أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 13th December,2000العدد:10303الطبعةالاولـيالاربعاء 17 ,رمضان 1421

مقـالات

رقمٌ خارجَ الذاكرة,,!
إبراهيم عبدالرحمن التركي
(1)
**نبني كما كانوا
ويبني مثلَنا من جاء بعدا,.
الشيءُ شبهُ الشيء,.
والرقمُ ذات الرقم,.
واليوم يتبعُ أمسَنا
كُرهاً وسعدا,.
** قل قولَهم,.
صن ذكرهم
واحفظ لهم ودّاً وعهدا,.
كرّر مآثرهم
وزد إن شئتَ وعدا,.
فالناتجُ الملموس يلزم
بارتباط الرقمِ عدا,.
بالجدول المألوف,.
أنتَ كما أنا
تيهاً,, ومجدا,,!
***
(2)
وطولُ مُقامِ المرء في الحي مُخلقٌ
لديباجتيه فاغترب تتجدد
أبو تمام
***
ومشى الزمانُ عليهمُ حتى إذا
مات الإباءُ مشى على الأحفادِ
عبدالكريم الكرمي
(أبو سلمى)
***
كلُّ إنسان يركضُ وراء ذاته,.
علي الوردي
***
3/1
** روى أبو الفرج في الأغاني :
* قال الوليد بن يزيد لحماد الراوية:
** بم استحققت هذا اللقب، فقيل لك: الراوية؟
* فقال:
** بأني أروي لكل شاعر تعرفه، يا أمير المؤمنين، أو سمعت به، ثم أروي لأكثر منهم ممن تعرف انك لم تعرفه ولم تسمع به، ثم لا أنشد شعراً قديماً ولا محدثاً إلا ميزت القديم منه من المحدث.
* فقال:
** فكم مقدارُ ما تحفظ من الشعر؟
* قال:
** كثير, ولكن أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مئةَ قصيدة كبيرة سوى المقطّعات من شعر الجاهلية دون شعر الإسلام.
* قال:
** سأمتحنُك في هذا,.
* وأمره بالإنشاد,, فأنشد حماد الوليد حتى ضجر, ثم وكل به من استخلفه ان يصدقه عنه ويستوفي عليه فأنشده ألفين وتسعمئة قصيدة للجاهليين.
** وأخبر الوليد بذلك، فأمر له بمئة ألف درهم.
(انتهى)
أغاني الأغاني مختصر الأصفهاني
المجلد 1/ ط3/ 1993م
دمشق / دار طلاس/ ص 472.
***
3/2
** وإذن فالحافظةُ انجاز يضاف إلى الاعجاز العربي، الصوتي مؤمنين بأن ما فيهم من إبداع لم يكن جديداً وانما توارثه آباءُ آبائِهم قبلُ,, وإذا حُقّ لهم ان يسعدوا بمثل هذه الذاكرة لزمنهم المختلف فإن لنا ان نتأمل قليلاً بمعنى هذا التفوق الفردي الذي يظل محصوراً في دائرة خاصة يمكن لها ان تتسم بتفوق خارق، وليس لها أن تعم مدارات الثقافة والتعليم لنصبح اسرى لمعنى: (ذاكر/ وتذكر/ وذكر/ وذكرى/ ومذاكرة)، وما دار في فلكها فأصابنا بدوار الحفظ والتحفيظ والمحافظة ,,!
***
(4)
** تجمعنا الأيام والليالي بأناس ذوي مواهب استثنائية، فننبهر بإمكاناتهم في استرجاع التواريخ ومعرفة الأنساب ورواية الأشعار واستظهار الأرقام ، ونقارن أنفسنا بهم فنشعر بحجم الفرق ومقدار الفقر ، ونعجب ونتعجب,, ثم تنتهي الحكاية,.
** هكذا نبدو ويبدون، ونفترض مخطئين ان هؤلاء النوابغ لا يتكررون، وندرك أن الثقافة العربية تحاولُ وان لم تستطع إحالةَ الأمة كلها الى مجموعة حفاظ يعينهم في ذلك منهج مدرسي، واحتفاء مجتمعي ، ولغة اعلامية ,,!
***
(5)
** يبدأ الطالبُ/ الطفل أولى سنواته مطالباً بحفظ الكتاب، وينتهي الطالب / الفتى ثم الشاب محاكماً من خلال ترديد الأدلة ، واسترجاع المتن ، وحفظ خلاصات النحو ، وعمليات الضرب، وقوانين المعادلات، والجداول الدوريّة، والنواتج العلمية الفيزيائية والكيميائية,.
** ولا يزال الزمن يعيدنا إلى معلمينا الأفاضل ممن كانوا يحثوننا على استظهار المثال مع القاعدة ، أو وضع خطوط عريضة تحت النقاط المهمة ليسهل علينا حفظها، ومضينا حتى اذا افترضنا اننا في مقاعد الدرس الجامعي أيقنا أن لا فرق وظل أساتذةُ الجامعة أو كثير منهم يقُوِّمُون أداء الطالب بمقدار ما يكتبه في دفاتر أو أوراق الاجابات,!
** ونقارنُ وتبدو المقارنة مفارقة فنرى جامعات الغرب معتمدة على تركيز معنى الفهم وظهرت منهم لا منّا أنماط الأسئلة الاختيارية وذاتِ الاجابات المتعددة واختبارات الكتاب المفتوح ، والتقويم الشامل ونحوها.
(6)
** استمرأت مجتمعاتُنا رغم التغيّرات حولها أن يظلّ نظامها التعليمي منتهياً بتخريج أفواج الحفظة حتى إذا استقروا في أعمالهم وجدنا أن مقدرتهم محدودة في إمكان الخروج عن المألوف ، أو تغيير النمطيّة ، فكرروا سالفيهم واستمرأُوا أساليبَهم بل وتعابيرَهم ، وساروا على نهج محفوظاتهم من اللوائح والقواعد التنفيذية وأصبح مَن يستوعب النظام حفظاً شخصاً مرجعيّاً مهمّاً يشار إليه بالبنان.
** وهكذا فلم يقف التقليد والترديد مقصوراً على الصغير فقد كبر ومارس الدورَ نفسه على الجيل بعده، وهؤلاءِ على من بعدهم وتكرر بهؤلاء الحفّاظ جيلُ حماد الراوية فاغتنوا وان لم يُغنوا، وأضحت الوظيفةُ مساراً محفوظاً لا تجديد فيه وانما يسير الأخيرون فيه على هامِ الأوالي كما قال أبو العلاء ,,,!
** وقبل هذه الممارسات أضحى المسؤول مستنسخاً ممن سبقه ، وكل ما يقوم بتغييره بعيداً عن محفوظات المنصب شكل أو لون أو أشخاص يمثلون جوقة جديدة لاستعادة ما قاله سابقوهم أو مستنسخوهم ,,!
***
(7)
** يجيء احتفاؤنا بحماد الراوية ومعه حماد عجرد ، وحماد بن الزبرقان ، وخلف وثعلب وأمثالهم وان تفاوت حكمنا عليهم ممثلاً تأصيلاً فكرياً للثقافة الفردية المعتمدة على القدرات الخاصة، ومتجاوزة أو مهملة - من حيث تدري أو لا تدري - البناء المؤسسي الجمعي النائي عن اجتهاد شخصي أو مرجعية خاصة ,,!
** تغيّر الوقتُ ولم نعد بحاجة إلى الحمّادِين وأشباههم,, إلا في إطار رصدِ التاريخ الشفهي ، ومع ذلك توالى الأسلوب المدرسي في التكرار، فكما ظلت مناهجُنا وطرائقنا صالحةً لأبنائنا، وستكونُ كذلك لأبنائِهم، فان البُعدَ المهمّ المتأثرَ في هذه العقليّة هو الإعلام الذي استمرّ بلوازمِه ووسائِطه كما كان في الأيام الخوالي,,!
** خذوا الإذاعيين نموذجاً، فقد ظلت مقدماتهم واستفهاماتهم وبرامجهم وجملهم كما كانت مع من قبلهم، ولا نزال نسمعهم أو نشاهدهم دون أن نلحظ تجديداً في الطرح أو الأسلوب أو اللغة، بل نال من حاول منهم شيئاً من ذلك بعض العتب,,!
** والأخبار نموذج آخر لمحفوظات الصياغة والاعادة ، وأضحى بمقدور طالب مبتدئ ان يضع خبراً مهمّاً بمجرد إبدال المكان والزمان والأسماء، فإذا هو أمام خبر جديد بإهاب قديم,,!
** ولم يقف أمرُ الأخبار في تكرار الشّكل والاسلوب وإنما في تكرار الموقف ، ولم يؤذن للمحرر باختيار ما يشاء من شبكة المعلومات العالمية بل هو مطالب بمتابعة ما قاله القبل وارتضاه البعد ,,!
** وكما الإعلام المرئي والمسموع فان الاعلام المقروء نسخة مشابهة لما كان، والتبديل محصور في ورق أو لون أو شكل مع وجود بعض الاجتهادات المتفرقة التي تمثل شذوذاً يؤكد القاعدة,.
* * *
8
وتقول بوزع قد دببت على العصا
هلا هزئت بغيرنا يا بوزع
** ويبدو ان حكايتنا مع محفوظاتنا تشبه حكاية جرير فلا تزال الأجيال تردد مقولة بوزع لمن سبقها مؤمنة ان الشيخوخة تطال مناهجنا ومدارسنا وإعلامنا وإدارتنا وأنماط شخصياتنا لنرتبط جميعاً بما يسمى Stereo Type يلف المجتمع فلا يستطيع الفكاك من اساره,,!
** ما الذي تغير في أسلوب التعليم والاعلام منذ أمد عمّا هو عليه الآن,, أفلسنا نحن نسخة من هم ؟ وهؤلاء تكراراً لأولئك,,؟ وأين احتفاؤنا بالعقل المنطلق، والفعل المجدد، والمنهج المتطور المختلف,.
***
9
** نكرر آباءنا، ويكررنا أبناؤنا، وتتوالى المنظومة على طريقة شاعرنا المبدع الغائب محمد الخلف الميموني:
** أنا أبي، وأبي جدي سئمتهما
إني لأخجل من تكرار أدواري,.
** وهو هنا لا يعني الاطار الوراثي المرتبط بالعلاقات السامية بين السلالات، ولكنه يتمثل المسرح الحياتي يتناوب عليه الممثلون بالأداء نفسه,.
** احترق المسرح من أركانه
ولم يمت بعد الممثلون,.
** وفي كلمات نزار نقطةُ النهاية لبداية لم تزل، أو بدء لا ينتهي,, وقد نعود لنعيد ففي الاعادة افادة ,, أوليس هذا أحد أمثالنا العتيدة,, أو لسنا بعض الممثلين العتيدين,,؟
* تُفتح الستارة ,, فيصفق الجمهور,,!
IBRTURKIA@HOTMAIL.COM

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved