أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 8th December,2000العدد:10298الطبعةالاولـيالجمعة 12 ,رمضان 1421

مقـالات

الصيام عند المسلمين,, وعند أهل الكتاب
د, محمد بن سعد الشويعر
الذين يدخلون في الإسلام، يجدون للصيام لذة وروحانية، غير ما يجدونه في عقيدتهم السابقة، وما ذلك إلا أن ما فرضه الله وأُدِّي على حقيقته، يتباين مع ما عدَّله البشر، واخترعوه من رغبات أنفسهم، فالعرب مثلاً قبل الرسالة المحمدية، ما كانوا يعرفون الصيام، ولما فُرض عليهم شق عليهم أمره، فقد اخرج الإمام أحمد حديثاً عن معاذ بن جبل رضي الله عنه جاء فيه، وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وصام عاشوراء، ثم ان الله فرض عليه الصيام، وأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام، كما كتب على الذين من قبلكم الآية,, فكان من شاء صامه، ومن شاء اطعم فأجزأ ذلك عنه، ثم إن الله أنزل الآية الأخرى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس الآية,, فأثبت الله صيامه علىالمقيم الصحيح، ورخَّص فيه للمريض والمسافر وثبت الاطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام، فهذان حولان.
قال: وكانوا يأكلون ويشربون، ويأتون النساء، ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا، ثم ان رجلاً من الأنصار يقال له صرمة، كان يعمل صائماً، حتى اذا أمسى، فجاء إلى أهله، فصلى العشاء ثم نام، فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح، فأصبح صائماً، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهداً شديداً، فقال: مالي أراك قد جهدت جهداً شديداً؟ قال: يا رسول الله اني عملت أمس، فجئت حين جئت، فألقيت نفسي فنمت، فأصبحت حين أصبحت صائماً، قال: وكان عمر قد أصاب النساء، بعدما نام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل الله,, أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم الآية البقرة 187 إلى قوله ثم أتموا الصيام إلى الليل تفسير الدر المنثور 1:427 .
وثبت الصيام عند المسلمين، فريضة من الله، شهراً كاملاً، هو شهر رمضان من أوله حتى آخره، حسب الرؤية بالهلال، أو اكمال المدة ثلاثين يوماً,, لا يزيدون ولا ينقصون,, ولا يخالفون شرع الله كما فعلت الأمم قبلهم.
أما النافلة فلهم التطوع: بست من شوال، وصيام يوم عرفة لمن لم يحج، ويوم عاشوراء مع يوم قبلة أو يوم بعده، وفي رواية صوموا يوماً قبله ويوماً بعده، وأيام البيض، وعشر ذي الحجة، ومن أحب الزيادة فصوم داود عليه السلام، يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولذا أصبح صوم رمضان كما أمر الله ركناً من أركان الإسلام الخمسة.
فقد أخرج البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، واقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج لمن استطاع إليه سبيلا .
ومن عدّل أو تساهل في أمر الصيام، ففيه شبه بأهل الكتاب، سواء بالزيادة أو بالنقص، كما روي عن سفيان بن عيينة رحمه الله قوله: من فسد من عبّاد المسلمين، ففيه شبه بالنصارى يعبدون الله على جهل وضلال، ومن عصا من علمائهم ففيه شبه باليهود، الذين يعصون الله عن سابق علم ومعرفة، وعناداً ومكابرة.
فاليهود عدّلوا في شرع الله الذي جاءهم من عند الله، وحرَّفوا الكلم عن مواضعه، ومن جملة ما غيروا في شرع الله: العبادات كالصوم، فكان أحبارهم يحرفون الكلم، ليتعارض مع صحف موسى الخمسة، يقول ديورانت في قصة الحضارة ومن أحبار اليهود من يجعلون المشنا هي مشنا الحبر يهودا الذي أعاد ترتيب الشريعة الشفوية بأكملها وزاد عليها اضافات من عنده، فانتشرت بعده انتشاراً بين اليهود فأصبحت بعد زمن هي المشنا مرجعاً أقوى حجة من الكتاب المقدس، لأنها صورة من الشريعة معدَّلة، جاءت متأخرة عنها 14: 17 .
وقد فرض عليهم الصيام في مواسم معينة، وفي بعض الأيام المقدسة، ويبدو أن السبت وهو أعظم ما ابتدعه اليهود كان عبئاً ثقيلاً عليهم في أيام التلمود,, إلى أن قال: ولا يجوز عندهم الصوم أو الحزن في السبت قصة الحضارة 14:26 .
ويجعلون الصيام في رأس السنة الدينية اليهودية في الاعتدال الخريفي، حيث يختلفون ويعبدون الله في أورشليم، من مساء رأس السنة، إلى اليوم العاشر من تشرين أيام توبة عندهم، وتكفير الذنوب، فكان اتقياؤهم في هذه الأيام العشرة ما عدا اليوم التاسع منها يصومون ويصلون، فإذا جاء اليوم العاشر المسمى يوم الغفران يحرم عليهم أن يأكلوا أو يشربوا أو ينتعلوا نعالا، أو يقوموا بعمل أو يستحموا من مطلع الشمس إلى مغيبها قصة الحضارة 14 :27 .
ويبدو أن الصوم عند اليهود، قد غيروا فيه عما جاء في التشريع، بحسب ما يحلوا للأحبار، إذ من جملة ما ذكر ديورانت عن أحبارهم الذين عدّلوا في كتبهم، ندرك ما ادخلوا في الدين الذي فرض عليهم وخاصة الصيام من أمور لم تكن من أساس عقيدتهم الحقيقية التي بلّغهم به أنبياء الله.
ألم يقل سبحانه: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (البقرة 183), قال بعض المفسرين الذين من قبلكم هم أهل الكتاب، قال الطبري في تفسيره بالسند الى قتادة في قوله: كتب عليكم الصيام، كما كتب على الذين من قبلكم قال: كتب شهر رمضان على الناس، كما كتب على الذين من قبلهم، قال: وقد كان كتب على الناس، قبل أن ينزل رمضان ثلاثة أيام من كل شهر.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معنى الآية: يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام، كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب، أياماً معدودات وهي شهر رمضان كله، لأن من بعد ابراهيم صلى الله عليه وسلم كان مأموراً باتباع ابراهيم وذلك ان الله جل ثناؤه، كان جعله للناس اماماً، وقد أخبرنا الله عز وجل ان دينه كان الحنيفية المسلمة، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل الذي أمر به من قبله من الأنبياء .
وأما التشبيه، فإنما وقع على الوقت، وذلك ان من كان قبلنا انما كان فرض عليهم شهر رمضان، مثل الذي فرض علينا سواء, تفسير الطبري: 412 413 .
واذا كان أحبار اليهود، يغيّرون في شرع الله، الذي بين أيديهم بما يحلو لهم، ليجعلوا قولهم، فوق ما جاء به أنبياء بدلهم فإن الصوم من أكثر العبادات تعديلاً، لثقله على النفوس، ولذا نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أمته، بمخالفة اليهود، في أشياء كثيرة، كما أمره ربه بالاتجاه في الصلاة إلى الكعبة، بدل بيت المقدس، حيث صلى عليه الصلاة والسلام في المدينة بعد الهجرة: سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس، ثم ان الله أنزل عليه: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها (البقرة 144)، فوجهه الله إلى مكة.
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم عنه فقالوا: هذا يوم نجّا الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه، فقال عليه الصلاة والسلام: نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه، وقال: صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده.
,, وأما النصارى، فقد روي عن الشعبي قال: إن النصارى فرض عليهم شهر رمضان، كما فرض علينا، فكانوا ربما صاموه في القيظ، فحوّلوه إلى الفصل، لأن رمضان بالشهر القمري، وهم يعملون بالحساب الشمسي الميلادي وضاعفوه، حتى صار إلى خمسين يوماً,, فهل تقيدوا بذلك,, وأدوه كما فرض عليهم؟!
الواقع انهم تمردوا على شرع الله، وثقل عليهم الصيام، كما ثقلت عليهم العبادات، فتأثروا بمن قبلهم وهم اليهود، في تبديل شرع الله، ولكن تبديل بجهل، فوقعوا في محاذير أكبر، فاستحقوا الضلال، كما وصفهم الله في سورة الفاتحة.
اخرج ابن جرير عن السّدّي في قوله: كما كتب على الذين من قبلكم قال: الذين من قبلنا هم النصارى كتب عليهم رمضان، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم، ولا ينكحوا في رمضان، فاشتد على النصارى صيام شهر رمضان، فاجتمعوا فجعلوا صياماً في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا، نزيد عشرين يوماً، نكفر بها ما صنعنا، فلم تزل المسلمون يصنعون كما تصنع النصارى، حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة، وعمر بن الخطاب ما كان فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى قبيل طلوع الفجر، وعن تكييفهم العبادات لمصالحهم هذه الرواية.
وأخرج الطبراني عن معقل بن حنظلة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان على النصارى صوم شهر رمضان، فمرض ملكهم، فقالوا: لئن شفاه الله لنزيدن عشراً، ثم كان آخر فأكل لحماً فأوجع فوه، فقالوا: لئن شفاه الله لنزيدن سبعة، ثم كان عليهم ملك آخر، فقالوا: ما تدع من هذه الثلاثة أيام شيئاً، أن نتمها، ونجعل صومنا في الربيع، ففعل فصارت خمسين يوماً تؤدى في فصل الربيع لأنه أهون عليهم.
وقد كان بداية فرضية الصيام على من كان قبلنا، كما قال عبد بن حُميد عن قتادة، في قوله تعالى: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم قال: هو شهر رمضان كتبه الله على من كان قبلكم، وقد كانوا يصومون من كل شهر ثلاثة أيام، ويصلون ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي، حتى افترض الله عليهم شهر رمضان.
وقال الحسن: لقد كتب الصيام على كل أمة خلت، كما كتب علينا شهراً كاملاً وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كتب على النصارى الصيام، كما كتب عليكم، وتصديق ذلك في كتاب الله كتب عليكم الآية، قال فكان أول أمر النصارى في المخالفة: ان قدموا يوماً، قالوا: حتى لا نخطئ، ثم قدموا يوماً وآخروا يوماً، قالوا: لا نخطئ ثم ان آخر أمرهم صاروا إلى أن قالوا: نقدم عشراً، ونؤخر عشراً حتى لا نخطئ فضلوا الدر المنثور 1:428 430 .
فهل وقف النصارى,, عند هذا الحد من التعديل والتبديل، حسب ما تصف الألسن، وتهوى النفوس ليجعلوا شرع الله لعبة في أيدي رجال الدين عندهم بألقابهم المختلفة، مثلما جعلوهم واسطة بينهم وبين الله، واعطوهم حق الغفران واقالة العثرات، نتيجة الجهل، وتلاعب الكرادلة والقسس، حيث نشأ صراع بين الكنائس أودى بها في العصر الحاضر إلى ضعف السيطرة الكنسية وتعدد الفرق المسيحية، مصداقاً لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من افتراق اليهود على احدى وسبعين فرقة، وافتراق النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وان هذه الأمة سوف تفترق على ثلاث وسبعين فرقة.
الواقع ان النصارى لم يقفوا كغيرهم من الفرق عند حد معين من التبديل، وسوف ننقل عن واحد منهم هداه الله للإسلام فقتلوه رحمه الله، وسجّل بعض ما احدثوا في دياناتهم ومنها الصوم، في كتاب نشرته رابطة العالم الإسلامي في جزأين.
يقول أحمد سامي عبدالله في كتابه: لماذا وكيف اسلمت: الجزء الثاني: يقول الكاهن في الكنيسة: صلوا من أجل رئيس كهنتنا البابا الأنبا,, بابا وبطريرك، ورئيس أساقفة المدينة العظمى الاسكندرية وسائر أساقفنا الارثوذكسيين.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أباحوا لأنفسهم التحليل والتحريم، فيحلون الناس من ذنوبهم، وآثامهم، ويحلون للبعض الافطار من الصوم، ويحرمون على البعض الآخر الدخول في الشركة معهم وفي الصلاة في الكنيسة، ولا تجد لذلك مثالاً في الإسلام ص 12 .
وكان من أوائل ما جذب أحمد سامي عبدالله للإسلام، بعد أن كان نصرانياً: موعد الافطار بعد الصوم، فقد وجد ذلك محدداً في الإسلام، بأذان المغرب، واذان المغرب بدوره محدد في كل يوم بالساعة والدقيقة، وهو موعد غروب الشمس في كل منطقة على حده، مع الاختلاف من منطقة إلى أخرى، طبقاً للظواهر الكونية، وخطوط الكرة الأرضية الطولية وبالمثل أيضاً موعد الامساك عن الطعام، المحدد بطلوع فجر اليوم الجديد، طبقاً للتوقيت الزمني المحدد.
أما موعد الافطار بعد الصوم الطويل في المسيحية فيكون بعد الانتهاء من القداس الليلي في آخر ليلة من أيام الصوم في كل كنيسة على حدة، وتتباين الكنائس في هذا الموعد، ما بين العاشرة مساء حتى الثالثة صباحاً، فالدقة المتناهية تدل على أحكام المنهج الذي هو من عند الله, ولا يتوقف الامر عن موعد الصوم عند النصارى، والافطار فيه، بل يتطرق البحث في أمور عديدة بشأن الصوم,, اذ لا نجد الدقة في عدد أيامه، فالصوم الواحد كالصوم المسمى صوم الرسل، يختلف من عام لآخر، تارة ثلاثين يوماً، وأخرى أكثر من أربعين لأنه من وضع البشر لا من وحي الله، فلا نجد للصيام ذكراً في الكتاب المقدس، الا عن الأربعين يوماً التي صامها المسيح عليه السلام.
وللأعذار أحكامها في الصيام في الاسلام بينما المسيحية لا توجد فيها الدقة: فالبعض يصوم والأغلبية لا تصوم، ولا قضاء ولا كفارة، والأشد نكالاً انني لاحظت ان بعض الكهنة يمنحون بعض الناس ما يسمى ب الحل من الصوم فهم يحلون ، ويحرمون كما يشاؤون، وان سألت عن السبب، فإنهم يقولون: ان المسيح قال: ما تحلونه في الأرض فهو محلل في السماء، وما تحرمونه فهو محرم,, إذا ً فالتحليل عند المسيحين والتحريم في يد البشر لا من وحي الله، ويتباين البشر ويختلفون فيما بينهم ملخص مما قاله في كتابه لماذا وكيف اسلمت 142 144 .
وعندما يدرس ويناقش الإنسان لبعض الفرق المسيحية النصرانية كما سماهم الله في كتابه الكريم القرآن فإنه يجد آثار البشر في التعديل والتبديل، ظاهرة فبعضهم جعل الصيام ساعات محدودة في النهار، وبعضهم جعله عن نوع من الأطعمة فترة يحددها، وبعضهم جعله في الليل بدل النهار، وبعضهم نقله للأشهر التي يسهل فيها الصوم والصبر عن الطعام والشراب كالخريف أو الربيع، مثلاً,, وهكذا نظهر أثر التصرف البشري في تعديل العبادات وتحريفها.
يقول ابن تيمية رحمه الله في كتابه: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: وأما النصارى فليست الصلوات التي يصلونها منقولة عن المسيح عليه السلام، ولا الصوم الذي يصومونه منقولاً عن المسيح، بل جعل أولهم الصوم أربعين يوماً ثم زادوا فيه عشرة أيام ونقلوه إلى الربيع، وليس هذا منقولاً عندهم عن المسيح عليه السلام,, فكان ذلك من بدعهم وكذا أعيادهم السبت الذي هو في آخر صومهم 1:125 .
فنحمد الله نحن معاشر المسلمين لما وفقنا إليه الله، من الثبات على شهر رمضان الذي تركه أهل الكتاب وغيروا الصيام فيه.
كما نحمده ان وفقنا الى يوم الجمعة، الذي ظلت عند اليهود فاتخذوا السبت، والنصارى فاتخذوا الأحد,.
فتعاليم الإسلام، ومواعيد العبادات فيه التي حددتها الشريعة، وحرص علماء الإسلام على تعليم الناس من أعظم النعم على المسلمين, وواجبهم المحافظة على ذلك, وشكران على ذلك، حيث يظهر أثر هذا جلياً لمن يتابع مخالفة أولئك، واتخاذ أمور لم يأذن بها الله عناداً ومكابرة، أو جهلاً وضلالاً,, فقد جعلنا الله أمة وسطا، بين جهل النصارى وتساهلهم في دينهم، وبين عناد اليهود وتشددهم فيما يأذن به الله، مما غيره علماؤهم.
نماذج من الحيل:
جاء في كتاب نثر الدر للوزير الكاتب منصور بن الحسين الآبي المتوفى عام 421ه: ان زياد بن ابية استأذن معاوية في الحج فأذن له، وبلغ ذلك أبا بكرة، وكان أخاه من أمةٍ اسمها سمية، وكان حلف الا يكلم زياداً، حيث رجع عن الشهادة على المغيرة، وألا يظله واياه سقف أبداً، فدخل أبو بكرة دار الإمارة على زياد، فأمر زياد بكرسيين فوضعا في صحن القصر لميمينه، فجلس أبو بكرة على احدهما، وزياد على الآخر، ومع زياد بُنَيّ له حيث مشى فقال أبو بكرة لابنه: تعال يا بن أخي فجاء الصبي فجلس في حجره، فقال له: كيف أنت؟ كيف أهلك؟ أسمع مني يا ابن أخي، وانما يريد ان يسمع زياداً ، ان أباك هذا أحمق، قد فجر في الإسلام، ثلاث فجرات ما سمعنا بمثلهن، أما أولاهن، فجحوده الشهادة على المغيرة، والله يعلم أنه قد رأى ما رأينا فكتم، وقد قال الله: ومن يكتمها فإنه آثم قلبه فحلفت ألا أكلمه أبداً، وأما الأخرى: فانتفاؤه من عبيد، وادعاؤه إلى أبي سفيان، وأقسم بالله يا ابن أخي، صادقاً ما رأى أبو سفيان سمية قط، في ليل أو نهار، ولا في جاهلية ولا اسلام، وأما الثالثة: فاعظمهن انه يريد أن يوافي العام الموسم، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تأتي الموسم كل عام، فإن هو أتاها فأذنت له، كما تأذن الأخت لأخيها، فأعظم بها مصيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وان هي حجبته وتسترت منه، فأعظم بها حجة عليه، ثم نهض.
فقام زياد في أثره، وأخذ بقميصه وقال: جزاك الله من أخ خيراً، فما تركت نصيحة لأخيك على حال، وترك الحج 4: 147 .
كما ذكر ان بالأهواز رجلاً له زوجة، وكانت له أرض بالبصرة، فكان يكثر الانحدار إليها، فارتابت زوجته وتتبعت اثره، فوقفت على أنه قد تزوج بالبصرة، فاحتالت حتى صار إليها خطُّ عمّ للمرأة البصرية، وبعثت به إلى رجل يحكى كل خط رآه، وأجازته بما يرضيه، حتى كتب كتاباً عن لسان عم البصرية الى زوجها يذكر أن المرأة قد ماتت، ويسأله التعجيل إليه، لأخذ ما تركت وسمى مالها وجاريتها.
ودست الكتاب مع ملاح قدم من البصرة، فلما وصل إليه الكتاب، قرأه فلم يشك فيه، ودخل وقال لامرأته: اعملي لي سفرة يريد جهاز السفر ,, قالت: ولم؟ قال: أريد البصرة، قالت: كم هذه البصرة؟ قد رابني امرك، لعل لك بها امرأة فأنكر، فقالت: احلف فحلف ان كل أمرأة له غيرها فهي طالق، سكوناً إلى أن تلك قد ماتت، وما يضره ذلك، فلما حلف قالت: دع السفرة، قد اغناك الله عن البصرة، قال: وما ذاك؟ قالت: قد طلقت الفاسقة، وحدثته بالقصة فندم 4:110 .
وقال أحد القضاء لرجل جاء يشهد عنده: كيف أقبل شهادتك، وقد سمعتك تقول لمغنية أحسنت؟ قال: أليس انما قلت ذلك بعد سكوتها,, فأجاز القاضي شهادته (4:110).

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved