أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 20th January,2001 العدد:10341الطبعةالاولـي السبت 25 ,شوال 1421

متابعة

يا لفداحة هذه المصيبة!
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه واتباعه بإحسان الى يوم الدين,, أما بعد فإنه لا يمكن لأي إنسان ان يقدر مدى فداحة المصيبة التي وقعت في الأمة الإسلامية بسبب وفاة العالم الجليل محمد بن صالح العثيمين الغني عن التعريف إلا لمن اطلع تماماً على ما تحلى به من صفات وميزات عقلية وعلمية وأخلاقية بل وذاتية من بلاغة وحسن صوت ووضوحه وغيرها وما يعيشه العالم الاسلامي من بث لخلافات فقهية وعقدية وأفكار تصحيحية كما يسمونها وتطورات حضارية وبقاء رجعية حسب قولهم وتقدمية وسلفية ووثنية وجماعات متفرقة ومتناقضة وصادقة ومنافقة ودعوات من هنا وهناك يطول تعدادها ناهيك عن التفصيل فيها وذلك عبر الفضائيات والنشاطات الدعوية سواء عن طريق الجهات الرسمية أو الشعبية وعبر الانترنت والاجهزة الاخرى ويكون لذلك المقدر لفداحة تلك المصيبة نظرٌ ثاقب وبصيرة فاحصة لجميع الامور وبعد نظر وعلم سلفي صحيح الا ويجد ان تلك المصيبة من أعظم المصائب التي حصلت بالعالم الاسلامي في هذا العصر وإنا لنرجو من الله العلي القدير ان يجعل بعلمائنا الموجودين خير خلف لخير سلف ويعيننا وإياهم على أداء تلك الأمانة العظيمة وانه لا يعزينا في وفاة ذلكم العالم الجليل الا عدة أمور بعد رحمة الله لنا وجبره لمصابنا بتلك الأمور وبغيرها مما يقتضيه علمه وحكمته سبحانه وتعالى وتلك الأمور هي أولاً: حفظ جميع إرث الشيخ العلمي بجميع الطرق الحديثة ونشرها بكل وسيلة وبتكاتف الجمعيات الخيرية وفاعلي الخير والجهات الدعوية المعنية والجهات التعليمية الاكاديمية سواء منها الرسمي أو الأهلي للبنين والبنات, ثانياً: دراسة تحليلية لمنهج الشيخ السلفي والأخلاقي لجميع الوجوه سواء العقدية والفقهية والسياسة الشرعية سواء مع الفرد والمجتمع وتعامله مع جميع الجهات الخيرية والرسمية ومع المواطن والمسؤول والاطلاع عن كثب على وسطيته التي بارك الله فيها للافراد والمجتمعات والعالم والجاهل فقد جمع الله به قلوباً متشتتة وعدل به مناهج افراد معوجة وزاد في ترابط طلبة العلم مع المسؤولين وكان عوناً لولاة أمرنا الذين يحرصون كل الحرص على اقامة المنهج السلفي الصحيح السليم من البدع والخرافات والمناهج المنحرفة بكل سبيل وإمكانيات وفقهم الله, ثالثاً: استمرار مدرسته المباركة وفي مكانها وبنفس منهجها وتشجيع أعضائها من جميع أوجه التشجيع شعبياً ورسمياً لتستمر نبراساً مضيئاً ومنهجاً سوياً ومعتبراً لدى الجميع كما كانت في حياته لتمضي السفينة في إبحارها وتمد سلالمها لتستقبل من أراد ان ينجو من مصارعة الأمواج وفتك الحيتان والاحتماء بجنباتها من الرياح الهوجاء وليستظل بظلالها عن الشمس المحرقة والصقيع المهلك, رابعاً: إن معين الشيخ نهر متدفق وكل طالب درس عنده وتتلمذ لديه فقد غرف بإنائه حسب ما وهبه الله إياه فمنهم من لديه إناء كبير قد ملأه من ينبوع هذا الشيخ ومنهم من هو دون ذلك وكل له استنتاجاته ومفهومه ولديه ما حصله منه فينبغي أخذه منه ويدون لأن المعايشة الشخصية يحصل فيها فوائد عظيمة وقد لا يدونها الكثير منهم ومع مرور الزمن تضيع بموت أصحابها أو بنسيانهم ولعله ينبري لذلك من هو كفؤ لذلك ولقد تعلمنا منه رحمه الله فوائد جمة وأنار طريقنا بفضل من الله حينما كانت السبل مظلمة أو إنارتها خافتة لا يكاد الواحد يبصر طريقه وكان لنا معه مواقف كثيرة فقد درست عنده وخلال ثلاثين عاماً في حلقات الجامع الكبير بعنيزة حتى انه لم يكن في بعض حلقات الدرس الا أنا وآخر فقط وصبر على ذلك حتى اصبحت الحلقة بالمئات وكذلك درست عنده في منزله وفي المعهد العلمي وفي الجامعة ومن خلال الزيارات داخل المدينة والمدن المجاورة لها وفي سفره الى الرياض للمشاركة في المؤتمر الطبي الثامن بالحرس الوطني وبقينا عدة أيام فكان نعم العالم المعلم والوالد المربي حرصاً وتضحية وصبراً وسماحة وتلطفاً وتواضعاً وإنكاراً للذات والأنانية فلقد كنت يوما بجواره في احتفال المعهد العلمي بعنيزة وسألني قائلاً هل لك كلمة في الحفل فقلت لم يُطلب مني ذلك فدعا مدير المعهد خلال الحفل وقال له اجعلوا كلمة للشيخ حمد فخجلت من نفسي أن يقول لي الشيخ عني شيخاً وزاد على ذلك ان قال لمدير المعهد اجعلوا كلمته قبل كلمتي فزاد من حرجي وحيائي فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه فكان خلال ذلك يتحدث المقدم للحفل بكلمة توطئة لكلمة الشيخ فأصر الشيخ الا أن أتكلم قبله فما كان مني بعد إصرار الشيخ الا ان تقدمت وأنا في غاية الحياء والحرج وألقيت الكلمة ثم بعد ذلك القى الشيخ كلمة بعدها أثنى فيها على كلمتي فزدت بذلك حياءً من الشيخ وتقديراً لهذا التواضع الجم وأمام الملأ ولقد رشحني رحمه الله للقضاء حينما كان في الجامعة فرفضت ذلك ولكنه اصر وقلت له ليس لدي علم ولا قدرة على ذلك فقال اتقوا الله ويعلمكم الله فكانت نبراساً ونوراً أسير به لأصل الى غايتي وهذا المنهج يقول المولى عز وجل عنه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) ولقد كان هذا أبلغ توجيه لي في حياتي ولما راجعته يوماً لسؤاله عن مسألة تتعلق بالعمل القضائي قال لن أخبرك أبحث فلن أدوم لك فقلت له ليس لدي وقت والقضية مستعجلة لكنه أصر على أن أبحث وكان ذلك بلطف وتوجيه رحمه الله فرجعت من عند بيته مباشرة الى مكتبتي ويسر الله لي خيراً كثيراً في الرجوع الى البحث في أمهات الكتب ولأطمئن لبعض المسائل التي أبحثها كنت أراجعه في نتائج بحثي لتلك المسائل فإذا وافقني عليها اطمأننت بذلك وان ما يزين الشيخ رجوعه للحق ولو ذكره به أحد طلبته فلقد قرأ يوماً حديثاً في حلقة الدرس وكنا في الصيف على سطح المسجد حينما كان من الطين بحثا عن الجو البارد وكان بين المغرب والعشاء فلما شرح الحديث وقال بعض الجمل في تفسيره قلت له يا شيخ ليس هذا ظاهره ومنهج أهل السنة والجماعة إمراره على ظاهره فأذن المؤذن لصلاة العشاء فقمنا للصلاة وبعد الصلاة حمد الله الشيخ وقال إن الصحيح في الحديث هو ما ذكره فلان يعنيني وهو المعتبر والمعتمد وهو مذهب أهل السنة والجماعة وأوضح ذلك فرحم الله الشيخ الذي لم يجعل لنفسه ومكانته اي عائق عن قبول الحق الذي يظهر له فالحق ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها هذه عجالة ونموذج أما توضيح الاستنتاجات والفوائد لهذه المواقف وغيرها كثير معنا فلها مواقف غير هذا الموقف إن شاء الله لعل الله أن ييسرها لأساهم مع إخواني في التمهيد للطريق الذي نأمل ان يسير عليه طلبة العلم كما أراده شيخنا الذي هداه الله ووفقه والحقيقة فإن شيخنا حي في قلوبنا ودمائنا وأفكارنا ومنهجنا وذلك أننا وجدناه متشبها بالسلف الصالح ولن تكون ثمرة للعلم ولا للدعوة كما ينبغي إلا باقتفاء اثر أولئك الأفذاذ المتواضعين الزاهدين شموس الضحى وبدور الليالي نسأل الله أن يصبرنا ويجبر كسرنا ولا نقول إلا إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اجبرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.
حمد بن عبدالله بن منصور الجطيلي
قاضي محكمة العمار بالقصيم

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved