أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانية الطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 24th December,2000 العدد:10314 الطبعةالاولـي الأحد 28 ,رمضان 1421

مقـالات

هل نحن بحاجة إلى مجالس ثقافية نسائية؟ 2 - 2
مجالس الرياض الثقافية كيف تتفاعل مع ثقافة العاصمة؟
بقلم: إبراهيم بن عبدالله السماري
اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية عام 2000 يعدُّ حدثاً ثقافياً متميزا، والرياض احتضنت وتحتضن مجالس هي بلا ريب علامة بارزة من علاماتها الثقافية الحضارية، فهذه المجالس لها أثر كبير في تنشيط الحركة الثقافية، وفي تشجيع المبدعين، وفي إبراز ونشر الإنتاج الثقافي بمختلف أنواعه.
وفي ضوء اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية عام 2000 تساءلت عن أثر تجمعات النخب الفكرية الأحدية والاثنينية والثَّلاثية وأخواتها في إثراء ثقافة المدن، وعن أثر الأحدية والاثنينية والثَّلاثية وأخواتها في إبراز الوجه الثقافي لعاصمة الثقافة عام 2000؟
وسوف أحاول في هذا المقال أن أجيب على السؤالين المطروحين، متمنياً أن أرى كتابات أعمق وأشمل تجيب على هذين السؤالين المهمين، ولاسيما من خلال مناشط أحد المجالس الثقافية الخاصة من أحدية واثنينية وثلاثية.
فعن جواب السؤال الأول حول أثر تجمعات النخب الفكرية الأحدية والاثنينية والثَّلاثية وأخواتها في إثراء ثقافة المدن، يمكن القول: إن تجمعات النُّخَبِ الفكرية في مجالس ثقافية خاصة لها إيجابيات كثيرة، ومنافع متعددة، فالنفوس بطبعها تنتشي بالتساجل مع إبداءات الآخرين، وتزهر حقولها بالتحريك الواعي لدفائنها المحبوسة بين الأضلاع.
ودواعي التفاعل في المجالس الثقافية ذات الطبيعة السجالية الحية أقوى من دواعي التفاعل مع ما يكتب أو ينشر أو يذاع أو يتلفز؛ لأن الالتقاء المباشر له إيحاءات لا تستطيع إنتاج مثلها وسائل الاتصال الأخرى، مهما كان حضورها.
هذه المجالس الأدبية الثقافية تقوم مقام القائد الماهر في استثمار القدرات والكوامن البشرية، وحفزها، وتوجيهها التوجيه المثمر في المسالك النافعة، والقدرات والكوامن عندما تُستثَار، وتُفتح أمامها مساحات الإبداء، وتُضَاء بأنوار التشجيع، تستطيع أن تعبّر عن نفسها أصدق تعبير.
من المهم هنا التنويه إلى أن مجالس النُّخَب الفكرية لا تخلو جميعاً من الأعلام ذوي الخبرة والدربة والحنكة، كما أنها لا تخلو من النابهين الشباب، الجدد في الساحة، فمَثُلُ النابهين استمداداً، ومَثَلُ المحنكين عطاءً، كَمَثَلِ تلك الشواطي، الصخرية أعني الشباب أسعدهم حظهم أن يكونوا بجانب النهر أعني المجربين تتفاعل مواهبهم مع مدِّه وجزره؛ هديراً وخريراً، فرحةً مواهبهم حين يمنحها جريانُ النهر رونقاً بهياً، وحين يُشعِرُها تشجيعه بالانتعاش، وبالقدرة على الإبداء والإبداع!!
هذه المجالس الأدبية والثقافية الخاصة تعين الكسول على نفسه؛ لأنها تقام في موعد محدد، معلوم مسبقاً، فتكون لديه الفرصة الكافية؛ كي يسعى إلى تفريغ نفسه من الشواغل لحضور هذا الموعد؛ لمعرفته بما فيه من مناهل تروي مشاربه، وتستجيب لتطلعاته، وترضي ذائقته الثقافية.
من أهم خصائص المجالس الأدبية والثقافية الخاصة في الآونة الأخيرة: حرص أصحابها على تسجيل وقائعها بالصوت والصورة، والحرص على الاحتفاظ بالمشاركات الثقافية في سجلات خاصة بتلك المجالس؛ فهي وثائق للتاريخ، ربما يأتي اليوم الذي يُحتاج إليها فيه.
وتأكيداً لهذه الفائدة، التي انتبه لها أصحاب المجالس الأدبية والثقافية الخاصة من تسجيل أحداثها وحفظها، فإن الجميع يحسون بالألم من فداحة الخسارة، نتيجة فقد التدوين الأمين الشامل للوقائع والمساجلات الأدبية والثقافية في رائد المجالس الأدبية والثقافية الخاصة في بلادنا، أعني خميسية الأستاذ الرفاعي رحمه الله ثم إنه في ضوء ما ذكرته عن أهم الفوائد والمنافع للمجالس الأدبية والثقافية الخاصة يتضح أن هذه المجالس ذات أثر كبير ونافذ في ثقافة المدن، في المدى القريب والبعيد، تنشيطا للساحة في المدى القريب، وحفظا لتاريخ الحركة الثقافية في المدى البعيد.
ومن فوائد المجالس الأدبية والثقافية الخاصة أنها تضفي على المدينة التي هي فيها رونقا علميا بهياً، عن طريق فتح المجال أمام المثقفين من بلاد أخرى أثناء زياراتهم المختلفة أو مشاركاتهم الثقافية الرسمية لزيارة هذه المجالس، وإتاحة الفرصة أمامهم للتحدث إلى مثقفي مدينتها.
وكذلك يمكن لهذه المجالس الثقافية الخاصة أن تثري ثقافة المدن عن طريق وسائل الاتصال المتعددة، وعن طريق وسائل الإعلام المختلفة، التي تسجل بعض ما يدور فيها من حوارات وقضايا ثقافية مهمة.
وفي هذا الصدد قد يكون مناسبا الإعلان عن موضوعات المجالس الأدبية والثقافية الخاصة، وعن ضيوفها المتحدثين فيها، عبر وسائل الإعلام، ولاسيما الصحف المحلية؛ لتتاح فرصة الاطلاع لجميع المهتمين، الذين قد لا يمكنهم السؤال المستمر، والمتابعة الدائمة عبر الهاتف أو سؤال الآخرين.
ومن الفوائد المفترضة أن تكون هذه المجالس الأدبية الثقافية حافزا للأندية الأدبية الرسمية للتفاعل مع معطياتها، ومناشطها، وللتأثير في الساحة الثقافية؛ فإن من المؤكد أن هذه الساحة تتسع لأكثر من نشاط، ولأكثر من اجتهاد، غير أن الاعتراف الجريء بالحق يقتضي أن أقول: إن هذا المفترض لم يتحول إلى واقع بعد، وإن لم يعدم الامل في تحوله هذا.
ومن فوائد المجالس الأدبية الثقافية الخاصة: قيامها بواجب التكريم والاحتفاء بالرموز الثقافية التي لها حضور فاعل في الساحة، وخدمات مميزة للمجال الثقافي والأدبي والاجتماعي.
ففي حين لم نسمع عن شيء من هذا التكريم والاحتفاء في النوادي الأدبية الرسمية بعد جائزة الأدب التقديرية التي كانت سحابة صيف فانقشعت، نجد هذا التكريم والاحتفاء كثيراً في المجالس الأدبية الثقافية الخاصة.
والاحتفاء والتكريم والتشجيع سنة إسلامية محمودة، قال سبحانه وتعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) أشار الإمام الطوفي إلى أن الفرح فيه معنى التهنئة والتشجيع، وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (قال رسول الله يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال قلت الله ورسوله أعلم قال: يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال قلت: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) قال فضرب في صدري وقال والله ليهنك العلم أبا المنذر).
نعم قد يقال إن المجالس الثقافية في مناسبات التكريم تفقد عمقها وبهاءها العلمي، ولكن الحقيقة أن مناسبات التكريم قد تكون استثناءً لابد منه لظهور فائدته، ولأن هذه المجالس حتى في تلك المناسبات لا تخلو من إنتاج ثقافي وأدبي رائع وجديد ومتميز.
والمجالس الأدبية الثقافية الخاصة لها منهجان في كيفية الأداء، فبعضها يفتح باب النقاش دون تحديد موضوع معين، وإن كان بعض الموضوعات يطغى على غيره بحسب تخصص الضيف الأساس للمجلس، وبعضها يحدد موضوعاً معيناً قبل الانعقاد؛ لجذب ذوي الاهتمام في هذا الموضوع إلى حضور المجلس، ولكي يتمكن رواد المجلس من إعداد مداخلاتهم من منطلق خلفية علمية.
والذي أراه مناسباً هو الدمج بين المنهجين، بحيث يتم الإعلان المسبق عن موضوع المجلس وضيفه الرئيس، وأن يخصص وقت في آخره لمناقشة موضوعات منوعة مما يشغل الساحة الثقافية، مع ضرورة اختيار رئيس للجلسة، والأولى أن يكون صاحب المجلس أو من ينيبه، وأن يلزم المتحدثين بوقت معين كما هو معمول به في الجلسات العلمية، إتاحة فرص متساوية للجميع، ولمنع الاستطرادات المملة التي لا تخلو منها هذه المجالس، ولأن الحضور قدموا للفائدة، لا لاستعراض القدرة على الاستطراد.
ومن خصائص المجالس الأدبية والثقافية الخاصة إطعام البطون بعد إطعام العقول، على حد تعبير الأستاذ الفاضل إبراهيم بن عبدالعزيز السويلم، وهذا ما لا يتوافر في الأندية الأدبية الرسمية، حيث تمتد الندوات والمحاضرات إلى ساعة متأخرة من الليل، ويخرج الحاضر والجوع يقطع أمعاءه.
وإطعام البطون مع إطعام العقول منهج من مناهج الراشدين، فهذا فضالة بن عبيد رضي الله عنه وهو والي مصر يأتيه تابعي من الشام ليأخذ منه حديثاً، وينقل أهل السير أنه قال في وصف مجلسه: كان يتغدى أو يتعشى في فناء داره ويدعو الناس إلى طعامه.
وعند الحديث عن فوائد المجالس الأدبية والثقافية الخاصة، قد ينبت سؤال هو: لماذا لا توجد مجالس أدبية ثقافية نسائية مخصصة للنساء فقط، على غرار المجالس الثقافية الرجالية؟
ومما يسهل المهمة، ويجعلها قريبة من التحقيق في الواقع، ولاسيما بمناسبة اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية؛ أن في بلادنا وجيهات وثريات كثيرات محبات للعلم والأدب، ولدينا من الأخوات الكريمات المحبات للعلم والأدب أكثر، فهل نسمع عن مبادرة كريمة؛ لتنظيم مجلس ثقافي نسائي قريباً؟
وإجابة للسؤال الثاني عن أثر المجالس الأدبية والثقافية في إبراز الوجه الثقافي لعاصمة الثقافة، أقول: إن ذلك ممكن عبر عدة مناشط، من أهمها في رأيي:
1 أن تقوم المجالس الثقافية والأدبية الخاصة بتنظيم لقاءات فكرية حول قضايا ثقافية يستقطب لها أعلامُ الفكر والثقافة المخضرمون، ممن شهدوا مولد الحياة الثقافية في هذه البلاد في بداياتها، ويفتح فيها باب النقاش والحوار للجميع؛ ليستفيد الجيل الحاضر من الجيل السابق.
2 أن تقوم المجالس الثقافية والأدبية الخاصة بتخصيص عدة أمسيات من أمسياتها لاستعراض تاريخ الحركة الثقافية في بلادنا بمختلف عناصرها ومجالاتها، والتركيز على الحركة الثقافية في عاصمة الثقافة العربية.
3 الإسهام في طباعة ما يطرح في تلك الأمسيات المخصصة لاستعراض تاريخ الحركة الثقافية في بلادنا، من بحوث جادة، ومناقشات علمية، في كتب متخصصة، توزع بأسعار تشجيعية.
4 أن يكون بين تلك المجالس تنسيق تام حول الموضوعات المطروحة، بحيث يكون كل موضوع في مجلس مكملاً للموضوعات المطروحة في المجالس الأخرى، وليس متعارضا معها أو تكرارا لها، وبذا يتحقق الشمول المطلوب لمعالجة جميع القضايا التي يحسن معالجتها في هذه المناسبة؛ لإبراز الوجه الثقافي لبلادنا الحبيبة، ولعاصمة الثقافة بصورة أكمل.
إن إثراء ثقافة عاصمة الثقافة العربية مسؤولية الجميع من جهات حكومية، وخاصة، وأفراد، وإذا تحدثت في هذا المقال عن مسؤولية المجالس الأدبية والثقافية الخاصة فذلك لا ينبغي أن يفهم منه انتقاص جهود غيرها.
كما لابد من التنبيه إلى ضرورة تفاعل وسائل الإعلام السعودية ولاسيما المرئية والمسموعة منها مع المناشط الثقافية التي ستقام بالمناسبة، ولا يكفي النمطية السائدة بالاقتصار على مجرد الأخبار؛ فالحدث يحتاج إلى تفعيل وتنشيط وشمول يعتمد على تحليل المشاركات تحليلا ثقافيا علميا، وإجراء الحوارات الجادة، وإبراز الوجه الثقافي الحقيقي لهذه البلاد ولعاصمتها الثقافية.
الدليل العام والدليل الشهري اللذان أصدرتهما الأمانة العامة لعاصمة الثقافة جهد مميز ومشكور في مجال التنسيق بين الجهات الثقافية المختلفة بشأن المناسبة، ويبقى بعد ذلك تعاون الجميع لاستثمارها الاستثمار الأمثل وبالله التوفيق.

أعلـىالصفحة رجوع




















[تعريف بنا] [للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [البحث] [خدمة الإنترنت] [المسائية] [الجزيرة] >
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved