أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 20th January,2001 العدد:10341الطبعةالاولـي السبت 25 ,شوال 1421

متابعة

إنا لله وإنا إليه راجعون
الحمد لله الفعال لما يريد، يبدىء الخلق ويعيد، أحمده تعالى وأشكره وأسأله ان يمن علينا بحسن الختام والنظر لوجهه في يوم المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العبيد، وأشهد ان محمداً عبده ورسوله ذا القول السديد والأمر الرشيد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً دائماً بلا تحديد.
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى.
عباد الله: العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم مصابيح الدجى وأعلام يهتدى بها، يهدي الله بهم من ضل عن الهدى واتبع سبل الردى، فهم للبيوت منارات، وللأمم مسارات، من عرف حقهم ونهل من علمهم فقد أفلح حيث امتثل أمر الله عز وجل بقوله: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون)، ومن أعرض عنهم ولم يعرف لهم قدرهم فقد خسر وندم ولات حين مندم.
ولكن من حكمة الله عز وجل وابتلائه للأمة ان يقبض هؤلاء العلماء بموتهم تحقيقاً لسنة الله في الخلق، فقد قال الله جل وعلا: (كل نفس ذائقة الموت).
قال ابن كثير رحمه الله : يخبر تعالى إخباراً يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت، كقوله تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) فهو تعالى الحي الذي لايموت، والجن والإنس يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء، فيكون آخراً كما كان أولاً، ثم قال: وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس، فإنه لايبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت، فإذا انقضت المدة، وفرغت النطفة التي قدر الله وجودها من صلب آدم، وانتهت البرية أقام الله القيامة، وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها كثيرها وقليلها كبيرها وصغيرها، فلا يظلم أحداً من مثقال ذرة ، انتهى كلامه.
وإيذاناً بقبض العلم، فقد روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله لايقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)).
وفي رواية: ((إن الله لاينزع العلم بعد ان أعطاكموه انتزاعاً، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال يستفتون، فيفتون برأيهم، ويضلون ويضلون))، وهذا لفظ البخاري.
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ويل للعرب من شر قد اقترب، ينقص العلم، ويكثر الهرج)).
ونقص العلم يكون بذهاب أهله.
وفي الصحيحين أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا)).
ورفع العلم هو بموت أهله كما في قوله: ((ولكن يقبض العلم بقبض العلماء)),
عباد الله: لقد فجع العالم الإسلامي عامة وأهل هذه البلاد خاصة بموت عالم رباني، بذل وقته وحياته في الدعوة إلى الله ونفع عباده، وإعانة المحتاجين، والتصدي لأفكار العلمانيين، ودرء بدع المبتدعين، ألا وهو شيخنا الإمام العلامة محمد بن صالح بن عثيمين تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنته، فقد استفدنا منه علماً كثيراً، وأدباً رفيعاً، وتواضعاً وكرماً، فقد كان رحمة الله عليه كريم السجايا، حميد الخصال، وبفقده تكون الأمة الإسلامية قد فقدت واحداً من أبرز فقهاء الحنابلة في العصر الحاضر، وأحد أكبر تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي تبنى فكره ونشر علمه وفتاواه، وكان رحمه الله مضرب المثل في علمه وخلقه ، فقد جمع الله له بين شتى العلوم، ونفع بعلمه القاصي والداني، وانتشرت كتبه وفتاواه وأشرطته في مشارق الأرض ومغاربها، وأما أخلاقه وتواضعه فلا تخفى عليكم.
أيها المسلمون: إنا لله وإنا إليه راجعون، كم كنا نتمنى ألا يرحل عنا هذا الإمام، ولكن سنة الله ماضية، وقدرته نافذة على جميع العباد، فالحمد لله على قضائه وقدره.
ولكن عباد الله: ينبغي ان نتفطن هنا لأمور:
منها أن الله تعالى حافظ لدينه وكتابه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، فإن دين الله محفوظ، وكلمته باقية إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها.
وإذا وقعت بالإنسان مصيبة فليتذكر مصيبته برسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله جل وعلا: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين).
قال الإمام القرطبي رحمه الله: ((والأديان لاتزول بموت الأنبياء))، فإذا كانت الأديان لاتزول بموت الأنبياء فمن باب أولى ألا تزول بموت العلماء.
ومنها: الحذر من الغلو والإطراء؛ لأن المحبة الشرعية التي يؤجر المرء عليها هي تلك المحبة السالمة من المحاذير الشرعية، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)).
وإذا كان الغلو منهياً عنه في مقام الأنبياء عليهم السلام فكيف بمقام غيرهم ممن هو دونهم، روى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد، فقولوا: عبدالله ورسوله)).
ومنها: انه وبفقدنا لشيخنا الفاضل محمد العثيمين رحمه الله ينبغي لنا جميعاً ان نلتفت حول علمائنا الباقين ونستفيد من علمهم وحكمتهم، ولايجوز لنا أن نستنقص أحداً منهم أو نتهمه بنقص العلم أوالفهم، فإن ذلك حرام وهضم لحق العالم، قال ابن عساكر رحمه الله : ((اعلم ان لحوم العلماء مسمومة، وان عاقبة الله فيمن انتقصهم معلومة، ولم يتكلم أحد في العلماء بالثلب إلا ابتلاه الله قبل موته بموت القلب)).
ومنها : ان محبة الناس وتعاطفهم وكثرة تشييعهم لجنازة أهل العلم مما يزيد التفاؤل بخيرية المجتمع، وان في قلوبهم حياة ومحبة لأهل العلم واحترامهم, قال الإمام أحمد لرجل من أهل البدع: ((بيننا وبينكم يوم الجنائز))، يعني رحمه الله أن أهل السنة والجماعة يخرج الناس في جنائزهم جماعات وأفواجاً، وأما أهل البدع والضلال فإنهم إذا ماتوا تركوا ولم يخرج أحد في تشييع جنائزهم، فهذا هو الفاصل بين أهل السنة وأهل البدع.
عباد الله: امتثلوا ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة ان تقول بعد وفاة زوجها: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها.
فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها.
اللهم ارحم شيخنا، اللهم ارفع درجته في المهديين، واجمعنا به ربنا في جنات النعيم، إنك جواد كريم.
بندر العبدلي
المحاضر بجامعة الإمام- فرع القصيم

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved