أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 6th February,2001 العدد:10358الطبعةالاولـي الثلاثاء 12 ,ذو القعدة 1421

الثقافية

قصة بشت!!
منيرة الغامدي
بداياتي كانت ضمن القطعان وبين الرعيان,, مستورد ومني المحلي طبعا، كانت لي صولات وجولات بين الشياه والخرفان ولا يهون ذوو السنام، كان لي شأن وشأن، وكنت أسرح وأمرح وأستمع الى أغاني الرعاة والحالمين، إلى ان جاء ذلك اليوم المشئوم، يوم أغبر كما يقولون,, ووقعت فريسة ليد أحد كرماء العرب الذي سدحني أرضا، وهذا آخر عهدي بالحياة بلحمي ودمي وبقلب ينبض بين حناياي.
انتقلت بعدها الى ديار البدويات,, الله ما أجمل الحياة هناك، حتى بدون حياة، ومن أبناء عمومتي من لم يحظ بذلك الشرف فبات بين يدي المصانع والمعدات,, إلى ذات يوم شعرت فيه بأني أختنق وأختنق على ما يسمونه بالمغزل، وشدّت عروقي وشراييني عليه,, وشدّت وشدّت حتى تغيرت معالمي,, وعندها انتقلت الى المدينة,, في الازعاج والصخب.
وبدأت معالمي تتغير شيئا فشيئا لتناسب الحياة الجديدة في المدينة!! وفجأة وبدون سابق إنذار لم أشعر إلا وأنا في أكياس وقراطيس ومزين بزري من الغالي والنفيس,,وحاولت أن اختلس النظر يمينا ويسارا فإذا بي أرى أبناء العمومة معلقين هنا وهناك,, حاولت الخروج من الكرتون الورقي الذي أنا فيه,, ولكن صاحب المحل وبخني,, قائلا: يا غالي مكانك محفوظ,, ولازم تبقى في الحفظ والصون حتى يجيك طلابك الى حدك,, استسلمت لكلماته المغرية وبقيت حبيس الكرتون لفترة ليست بالقصيرة,, ففي كل مرة يأتي أحد الراغبين في القرب,, وبعد أن يعرف سعري يركض هاربا,, فمنهم من يردد لماذا أهو ذهب أم ألماس؟؟ وآخر يقول هذا قيمة متر في أحد أحياء الرياض السكنية!! ، وغيره يقول هذا قيمة تكاليف علاج أسبوع في أحد المستشفيات الخاصة؟! وثالث يقول: قيمة سفرة لمدة ثلاثة ايام الى البلد الفلاني أو العلاني ، وآخر ردد هذي قيمة فاتورة غلط من شركة الاتصالات!! وواحد مسكين قالهذا مصروف يكفيني وعيالي الستة أشهر!! ورأفت بحاله وتمنيت لو لحقت به تعاطفا مني معه,.
كثيرة هي العبارات التي سمعتها الى ان جاء اليوم الموعود,, وحضر ذلك البدين وترجل من سيارته الفاخرة,, ومعه عدد من النفر يمشون عن يمينه ويساره,, وبعد ان احترت بين أمرين!! أيقنت بأنه أحد رجال الأعمال، وذلك عندما أخفت كرشته جزءاً من ضوء الشمس عني حتى ظننت أن كسوفا قد حل.
ودون مناقشة ودونما حوار,, انقض صاحبنا كالبطل المغوار ومد يده الى محفظته بافتخار,, وسحب من الوريقات ما لم استطع له عدّا، وحملني الرفقة بهوادة ورحمة ووضعوني في تلك السيارة التي جابت الشوارع عرضا وطولا الى ان وصلت الى دياره العامرة,, وهناك حظيت بما لم أحلم به في حياتي,, وفتح لي باب خزانة ودخلت وسئلت إن كنت أرغب في أن أعلق أو أطوي فاخترت أن أكون شامخا وواقفا على الخضوع والنوم على أحد الأرفف حتى لا تتجعد بشرتي الحريرية,, وذكرت لهم بأني شبعت نوما في ذلك الكرتون,, حتى خلتهم سيحرجون عليّ في يوم من الأيام.
وبدأت رحلتي اليومية مع صديقي البدين الذي لم تعرف الرحمة قلبه,, ولا تعرف الأشخاص حتى تعاشرهم,, فمرة يتأبطني حتى أكاد أختنق,, ومرة يثنيني ويرميني بجانبه على مقعده,, ومرة أخرى يرتديني ويشدني على جسده البدين شدا موجعا,, وخصوصا على كرشه الممتلىء,, وليته أخذ قريبي الذي كان يكبرني حجما ولكنه أعجب وأيما اعجاب في خطوطي الذهبية المتميزة,.
مرمرني في زياراته الاجتماعية,,وعرفت أنه بعشرة وجوه يتكلم فيما يعرف ومالا يعرف أي يهرف بما لا يعرف!! كما يقولون,, وعرفت أنه إمّعة لا رأي له ولا قول!!! فإذا قالوا سعودة قال نعم,, وإذا عدنا إلى البيت غير أقواله وبدأ مراجعة حساباته وأرصدته.
ما أكثر ما يكتب في الجرائد والمجلات,, ولكنه كما يقول دائما كلام جرائد,, وذات يوم وكنت منطولا بجانبه وهو يكتب فسألته إن كان فعلا يعني ما يكتب؟! فقال هذا ليس من شؤونك ولكن للعلم فقط أسأل أصدقائك البشوت الآخرين الذين تقابلهم في الاجتماعات والمناسبات عن أصحابهم,, اسألهم إن كانوا فعلا يعنون ما يقولون؟؟!! أم أن لكل واحد منهم بدل الوجه مائة؟؟!!
وقررت أن أفعل ذلك في المرة القادمة,, لأخيب ظن صاحبي ليس إلا!! ولم يطل بي الانتظار فصاحبي هذا منذ الاستيقاظ حتى ينام وهو في اجتماعات ومناسبات أو يكتب عن تلك المناسبات ويعد لأخريات.
وقابلت البشوت الأسود منها والأبيض,, وآآآآآه ليتني ما سألت,, بدأ كل بشت منها يشكو لي الحال,, فقال صاحب صاحب المستشفى أترى هذا الذي يرتديني,, إنه يقول: انه من أصلح المواطنين والمشجعين للمواطن,, انظر اليه في كل يوم تزداد خدوده كيلو أو اثنين,, من جيوب المعوزين والمضطرين,, أسعار العلاج تفوق التحمل,, ونسبة السعوديين بين موظفيه لا تتعدى الثلاثة,,!!
أما البشت الأبيض فقال وكله ألم,, لا تقلب علينا المواجع!! من أين أتيت لنا؟ فرجوته أن يحدثني,, قال أنا برفقة ذلك الذي يقول انه أحد مجموعة أعضاء كثر,, يجتمعون ويجتمعون ويجتمعون,, حتى مللت اجتماعاتهم لأنها بدون هدف أو نتيجة,, ولا يعلم عنها العامة ومن هم معنيون بالأمر شيئاً,, مع أنه في بلدان عربية أخرى تبث اجتماعاتهم على الهواء ونقاشاتهم تقيم في حينها بل وان الشعوب تختارهم وتنتخبهم,!!
بشت بدا منزويا وحديثه قليل,, سألته ما شأنه؟ فقال المشكلة الكبرى ان شأني ليس من شؤوني!! صاحبي يتحدث في شؤون من المفترض أن تكون من شؤون العباءة,, فأقول له أعط الخبز خبازه,, ولكن! وأخيرا اقترحت عليه أن يرفق معي عباءة ولو عن بعد,, فهي بالتأكيد ستعينني على ادارة تلك الشؤون فهي اعرف ,, أو لنكن كما هو الحال في كل العالم,, علم وأخلاق تحت مظلة واحدة مشتركة بين العباءة والبشت وعن بعد طبعا.
وأنت أيها البشت البيج حدثني ما هي خبرتك؟ فقال دون تردد ودون وجل صاحبي من أصحاب المدارس الخاصة، انظر اليه اليوم وسترى وزنه قد زاد خمسة كيلو جرامات في الاجتماع القادم الذي لن يكون بعيداً على كل حال,, أما رصيده فسوف يكون قد زاد آلافاً مؤلفة ولا من حسيب أو رقيب أو على تلك الأسعار، الشيء الذي لن يزيد هو المعارف في رؤوس الطلاب والطالبات,,!
وبشت مغبر,, سألته ما قصتك؟ فقال أنا صاحب صاحب العقارات والأراضي,, ثلاثة أرباعها صحراء ومع ذلك فالأسعار من حار إلى نار!! ويقولون: ان نسبة تملك البيوت 70%، ولا أعلم آنى لهم تلك النسب!! وأنا أعرف الكثيرين من الأكاديميين بالتحديد ما زالوا يسكنون بالتنقيط الشهري، أو لعلهم يمثلون تلك الثلاثين؟.
وقررت ألا أسأل بشتا آخر فقد شعرت بالدوار والتعب وعدت وارتميت باعياء على مقعدي بجانب صاحبي البدين,, وليتني ما سألت إذ فعلا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ورمقني صاحبي بنظرة لم تعجبني وفهمت معناها في طريق العودة! إذ وبينما أنا في السيارة قال لصحبه الكرام,, لنتوجه غدا لسوق البشوت فقد مللت بشتي الحالي!! صعقت وحاولت أن أشرح له بأني مازلت في ريعان الشباب!! ولكنه رفض الاستماع إلي أي كلمة مما أقول,, وعند وصوله الى سكنه الفاخر، وقبل أن يترجل القى بي في حضن ذلك السائق الهندي! وقال له خذه فلم يعد لي حاجة به,, توسلت إليه أن يأخذني معه على الأقل شهراً ولكنه رفض.
أخذني السائق وقلبني يمينا وشمالا والقى بي في المقعد المجاور بعد أن مسح بي زجاج نافذة السيارة,, وأخذني الى ملحقه وهناك استلمتني زوجته,, وقالت ايس فيه؟ هذا ريحة ما فيه كويس؟,, قال لها,, هذا بست! هدا فيه ريحة عود من بابا,, قالت ما فيه كويس، والقت بي في الغسالة وسكبت عليّ الصابون وتجعد جلدي الحريري في لحظتها,, وهيهات أن تستمع لصراخي وتوسلاتي أني لا أغسل بالماء!! وعصرتني وعصرتني وألقت بي على حبل الغسيل للشمس والغبار، وبعد أن تماثلت للجفاف لم أشعر إلا بحرارة المكوى تلسعني,, وهي تزيد في الحرارة وتزيد حتى تغير لوني الى لا لون,, وها أنا ذا كيس مخدة تنام عليه,, يا للمهزلة!!!.


أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved