أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 20th January,2001 العدد:10341الطبعةالاولـي السبت 25 ,شوال 1421

متابعة

دروس وعبر من وفاة الإمام ابن عثيمين
الموت له وق
ع عظيم في النفوس، ويختلف وقعه باختلاف الأشخاص والأحوال، ووفاة عالم من العلماء في مثل هذا الزمن رزية من الرزايا، ونحن لا نشعر بهيبة الموت وهوله كما نشعر به عند فقد العلماء الأفذاذ، والشيخ محمد بن عثيمين عالم نشأ على حبه الصغير والكبير، ودخل إلى كل بيت بعلمه ومواعظه، وكان مرجعاً للأمة يفصل في كثير من مشكلاتها وفي وفاته دروس وعبر نذكر منها ما يلي:
1 ان سنة الله تعالى في خلقه ماضية، فقد كتب الفناء على كل حي، (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) وقد قال ابن عثيمين الشاعر:


هو الموت مامنه ملاذ ومهرب
متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نشاهد ذا عين اليقين حقيقة
عليه مضى طفل وكهل وأشيب

فهو الموت يذكركم وإن نسيتموه ويزوركم وإن كرهتموه، وهذا النعش سرير ركبه السلف وسيركبه الخلف الآباء والأبناء على حد سواء فماذا اعددنا لما بعد الموت؟
2 إن العالم الحق هو من يبذل كل ما لديه للناس علما وتعليما ودعوة وجاها وشفاعة وإحسانا، وقد ضرب الشيخ رحمه الله تعالى في ذلك بسهم وافر، وفي جوده يضرب المثل، ويصدق فيه قول زهير:


تراه إذا ما جئته متهللا
كأنك تعطيه الذي أنت سائله

وأي جود أعظم من الجود بالعلم؟ يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (الجود بالعلم وبذله وهو من أعلى مراتب الجود، والجود به أفضل من الجود بالمال؛ لأن العلم أشرف من المال، والناس في الجود به على مراتب متفاوتة وقد اقتضت حكمة الله وتقديره ان لا ينفع به بخيلا أبدا, ومن الجود به أن تبذله لمن يسألك عنه بل تطرحه له طرحا، ومن الجود بالعلم ان السائل إذا سألك عن مسألة استقصيت له جوابها جوابا شافيا، لا يكون جوابك له بقدر ما تدفع به الضرورة، كما كان بعضهم يكتب في جواب الفتيا نعم أو لا مقتصرا عليها ,,, إلى ان قال فمن جود الإنسان بالعلم انه لا يقتصر على مسألة السائل بل يذكر له نظائرها ومتعلقها ومأخذها بحيث يشفيه ويكفيه) وهذا هو شأن الفقيد رحمه الله تعالى في بذله للعلم وتعليمه للناس.
3 ان العبرة ليست بالمظاهر، بل بما يحمله العالم في قلبه وفكره، لقد كان الشيخ رحمه الله تعالى متواضعا في لباسه وفي شأنه كله، وما تواضع عبد لله إلا رفعه ولقد رفع الله تعالى منزلة الشيخ في قلوب المسلمين فأحبوه وتأثروا بفقده.
4 إن القبول منة عظمى يمنّ بها الله على من يشاء من عباده وسببها محبة الله للعبد كما في الحديث المتفق عليه إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إن الله تعالى يحب فلانا فاحببه فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء ان الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض.
5 إن دأب العلماء العاملين ان يبذلوا ما في وسعهم من نفع الناس وهدايتهم إلى آخر رمق في حياتهم، وقديما قال أحدهم عندما سئل إلى متى يطلب العلم؟ فقال من المحبرة إلى المقبرة، والشيخ رحمه الله تعالى له نصيب وافر من ذلك، فحرص على نفع الناس وهو على فراش المرض، وهذه منة من الله تعالى على من يشاء من خلقه، ان ينازعه الموت وهو يبذل للناس الخير، وهي سنة الله تعالى في أنبيائه عليهم الصلاة والسلام وخواص خلقه، قال تعالى عن يعقوب عليه السلام (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي,, الآية) وكان من آخر كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم, وقال عمر رضي الله عنه وهو على فراش الموت لفتى من قريش جاء يعوده: ارفع ازارك فإنه اتقى لربك وأنقى لثوبك.
6 إن زهد العالم في حطام الدنيا سبب عظيم في قبول الناس لقوله، وقد كان الشيخ رحمه الله تعالى من العلماء الزهاد، وكان يدعو إلى الزهد منها بقوله وفعله وهيئته.
7 إن سلامة الصدر وبعده عن الشحناء والغل والحسد، من سمات الفقيد وهي مرتبة لا يستطيعها إلا القليل من الناس، والشحناء والحسد تعطل منافذ التفكير والفهم وكم من أناس أوتوا حظاً من العقل والفهم ولكنهم لم ينعموا بسلامة الصدر فقل نصيبهم من العلم ومن قبول الناس لهم.
8 إن من كرامة الله تعالى على العبد ان يديم عمله بعد وفاته وفي صحيح مسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) والشيخ رحمه الله أوتي حظاً وافراً من ذلك كله والسعيد من الناس من يسعى إلى ديمومة عمله قبل ان يرحل عن هذه الدنيا.
9 إن العلم الشرعي أشرف العلوم وأعظمها نفعا في الدنيا والآخرة، وجدير بكل أب لديه ابن يرى عليه إمارات النبوغ والذكاء ان يصرفه إلى تعلم العلم الشرعي الذي فيه صلاح الأمم والأفراد، وهو السبيل إلى الرفعة في الدنيا والآخرة، وكثير من العلماء الأفذاذ في تاريخ الأمة نشأوا على الفقر والحاجة،وأتتهم الدنيا راغمة وصدق الله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب).
10 وفي وفاة الشيخ رحمه الله صورة واضحة لإكرام هذه الدولة المباركة للعلم وأهله وتقدير العلماء الذين نذروا أنفسهم لخدمة هذا الدين, تلك بعض الدروس والعبر على وجه الاختصار، رحم الله تعالى الشيخ رحمة واسعة وبارك فيمن يخلفه من العلماء، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
د, عبدالله بن إبراهيم اللحيدان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved