أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 8th December,2000العدد:10298الطبعةالاولـيالجمعة 12 ,رمضان 1421

شرفات

فتح باب الخلود واكتشاف مفتاح العمر الطويل
بإلغاء مورثة تتدخل في نشوء السرطان، تمكن العلماء من اطالة عمر الفئران وجعلها تعيش ما نسبته خمس وثلاثون في المئة زيادة عن معدل عمرها الطبيعي، وكل ما يحيط بهذه التجربة التي تعد الاولى من نوعها يحمل على التفكير في امكانية تطبيق هذه التقنية على الانسان والحصول على نفس النتائج؟!
هل تمكن العلماء من فتح باب الخلود؟ لقد بات بوسعنا طرح هذا السؤال بعد العمل الباهر الذي انجزه فريق علمي ايطالي اميركي مشترك يشرف عليه الباحث بيير جيوسيب بيليكسي من جامعة بيروز ، اذ توصل هذا الفريق الى تحقيق تقدم هام في اطالة عمر حيوان ثديي قريب من الناحية الوراثية من الانسان، وبالتالي احداث تراجع للموت الى ما وراء حدوده الطبيعية.
ويقتصر هذا الانجاز الذي نشر في المجلة العلمية البريطانية نيتشر مؤقتاً على الاقل على حيوانات تم حويلها في المختبرات الى كائنات طافرة وراثياً، ويؤكد الباحثون ان هذه الدراسة تتميز عن المحاولات السابقة التي هدفت الى اطالة عمر الحيوانات بأنها جرت على حيوان ثديي قريب نسبياً من الانسان من الناحية التطورية وتمكنت من تحقيق نتيجة باهرة.
ومن حيث المبدأ، لا شيء يمنع من ان تجد هذه التجربة الباهرة طريقها الى التطبيق على الانسان الذي سيحصل عندها على امل في الحياة لمدة أطول من معدل عمره الطبيعي بنسبة تصل الى الثلث وفي المجال الطبي، يأمل الاطباء في الاستفادة من هذه التقنية لتحقيق المام افضل بالآليات التي تؤدي الى نشوء السرطان وتطوره.
لقد اكتشف العلماء بفضل هذه التجربة ان الموت ليس نتيجة منطقية لظاهرة البلى الذي يصيب الجسم كما كانوا يعتقدون وانما هو على العكس من ذلك نتيجة آلية وراثية تقود الى اقفال باب الخلود!
وانطلاقاً من ذلك، تركز علم الباحثين في الفريق الايطالي الاميركي المشترك على فتح هذا الباب متيحين بذلك للفئران الطافرة متابعة السياق الطبيعي لحياتها وزيادة اعمارها عن المعدل الطبيعي بنسبة الثلث.
فبينما لم تتجاوز فترة حياة الفئران الطبيعية 761 يوماً، وصل عمر فئران التجربة الى 973 يوماً دون ان يؤثر ذلك سلباً على صحتها، فقد بينت الدراسات ان فئران التجربة تتمتع بصحة جيدة، وفوق ذلك كله، تبين انها باتت قادرة على توريث هذه الصفة الى الاجيال التي تليها.
وتوخياً للدقة في الحديث، ينبغي علينا التذكير بأن العلماء سبق وأن حصلوا على نتائج باهرة في اطالة مدة حياة اكثر من نوع من الكائنات الحية، لكن هذه الكائنات لم تكن متطورة وبالتالي فقد كانت مختلفة جداً عن الانسان من الناحية الوراثية.
وقد كانت تجارب اطالة معدل العمر على تقنيات متنوعة، فالتنقية التي استخدمت لإطالة حياة خميرة الخبز قامت على تنشيط مورثة تتدخل في تحديد طول العمر، اما بالنسبة لذبابة الخل، فقد قام العلماء بتنشيط مورثة مشابهة لهذه المورثة، وتمكنوا بذلك من مضاعفة عمر هذه الحشرة، الدودة الحبلية هي الاخرى شكلت موضع اهتمام علماء بيولوجيا اميركيين قاموا بإحداث طفرات عشوائية في ذخيرتها الوارثية ونجحوا في اطالة معدل عمرها الوسطي بنسبة وصلت الى سبعين في المئة.
لقد اثبتت هذه التجارب جميعها بما لا يدع مجالاً للشك ان إطالة عمر الكائنات الحية قليلة التطور يرتبط ارتباطاً وثيقاً بذخيرتها الوراثية.
لكن التوصل الى تقنيات لإطالة عمر الثدييات والتأكد من فعاليتها تطلب من العلماء وقتاً طويلاً جداً بالمقارنة مع الوقت الذي انفقوه في تطوير تقنيات اطالة عمر الكائنات غير المتطورة والسبب الرئيسي في ذلك طبعاً هو ان ذخيرة الثدييات الوراثية اكثر تعقيداً بكثير من ذخيرة الكائنات الاقل تطوراً، ونذكر هنا على سبيل المثال ان الذخيرة الوراثية عند الانسان الذي يمثل الكائن الاكثر تطوراً بين الثدييات تضم اكثر من ثمانين الف مورثة، في حين ان ذخيرة خميرة الخبز الوراثية، لا تحتوي اكثر من سبعة الاف مورثة.
ولم تثن الصعوبات الكبيرة في مجال البحث الوراثي العلماء عن متابعة تجاربهم في هذا المجال، واثمرت الأبحاث المتواصلة عن انشاء مشروع كرونوس سنة 1991 من قبل معهد دراسة البولي مورفيسم البشري CEPH، وقد تصدى هذا المشروع باشراف عالم الوراثة الشهير فرانسوا ساشتر لدراسة الذخيرة الوراثية لخمسة الاف شخص وصلوا الى عمر المائة عام بحثاً عن المورثة او المورثات التي اتاحت لهم العيش كل هذه المدة، وهكذا تم انشاء أهم بنك DNA للمئويين الذين يعيشون حتى عمر المئة في العالم كما تم اكتشاف عدة مورثات لها علاقة بطول العمر، وتبين للعلماء ان تعطيل هذه المورثات عموماً يؤدي الى امراض تقصر مدة الحياة عند الكائن وبالرغم من التقدم الكبير في هذا المجال ما تزال مورثات ما توسالم وهو شيخ جليل يعتقد انه عاش 969 سنة التي تتدخل بشكل مباشر في تحديد طول العمر مجهولة لذلك فان اكتشاف الفريق الايطالي الاميركي أتى في الوقت المناسب.
وكما يحدث في كل اكتشاف كبير، لعبت المصادفة دوراً هاماً في الاكتشاف الجديد فمنذ عدة سنوات، لاحظ الباحث بيرجو سيب ان طفرة وراثية معينة عند الفأرة تقود الى تعطيل عمل بروتين يدعى P66 ولهذا البروتين دور هام في نشوء مرض السرطان، وبهدف معرفة المزيد عن ذلك عمل جيو سيب وفريقه العلمي على تخليق سلالة من الفئران الطافرة بحيث تكون المورثة المسؤولة عن تصنيع البروتين P66 مستأصلة من اجسامها.
وبذلك تبين للباحثين ان هذا البروتين يتدخل في تحديد طول عمر الفئران.
ولفهم ذلك ينبغي علينا ان نعلم ان نحو خمسة في المئة من الاوكسجين الذي يأتي عن طريق التنفس يؤدي الى انتاج جذوريات سوبر اكسيد، وهي عبارة عن تجمعات من الجزيئات تشكل بوجود انزيم خاص هو سوبر اكسيد ديسموتاز مركباً معروفاً جداً نجده في معظم الصيدليات تقريباً هو الماء الاكسجيني ، ويتم ابعاد هذه المادة شديدة السمية بوساطة انزيم آخر يدعى غلوتاتيون بروكسيداز يقوم بتحويله الى ماء عادي.
ومع ذلك، فان هذا التوازن يبقى غير مستقر اذ يكفي ان تناقص كمية الانزيم غلوتاتيون حتى يتفاعل الماء الأكسجيني الموجود على تماس مع شوارد معدنية لاسيما شوارد النحاس او الحديد بشكل مباشر مع جذر السوبر اكسيد منتجاً جذوريات حرة اشد خطراً على خلايا الجسم من الماء الاكسجيني.
في هذه المرحلة بالضبط يتدخل البروتين P66 ويكون تدخله بطريقتين مختلفتين فإما ان يمنع الخلايا من تجديد نفسها عن طريق نظام الترميم الذي يتمتع به الجسم واما ان يبرمج موت الخلايا بال ابو تبوز اي انه يجبرها على الانتحار.
وطالما بقي الجسم شاباً ومتمتعاً بخلايا تجدد نفسها باستمرار لا يؤدي هذا البروتين الى اي ضرر بالصحة، وفي المقابل، عندما يهرم الجسم، يؤدي عدم ترميم التلف الذي يصيب الخلايا او دفعها الى الانتحار الى الاسراع في الموت.
فوائد مضادات الجذوريات الحرة
لا تعاني الفئران الطافرة التي عمل العلماء على تخليقها في المختبر من المساوئ التي تقدم ذكرها اذ ان خلاياها لا تتوقف عن ترميم نفسها على الرغم من تقدمها في السن كما ان برمجة موتها تتعطل نتيجة لذلك تعيش هذه الفئران، مدة اطول.
ويؤكد العلماء ان ثمة احتمال كبير بوجود مورثة البروتين P66 عند الانسان لانه لا يختلف كثيراً عن الفئران من الناحية الوراثية، وعلى اي حال، فان الانسان اقرب وراثياً الى الفئران منه الى خميرة الخبز، مع العلم ان ثمة مورثات موجودة عند هذا الفطر المجهري تبين وجد مثيلات لها عند الانسان فما بالك اذا كان الامر يتعلق بمورثات الفئران.
لكن العلماء يبدون في هذا الخصوص تفاؤلاً مشوباً بالخوف موضحين ان ثمة مسافة كبيرة جداً تفصل بين هذه الاكتشافات التي لا تزال في بداية الطريق والتوصل الى تقنية تسمح باستئصال المورثة المسؤولة عن تشكيل البروتين P66 في حال العثور عليها طبعاً من جسم الجنين البشري بهدف اطالة معدل عمره.
لقد اثبت اكتشاف الفريق الايطالي الاميركي فرضية كانت مثار جدل بين العلماء تقول بأن الجذوريات، الحرة تعد احد اهم الاسباب المؤدية الى شيخوخة الخلايا وان الانماط الغذائية التي تقوم على تناول مضادات الجذوريات الحرة كالفيتامين C,E تفيد في تجنب اثرها الضار، وبالتالي فقد اصبح اتباع مثل هذه الانماط الغذائية معللاً علمياً، كما ان نمط الغذاء المتوسطي الذي يقوم بصورة أساسية على تناول الفواكه والخضار وزيت الزيتون يمنح المتوسطين معدل الاعمار الاطول في العالم يشكل خير دليل على صحة هذه الفرضية.
ويقول الباحثون ان هذا الاكتشاف يفيد في إلقاء مزيد من الضوء على الدراسات السرطانية حيث ان الخلية السرطانية هي خلية عادية تتمتع بخاصية عدم قابليتها للهرم او الموت اذا ما توفر لها الغذاء والشروط اللازمة لحياتها، وحقيقة انها قادرة على تعطيل برمجة موتها وانها تتوقف عن ترميم نفسها وفق الباحثين الى التفكير بأن للبروتين P66 دوراً هاماً في الميزات التي تتمتع بها.
وفي النهاية يبرز سؤال هام الى الذهن عن السبب الذي منع هذا البروتين من الاختفاء في سياق عملية التطور، ان وراء هذا السبب مفارقة ينبغي على العلماء تفسيرها!؟
مترجمة عن البحث

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved