أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 14th December,2000العدد:10304الطبعةالاولـيالخميس 18 ,رمضان 1421

مقـالات

توطين الحاضرة!!
يوسف بن محمد العتيق
نالت الحركة الرائدة والمتميزة التي قام بها جلالة الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه المتمثلة في توطين البادية في اماكن محددة مع توفير أهم مقومات الاستقرار السكاني والإقامة الدائمة,, أقول: نالت هذه الحركة عناية كبيرة من قبل الكثير من الدارسين والمعنيين بتاريخ الجزيرة العربية الحديث؛ والدولة السعودية في مرحلتها الثالثة؛ فقد كتب عنها الكثير وتضمنت هذه الكتابات الإشادة والمناقشة والتحليل والدراسة لهذه النقلة النوعية في تاريخ الاستقرار السكاني في جزيرة العرب.
ولعلّ الحديث عن آثار ونتائج هذه الحركة الرائدة يطول ويطول جدا؛ وبحسب القارى الذي يريد التوسع والبحث في هذا الموضوع أن يراجع الرسالة العلمية الجادة التي كتبتها الأميرة الدكتورة موضي بنت منصور بن عبدالعزيز آل سعود تحت عنوان (الهجر ونتائجها في عهد الملك عبدالعزيز) ونشرت هذه الدراسة في لندن عام (1993م) في أكثر من (400 ص).
لعلّ هذه الوقفة الصادقة من الملك عبدالعزيز رحمه الله تجاه رجالات البادية حينما أعانهم بعد الله على الاستقرار في مكان واحد من أجل أن يأخذوا الفرصة المناسبة في الاستزادة في الجوانب العلمية التي من غير الممكن حصولها مع التنقل من أجل طلب الماء والزاد والعشب والمحافظة على رأس مالهم الثمين ألا وهو الماشية؛ فحصل من هذا الموقف الصادق الأثر الكبير والفعال في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وطبعا العلمية.
وعموما فوائد الاستقرار أكثر من أن تحصر في مقال أو يحويها كتاب وليس يخفى على القارىء الكريم أن أولى صفات المجتمع المثمر والفعال هي الاستقرار في جميع الجوانب حتى يبدأ هذا المجتمع في القيام بدوره الإنساني والحضاري.
ومتى ما تزعزع الاستقرار لن يكون هناك أي تقدم في أي مجال من مجالات الحياة؛ فمتى يستطيع الخائف أو الجائع أن يبحث أو يفكر!!؟
وعلى العموم فكل ما ذكرته هنا إنما هو مقدمة لموضوع أصبح الشغل الشاغل لفئات كثيرة من الناس ليس في بلادنا، فحسب بل في العديد من دول العالم؛ ألا وهو هجرة أبناء المدن الصغيرة والمتوسطة وتركها الى المدن الكبرى تحت مظلة العديد من الأسباب التي تؤول في مجملها الى الأسباب التالية فيما أعلم:
1 طلب العلم والتعلم في مراحل عليا لا تتوفر في المدن الصغيرة والمتوسطة أو الدراسات المهنية التي عادة ما توجد في المدن الكبرى التي تحفل بالمصانع والمدن الصناعية.
2 طلب الرزق والبحث عن فرص أكبر لتوسيع مصادر الدخل إذ إن المدن الصغيرة تكاد تنحصر الموارد المالية فيها على الوظائف ومشاريع تجارية محدودة جدا في الغالب أن العمالة الأجنبية هي التي تقوم بها مثل الزراعة وإنتاج اللحوم ونحو ذلك.
3 العلاج والبحث عن أسباب الشفاء إذ إن المستشفيات في المدن الصغيرة والمتوسطة عادة ما تكون تتكفل بحالات علاجية محددة ومتى ما تجاوز المرء ذلك فالتحويل يكون للمدن الكبرى.
4 ومن الأسباب التي قد تكون موجودة لدى البعض رغبتهم في الدخول في مجتمعات جديدة وإقامة علاقات اوسع مع وجوه أخرى غير التي تعودوا على رؤيتها فبعض الناس اجتماعي بطبعه.
5 ومن الأسباب التي يرى البعض أنها وجيهة وموجودة بالفعل أن المجتمعات الصغيرة تنشغل بأمور قد تكون ذائبة في المجتمعات الكبيرة وعلى رأس هذه الأمور الانشغال بالآخرين والتحدث فيهم ونقد ما يقومون به من أعمال أو انتقاص الآخرين من جراء أمور لا تستحق النقد لكن الفراغ له دور كبير في ذلك.
وعلى العموم الأسباب تختلف من شخص لآخر والمهم في هذا كله أن هناك رغبة كبيرة عند الكثير من أبناء المدن المتوسطة والصغيرة بالسكن في المدن الكبرى.
ولا شك أن مثل هذه الرغبة سيكون لها آثار تحتاج الى دراسة وإعادة نظر وهي كثيرة تختلف اشكالها وتتعدد صورها؛ لكن يكفي أن أشير الى بعض منها وباقتضاب شديد؛ فعلى سبيل المثال عادة ما يكون المتنقلون هم من الشباب مما يعني عدم استفادة أهاليهم منهم وبخاصة إذا كان الوالدان من كبار السن وممن يحتاج الى رعاية وخدمة؛ إضافة الى عدم استفادة هذه المدن الصغيرة والمتوسطة من بعض المرافق التي وضعت لهؤلاء السكان عندما لا يوجد من يستفيد منها؛ كما أن بقاء الشاب بمفرده أو مع رفقة في سنه في مدينة كبيرة دون رقيب أو متابع قد يكون له آثار غير حميدة على بعض هؤلاء الشباب الذين قدموا للمدن الكبرى طلبا للعلم أو بحثا عن مصدر للدخل.
وفي ظني لو أن الجهات المعنية درست هذه الظواهر دراسة متأنية وهي لاشك مهتمة بذلك لكان هناك اكبر الاثر على سكان هذه المدن من جوانب عدة؛ لعلي أذكر بعضا منها:
1 استقرار الكثير من أبناء الوطن في مناطقهم مما يعني قدرة أكبر على خدمة الوطن في جميع المجالات واستفادة أكبر من مقدراته وثرواته.
2 كلما تنوعت مصادر التعلم واختلفت أماكنها كان هناك إمكانية أكبر لمعرفة النوابغ واكتشافهم الذين قد يكون بعضهم مغمورا في بلدة صغيرة أو مشغولا بطلب الرزق عن العلم والبحث والتحصيل.
3 الحد من التضخم السكاني في المدن الكبرى والذي لا تخفى أضراره في المجالين الاجتماعي والأمني.
4 تعدد وجود الأماكن الثقافية العلمية والترفيهية في جميع مناطق البلد؛ وهذا له أكبر الأثر في ان يكون الوطن بجميع مناطقه شعلة نشاط تعرف ما عليها من واجبات وما لها حقوق.
فوجود أفرع الجامعات والمراكز الثقافية والأندية الأدبية في أكثر من مكان في وطننا المعطاء سيجني ثمارا كبيرة على كل فرد من أبناء هذا الوطن الذي تعودنا من قيادته العطاء بدون حدود على كل مواطن؛ وهذه شيمة أبناء جزيرة العرب والمكارم.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved