أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 14th December,2000العدد:10304الطبعةالاولـيالخميس 18 ,رمضان 1421

مقـالات

الرسائل العلمية المعاصرة بين:
المشرف والباحث والحضور
صالح بن سعد اللحيدان
يُعتبر المشرفُ على الرسالة العلمية والذي يلتصق به الباحثُ التصاقاً وثيقاً يُعتبر مُساهماً مُساهمة كبيرةً في إعداد الرسالة التي يتقدم بها الباحث للحصول على درجة الدكتوراة أو الماجستير، وهذا أمر معلوم من حال طبيعة البحث وطبيعة الإشراف ذلك أن المشرف على الرسالة هو من يعتبر نفسه استاذاً قديراً إذا تجاوز الباحث أثناء المناقشة جسر النقد في النقاش العلمي الذي سوف يكون في غيبيات مبهمة لايعلمها إلا الله سبحانه وتعالى:
ولقد يكون وضعُ المشرف ووضع الباحث في حال من التوجس والتوقع والتحري وفي حال من المفاجأة العلمية التي لم تتوقع من قبل خاصة إذا كان العضوان أو كان أحدهما من ذوي التخصص الدقيق الموهوب في موضوع الرسالة، ومن هنا يقع الباحث كما يقع المشرف في ضيق لابد منه وان بدا ما لا بد منه أن يبدو من: الإطراء إلخ على الرسالة وصاحبها: من جهد ووقت وفهم ودقة,, الخ,.
إن صورة الباحث وصورة المشرف تبدوان أمام الحضور اشبه ماتكونان بمحاكمة عادلة أمينة نزيهة صادقة غير كاذبة، أليست أمام هذا: الحشد,,؟
أليست: علنية مكشوفة,؟
أليست: ذات بعد مهيب عادل,؟
أليست: لمحاكمة جهد علمي غير مسبوق,؟
أليست: لبراءة الذمة؟
أليست: للحكم لهما أو عليهما,؟
أليس: في الحضور من هو عالم موهوب أو طالب علم متمكن أو ذو تخصص في مسألة ما مما يتناوله الباحث،,؟
كل هذا ومعه غيره يجعل الجو: مهيباً مترقباً وسوف وان تجاوز الباحث الجسر ونال الدرجة مهما كانت سوف لن ينجو من بعض الحضور وان حصل ماحصل من تجاوز أو مجاملة لصفة من الصفات.
ناهيك بما قد يحصل للباحث وان بدا مسروراً بما يحصل لديه من تأنيب ضمير وفرقعة الأصابع مما حصل من تجاوز لبعض النقاط والتوصية بعد ذلك بإعادة النظر عند طبع الرسالة، إن المشرف والباحث كليهما ما في ذلك شك يشتركان في كل شيء وان كان الباحثُ نفسه هو من يعنيه الأمر من قبل ومن بعد، ولقد كنت قبل الآن بينت ما يحتاج الأمر فيه إلى بيان فيما يخص ذات الرسائل بوجيز من النقد رأيته حسب تجربتي وفهمي، لكن فحوى هذا: ينصب الى بُعدٍ لابد منه لعلم أعمق مما سلف نظره من قبل ان ينصب إلى دقائق علمية ودقائق مهمة ونكت تقعيدية سها عنها الباحث فتركها المشرف لعدم أهميتها أو لكون ماذكره الباحث من جزءٍ منها يغني عنها، بينما هي أصل مهم وركن ركين لابد منه وكون هذا كذلك فلأنه ينبني عليه احكام علمية دقيقة جداً بل هي من الأهمية والدقة والحاجة إليها كركعات وسجدات الصلاة سواء بسواء.
وترك مثل هذا وتجاوز بعض المشرفين عنه وعدم ذكره حتى بعد طبع الرسالة امر غاية في عدم اكتمال الطرح العلمي الذي لا يكمل ولن يكمل إلا باستيفاء وتثبيت النظر من جميع الوجوه مادام البحث يقتضيه.
وليس هذا مني يخص رسائل علمية خاصة في نظر معين بل ما أكتبه عند تأمله وسبره قد يقع في دائرته: رسائل في الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء والاجتماع والإدارة والسياسة والاقتصاد.
فعند التأمل والتأني وعمق النظر مع استدعاء نفسي يتبين النقص في جزئية تُركت لعلها من أهم مايجب ذكره لكن التساهل او العجلة لامر من الامور يوقع الباحث والمشرف معاً في مطب صعب.
ويندر ولعله يندر في الرسائل من يثق أنه سوف ينال الدرجة بصفة من الصفات فهذا النوع لا أتناوله لكن ما مضى أعنيه إذ هو محط النظر عند الاقتضاء في مثل هذا النقد الذي هو اجتهاد من مُقل، ولعل الأمثلة تبين لنا جميعاً الخلل الحاصل في بعض الرسائل ناهيك بغيرها من الدراسات والبحوث التي تظهر بين حين وحين وتحتاج الى نظر مكين واسع محيط لحاجتها الى ذكر ما يكون قد تركته وهو من: الأهمية بركن ركين، سوف أُبين هنا بعض الأمثلة التي قد تركت من بعض الباحثين فأثرت في الرسالة، وأثرت في الباحث وينال المشرف من ذلك نصيب موفور كما ينال العلماء وذوي التخصص كلا في مجال علمه ينالهم اللوم ليس في نقد الرسائل بل أيضاً في كل ما تدفعه دور النشر من: كتب، وكتيبات تحتاج الى نقد وبيان.
ولعل أصحابها هم أول من يرحب بالنقد والبيان، أليسوا ينشدون الحق؟
أليسوا يحتاجون إلى عاضد ودال؟
أليسوا غير مكملين أنفسهم مهما بلغت الدرجة؟
في رسالة بين يدي هي رسالة دكتوراة نال صاحبها درجتها بامتياز، وقد نالت إعجابي فنظرتها مراراً أبدي وأعيد وها أنذا أبين ما بدا لي عليها: ففي الهامش حول بيان تفرد الراوي قال ما بين ص381و/401/402/403: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان قرأ في: الأضحى والفطر ب:ق و:اقتربت الساعة هذا تفرد مطلق، والحديث ضعيف بسبب التفرد ثم ذهب في قرابة عشر صفحات يبين اهمية سورة :ق وسورة اقتربت الساعة,
وهذا منه اجتهاد وبذل ونصح، لكنه أبعد النجعة ومال عن الطريق إذ أدخل البحث العلمي المتناهي بمجرد الوعظ والسرد الخطابي بجانب خطأ ما ذكره عن التفرد فالحال كما يلي حسب علمي أبينها هنا: الحديث ضعيف كما قال لكنه لم يُبين سبب الضعف بل بيّن فقط العلة وبيانها على ما رسم خطأ، ذلك أن التفرد ليس نوعاً واحداً بل هو: خمسة أنواع من حيث التفصيل.
ونوعان من حيث الإجمال.
فلم يتعرض لهذا أبداً مع أن الحاجة ماسة إليه فهناك تفرد مطلق.
وهناك تفرد مقيد.
وما ذكره من حديث قراءة ق واقتربت الساعة هذا من النوع الثاني وهو التفرد المقيد لأنه قد تفرد به ضمرة وهو: ثقة لكن هذه الرواية جاءت من جهة: عبدالله بن لهيعة، وروايته ضعيفة.
فلم يشر الباحث إلى هذا أبداً لكن لا أدري كيف فات هذا على المشرف,؟
وفي صدر ص218/219 خلط بين مذهب الكرامية والجهمية في تعريف الإيمان فلم يُبيّن ما تتفق فيه هاتان الفرقتان.
وان كان قد ألمح إلى هذا لكن لازم التفريق مهم في بابه لأن عدم بيان ذلك يوجب تداخل أفكار المذاهب فيقع الخلط وحينئذ يقع اللبس فتدخل البدع عن طريق هين.
وبين يدي رسالة ماجستير فيها جودة وفيها خير كبير لكن ما يلزم بيانه هنا ما يلي:
1 عدم بيان الفرق بين: المغني والمغني والشرح الكبير.
ولعله نتج عن: ان الكتابين شيء واحد، وهذا حق لكن بيان الفرق بين: المتن والشرح أمر لا بد منه.
2 لم تتم كافة التخاريج.
3 لم يفرق بين الحج عرفة,, والحج الأكبر وقد رأيت مثل هذا كثيرا يقع حتى من: الدعاة والمذكرين لكن التفريق من ضوابط النظر لما ينبني عليه من أحكام.
وهذه رسالة عن الإدارة أصلها وسياستها لعلي أجزم أنها رسالة ماجستير لم يمر عليَّ مثلها لما اتسمت به من حسن السبك ودقة التناول وأمانة النقل لكن كل هذا لعله يفتقر إلى التأصيل في مسألتين ذكرهما الباحث لكنه لم يؤصل مسألتهما على وجه يقوم به ضابط البذل لبحث مسألة ذات عمق بعيد.
فعند بحث أصل الإدارة جاء أن أصلها يعود إلى آراء ونظريات وتجارب أصحاب الشركات والمؤسسات فهم من خلال تجاربهم وآرائهم أسسوا علم الادارة كبنية أولى وذكر بعض أسماء من: أوربا وأمريكا، ومع أنه يتحدث عن أصول الإدارة هكذا إلا أنه أبداً لم ينظر الإدارة العامة والإدارة الخاصة وسياسة التوجيه الإداري ووضع أسس الإدارة النظرية والعملية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والأربعة من بعده ومعاوية وعمر بن عبدالعزيز ولستُ أدري سبب هذا، ولا مندوحة من القول أنه ترك هذا لظنه عدم وجود مراجع لهذا مع أن المراجع في هذا كثيرة في كافة مناحي الإدارة بل لو عاد لسياسة إدارة يوسف عليه السلام لوجد ما يغنيه فكيف بمن دونت أخبارهم في الكتاب والسنة,
وعلى أنني هنا أُشدد على ضرورة استقصاء البحث مع طول النفس وسعة التأمل ولو طال الوقت.
والذين ينظرون البحث على أنه لابد أن يكمل من حيث كمال النتيجة إنما هم يتعجلون للوصول الى ماقد يفوتهم وان ظنوا أنهم أدركوه فجلبوه لكن على الباحث أياً كان أن يجتهد ولا يقطع من أجل جعل الباب مفتوحاً أمام من سواه وحتى يخرج من دائرة اللوم عند بسط النظر حول ماطرحه وبحثه واستقصاه.
ولست أظن أن أي باحث ولا حتى المشرف على البحث يقطع أنه وصل الى المراد وسبق غيره.
لكن يجتهد كل من هذا وذاك جاعلين الباب على مصراعيه أمام كل من يحسن الدخول من خلاله وهو من أهله بأمانة وثقة وعلم وفهم وها هو كتاب في النقد الأدبي يحوم حول الشعر الجاهلي فقط وان غالبه منحول ومنقول والكاتب يرمي إلى طه حسين أنه أول من قال بهذا ويدلل ويعلل.
وقد ظهر لي تخبط المؤلف تخبطاً أنساه الاعجاب كل معايير: النقد وضوابط كتابة تاريخ وظروف ومنشأ الشعر الجاهلي إنما سار لايلوي على شيء كما أفاد: طه حسين وطه حسين اجتهد في هذا لكن لم يصب كما أن كتابه في الشعر الجاهلي والذي غيره بعد ذلك إلى عنوان آخر هو: في الادب الجاهلي ليس له أقصد أصل فحواه إنما نقلة نقلها من مرجليوث .
وطه حسين نفسه على اعتبار ابتدأ نفيه للشعر ليس هو أول من قال ذلك، فهذا ابن سلام يذكر هذا لكنه لاينكره أبداً لكن ذكر أن في الشعر الجاهلي ما هو منحول.
ومرجليوث قصده وهو: نصراني مبشر نفي صلة العرب بأهل الشمال والمشرق قبل البعثة المباركة, وهذا قد نقله عنه طه حسين ثم ردده آخرون عنه كل بلفظ وألفاظ تؤدي ذات المعنى يقول الناقد المتمكن د, مفيد قميحة في كتابه المشهور المعلقات العشر شرح ودراسة وتحليل ص30/31/32 حتى ص49 :إن الشعر الجاهلي ليس شعراً منتحلاً أو مختلقاً، بل هو شعر ثابت الحقيقة والجذور، وان الذي وصلنا منه لايمثل إلا غيضاً من فيض، وقد ضاع أكثره مع ضياع الذاكرة الإنسانية موتاً أو سهواً، وهذا التشكيك عند بعض الباحثين في مصداقيته مرده إلى افتراضات واهية حاول أصحابها عن طريق إضفاء صفة البحث والعلمية والجدلية المنطقية والاستناد الى بعض الروايات الضعيفة والطعن بصدق ما نقله الرواة أن ينفوا عن العرب الجاهليين هذا الشعر الذي يدل اكتماله بهذا الشكل والفنية والغنى والتنوع على أن العرب كانوا قبل الإسلام يمتلكون كل مقومات الأمة التي تمثلها وحدة اللغة مضافة إلى وحدة الانتماء والوجود، ولذلك نرى بعض المستشرقين المنصفين يدحضون مزاعم المنكرين للشعر العربي برمّته ويخطئونهم فيما ذهبوا إليه من مزاعم وافتراءات, يقول بروكلمان: ومن ثم يعد خطأً من مرجليوث وطه حسين أن أنكرا الكتابة في شمال الجزيرة العربية قبل الاسلام بالكلية ورتبا على ذلك ما ذهبا إليه من أن جميع الأشعار المروية لشعراء جاهليين مصنوعة عليهم ومنحولة لاسمائهم، ويشير بروكلمان أيضاً إلى ناحية مهمة تؤكد صحة أكثرية الشعر الجاهلي وتغلق المنافذ بوجه المتشككين فيقول: على أنه بالرغم من كل العيوب التي لم يكن منها بد في المصادر القديمة يبدو أن القصد إلى التشويه والتحريف لم يذهب إلا دوراً ثانوياً، من هنا يمكننا القول: ان الشعر في الجاهلية كان من الوفرة بمكان وان ما وصل إلينا منه ليس شعراً منحولاً .
قال ابن لحيدان: وان الذوق الادبي الموهوب والحس المرهف وشفافية التذوق تبطل ادعاء القوم خاصة وان الشعر الذي أنكره هؤلاء لم ينكروه إلا لحاجة ظاهرة في لسان الحال ولسان المقال ومن يتلمس كتاباتهم هنا وهناك يدرك جزماً سوء تصرفهم وما قصدوه أصلاَ من وراء ماذهبوا إليه.
ولقد كان على صاحب كتاب النقد الأدبي الذي ذكرناه آنفاً أن يستشعر خطورة العجلة ومدى زلل الرأي الذي لم يتكئ إلا على هش من القش لايقوم.
وكم أنا أطمح جداً من ذوي العقل الحر الكريم أن يوازنوا وأن يسيروا على منهج علمي متجرد يذكره لهم الآخرون بمر القرون.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved