أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 14th December,2000العدد:10304الطبعةالاولـيالخميس 18 ,رمضان 1421

الثقافية

نهار جديد
الشعر من أجل العدل والحق والخير والجمال
عبدالله بن سعد اللحيدان
ما علاقة الشاعر الجديد بالمتلقّي، أو أين يقع المتلقّي بالنسبة للشاعر قبل وأثناء وبعد العملية الإبداعية وهل يتم تحديده، وهل يُشكّل سُلطة من نوع ما تُضاف إلى مجموعة السُلُطات المحيطة بالشاعر، وهل تُشكّل هذه العلاقة دافعاً لإبداع الشاعر أم عائقاً له، وماذا يمثل الشاعر بالنسبة للمتلقي، وفي عصرنا الجديد، إذ ان لكل عصر ذائقته وظروفه وثقافته، وفي عالمنا اليوم، إذ ان العلاقة مع الشعر تختلف من إنسان إلى آخر ومن وقت إلى آخر، ومن المسؤول عن تحديد هذه العلاقة ومستوى الالتزام بها وحدودها ومتى يتم تجاوزها، وما ينتج عن ذلك من آثار ايجابية أو سلبية على الشاعر والمتلقي وعلى اللغة التي تجمعهما؟
ربّما نحتاج إلى حديث أو استعراض أو رصد يتداخل مع التواريخ والأمكنة والمفاهيم قبل البدء في مقاربة هذه الأسئلة ومحاولة إقامة حوار حولها، عدا عن محاولة الإشارة إلى علامات قد تطرق أبواب الإجابات وقد يُفتح لها وقد تنتظر.
ربما كانت أولى هذه العلامات هي التساؤل: لمن يُكتب الشعر، وماهي وظيفة هذا الإبداع الذي ملأ ويملأ الأزمنة والأمكنة وخلد ويخلد على الرغم من انقراض وموت كثير من الكائنات والأفكار والقناعات والحضارات والعلوم، وحتى بالنسبة للشعر الذي يناجي ذاتاً أو حبيبة مخصوصة وفي لحظة ومكان محددين، وهل هو فن ونشاط فردي أم جماعي في حالتي قوله وتلقّيه وهل يتوجّه إلى فرد أو أفراد أو جماعات ضمن ظروف زمانية ومكانية محددة أم إلى كل فرد وكل جماعة يتكلمون نفس اللغة وفي أي زمان ومكان، وكيف يصل إلى هذا المستوى وإلى القدرة على تعميم التجربة كمشترك إنساني، وماهي الوسائل التي تمكّنه من تحقيق هذا الحضور، ولماذا يسقط الإبداع ويبقى كمعنى أو شرح فقط للنسخة الأصليّة من الإبداع في حالة الترجمة، وما دور هذه العلامة التي أشرت إليها في فكّ مغاليق أبواب أجوبة الأسئلة التي تصدّرت هذا الحديث؟
مهما مارس الشاعر عزلته، ومهما صرّح بذلك، وحتى وهو يستمتع بها ويتمنى دوامها، فإنه يحلم وباستمرار في الوصول إلى الآخر أي الجماهير، بل وتوسيع قاعدته الجماهيرية إلى أقصى ما يمكن لشخص يدرك تماماً بأنه لا يكتب لنفسه فقط وإلاّ لاحتفظ بما يكتب لنفسه ولم ينشره ولم يعرف عنه أحد شيئاً، عدا عن رغبته التي لا يستطيع مقاومتها في رؤية انعكاسات وآثار ونتاج ما يكتب وينتظر ردود الفعل على ما قام به من دور يتمنى أن يكون فاعلاً ومؤثراً في المسيرة الانسانية.
وإذا كان هذا الكلام يصدق على كل شاعر، وكان مستوى العلاقة مع المتلقي يختلف حسب اختلاف الأزمنة والأمكنة والظروف، فإن تاريخ الشعر يشير وبشكل شبه مؤكد إلى ان الشعر بدأ فنّاً جماهيرياً قبل أن يتنوع الشعراء والمتلقون في ممارستهم له ويتأرجحوا بين أعلى مراتب الشعر المشترك وأدنى مراتب الشعر الذاتي وما بينهما من درجات أعلاها شعر كل الناس وأدناها شعر الذات أو النخبة أو الخاصة.
أمام هذه الشبكة الهائلة من أطراف هذه القضية الشائكة، قد لا نستطيع سوى الإشارة إلى بعض هذه الأطراف، محاولين الإمساك ببعضها، وفي محاولة للتركيز على الشاعر الجديد الذي يواجه هذه الإشكالية المعقدة، ليقوم بتحديد رؤاه ومواقفه منها وطريقته في تجسيد وتنفيذ ماتم اتخاذه من قرارات إبداعية حولها.
ربما كان قائد هذه الرؤى والمساعد على تحديد هذه المواقف فهم ووعي الشاعر الجديد لماهية وطبيعة وجوهر الشعر ووظيفته والوسائل الإبداعية للقيام بهذه الوظيفة التي تعكس ثقافته ووعيه الجديد والتزامه وأسلوبه في تحقيق هذا الالتزام.
مهما حاول الشاعر نفي وجود المتلقي قبل وأثناء وبعد العملية الإبداعية فإنه يقف عاجزاً وحائراً وهو يصطدم بقارئه ومتلقّي شعره الأول، أي بنفسه، ومهما حاول إقصاء الآخرين فإنه يدرك ان هناك من يشتركون معه في تجربته الانسانية وان انتماءه إلى هذه الشركة الانسانية تدفعه إلى الاعتراف لنفسه بأنه يكتب لهم وعنهم فيما هو يكتب لنفسه وعنها، مما يجعل القارىء الأول يشكل بوجوده القسري سُلطة من نوع سامٍ ورفيع ومباشر في صدقه وإخلاصه وليست سُلطة خبيثة النيّات، ودافعة إلى الإبداع وليست قامعة، يحترمها ولا يخافها أثناء مراحل العملية الإبداعية، يصارحها ولا ينفاقها، يوقظها محاولاً تحريكها وإثارتها وتغييرها ودفعها إلى أعلى وإلى الأمام ولا يحاول تنويمها أو تخديرها أو مساعدتها على الاستمرار في العجز والنوم والتسويف والاستسلام.
ولكن، ماهي وسائل الشاعر الجديد إلى تحقيق ذلك؟
بما ان لكل شاعر حقيقي طريقة تختلف عن غيره، فإن الشاعر الجديد يحاول الاقتراب من القارىء الجديد، وضمن الإطار العام للشعرية، من خلال محتوى مايقول وفاعليته الانسانية الجمالية، لا من خلال الخداع الشكلي أو اللغوي أو التجميلي ومن خلال اختياره لتجارب جديدة وحيّة في واقع الإنسان الجديد تُجادل القضايا المشتركة وهي تقترب من هذه الحياة الجديدة المشتركة لغة وشكلاً وبناء ومعنى وتجسّد رؤى ومواقف وأساليب جديدة وبلغة مشتركة تمثل استمراراً وحاضراً ومستقبلاً لهوية إنسانية مشتركة؛ ولكن ببساطة تتمثل فيها تجارب الإنسان الجديد العادي البسيط، مع المحافظة على مستوى جمالي إنساني رفيع ولائق بالشعر، وفي سعي إلى تحطيم عزلة فرضتها القوى المعادية للشعر بينه وبين عصره وجمهوره، ولإثبات ان الشعر الجديد وكما هو الشعر دائماً الإيقاع الأسمى للجوانب الروحية المعنوية والجمالية للانسان وفنونه كلها ومحور كل نشاط إنساني مستقبلي، ومعبّراً عن الوجدان الإنساني الجمعي المشترك، ومواجهاً التحديات الحضارية القادمة من غابات العلم الحديث لإقصاء الإنسان وقتله روحياً، ومبدعاً لغة المستقبل المشتركة، موحّداً بين الآخرين، حريصاً على أن يحمل عوامل بقائه لا أن يحمل عوامل أو بذرة فنائه من خلال صراعه الدائم في سبيل العدل والحق والخير والجمال ومن أجلها.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved