسفل قد تم تدميرها سلفا وقد زودت الآبار بكميات وفيرة من المياه، وحتى في هذا الفصل الأشد جفافا من السنة، لدرجة ان المتدفق منها كان كافيا لملء خزان كبير تجري منه على كل الجوانب نهيرات كان من الممكن تقريبا ان يعتقد انها حقيقية، تظللها أشجار التين والرمان، بينما كانت اشجار النخيل تفوق في ارتفاعها تلك الموجودة في القصيم, كانت المنازل، شأنها شأن الحدائق، تصطف في جمال وروعة في صفوف متدرجة الواحد منها فوق الآخر في مقابل المرتفع الجبلي, وقبل مسكن الزعيم نفسه كان هناك ميدان مكشوف، وبالقرب منه مسجد وهابي حقيقي، كبير خال من الزينة، وهو مجرد مكان للتجمع، لم تدنسه اختراعات ما بعد الإسلام من مآذن وسجاجيد, نحن هنا في نجد، ولو لم أكن متعاطفا تماما مع مشاعر Touchstore عند وصوله إلى الأردين، لما كنت قد احسست بأن تعلقاته التي أدلى بها آنذاك هناك قد كانت ذات مصداقية خاصة، إلا ان المسافرين (الرحالة) يجب ان يكونوا قانعين.
ومع ذلك فقد كان سكان نجد عموما خاصة أهالي سدير يتميزون بواحدة من الخصائص الجيدة، التي تعتبر مسلية كثيرا لأولئك الذين تركوا موطنهم لزيارة بلادهم وأقصد بها الكرم تجاه ضيوفهم, وقد اشتهروا بذلك داخل وخارج الجزيرة العربية، نثرا وشعرا، وهم يستحقون سمعتهم هذه بكل امانة, كان زعيم الغاط واحداً من أبناء المحافظة، كان شابا مرحا وغاية في الأدب، تمت دعوتنا جميعا للدخول، وتمت العناية بجمالنا، وقد تم اجلاسنا نحن على الفور في الخوا الواسع والمرتفع، حيث كانت أشعة الشمس المختلفة الالوان والمتسللة عبر النوافذ الشعرية تعكس المجموعة الكريمة الجالسة في الجزء العلوي والاكثر كرما من القاعة, وهنا، إلى جوار مضيفنا وأسرته، الذين ارتدوا جميعا أثوابا نظيفة وعباءات سوداء، بأغطية رأس جديدة وملونة وسيوف موشاة بالفضة، جلس النائب متخذا شكلا في غاية الجمال وهو في زيه الفارسي وعمامته الضخمة، بينما اتخذ أبو عيسى الذي قام باستبدال ملابسة التي لطختها الاتربة على الطريق بحلة افضل لكي يبقى منسجما مع المجموعة أخذ لنفسه مكانا قريبا من السفير, وقام تابعو النائب بالاصطفاف في جانب، كما جلسنا انا وبركات في الجانب الآخر, كثرت عبارات يا هلا ومرحبا (مرحبا بكم أيها الضيوف الكرام الخ) كما كثرت ايضا العبارات الموشحة بكلمة الله التي لا غنى عنها في تجاذب اطراف الحديث لدى الوهابيين.
وبطبيعة الحال لم يسمح بالتدخين، وحتى النائب نفسه لم يكن ليجرؤ على استخدام نارجيلته, كان أبو عيسى قد أخذ نفثة اخيرة من غليونه القصير قبل دخول القرية، وقد نصحني بفعل الشيء نفسه، معلقا على ذلك بقوله هؤلاء القوم سوف يعتبروننا كفاراً لو فعلنا ذلك بحضورهم ، وقد بدا الآن بريئا من التبغ كطفل لم يولد بعد, مع ذلك فقد كانت القهوة وفيرة وجيدة للغاية, وقد جرى الحديث هنا، ومن الآن فصاعدا حتى الرياض، سواء في المدن او القرى، وسط من علا او قل شأنهم، أساسا حول موضوعين في غاية الملل: أولهما امتيازات ومناقب فيصل (2) ، مع انتصاره الخاص على كفر عنيزة، أما ثانيهما فكان يدور حول خسة وفسوق الزامل (3) ومجموعته، وهزيمتهم ودمارهم على وجه الخصوص, ثم جاءت عبارات الله ينصر المسلمين ، الله ينصر فيصل ، والله يسلط المسلمين على الكفار، وهكذا دواليك إلى ان بدأنا نقول مع أبو عيسى كفرونا بالمسلمين وتمنينا من كل قلوبنا هزيمتهم، كما كانوا هم يتمنون لمعارضيهم.
ولم يكن احد يجرؤ بالتحدث عن فيصل عدا في نبرة مكبوتة وخانعة من التبجيل الذي تكون طاعته هي الاقرار الاكيد بالقضاء والقدر، ومخالفته هي العقوق الذي لا يغتفر, وطيلة الجلسة كانت عبارات الورع الاعتراضية مثل أستغفر الله ، لا إله إلا الله ، توكل على الله ، ومثيلاتها من هذا النوع، تملأ كل فراغ في الحديث ,,, حتى لم يعد هناك اي مخرج لمواصلة الحديث حول اي موضوع عادي، وقد صارت القوة الخارقة للطبيعة تواجه الواحد بكثافة عند كل منعطف.
لن اتحدث في الوقت الحالي عن الحالة الذهنية والنظريات الغريبة التي قد تتطور إلى مثل هذه العبارات الواضحة، ولا إلى الاستخدامات السائدة هنا، خوفا من جعل رحلتنا عبر سدير تصبح مطولة منذ بدايتها، وسوف اعقب فقط على ان أبو عيسى وأشخاصنا قد راعينا انسجام الاسلوب الذي تطلبته اللياقة، سواء بألا نقول شيئا أو نوافق عندما تكون الموافقة ممكنة, وقد وقع المكاويان احيانا في بعض الاخطاء، أما بالنسبة للفرس فقد برهنوا على انهم أقل تأدبا وأقل تبصرا، ولولا ذلك التقدير الجزئي لمرتبة النائب والمهمة التي كان يتولى الاضطلاع بها، ولولا الرغبة الطبيعية في اكتساب سمعة جيدة وسط الاعراب لحدثت خلافات ومنازعات حادة، بل وخطيرة, لقد كان أبو عيسى حقا بحاجة في أكثر من مرة إلى كل مهاراته التوفيقية بغية تفادي النتائج الضارة فإن المستمعين الصامتين ربما يكونون أكثر تفكيرا إلا انهم لا يقولون شيئا, وبالنسبة للنجدي فمن دواعي تفاخره ان يصبر على الخشونة والانفعال، وهو يعتقد ان تحمل ذلك بالسماحة ورباطة الجأش يعتبر من قبيل اختبار التفوق في الشخصية وكرم الاصل.
إنني لم أشهد قط القاعدة السلوكية المتمثلة بعدم قبول اي اساءة عدا تلك التي تعطي الواحد الحق في إلقاء نظرة خاطفة على المسيء، وهي متمثلة بصورة افضل عما هي عليه من قبل سكان نجد الذين يدركون تماما الحقيقة الهامة المتمثلة في ان ضبط النفس هو الشرط الاول لكي تصبح رجلا مهذبا, وكغيره من جميع القواعد الاخرى، فإن ذلك يسمح بأن تكون له استثناءات، شخصية كانت او محلية، ولكن النغمة السائدة في المجتمع، وخاصة في سدير، تعتبر واحدة ذات تأدب رفيع ونقي.
كان هؤلاء الرجال يعتقدون في قرارة انفسهم ان كلا من مصر، وبلاد فارس، بغداد، دمشق، وفي خلاصة الامر، كل بلدان العالم المحيطة بنجد، أوكار للصوص ومخابئ للبدع والكفر, ومع ذلك فما ان يكونوا قد سمعوا، كاجابة على المتطلبات المعتادة الاولى للتقديم والترحيب بأن ضيفهم ينتمي إلى أية واحدة من الاماكن والبلدان المذكورة اعلاه، إلا ويبدؤون في مدح المدينة، والبلد، والشعب، وكأنهم قد كانوا أهدافا لاعجابهم طيلة الحياة، ويقومون بتمجيد علم، وتقوى، والسمعة الطيبة لاولئك الذين هم في الغالب على خلاف معهم، والذين هم على استعداد لأن يستلوا ضدهم سيف الاسلام في خلال لحظات, وهم انما يفعلون ذلك بطريقة هادئة للغاية وسهلة وطبيعية، ولدرجة يصعب معها عدم تصديق عباراتهم التي تعتبر صدى عميقا للافكار التي تجوس بداخلهم, كما ان ضيفهم إذا كان يتمتع برباطة الجأش العادية، لا يكون بحاجة إلى ان يخاف أي تلميح بالرفض وعدم القبول فيما يتعلق بأساليبه وأفعاله الشخصية الخاصة, الضيف ما أقام ملك ، وهو مثل عتيق لدى النجديين، يعبر مدى الحياة عن الاحترام والمراعاة التي يعاملون بها كل من تم استقباله مرة تحت سقفهم, وعندما يسير الغريب في الطرقات فلا احد يحدق فيه، ناهيك عن ان يتوقف ليحملق فيه، او ان يتجمع الصبية ويضحكون عليه، أو أن تسمع أية همسة أو تعليق جانبي أثناء مروره, وربما لا يوجد مكان آخر يؤدي فيه الاجانب مهماتهم بنجاح أكبر ويسر من هذا المكان، كان يجدر بي ان اضيف بأن زينا شبه السوري لم يكن بأقل غرابة وشبها بالفراء من ذلك الروب الطويل لليهودي اللتواني او الفرو القوزاقي في شوارع الذبح وديرب, لقد بدا الفرس وهم أشد غرابة، إلا أن الكياسة النجدية كانت تعلو كل هذه الاعتبارات, ويجب ان يتذكر قرائي، مع كل شيء، ان محافظة سدير تتفوق في هذا المجال على كل محافظات طويق الاخرى, وتبعاً لذلك يجب ان يتم ادخال بعض التعديل والاستنتاج على اللوحة التي يجري رسمها قبل ان يتم تطبيقها بصورة ملائمة على العارض والافلاج واليمامة, بالاضافة إلى ذلك فإنني اتحدث فقط عما يدور بين المضيفين والضيوف الذين يتم استقبالهم بصورة متبادلة ويتم اعتمادهم على هذا النحو, أما بالنسبة للعابرين من الغرباء والاجانب الذين لم يتم اعتمادهم، فإن اللباقة المستخدمة معهم تكون اقل بكثير، وربما كانت معدومة.
لقد كان كرم سدير انيقا وسخيا، فبعد احتساء القهوة وحديث قصير في الخط صعدنا إلى الطابق العلوي حيث وجدنا غرفة كبيرة بشرفة مفتوحة قد تم اعدادها لاستقبالنا بصورة اكثر تعبيرا، وكانت الفواكه، الشمام، والخوخ قد تم وضعها بكل طرف في اطباق كبيرة من اجل تزجية لاحظات فراغنا لحين تجهيز العشاء, كان من المفترض فينا ان نرفع الكلفة تماما هنا، بل وبإمكاننا اشعال غليون السلام ، لأن فضيحة العلنية لم تكن تعتبر ذات تأثير على تلك الغرف التي تم اخلاؤها تماماً لتكون قاصرة على استخدامنا, كان مضيفنا وأقاربه يدخلون ويخرجون، وهم على استعداد دائم للحديث أو تقديم الخدمة، ومن خلال حديثهم بدأنا بتجميع قدر كبير من المعلومات القيمة حول الحكومة والدولة الحقيقية لنجد الاصلية.
*************
(1) التبس الأمر على المؤلف فلقد كان يقصد هنا الأمير سعود بن عبدالعزيز الملقب بالكبير، وكما ذكر فإنه يعد وبحق من اقوى وأبرز الحكام السعوديين, وهو الذي قاد الهجوم على العراق عندما نكث واليها شروط الاتفاقية السعودية العراقية وهي قضية مشهورة يمكن الرجوع إلى تفاصيلها في كتب التاريخ المعاصرة لأحداث تلك الفترة (المترجم).
(2) يقصد الإمام فيصل بن تركي يرحمه الله (المترجم).
(3) يقصد زامل أمير عنيزة الذي قاد التمرد ضد حكومة الإمام فيصل, (المترجم).
أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved