أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 18th January,2001 العدد:10339الطبعةالاولـي الخميس 23 ,شوال 1421

متابعة

مصاب الإسلام بوفاة عالم جليل
فجع العالم الإسلامي في يوم الأربعاء السادس عشر من شهر شوال سنة إحدى وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة النبوية.
بوفاة عالم جليل سلفي المعتقد نقي الاخلاق، تقي الافعال، ورع زاهد، هو العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله.
فكان خبر وفاته نبأ طرق الاسماع فهز الافئدة هزا عنيفا وكيف لا تهتز الافئدة فزعا لفقده، والاسلام اليوم في اشد الحاجة الى مثله!!
مات رحمه الله فحزن لفقده كل من عرف قدره، وعرف غزارة علمه وزهده وورعه وشهد مجالسه العامرة بالفوائد العلمية واللطائف الادبية، والاخلاق الذكية.
مات رحمه الله على عقيدة نقية سلفية، ودين متين، ولهجة صادقة، واخلاق عالية,.
مات رحمه الله وترك للاسلام والمسلمين كما كبيرا وسجلا حافلا من العلوم الشرعية، ما بين تحقيق وتحرير، وتأليف وتدقيق لمسائل العلم واحكام الدين، والاخلاق والآداب والوعظ والارشاد.
الله اكبر حياة كلها كانت عامرة بالعلم المفيد، والعمل المجيد، والرأي السديد ثم طويت طي السجل للكتاب.
كان العلم والجهاد القولي لا يفارقه في حله وترحاله في حضره واسفاره في انفراده واجتماعه، بل والى آخر وقت في حياته، كان همه نصرة الاسلام واعلاء كلمة الدين ونشر العلم والتعليم.
مات رحمه الله ولم يكن له غاية يعمل لها الا اعزاز هذا الدين، ونشر السنة، واعلاء شأن العلم والعلماء، وكان يشد من عزائم طلاب العلم والمسلمين جميعا، لما فيه خير الدين وصلاح الاحوال، ولمِّ الشمل، واجتماع كلمة المسلمين على الهدى والدين.
لم يمت رحمه الله على فراشه معرضا عن العلم كما يموت ضعيف العزيمة وواهن الهمة بل كان العلم الذي يحمله ويدعو اليه اقرب اليه من وصف الدواء الذي كان يعالج به مرضه.
مات رحمه الله صابرا محتسبا على ما اصابه، مجاهدا في سبيل دينه، ناطقا بالحق في مرضاته ذابا بقلمه ولسانه عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حقا لقد فجعت أمة الاسلام برحيله الى الدار الباقية، فكان مصابها عظيما وحزنها عليه شديدا، وكيف لا يكون ذلك والمسلمون بحاجة الى علماء مثله!!
وكان منقطع النظير في علمه وورعه، وخشيته وتقواه، وخلقه وادبه، وتواضعه وغيرته على دين الله.
فطار علمه كل مطار في جميع الاقطار والامصار,.
فما شئت من علوم الشريعة واللسان، وما شئت من حكمة وحنكة، وتشمير وهمة، وما شئت من ضبط للوقت، ونصح واخلاص، وحلم واناة، وعون ومساعدة، وعطف ورحمة، وغيرة على دين الله، ونصرة للاسلام والمسلمين، الا وجدت كل ذلك فيه، شهد بذلك الناس قاطبة وهذا نهاية ما تصل اليه النفوس من السمو والعلو والرفعة، ونهاية ما يصل اليه القبول والرضا والاطمئنان.
واما دعوته الى التوحيد، والاخذ بالدليل والبرهان، والتمسك بالحجة، ونبذ التقليد، فقد شهد له بذلك كبار علماء عصره.
ولم يكن رحمه الله من اولئك الذين يذهبون مذهب التأويل، الذي يدل على جهل مرتكبه قبل ان يدل على ضعف ايمانه، وانحلال عقيدته، بل كان يجمع بين الايمان الصادق، والاتباع الموافق للهدى النبوي، والعلم الوافر، واستنارة البصيرة في مقتضيات العصر الحاضر، بما يتوافق مع الدين، وينفع المسلمين، فكان منفردا في طريقته التعليمية، ووحيدا في عرضه وسياقه للمسائل العلمية، في محاضراته ودروسه وفتاويه، وقلَّ ان يشابهه احد من اقرانه في ذلك.
وهو بحق امام في كل شيء في العلم والعمل والدعوة والصبر، والكرم والاخلاق، والعطف والتواضع.
اجتمعت فيه خصال عديدة، من الخلق الوضاء، والدين المتين، والعقيدة الصافية، والعلم العميق، والزهد المتناهي، والصدر الواسع، والعطاء المتجدد، والبراءة من التكلف في العلم والتعليم، والعمل والتطبيق، والحديث والمحادثة، والحرص على ذكر الله في كل حال، حتى وهو في أيامه الاخيرة من مرضه لم ينقطع عن التعليم والدعوة الى الله، والافتاء والتدريس.
وكان يوصي المسلمين دائما بتقوى الله، والتمسك بالكتاب والسنة، واتباع الدليل والحجة، ومنهج السلف الصالح، والنهي عن التقليد، والحرص على الاخلاق الفاضلة، والتأدب بآداب السلف، والحرص على طلب العلم والاخلاص فيه.
ان فقد العالم ليس فقدا لشخصه فحسب، ولكنه فقد لجزء من تراث النبوة بحسب ما قام به هذا العالم المفقود من الدعوة والتعليم.
فوالله ان فقد العالم الرباني لا يعوض عنه مال ولا عقار، ولا متاع ولا دينار، بل فقده مصيبة على الاسلام والمسلمين كما قال الحسن: كانوا يقولون: موت العالم ثلمة في الاسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار اخرجه الدارمي في مسنده باسناد صحيح، واخرجه احمد في الزهد، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم والبيهقي في شعب الايمان.
وان فقد العلماء في مثل هذا الزمن لتتضاعف به المصيبة، لأن العلماء العاملين اصبحوا قلة قليلة بين الناس، مع كثرة الجهل والتشكيك والالباس ولكن الامة لن تيأس من روح الله ولن تقنط من رحمة الله فقد اخبر الصادق المصدوق في الحديث المتفق على صحته عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من امتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي امر الله وهم كذلك وهذا لفظ مسلم.
وأهل الاسلام على ثقة بما عند الله من الخير، فالخير باق في امة الاسلام الى قيام الساعة.
وفي كبار علماء هذه البلاد من سيخلف هذا الامام الجليل وهم قادرون باذن الله على ملء الفراغ الكبير الذي تركه رحيل هذا العالم.
كما وان العلماء في هذه البلاد بحمد الله لهم مكانة عالية وقدر رفيع عند ولاة الأمر، وفي قلوب الناس وهذه من المفاخر التي نفرح لها ونعتز بها وهي تحقيق للمعاهدة الاولى التي كانت بين الامامين الكبيرين محمد بن سعود، ومحمد بن عبدالوهاب رحمهما الله معاهدة على اظهار الدين ونصره ونشره واجلال العلماء وتوقيرهم.
حتى اصبح ولاة الامر في بلادنا منذ ذلك الزمن والى هذا العهد الميمون اكبر عون للعلماء في نشر علم القرآن والسنة، وما كان عليه سلف الامة فأصبحوا حكام عدل، وحراسا لدين الاسلام، ان يطرقه طارق الاختلال، او يطوف به طائف الضلال، فجمعوا الناس على هداية القرآن ونور السنة فنشأ فينا مجتمع اسلامي يشارف السلف في عقائده وعبادته، واخلاقه وصفاته، وصلته بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقربه من الله.
والعلماء قائمون بواجب النصح والتذكير، مؤدون للامانة راعون لعهد الله، مسارعون الى نصرة الحق، محاربون للبدع والشر والفساد.
فرحم الله الشيخ الامام محمد بن صالح بن عثيمين رحمة واسعة وغفر له، ورفع درجته في المهديين واجزل له الاجر والمثوبة وانزله منازل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ورحم الله علماءنا العاملين واسكنهم فراديس الجنان برحمته الواسعة وإنا لله وإنا إليه راجعون .
د, عبدالله بن عبدالرحمن الشثري
عميد كلية أصول الدين

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved