أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 3rd February,2001 العدد:10355الطبعةالاولـي السبت 9 ,ذو القعدة 1421

محليــات

الشيخ العثيمين,, منهجه مع ولاة الأمر
د, يوسف بن أحمد العثيمين*
الحديث عن فضيلة الشيخ محمد العثيمين وفضله رحمه الله حياةً وسيرةً وسريرةً ومكانةً وإضافةً علميةً وإسهاماتٍ شرعيةً لا يختزلها مقال في مجلة، أو عمود في صحيفة سيارة, من أجل هذا تدافع المشايخ وطلبة العلم في الداخل والخارج، فضلاً عن طلابه ومحبيه ومريديه بالإفاضة، شعراً ونثراً، أدباً ومقالةً، عن غزارة علمه، وانشراح صدره، وسعة فقهه وأفقه، واجتهاده آخذاً بالاعتبار مقاصد الشريعة الإسلامية، وكذلك اعتداله وتوسطه في المنهج والفهم، وابتعاده عن التعصب، وحرصه المستمر على المواءمة بين النصوص الشرعية والمصالح العامة، مراعياً ظروف العصر ومقتضى الحال وضرورات الزمان والمكان، ورغبته في المبادرة في النصيحة والتنبيه للمخالفات الشرعية بأسلوب دعوي محبّب للنفوس, هذا إلى جانب حرصه الدائم على نشر العلوم الشرعية في أصقاع الدنيا، واتباع السلف الصالح منهجاً في العلم وسلوكاً في الحياة، فقد رفض العوض المادي عن مؤلفاته وكتبه ورسائله ومحاضراته، وكان يسمح، بل ويدعو، لمن يقوم بنشرها وطباعتها وتوزيعها، دون الحاجة لإذن مسبق منه كما تقضي بذلك حقوق الطباعة والنشر المتعارف عليها.
وفي الجانب الشخصي فقد منّ المولى جلا وعلا عليه بخصال وأخلاق يُغبط عليها؛ كالتواضع الجمّ، وبساطة العيش، وعفاف اليد واللسان، والابتعاد عن زخرف الحياة الدنيا الفانية، والزهد في المناصب، والعزوف عن الأضواء الزائفة، وتجنّب المظهرية الخادعة.
أما الجانب الأسري والشهادة هنا مجروحة فقد كان رحمه الله يحرص أشدّ الحرص على صلة الرحم مع جميع الأقارب، والاستجابة لدعوات الأسرة، وتعهّده لأسرتنا بالزيارة والمهاتفة للسؤال عن الصغير والكبير، خاصة أيام الجمع من كل أسبوع، مع أننا أصغر منه سناً ومقاماً، والعرف يقتضي العكس.
لم يترك لي القريب والبعيد، والمحبّ والمريد، والشيخ والتلميذ مساحة رحبة للحديث عن مآثره ومناقبه، أو آرائه ومواقفه، أو طرائفه ولطائفه، أو عن محبة الناس له، وما تكنّ صدروهم أعظم, وهذا موقف عرفان عُرفت به هذه الأمة وولاة أمورها تجاه علمائها الأفاضل,, فكلنا نُعزّى به,, ولم لا؟ وهو فقيد أمة لا فقيد أسرة فحسب، وهو عَلمَ وَمعلَم ومعلِّم، وهو من قلائل من حظيت هذه البلاد بأمثالهم، ولكن حسبنا عزاءً وتفاؤلاً قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم).
وإن كان لي بقية مما يستحق التوقف عنده من مواقف شيخنا الجليل رحمه الله تأملاً ودرساً وتأسّياً فإنها في نظرته ورأيه وعلاقته وأسلوب تعامله مع ولاة الأمر في مختلف مواقعهم السياسية، ومراتبهم الإدارية، وطبيعة أدوارهم في هرم السلطة في البلاد, لقد التزم رحمه الله في تعامله مع ولاة الأمر في بلادنا موقفاً ومبدأ لم يحد عنه طوال حياته, بل هو جانب متجذر في قناعاته، راسخ في تصرفاته,, حافظ عليه طوال حياته، ولا يجد غضاضة في الإفصاح عنه والدعوة إليه.
لقد كان رحمه الله يؤكد على طلاب العلم وعامة الناس بطاعة ولاة الأمر، ويرى أن من واجب العلماء تأليف القلوب بين الراعي والرعية، وامتثال أوامرهم، وطاعتهم في غير معصية الله، والتزام الأمانة بما يولونه إياهم من أمور المسلمين، ويرى أن من حق الولاة على الرعية المناصحة الشرعية والدعاء لهم، لأن في مخالفة ولاة الأمر وعصيانهم، والخروج عليهم، وشق عصا الطاعة زعزعة للأمن، ومدعاة للفساد، ومجلبة للفتن، فالمسلم مأمور بالسمع والطاعة فيما أحبّ وكره إلا أن يؤمر بمعصية، امتثالاً لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وأن على المسلم أن يكون عوناً لولي الأمر فيما أوكل إليه من مسؤوليات، وأن الانصياع للتعليمات والأنظمة يدخل في صميم الإيمان، وأن ولي الأمر عندما سنّ الأنظمة والتعليمات قصد بها تحقيق المصلحة العامة لاسيما أن هذه الأنظمة لا تخرج عن مقاصد الشرع الحنيف، ولذا فإن الطاعة واجبة علينا، ومخالفتها قد تصل الى درجة المعصية.
لقد كان رحمه الله يسير في ذلك على مبدأ درج عليه أهل السنة والجماعة، والسلف الصالح، وعقلاء الأمة لأنهم يعرفون ويدركون خطر الفتن وشرّها المستطير، وأن تأليب العامة على السلطان، والمحكوم على الحاكم، والرعية على الراعي فتح لأبواب الشر، وفساد لأحوال المسلمين، حتى لو دفعت شراً فإنها سوف تجلب ضرراً أكبر وأخطر على المجتمع الإسلامي.
لقد كان رحمه الله يرى بلسان حاله وفعله أن من خير وسائل الإصلاح والتأثير على ولاة الامر هو في زياراتهم، والتواصل الإيجابي معهم، وحضور المناسبات الخاصة والعامة التي يدعونه إليها، والمحاورة الهادئة، والتنبيه بالحسنى، والموعظة الحسنة، ولين القول؛ لأن صلاح ولاة الأمور صلاح للأمة، ورحمة على شعوبهم وعلى مجتمعاتهم، وقد ذُكر عنه أن من الأمور التي تغضبه تدخُّل الإنسان فيما لا يعنيه في أي مجال كان خصوصاً في الأمور المتعلقة بالدولة مجلة الدعوة .
وكما يعلم الجميع، فالتاريخ الإسلامي تليده وطريفه زاخر بالأمثلة التي كُسرت فيها شوكة المسلمين، وذهبت ريحهم، وتكالب عليهم الأعداء، وضعفت دولتهم بسبب إشعال نار الفتن بين الحاكم والمحكوم، والتأليب عليهم، في وقت كانت الأمة الاسلامية أحوج ما تكون الى وحدة الصف، وتوحيد الكلمة.
إن الشيخ رحمه الله بتأكيده المتواصل على هذه المبادىء التي تحكم، بين ما نسميه في العصر الحديث، العلاقة بين المواطن والدولة ليس مظنة للتقرّب والمجاملة والمحاباة، فالجميع يعرف مدى زهده بالدنيا، وعدم اللهث وراء المناصب، أو التهافت على أسباب الحياة المترفة.
أحسب أن علماءنا الأجلاء من جيل ومدرسة الشيخين ابن باز والعثيمين رحمهم الله لديهم من سعة الأفق، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطن، ومن بُعد النظر، والحرص على الاستقرار الاجتماعي، والمحافظة على أمن وأمان بلادنا، واستشعارهم بأن ذلك نعمة من نعم الله علينا تجب المحافظة عليها مما جعلهم يضربون لنا بأقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم أروع الأمثلة في رسم العلاقة الصحيحة والمتوازنة بين الحاكم والمحكوم، والمواطن وولاة الامر.
رحمك الله يا شيخنا، وما أحوجنا لمثلك قدوة ونبراساً,, لقد كنت عنصر توازن واتزان، وحرصت على النأي بمجتمعنا وبلادنا عن دواعي الفرقة وأسباب الفتن، وعن الوقيعة بين المواطن والدولة بحرصك على الموازنة بين المصالح، والرغبة في إشاعة أجواء السلام الاجتماعي وردم الفجوات، وغيرتك على المصلحة العامة للبلاد والعباد، واستقرار علاقات المحبة والثقة والتراحم بين المواطن وولاة الأمر في هذا البلد الكريم.
رحمك الله أيها الناصح الأمين.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved