أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 9th November,2000العدد:10269الطبعةالاولـيالخميس 13 ,شعبان 1421

مقـالات

الخط الساخن
يرسل السماء عليكم مدرارا,.
صالح بن سليمان الحناكي
للمطر مع الصحراء قصة وأي قصة,, ولأبناء الصحراء مع المطر حالة عشق وهيام يصعب تفسيرها وتجلية اسرارها,, فلهذه القطرات المائية المتساقطة في وجدان ابن الجزيرة معنى والف معنى,, لقد رسمت مواسم المطر في الصحراء حالة من الهيام والسحر,, قصة عشق متجذرة تتوارثها الاجيال,, فأهل الصحراء هم اكثر من يعرف قيمة المطر وكنهه,, فالمطر ومواسمه متى ما اتت جلبت معها البهجة والفرحة والسرور,, لأن في الماء سر الحياة,, فبالمطر يحيي الله البلاد والعباد,, لتنتقل من حالة الكآبة والعبوس الى حالة من الانشراح والسرور,, قال تعالى (لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا انعاما وأناسي كثيرا),.
والعرب في الجزيرة ومنذ القدم يفرحون ويترقبون هطول المطر,, وكان له نصيب هام في ادبياتهم واشعارهم,, واطلقوا على المطر والسحاب الاسماء الجميلة مثل ديمة وهتان ومزون,, الخ,, وكانوا يتغنون به ويستبشرون بقدومه ويتفاءلون به,, فهذا احد الشعراء في صدر الاسلام ويقال انه (ابن الدمينة) وقيل انه (يزيد بن الطثرية) تذكر دياره التي تغرب عنها واشتاق اليها فأنشد يقول من ضمن قصيدة مشهورة,.


سقى الله نجدا والمقيم بأرضها
سحابا طوالا خاليات من الرعد

فالشاعر لا يجد اجمل ولا اغلى ما يتمنى ويدعو لاهله ودياره من ان تظللها السحائب وتلتحف المطر والبرد,.
فقيمة الشيء لا تعرف حتى يفقد ,, فكان المطر يأتيهم مرة ويفقدونه مرارا,, وكثر غيابه عنهم فاشتاقوا اليه,, (زر غبا تزدد حبا) ,, وفي البلاد التي يهطل المطر عليها بغزارة تضاهي ديمومة شروق الشمس في الصحراء تبلدت احاسيس اهلها ومشاعرهم تجاه المطر لان (كثرة الامساس تقلل الاحساس).
ويتميز هطول المطر بالصحراء بان اثره يظهر جليا واضحا سريعا على الارض,, قتتبدل من حال الى حال,, فتتحول من ارض صفراء جرداء كئيبة لترتدي حلة قشيبة وبساطا عشبيا اخضر,, وتزدان بنباتاتها الصحراوية المعروفة في استعراض جمالي يسرق الالباب ,, ولااجمل من الصحراء بعد المطر وبرائحة المطر,, قال تعالى (وترى الارض هامدة فإذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج) ,, وتغيرها من حال الهمود الى حال الحياة دليل عملي على البعث والنشور بعد الموت,,.
ومناسبة حديثنا هي اقامة صلاة الاستسقاء تأسيا بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام,, طلبا للسقيا ونزول الغيث بعد الجدب وانقطاع الامطار عن البلاد منذ اكثر من عامين,.
فعن انس بن مالك قال: (اصابت الناس سنة في عهد رسول الله فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة قام اعرابي فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يده وما نرى في السماء قزعة فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب امثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الاخرى وقام ذلك الاعرابي او قال غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع يده فقال اللهم حوالينا ولا علينا فما يشير بيده الى ناحية من السحاب الا انفرجت),.
ويستحب الاكثار من الدعاء والذكر والاستغفار بخضوع وتذلل عند الاستسقاء ,, ويسن اخراج الصبيان المميزين ويباح اخراج الشيوخ والعجائز والرضع والدواب واولادها ويشتتون فيما بينها ليحصل التحنن ويظهر الضجيج بالحاجات,, لان نزول الرحمة اولى بهم,, لما روي عن مصعب بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (هل تنصرون وترزقون الا بضعفائكم),.
وعن ابي هريرة ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال (خرج سليمان عليه السلام يستسقي فرأى نملة مستلقية رافعة قوائمها الى السماء تقول: اللهم انا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك فقال ارجعوا سقيتم بدعوة غيركم) رواه احمد وصححه الحاكم,.
وحالة الجدب والجفاف الحالية لا يشعر بها اهل المدن بشكل مباشر لان الماء يتوفر لهم بالوسائل الصناعية,, ولكن يعاني منه اهل البادية من رعاة المواشي لنضوب موارد تدفقها,, وحالة القحط هذه تشكل عبئا كبيرا على اقتصاديات البلد وتثقل كاهله كلما طال امدها,, وفيها تنضب الآبار وتهلك المواشي والثمار وترتفع الاسعار ويعلو الغبار,.
ومنع القطر هو اشبه بالعرض المرضي الذي يكشف ادواء وامراضا يعاني منها المجتمع,, فما نزل بلاء الا بمعصية ولا رفع الا بتوبة,, والمعاصي والذنوب تكون سببا في منع القطر وامساك المطر,, ومن اعظمها عدم اخراج الزكاة,.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم يمنع قوم زكاة اموالهم الا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا),,.
وقال مجاهد وعكرمة في قوله تعالى: (ويلعنهم اللاعنون) تلعنهم دواب الارض تقول منع المطر بخطاياهم,.
وعن اثر الصدقة وتزكية المال والانفاق في وجوه الخير,, ما رواه ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجل يمشي بفلاة من الارض سمع صوتا في سحابة: اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فاذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته فقال له يا عبدالله ما اسمك؟ قال فلان للاسم الذي سمعه في السحابة فقال له يا عبدالله لم تسألني عن اسمي؟ فقال اني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها؟ فقال اما اذا قلت هذا فإني انظر الى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل انا وعيالي ثلثا وارد فيها ثلثه) رواه مسلم,.
و(الاستغفار) احد اهم مفاتيح نزول المطر,.
ومما اورده البيهقي في سننه عن الشعبي رضي الله عنه قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى يرجع فقيل له ما رأيناك استسقيت قال: لقد طلبت المطر بمخاديج السماء التي يستنزل بها المطر ثم قرأ قوله تعالى (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يرسل السماء عليكم مدارا) و(استغفروا ربكم انه كان غفارا,, يرسل السماء عليكم مدرارا) اي غزيرا متتابعا,.
وبعد الاقلاع عن المعاصي ينبغي الالحاح في الدعاء طلبا للغيث,, ولا يليق القنوط واليأس مع رحمة الله الواسعة,.
قال قتادة: ذكر ان رجلا قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين قحط المطر وقل الغيث وقنط الناس فقال مطرتم ان شاء الله ثم قرأ (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا),.


اشتدي ازمة تنفرجي
قد آذن ليلك بالبلج

alhenaky@ yahoo. com
أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved