أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 1st January,2001 العدد:10322الطبعةالاولـي الأثنين 6 ,شوال 1421

الثقافية

الإصدارات التاريخية بين المنهجية واللامنهجية
فائز الحربي*
ان ما نعيشه الآن من كثرة الإصدارات ليس الا نتاجا لعصر علمي وثقافي بدأنا نقطف ثماره المتمثلة في نشاط الحركة التأليفية في كافة فروع المعرفة وخصوصا الاصدارات التاريخية والادبية المتعلقة بهذه البلاد العزيزة، التي اتاحت لابنائها في هذا العصر السعودي الميمون فرصة العلم والبحث والتأليف وحرية الرأي والفكر بصورة لم تتح لآبائنا واجدادنا فيما مضى لكن الملاحظ ان ما نعايشه من طفرة في هذا المجال تتمثل في كثرة الدراسات والاصدارات والتآليف المتعلقة بتاريخ هذه البلاد وجغرافيتها وسكانها، يمكن تصنيفه الى نوعين من التأليفات:
النوع الأول: البحوث المنهجية:
وهي الاطروحات والرسائل والبحوث التي يجريها الباحثون المتخصصون والاكاديميون وتتميز بجدية البحث غالبا ومنهجيته وارتقاء اسلوبه, ومع ان بعض البحوث الاكاديمية قد لا تكون جادة لان الباحث يقوم باجراء بحث آني الهدف منه الحصول على الشهادة او الدرجة العلمية، الا ان المشرف على البحث يترك بصمات واضحة فيما يتعلق بتطبيق الخطوات الأساسية للبحث العلمي والاستفادة من المصادر وطريقة تحليل المعلومات وعرضها وكذلك الحد من تأثير الميل الشخصي للباحث على نتيجة البحث.
النوع الثاني: البحوث غير المنهجية:
التي يقوم بها افراد غير متخصصين يتفاوتون في مستوياتهم العلمية والثقافية، حيث تتراوح مستوياتهم من الامي الى الجامعي وما فوق الجامعي, وكما تختلف مستوياتهم العلمية والثقافية فانها تختلف دوافعهم الشخصية من وراء ممارسة التأليف، فكما ان هناك الدوافع الادبية والعلمية وحب البحث فهناك الدوافع الشخصية كحب الشهرة او التكسب المادي كما ان هناك الدوافع والمآرب الاخرى الموجهة لنشر ايديولوجيات معينة او بث افكار هدامة.
والهدف من الاشارة الى هذين النوعين من الاصدارات هو الدخول الى موضوع الاصدار بين المنهجية واللامنهجية حيث ان الطفرة الاقتصادية والعلمية والاستقرار الذي نعيشه بحمد الله قد نتج عنهما مرحلة جديدة من مراحل الحياة الفكرية تتمثل في هذا الكم الهائل من الاصدارات المنهجية وغير المنهجية اختلط فيها الغث بالسمين والمفيد بغير المفيد.
ومع ان الجيد سيفرض نفسه ويبقى في النهاية مصداقا لقوله تعالى: فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض سورة الرعد الآية 17 .
الا ان للمؤلفات الرديئة آثارا سلبية خطيرة سوف تتكشف في المستقبل، وبخاصة فيما يتعلق بالاصدارات التاريخية التي تتضمن تدوين معلومات مضللة او غير واقعية.
وما اكثر هذه المعلومات في تاريخنا العربي بالذات ناهيك عنها في هذا العصر الذي سهل فيه التدوين وتيسرت فيه سبل الكتابة للمؤهل وغير المؤهل، للمتعلمين وانصاف المتعلمين، للأمي ولذي الهوى.
أما انعدام المصداقية في كثير من المؤلفات المعاصرة فقد يعود الى سبب او اكثر من الأسباب التالية:
1 الجهل وعدم الالمام بمعلومات كافية عن موضوع البحث والاستعجال في الكتابة واصدار المؤلفات قبل ان يصل الكاتب الى مستوى يؤهله للكتابة والتأليف واعطاء رأيه.
2 الاعتماد على مصادر غير موثقة، وبخاصة عندما يكون الكاتب او الباحث غير قادر على تمييز المصادر والتحقق من مدى صحتها ومصداقيتها، خصوصا من يعتمدون على الروايات الشفهية على حساب المصادر المكتوبة كالمراجع والوثائق ونحوها.
3 طغيان العاطفة والذاتية عند كثير من الكتاب والمؤلفين وما ينتج عن ذلك من الميل الشديد لما ينسجم مع هوى الكاتب واهمال ما يخالف هواه!
4 هناك فئة قليلة من الكتاب والباحثين الذين لهم نزعة الى التمرد على موروثات الامة العربية من ذوي الاتجاهات الحداثية والشعوبية الذين لا يألون جهدا في بث افكارهم ومذاهبهم الفكرية التي تقوم على التشكيك في تاريخ الامة وتراثها، وتبث اعجابها بالحياة الغربية وسلوكها وانماطها الثقافية والاجتماعية.
5 تعمد الكذب والتلفيق احيانا وللأسف فقد وجد من يمتهن الكتابة والتأليف على اساس من التلفيق والاختلاق وادعاء المعرفة، بل وادعاء وجود المصادر النادرة التي لا تتوفر الا عند مثل هذا الكاتب او ذاك وهذه ظاهرة مرضية منبعها الشعور بالنقص وحب الظهور دون وازع من اخلاق او دين.
وفضلا عن الآثار الفكرية السلبية للمؤلفات الرديئة فانها استنزاف اقتصادي خطير جدا نظرا لارتفاع تكاليف الورق والطباعة والتسويق لدينا، ولأنها استنزاف لجهود شركات التوزيع واشغال لأرفف المكتبات العامة والخاصة بكتب لا تستحق الاقتناء.
وقد يتساءل البعض: على من تقع مسؤولية تقنين التأليف وغربلة الاصدارات؟
والجواب: ان ذلك مسؤولية مشتركة بين عدة اطراف اهمها وزارة الاعلام ممثلة في ادارة المطبوعات التي تعتبر الجهة الرسمية المخولة بفسح المؤلفات واعطاء الاذن بطباعتها غير ان الوضع لدينا غير ذلك نوعا ما، فالواقع ان المسؤولين في ادارة المطبوعات يرون ان مهمتهم لا تتمثل في تقويم الاصدارات من حيث منهجيتها وجودتها وانما تنحصر مهمة ادارة المطبوعات في التأكد من عدم وجود ما يتنافى مع عقيدتنا واخلاقنا او يتعارض مع السياسة العامة للدولة، اما قيمة الكتاب العلمية او مدى توفر الشروط المنهجية فيه فليست مسؤولية وزارة الاعلام، وانما مسؤولية جهات اخرى كالجامعات والمراكز العلمية وغيرها.
ومع ان اولئك المسؤولين قد يكون لديهم بعض الحق في هذا التبرير فانني لا اتفق معهم في ذلك وأرى ان هذا هو السبب الرئيس لهذه المشكلة.
فوزارة الاعلام بما تملكه من صلاحيات بشأن فسح الكتاب من عدمه يمكنها ان تحد من الاصدارات التي لا ترتقي الى المستوى العلمي والفكري المقبول, والوزارة تستطيع ان تقوم بدور اكثر ايجابية في هذا المجال لو قامت بتطوير جهازها المختص برقابة الكتب والمطبوعات بحيث يكون موظف الرقابة على مستوى علمي وأدبي عال وليس مجرد موظف عادي,وبالاضافة الى مسؤولية وزارة الاعلام فان هناك اطرافا ثانوية اخرى تؤثر في مستوى الاصدارات ونوعيتها ومن هذه العوامل على سبيل المثال وسائل الاعلام.
فوسائل الاعلام وخصوصا الصحافة لا تزال بعيدة عن القيام بدورها في هذا الشأن على الوجه المطلوب فالملاحظ في كثير من الصفحات الادبية انها لا تروج الاصدارات الجديدة حسب معايير الجودة العلمية للكتاب وانما يغلب عليها طابع الشللية والمحسوبية ونحو ذلكولو قامت وسائل الاعلام بدورها كما يجب وابرزت الاعمال الجيدة وحاربت الأعمال غير الجيدة لكان لها دور ايجابي كبير في الارتقاء بمستوى الكتاب لدينا.
ومن العوامل المؤثرة ايضا على مستوى الاصدارات الحركة النقدية، فنحن لا نزال بحاجة الى الناقد المخلص لعلمه ولأمته وللغته الفصحى، الغيور على صدق الكلمة وامانة التاريخ، الذي يعترف بفضل اولي الفضل ويقدر جهود الباحثين المؤهلين والمتميزين ويشيد بالاعمال الادبية الجيدة، ويكشف الاعمال غير الجديرة بالظهور ويبين اوجه القصور فيها ليستفيد المؤلف والقارئ بما ينعكس على رفع المستوى الفكري والثقافي لدى كل منهما,والله من وراء القصد.
* باحث - دارة الملك عبدالعزيز

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved