أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 19th January,2001 العدد:10340الطبعةالاولـي الجمعة 24 ,شوال 1421

أفاق اسلامية

اللهم إنه فرطنا عندك - فأحسن عزاءنا فيه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (العلماء ورثة الأنبياء، وإن العلماء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم,, فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
مُني الوطن الغالي، بل العالم الإسلامي بأجمعه، بفقد من نحتسبه وهو فرطنا عند ربنا الكريم الغفار شيخنا الوالد محمد بن صالح العثيمين: لِحمة نسيج بدأ ينتقض غزله، وحلقة عقدٍ ثمين غدت تنفرط حباته، تلك التي ضمت شيوخنا الفضلاء: كوكبة الخير والإصلاح,, ورثة الأنبياء، وسبحان الحي الوارث الذي لا يموت.
ديننا الحنيف الذي قام بتبليغه أولئك الأصفياء: كان، وما يزال، حصن المجتمعات التي آمنت به، وآمنت بضرورته لها,, فالله لنا,, لو فقده الشباب لانهاروا بين قطبي الرحى: (فساد التوجيه، وضعف حصون المناعة),, فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
كانت مجالس الشيخ رحمه الله بلسم طلاب العلم وترياقهم، يصف أحدهم مجلسه فيقول: (رحمه الله وأحسن مثوبته، إذا رأيته بديهة تظن أنك لقيت بعض سلفنا الصالح أو أحد التابعين!,, يعيش مع الناس كأنه أدناهم، ويحرص على الانبساط معهم وخدمتهم؛ كان درسه في المسجد مليئا مفيداً شاملاً,, يفسر فيه الآية الكريمة، فيعرج بنا على فنون العلم من فقه وأصول، مستأنساً بالطرفة والأدب والشعر,, تحس أنك بين يديه تلميذ مهما بلغ علمك).
* فلله درّها من مجالس علم,, هي بحق مدرسة تربوية!,, ليست صنعة الإصلاح أن تطعم المريد العلم مجرداً، ولكن المهارة أن تهيئ له مجتمعاً، أو ترسم له طريقاً يعينه فعلاً على الإصلاح,,ليتنا نتعلم كيف نوقر علماءنا المخلصين أحياءً، فنحتذي رحيقهم، وتجتمع قلوبنا وكلمتنا عندهم,, حتى إذا فقدناهم سهل علينا إكمال المسيرة,,قولوا للناس: من عجز عن البناء فلا ينشغل بالهدم! اتركوا البنائين يعملون، فإنهم دعامة مجتمعاتكم.
* صدق الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه حيث يقول (أحبب من شئت فإنك مفارقه),, إن الحب لله الذي خلفه شيخنا رحمه الله في قلوبنا ليوفر الزمن كما يوفر الثقة,, ويا لها من ثروة! ولعل من أبرز علامات هذا الحب أن نثبت على ما ثبت عليه.
* ولله درّه من إمام: كان لا يفوته أن يبصرك بجملة أحكام شرعية بعد أن يبسطها وييسرها لفهمك، ويصحح مفاهيم مخالفةً تروّج بين الناس، بالحجة التي تفرض نفسها، وبالدليل الذي تنهزهم عنده تلكم الأعراف التالفة.
كان كثيراً ما ينوه عن منهجه هذا، وكأنه يقوله لمريديه: (كذلك فادعوا,, وفي الله فجاهدوا), إن الداعية إذا أنس من نفسه خيرها، وأيقن بما يقول، سهل عليه أن ينطلق برسالته إلى الآخرين، يحدوه سحر بيانه وطلاقة لسانه، ويحتويه خلق التسامح والإيثار وسعة الأفق.
* كان في تعليمه ودعوته يثير قضايا العصر، ويفتّق الأذهان لتُلبس واقعها ثوب الدين والفطرة, ثم يورد قصة مشوقة أو نكتة مفيدة، ويلفت النظر إلى ظهور كتاب قيم ويوصي، دائماً، بتقوى الله,,, مبرزاً عظمة الرب تبارك وتعالى، متمثلة في أنوار معاني أسمائه وصفاته، ومؤكداً على قيم الدين الأساسية وجوهره الثبات، الذي لا يقبل التبدل ولا التطور.
* استعان على فهم القرآن بالقرآن، ووفق كثيراً في إبراز ما بين الآيات الشريفة من التوافق والانسجام وتأكيد المعاني، ما لا يدع مجالاً للحيرة,, مؤتنساً بين الفينة والفينة بترجمان القرآن: (السنّة النبوية المطهرة).
* وما أكثر ما نعى على أولئك الذين يشغلونا بسفاسف ما يسمونه (حرية المرأة)، ففضحهم في أهدافهم التي لا تخفى: من إشاعة الميوعة، وجر المرأة من بيتها إلى الشارع، وكشف ما عندهم من المآسي في هذه التجربة ما استفاض العلم به.
* علم بحسن سيرته ان ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ساعة وقوعه، ذنب ومخالفة شرعية على من قدر عليه, وأن قاعدة إنكار المنكر داخلة لا محالة في خطة كل داعية مخلص، وإن تراخى تنفيذها,, فهي من صميم عمله، وما أشرفه من عمل لو كان على فهم وتبصر.
* كان دأبه يرحمه الله أن ينشئ تلاميذه فقهاء مجتهدين، فيا كثر ما بادرهم بالمسائل وأشغلهم بالبحوث، وقعّد لهم القواعد وأكد على الأصول والمتون,, بل إنه أوقف الأوقاف لهم ليتفرغوا بطلب العلم عما يشغلهم من أمور معاشهم,جعل الله له نوراً في الطاعة ورشداً في العلم، والله حسيبه,,, وبعد,,فإني فيما أتعاطى من وصف فقيدنا العزيز، كالمخبر عن ضوء النهار الزاهر والقمر الباهر، الذي لا يخفى على كل ناظر,, وأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز، مقصر عن الغاية، فانصرفت من الثناء عليه إلى الدعاء له,, ووكلت الإخبار عنه، إلى علم الناس به,,نضر الله وجهه وشكر له صالح سعيه، ولئن كان من أجلّ الحوادث رزؤه، ومن أعظم المصائب فقده: إن كتاب الله ليعِدُ بحسن الصبر فيه، وحسن العوض عنه, فأنا أتنجز موعود الله بحسن العزاء فيه، وأستعيض منه بالاستغفار له، فسلام الله عليه,, وأمانه على خَلَفه من بعده: أوصيهم بالرضا من الله بقضائه، والتهيؤ لما وعد به من ثوابه، فإن الدنيا دار زوال,, ولا بد من لقاء الله, لاحرمنا الله أجره، ولا أضلنا بعده، وغفر لنا وله آمين.
صالح بن علي الجار الله
إمام وخطيب جامع العريجاء القديمة
والمشرف على فرع جمعية البر الخيرية بحي العريجاء القديمة والمشرف العام على مدارس الإمام محمد بن عبدالوهاب

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved