أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 17th December,2000العدد:10307الطبعةالاولـيالأحد 21 ,رمضان 1421

محليــات

لما هو آت
ملحمة التفاعل!
د, خيرية ابراهيم السقاف
من المخلوقات الجميلة التي منحها الله تعالى ضمن خلقه هذه الوردة البيضاء,,,، وكثيراً ما تغنّى بها الشعراء، وتبادل الحديث الصامت بها المحبون، وتزينت بها النساء,,,، ووصف بها الحالمون مواقف في حياتهم، ونثروا رائحتها عطراً يذرُّ في الأنحاء بفوحه وعبيره,,.
تقبع هناك فوق المنضدة,,, ترسل شعاع عينها إلى ما حولها,,,، هي صغيرة بحجم لا يعيره الإنسان أهمية بجوار حجم رأس الإنسان، ولها عين واحدة بحجمها، في الوقت الذي للإنسان عينان,,,، هذه الوردة البيضاء يخيّل إليَّ وهي تنظر تعمُّ الكون بمن فيه بنظرتها، وتدخله كله بمن فيه داخل تركيبتها الطبقية اللَّدنة البيضاء، وأجزاءها الخضراء فتشمله,,,، فيما يبحث الإنسان بعينيه عما وراء ما أمامه,,, ويحرص على استكناه أبعاد الأبعاد كلّما أرسل نظراته تجوب كلَّ شيء أمامه، فيكتسحه عُنوةً، ولا يعتمدُ على العفوية في نظرته,,,، والوردة تضمُّ في صمت، وتفوح في صمت، وتبوح في صمت، وتصمت في صمت، وتتكلَّم في صمت,,,، هي تُسعد ولا تُشقي، وهي تُعطِّر ولا تُلوِّث,,,، وهي تُجمِّل,,, ولا تُقبِّح,,, وهي تُعطي,,, ولا تأخذ,,, وعلى وجه الخصوص حين تُقطَفُ,,, ولا تأخذ حين لا تُقطف إلا بقدر ما يجعلها فوَّاحة للإنسان، وللطبيعة، ولكل ما حولها,,,، هي قادرة على العطاء وهي محاطة بالشوك,,,، وهي لا تتوانى عن البوح بالعطر كلاماً لكلِّ ما حولها يرطِّب ما حولها,,,، حتى عندما تُقطف,,, تظلُّ تمنح، وحتى عندما تجف تظلُّ تمنح,,.
عين الوردة البيضاء وهي على المنضدة,,, ترى أي التفاصيل تلتقط؟,,, وأي الآثار تلملم؟,,, في وجوه الناس تفاصيل قد تخترق بها إلى دواخلهم فماذا تجد هناك؟ هل الباكي باكياً؟، وهل السعيد سعيداً؟,,, وهل المتكلِّم معبراً، وهل الصامت سادراً؟ وهل الحالم طامحاً؟ وهل الغاضب شرِّيراً؟,,, وهل أي شيء تقع عليه عينها يمثِّله، ويعبِّر عنه؟!,,.
فيما عينا الإنسان وهما ترسلان نظراتهما على الوردة ماذا تجدان؟,,, وجهاً جميلاً، وتفاصيل لا تختلف عن الداخل,,,، ولو فتَّش الإنسان باطن الوردة وظاهرها، فإنه سوف لن يجد اختلافاً يُذكر,,, إلا وجود قلب أخضر تلتفُّ عليه الوردة بتفاصيلها,,, وعندها,,, ما يكون موقف الإنسان من نفسه؟ وما موقفه من الوردة؟,.
خُيِّل إليَّ وباقة الورد الأبيض يُطلُّ من مكانه,,, أنَّ ثمَّة حديثاً طويلاً كان يُفضي به إليَّ,,.
قالت الوردة بأنها حزينة؟,,, وبأن صمتاً تنوء به يلجمها عن البوح لم يكن ليدري سرَّه إلا من أمعن التفكُّرَ في هذا الإنسان على الأرض,,,، هو يضحك وهو يبكي والوردة لا يقتلها أكثر مما يقتلها بكاء الإنسان,,, ولا حيلة له إلا الضحك,,.
والوردة تئن,,, لكنها تكتم أنينها، وليس أصعب من ولادة الأنين في مسام الوردة حين تجد الإنسان يعجز عن درء آلامه، وكبح أحزانه,,, لكنها وهي تمنحه صمتها، فلأنه وهو يراها إنما يجدها فرحة تمحو شيئاً من عثرات الحالة التي يعيشها,,,، صوت الإنسان وهو يرسل قهقهاته ينزل من منافذ الوردة في عمق الاستقطاب لآلامه,,, وحسراته العميقة، وهي في ذلك تفوح فتنشر عبيرها بلسماً,,, يمتد إلى دخيلته كي يلجم فيها منافذ المزيد من مصادر الحزن,,.
والوردة التي لا ترسل إلا جمالاً,,, وفوحاً,,, وعبيراً,,, وعطراً,,, لا تأخذ إلا حزناً,,, وقلقاً,,, لكنها لا تفعل بهما كما يفعل الإنسان,,, ذلك لأنها مصنع لتكوين الرضا,,, والجمال,,, والعبير,,, والبوح,,, والعطاء من ثمَّ,,.
والإنسان,,, كيف هو,,, وباقة من الورد بين يديه,,, في مرمى ناظريه إن لم يكن سعيداً فإنه متأملٌ,,.
وإن لم يكن متأملاً فإنه تكوين يفضي بما فيه لما عنه، وبما فيه لما هو إليه,,.
فكيف تمتزج عين الوردة,,, مع عيني الإنسان؟؟!
تلك ملحمة التفاعل بين قطبي الإيجاب والسلب في مسار السرمدية الكونية التي لا تتناهى.

أعلـىالصفحةرجوع
























[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved