أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 17th November,2000العدد:10277الطبعةالاولـيالجمعة 21 ,شعبان 1421

الريـاضيـة

الألعاب الرياضية في التراث العربي (2)
مكانة الرياضة والرياضيين عند الأقدمين!!
يوسف بن محمد العتيق
قد يستغرب البعض من الناس إذا علم أن العرب في جاهليتهم القديمة وحتى بعد دخولهم في الإسلام كانوا يعطون لبعض الألعاب الرياضية مكانة كبيرة؛ بل كانوا في بعض نصوصهم يعدون من توفرت فيه بعض المواهب الرياضية والثقافية كاملا يستحق التقدير والمكانة الاجتماعية المرموقة لديهم؛ وقد وقفت على كلمة جميلة تدل على اهتمامهم بالألعاب الرياضية في تلك العصور؛ كما أن هذه الكلمة تدل دلالة أكيدة على ما لهذه الألعاب من مكانة كبيرة عندهم؛ يوضح لنا ذلك ما قاله المؤرخ الكبير ابن سعد في كتابه الطبقات عن الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه فقد قال عنه: وكان سعد في الجاهلية يكتب بالعربية؛ وكانت الكتابة في العرب قليلاً؛ وكان يحسن العوم والرمي؛ وكان من أحسن ذلك سمي الكامل!!!
انظر إلى هذا الوصف الذي فيه بعض القوة؛ والدلالة على الرئاسة الكامل ؛ وهو من تحصل على ثلاث خصال؛ اثنتان منها؛ من الألعاب الرياضية؛ والأولى الكتابة؛ مما يقرر المقولة القديمة الحديثة العقل السليم في الجسم السليم أو يؤدي إلى الجسم السليم (1) ؛ وفي هذه المقولة أعطي الجانب الرياضي والجسماني نسبة كبيرة؛ تفوق الجانب الثقافي؛ إن صح التعبير.
وبطبيعة الحال لما كانت هذه هي عناية الناس بالرياضة في الجاهلية؛ كان من الطبيعي ان تحظى هذه الرياضات بالعناية والحث من قبيل الدين الإسلامي، فجاءت نصوص شرعية كثيرة في الحث على رياضات عددية؛ لما لها من أثر كبير على البدن والعقل؛ ولأهمية توافرها في كل شخص.
وفي الوقت نفسه حرص العلماء والكتاب والأطباء على الحث على ممارسة الرياضة بطرق مختلفة؛ يمكننا أن نقسمها قسمين.
الأول: حثهم على مزاولة الرياضة داخل الكتب الطبية والكتب الخاصة بمعالجة الأمراض؛ كما فعل ذلك ابن سيناء في كتابه الشهير في الطب القانون فقد أورد فيه عشرات التوجيهات الخاصة بمزاولة الرياضة؛ ولأثرها الكبير في صحة جسم الإنسان؛ مدللين على ان الوقاية خير من العلاج؛ وان في الرياضة وقاية وعلاجا.
الثاني: تصنيفهم كتبا مستقلة في الترغيب والتشويق لمزاولة رياضة معنية, كان يكتب أحدهم كتابا في الرمي أو السباحة أو المصارعة؛ ويتضمن الكتاب معلومات وتوجيهات خاصة بهذه الرياضة.
ولنبدأ الآن في ذكر الأمثلة على ما سبق.
فمن أجمل ما وقفت عليه من النصائح الطبية في الحث على مزاولة الألعاب الرياضية رسالة أرسلها طبيب الخليفة المأمون الخاص جبرائيل؛ فقد وجه إليه رسالة في موضوعات حفظ الصحة تضمنت عدة توجيهات رياضية؛ وهذه الرسالة حتى هذه اللحظة لا تزال في عداد المخطوطات فيما أعلم؛ لكن أورد نقولا منها الدكتور عبدالرزاق الطائي في كتابه التربية البدنية والرياضية في التراث العربي والإسلامي: حيث جاء في وصية الطبيب للخليفة: في حالة سوء الهضم والغم يوصي بترك التخم وتلطيف الغذاء والرياضة قبل الطعام.
يؤكد على علاج سوء الهضم بشرب الشراب الصرف والفاكهة القابضة والرياضة والدلك.
في حالة الصرع يؤكد على دوام الرياضة وتلطيف الغذاء والسهر والحذر من التخم.
علامة ضعف المعدة وموت الشهوة يعالج بالدلك والحمام والرياضة.
قلت: هذه أبرز الموضوعات الرياضية في نصيحة الطبيب للخليفة؛ ومن يتأمل يجد أنها تضمنت ان الرياضة علاج للكثير من الأمراض البدنية والنفسية؛ وتضمنت توجيهات نراها الآن قائمة في علم الطب الرياضي؛ مثل التحذير من السهر؛ ويوصي بها الأطباء نجوم الرياضة وبخاصة المحترفين!!
وهذا مثال واحد من أمثلة عديدة تدل على علاج الرياضة للكثير من الأمراض؛ وانها مطلب مهم لكل فرد.
كما أورد ابن القيم العالم والفقيه الحنبلي الشهير في كتابه زاد المعاد جملة من النصوص في هذا المجال تدل على ان الرياضة لديهم كان مطلبا أساسيا لكل فرد وانها ليست تسلية أو ممارسات يقام بها وقت الفراغ, فقد أورد في كتابه سالف الذكر نصوصا كثيرة في الحث على القيام ببعض أنواع الرياضة وفي طليعتها رياضة المشي التي لها دور كبير في حفظ الصحة؛ وقد ذكر ابن القيم في هذا الفصل جملة من التوجيهات المرتبطة بحفظ الصحة والبدن التي من المهم ان نقف عليها جميعا إضافة إلى تطبيقها بطبيعة الحال.
قلت: والنصائح بممارسة الرياضة تتجلى في عدة مواضع في بطون الكتب لمن أراد أن يتوسع من القراء والباحثين؛ أذكر من ذلك على سبيل المثال:
(1) الكتب الشرعية والدينية عند حديثها عن الجهاد والقتال نجدها تعقد فصولا مطولة في هذا المجال.
(2) الكتب التي ألفها الأطباء القدامى؛ وهذه الكتب أرض خصبة في هذا المجال إذ أنها حافلة بالنصائح في مجال الرياضة.
(3) إضافة إلى الكتب الخاصة برياضات معينة؛ وهذه ما سنفردها بالحديث في حلقات قادمة بمشيئة الله.
وفي ختام هذه الحلقة لا يسعني سوى التأكيد على أهمية أن يدرس هذه النصوص أحد الباحثين المختصين في تاريخ الرياضة وينشرها جميعا في كتاب مستقل؛ لاشك انه سيثري هذا الموضوع المهم؛ وكلنا أمل في أن تقوم برعاية هذا المشروع العلمي إحدى الجهات الرياضية المختصة في بلادنا ليطلع عليه النشء والجيل الجديد لتزداد معارفهم الثقافية؛ وبخاصة أننا رأينا دراسات جادة في هذا المجال قامت بها دول عربية أخرى وكانت مصدرا مهما في بابها.
(1) لأستاذنا الدكتور أحمد بن محمد الضبيب مقال طريف يدور في موضع انه لا يلزم ان يكون العقل السليم في الجسم السليم لأن بعض الناس قد يكونوا على علل أو إصابات؛ لكنهم يتمتعون بعقول سليمة؛ فله جزيل الشكر على هذه التنبيهات اللطيفة.

أعلـىالصفحةرجوع












[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved