أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 8th December,2000العدد:10298الطبعةالاولـيالجمعة 12 ,رمضان 1421

محليــات

لما هو آت
بين دفن وآخر
د, خيرية ابراهيم السقاف
لص كازاخستاني عاد لأهله بقطع من الكفن,.
هذا اللص دُفن,, ومن ثم نهض من بين التراب,, نفض عنه سطح القبر,, بعثر الذرات المكدسة فوقه,, وبأسمال من الكفن,, خرج,, كأنما هو يجرِّب لحظة النشور,.
تيار كهربائي صعقه وهو يتسلل للسرقة,.
لم يحتمل قلبه,, فسقط,,، لم يستطع أحد محاكمته,, غُسل,, دُفن,, صُليَّ عليه قبل دفنه,, اجتمع الأهل,, والأصدقاء,, يتعازون فيه,, يأكلون على اجتماع تأبينه,, يعود إليهم بأسمال من كفنه,,!!
كيف هي مفارقات الموت والحياة,.
كيف هي مفارقات الأسباب,.
كيف هي مفارقات مواقف الإنسان من الإنسان,, والإنسان من الأحداث,,؟
هذا اللص مسلم,, وخلق الإسلام ينهاه عن السرقة لكنه أقدم عليها,.
وهذا اللص تجري عليه عقوبة السرقة,, لكن صعق التيار الكهربائي له فيما حماه من العقوبة، كان له عقوبة,,!
وهذا الإنسان يموت,, لكن ساعته لم تحن,, فقوي على طبقة التراب، وضم القبر فنهض بشيء من أكفانه,.
وهذا الإنسان عضو في جماعة له يحبونه,, وله الأهل الذين يَرثُونه,,، وله الذين يحزنون على فراقه,, لذلك غسلوه، لذلك كفَّنوه,, لذلك اجتمعوا يتبادلون العزاء,.
لكنه عاد,.
هذا اللص الميت الحي,.
هو أنموذج الإنسان اللص الميت الحي,.
يهرب من العقوبة الى عقوبة أخرى,, تنصب له موقعها دون أن يخطط لها إنسان، أو يُقيمها,.
يختبىء في الظلام للسرقة دون أن يراه أحد,, فينتشر حوله النور حارقاً فيدري عنه كل الذين لم يروه وهو يسرق,.
يكون وحيداً,, يخبىء ظلمه لنفسه,,، فيمشي بين جماعة في النور صامتاً,, ساكناً,, لا يقوى على نطق حرف,.
يخطط للاختفاء كي يفعل شيئاً بمفرده,,، فيؤخذ علناً للدفن في موكب,, يقوى على زرع نفسه في مكان كي يستلبه,,، ويعجز عن الاستسلام لزرعه داخل قبر بأيدٍ كثيرة كي يذوب فيها وحيداً,.
يقوى على شيء,, ويضعف عن آخر,.
لا يعاقب نفسه، فيعاقب,.
الفرق بين إنسان رمز,, وفعل رمز,, هو هذا اللص الكازاخستاني فالسارقون الذين ينجحون في السرقة ولا يراهم أحد، ولا يُعاقبون، فلا يشعرون,, كثر,.
والذين لا يرون فيلفون في الأكفان ويدفون هم كلُّ السارقين في الضوء، أو السارقين في الظلام,.
لكن القبر يترصدهم,, ينتظرهم,.
هذا اللص,, فضحه التيار الكهربائي,, ورأى ظلمة القبر,.
وأولئك لمّا يزالون لم يفضحوا,, ولم يروا ظلام القبر,.
هو استطاع الخلوص من التراب,, ليس لأنه يقدر على ذلك، ولكن لأنه لم يمت وفي ذلك قتلٌ آخر له.
وهم,, حين تتلقفهم القبور أيستطيعون إن نزل بهم الموت وهم عاجزون؟
تُرى,, السارق الذي عاد لأهله بقطع ممزقة من أسمال كفنه,, معفراً بالتراب,.
كيف سيجلد نفسه بعد أن جُلد داخله؟ عن طريق جسده الخارجي؟
وهل سيقوى على الحياة كما كان قبل أن يلج موقع السرقة ويتلطخ بقسوة عقوبة الكهرباء؟
وتُرى,, السارقون في الضوء,, الذين تعفرِّهم أدرانهم وأخطاؤهم,, كيف سيواجهون أنفسهم,, ومتى؟ وهل سيُتاح لهم جلد أنفسهم؟ أم لا؟
إن الفارق بينهم وبينه,, هو أنه واجه عقوبته مباشرة لأن عمره لم ينته بعد,.
ولم يترصده الموت كي يدفن ذنبه معه,.
أما هم فلربما عندما يموتون سيحملون بثقل سطوح قبورهم ما يحملونه من الأوزار,.
فالسرقة في الضوء كالسرقة في الظلام كلاهما جلد علني أو غير لهذا الإنسان,, و,, هم يمارسون الضحك في الهواء,.
أما اللص الكازاخستاني فكيف هو وجهه بعد أن تعفَّر بتراب الدَّفن؟!

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved