أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 8th February,2001 العدد:10360الطبعةالاولـي الخميس 14 ,ذو القعدة 1421

الاقتصادية

في الاقتصاد
ضغوط العمل
د, سامي الغمري
تتزايد طرديا هموم العمل في هذا العصر التي يفرضها مناخه مع تزايد التطور المعلوماتي وصراع التنافس المادي فيعمل العامل ساعات طويلة مرهقة له فكريا وجسمانيا آخذة منه نصيباً وافراً من حياته اليومية, واذا اضفنا الى ما يقوم به من اعمال أخرى في البيت عند عودته من العمل من شراء تموينات المنزل او مراجعة تحصيل تكاليف الأبناء المدرسية او الواجبات الاجتماعية والعائلية فإن المحصلة النهائية هي عناء شديد مجهد له, وبذا فقد اصبحت الضغوط اليومية مشكلة تحتاج الى العناية المناسبة السريعة من حامليها الا انه يجب ان نفرق هنا بين التعرض للضغوط فقط، وبين مدى الاستجابة الشخصية لها من فرد الى آخر.
فالتعرض للضغوط في حد ذاته يعتبر من اقوى حوافز النمو في الحياة فيصقلها وينميها باستمرار, فهناك بعض الناس يزداد نموهم الذهني والشخصي في الاعمال والمهن التي يتعرضون فيها لضغوط العمل بألوانها مما يؤدي تلقائيا الى بلورة شخصياتهم وتقويتها لمقابلة المواقف الصعبة العملية, كما انها قد تساعدهم على تقوية اجهزتهم المناعية والبدنية والنفسية والصحية فتزيدها صلابة وإصرارا، فصلابة الفكر وصلابة الجسم وجهان لعملة واحدة، ومثل صلابة الجسد تعكس صلابة الذهن قدرة كبيرة على تحمل ضغوط العمل، فاذا كانت صلابة الجسد تعتمد في وظائفها على العضلات والقلب والرئتين فإن صلابة الذهن تعتمد على تكيف الدماغ والمخ والجهاز العصبي لها، ومن ثم فإن تأثير الضغوط لا يتحدد في حياتنا بدرجة التعرض لها فقط، ولكن في طريقة الاستجابة لها والتعامل معها, فمثلا ضغوط فقدان الوظيفة او عدم كفء الانتاج او تراجع المبيعات لبعض الناس ليس من المفترض فيها ان يكون هو السبب فيما يقلقهم او يدعو الى سبب التعمق فيها, انما يهمنا هنا هو مدى الاستجابة العاطفية المتضخمة لتلك الاحداث وتعظيمها التي تؤثر فيهم تأثيرا كبيرا سنيا قد يستغرق وقتا طويلا قبل نسيانها او حتى التخلص منها, وعندما نعرف ان التدريب الذهني يتكون من بذل طاقة هادفة تضاعف القدرة على التحمل وتنميتها فإنه يمكن عندها استخدام التدريبات الذهنية المتعددة لزيادة الصلابة الذهنية التي من اهمها المثابرة والالتزام, فالمثابرة من العوامل الضرورية للنجاح في الاعمال والسير الصحيح نحو صوب وتحقيق الطموحات الذاتية, وفي هذا الصدد فإن جوهر النشاط الاقتصادي يتمثل في كيفية ترجمتها لصالح نوعية الحياة التي يعيشها الانسان في محيط العمل الذي يقوم به سواء في متجره او معمله او وظيفته، فالعمل غايته الاساسية خدمة الناس وبالتالي فإن ضغوط وهموم العمل تعتبر قضايا شديدة الصلة والارتباط بمفهوم العمل نفسه، فرجال الاعمال الناجحون الذين طوروا ثرواتهم المالية لا يلجأون الى الانسحاب او التراجع او الانهزامية امام ضغوط العمل بل هم على العكس من ذلك تماما، فمهما اشتدت بهم العواصف والخطوب تظل قدراتهم الذهنية جاهزة مستعدة لتحقيق استجابات متوازنة بعيدة عن السلبية تجاه المواقف المختلفة لاتمام العمل ونجاحه، وهم يعرفون ايضا ان نجاح الشركة لا يأتي من جودة منتجاتها بشكل رئيسي فقط، انما يأتي كذلك من استمالتهم الايجابية وروح التفاؤلية الموجودة لديهم في تسخيرها لصالح اعمالهم الاقتصادية، وهناك مفهوم خاطىء يجب ان نلغيه وهو اذا ما شاهد المدير التقليدي موظفا في حالة استرخاء فسرعان ما يدفعه بتهمة الاهمال، واذا ضبط احدهم متلبسا بالمزاح الهادف فغالبا ما يتهمه بتبديد وقت العمل ولكن الحقيقة التي عرفتها كثير من الشركات الغربية ان بناء بنية عمل بعيدة عن الروتين وحرق الاعصاب وقريبة من التفاعل والتناغم ومفعمة بالروح الانسانية التي فطرنا الله سبحانه عليها لها مردود اقتصادي لا يستهان به، فالافضل ان تتخلى تلك السلوكيات التقليدية التي اكتشف انها لم تؤد ثمارها الى زيادة الانتاجية بل انها قادت الى تسرب الموظفين الاكفاء وتثبيط عزمهم، ومن ثم فان الخروج من قالب الجدية المصطنعة ومظاهر الوقار المفتعلة قد يدفع الى تحول مكاتب الشركة الى جنة والعمل الى متعة بعيدا عن الضغوط وعذابها.
واخيرا فان العلوم الطبية تؤكد ان تمكين الهموم من اصحابها انما هي سيئة ومضرة للحال فقد تسبب لحاملها عوارض سلبية تكون الوقاية منها خير من العلاج كما يفترض من حاملها ان يصبغ همومه بقليل من المهدئات الايمانية لما لها من قوة ساحرة في الشفاء، واذا ما كانت المشاعر السلبية تمرض النفس وتعل البدن اليس منطقيا ايضا ان المشاعر الايجابية والرضا بما قسم له يعين على الشفاء من ضغوط العمل، ان التفاؤلية والمعاملة الحسنة في العمل ليس هدفا في حد ذاته انما هو المدخل الذي يوصل الى الهدف الاكثر عمقا الا وهو كسر حاجز العزلة والانطوائية والهموم التي على الارجح تثبط روح الانجاز والابداع فيها تحول سعادته المهنية او المالية الى يأس وحرمان، كما يعتقد ان ضغوط العمل ليست هي المسؤولة الوحيدة والكلية عن هذا ولكن الفرد نفسه ومدى استجابته وتعامله مع الضغوط تكاد تكون الحكم الفاصل للشخصية بعينها فالاحرى ان تكون الاستجابة للضغوط في اضيق حد ممكن والاجدر تجاهلها وغض الطرف عنها وهذا خير ادوية علاجها.

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved