أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 22nd February,2001 العدد:10374الطبعةالاولـي الخميس 28 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

الحقُوقُ والجنَاياتُ ورأيٌٌ في التفريق بينَ الشهود
الأصل في الجنايات والقضايا والحقوق أن أحدا جنى على شيء ما فيراد الأخذ منه ما أخذ ورد الحق الى صاحبه من حس أو معنى، يؤخذ هذا الحق بإقرار أو شهادة أو يمين يقوم بهذا من ولي أخذ الحقوق بما سلف حسب شرط وضابط كل من الاقرار أو الشهادة أو اليمين وإذا كان الآخذ للحق لرده الى صاحبه ذا موهبة وفطنة وتقوى وتأن جيد كان هذا أدعى لبيان ما لهذا وذاك وما عليهما.
وإذا كان لابد من الجزم بتوفر شروط الإقرار والشهادة واليمين الشروط العقلية والنفسية والبدنية كان لابد مع هذا من طول النظر وتقليب أوجه الحال من حال الى حال حتى لعله يتبين مالم يكن بالحسبان لو كان .. كيف يكون.
وأجزم الجزم كله ان نفراً قد يكون الحق لهم لكنهم لما لم يستطيعوا حسن التعبير لايصال المراد لأخذ الحق، وكان الآخر ألكع وأذلق وألحن بالحجة فإن )الحق( هنا قد يزول عن محله ليصل الى الآخر ظلما وزورا، وليس أبدا إلا القول بحقيقة هذا ناهيك بمن لا يستطيع التعبير خوفا أو هو يتوقعه على كل حال.
لقد كنتُ بينت في كتاب )الجهاد بين الطلب والدفاع( أمرا ذا بال بجانب ما أشرت إليه في كتاب آخر ) الجريمة من منظور اسلامي( عن أهمية الشهادة وحتى في الوشاية وهي )دعوى وشهادة معاّ( لا بد من نباهة من وصله الخبر عن شيء ما ان يقوم بحاذق من السداد سداد الفهم وسداد النظر وسداد التعناد.ذلك ان الشهادة والوشاية صنوان وصنوان ولا يشي في الغالب إلا القريب أو الزميل أو الشريك أو الصديق أو المكتسب من وراء ذلك كالحسد .. والحقد.وأمر الشهادة غاية في الأهمية إذ هي لإثبات الحقوق ورد كل حق الى صاحبه لكنها لن تكون كذلك مالم يكن الناظر ذا دهاء وسعة بال وتجربة ولو نظرية.
وإذ كنتُ قد أسلفتُ ان نفرا قد لا يحسن التعبير وان كان صاحب حق فإن هنا أمرا آخر بالغ القدر لو نظر اليه بعين فاحصة، وذلك هو ما يظهر على بعض أولئك النفر من الاضطراب وتغير حال الوجه واللباس مما قد يزيد من عدم احسان التعبير لديه فيذهب الحق وليس له مما يملك إلا ما لا يحسنه. لكن هنا أمر أطرحه ويحتاج الى تأمل وتأمل لعله يساهم في نظر حال من وصفت فلا يكون ثمة عدم إحسان تعبير أو ضعف أو نظر حال ظواهر الأمور وان كان هذا الأمر قد نظر قبلي ممن كتب عن الجنايات وسواها إلا أنني أطرحه لثقله وجودة ميزانه ونجاح القيام به وان كان يحتاج الى فراسة متأنية إلا أنه كذلك يحتاج الى عدم تصديق ما يشاع وهذه نقطة مهمة لحماية من لا يحسن التعبير، والناس غالبهم يصدق الشائعة وقد تطير الى الأصقاع خلال يوم وليلة وليس لها أصل لكنها ضارة بمن قيلت فيه وقد يسقط عليه كل شائعة مشابهة فيكون موقفة النفسي مريبا جدا وقد يصاب بنكسة ما حتى إذا وشي به أو أُدعيَ عليه هناك لا يحسن النظر بشيء ما فيسقط مرارا ولعله في الآخر لا يقوم، ولعل البعض من هؤلاء لا يقدر أن يوكل من يقوم مقامه لقلة ذات اليد أو لعزة النفس لكن يستطيع الحاذق من الناس معرفة حقائق الأمور من خلال طول التأمل وبعد النظر وعمق الادراك وان بدا ما بدا من مثل هذا الشخص من عدم الوفاء بالحجة أو ما يكون عليه من تردد أو اضطراب ونحو ذلك.
فإن مثل هذا يمكن معرفة حقيقة أمره بطول السؤال أو استخراج حاله عن طريق نقاشه بهدوء وانبساط وسعة بال مع الخلوة به إن أمكن ذلك لاستخراج الدفائن لديه بعمق ؟؟ وأذكر في هذا ان امرأة لم ترغب زوجها لسوء عشرته مع أنها تستثيره ويتدخل أهلها كثيرا في هذا وكان آخر الأمر ان ذهبت إلى أهلها ووكلت أخاها ليطلقها لكن تدارك الوضع أحد العقلاء دون ان تكون )قضية( وحينما حضروا بدأ الأخ يقول:
هذا الزوج شكاك سيىء العشرة، وقد قال لها يوما )أنت طالق ثم طالق ثم طالق( فلم يصدق )الجالس لهم( هذا لما بدا من حال الزوج من ذهول وتردد وفرقعة للأصابع فخلا بالزوج طويلا.
ثم خلا بالأخ كذلك.
ثم خلا بالزوجة مع أمها وخالها.
وتبين له بعد ذلك أنه لم يقل )طالق ثم طالق ثم طالق( لكنها كلمة من الأخ زيفها وزورها فقد سأل الزوجة متى قال هذا؟ فلم تجب لكنها قالت: دائما يطُلق وسأل الأخ مثل ذلك فقال هي قالت لي ذلك، فسألها هل قلت له شيئا ومتى .. وأين؟
فنفت ذلك، لكنه جاءهم بالسؤال على صيغة الدهاء وقوة الاستنطاق كل واحد بمفرده على ماذكرت
ويتبين ما يلي:
خطأ الزوجة تجرؤ الأخ وظلمه موهبة المصلح بينهما إذ تبين ان: إثارة الزوجة وتدخل أهلها وضعف أداء حجة الزوج )الأداء( وتصدق الأهل لها وكراهية أهل الزوجة له
قاد إلى ذلك الأمر من طب الطلاق وتشتيت الذرية وما كان من العاقبة بعد ذلك،
نعم عادت الزوجة بعد ذلك لكنها ما برحت ان نشزت فتم الطلاق.
وجاء في الكتاب الذائع الصيت )الطرق الحكمية في السياسة الشرعية( ص60 /61/62 ما يلي قال:
) وقرأت في أقضية علي رضي الله عنه بغير إسناد ان أمرأة رفعت الى علي وشُهد عليها أنها قد بغت، وكان من قضيتها أنها كانت يتيمة عند رجل وكان للرجل امرأة، وكان كثير الغيبة عن أهله فشبت اليتيمة فخافت المرأة ان يتزوجها فدعت نسوة حتى أمسكنها فأخذت )عذرتها( فلما قدم زوجها من غيبته رمتها المرأة بالفاحشة، وأقامت البينة من جاراتها اللواتي ساعدنها على ذلك.
فسأل المرأة: ألك شهود..؟
قالت: نعم هؤلاء جاراتي يشهدن بما أقول
فأحضرهن علي وأحضر السيف وطرحه بين يديه )وفرق بينهن( فأدخل كل امرأة بيتا فدعا امرأة الرجل فأدارها بكل وجه فلم تزل على قولها فردها الى البيت الذي كانت فيه، ودعا بإحدى الشهود وجثا على ركبتيه.
وقال: قالت المرأة ما قالت ورجعت الى : الحق وأعطيتها الأمان، وان لم تصدقيني لأفعلن ولأفعلن، فقالت: لا والله ما فعلت إلا أنها رأت جمالاً وهيبة فخافت فساد زوجها فدعتنا وأمسكناها لها حتى: إفقنتها.
فقا: علي الله أكبر أنا من فرق بين الشاهدين الخ..(
والتفريق بين الشهود والتفريق بين الشاهدين أمر في غاية القوة الاستنطاقية إذا كان طرق ما قد ظهر عليه ما يوجب نظر حاله بغراسه ودها وإذا كانت الفراسة وسعة البطان يفيدان ولا يترتب عليهماحكم ما لكنهما يفيدان في حال عمق النظر واستخلاص الحاصل بتفريق: الشهود في قضية واحدة وسؤال كل واحد بمفرده عن: حال.. وكيفية.. وأين.. وموقع.. ووقت.. وكلام.. ويكون السؤال في )وقت واحد( كل واحد على مفرده هذا إذا كان الأمر يقتضي ذلك فيما الأصل فيه )براءة الذمة( أو ) ترادف السوابق على شخص ما( لكنه في هذه لم يقارفها.
وإذا كان من لا يقدر على الوفاء بحجته يتمثل بما يلي:
ضعف الشخصية. بطء الفهم. اضطراب الحركة.
الخوف المرضي )الوهمي(. التردد. زوغان النظر. التلعثم. العجلة والانبهار.
فإن تفريق الشهود، وتفريق الزوجين في الجنايات والحقوق لأخذ مالدى كل نفر ما على حده أمر أذهب الى تأمله تأملا جيدا.
لأن من يتصف بهذه الصفات الثماني وهناك أخرى غيرها يبدو في حالاته الطبيعية متزنا سويا لكنه عند: الاقتضاء يتغير تغيرا جذريا. ومع ما في هذه من الإشكال في أمر )الاستنطاق( إلا أنها حال مفيدة وإذا كان لا يمكن ذلك فان استنطاق الدواخل بدها. وفراسة وتفتيش عميق للخبايا يولد هذا ولا جرم مالم يكن باديا خاصة وان هناك من يستطيع اللحن والتجربة وسرعة البديهة، وأذكر طالبا كثير الشغب عام 1384ه وكنا في المرحلة الابتدائية وكان تم في صبيحة اليوم الثاني ان بعض الأدراج قد تكسرت بفعل فاعل وترجح لدى مدرس اللغة العربية انه: )فلان( ووافقة بعض الطلاب فلما جيء به أمام مدير المدرسة )سعد الدقلان( كان مضطربا جدا مع عزة نفس وقسوة إجابة حتى لقد قال مدرس التربية الرياضية.
هذا مجرم .. هو الفاعل..
فخلا المدير به وناقشه بأبوه حانية وكانت أعمارنا إذ ذاك ما بين 11 و 12 سنة فقط ثم تبين بعد ذلك ما يلي ان حارس المدرسة كان في تلك الليلة يصطاد العصافير التي كانت تبات في شقوف السقف وكان يقبض على بعضها والآخر يطير هنا وهناك فكان ينتقل بسرعة ثقيلة من درج الى درج )بكسر الدال وتسكين الراء( فحصل ان تكسر بعضها فكان المتهم ذلك الطالب الشقي واذكر ان سعد الدقلان هذا جاء به الينا وقال هو: العريف.. وأعطاه خمسة ريالات أمامنا، فكان أن صلح أمره فمن هذا )تجربة وواقعا حيا( فإن حال: الشهادة في مثل الجنايات أمرها يحتاج الى طول نظر وتعمق في حال الشهود، وحال الشهادة، وقد أطنب صاحب كتاب )الطرق الحكمية( بما يُدرك معه حال الفِراسة وأنواعها وطبيعتها والشهود وكيفية حالهم وماهم عليه وقوة الحجة البيِّنة التي كانت خافية وتخفى قبل تفريق الشهود وقبل الوقوف على دفائن المكر والدهاء وحقيق بمسألة كهذه مع اختلاف طبائع الناس ومشاربهم ودفائن عاداتهم وأصل تربيتهم حقيق بها ان تكون أمرا مهما حتى مع طلاب المدارس.. والوالد مع أولاده.. والأم مع ولدها فيما يكون ما يوجب تفريق الشهود مع مايلزم في هذا من النباهة وعمق الأسئلة وعملية الاستنطاق الصحيح بميزان عادل جاد صادق أمين، وهذا يكون لها في حال من اتهم فيما الأصل فيه الستر لكنه يكون في حال )الدعوى( بين هذا وذاك مما يلزم منه الوصول الى الحق بكل سبيل ومن أهمها: حال الشهود على ما تقدم القول فيه.
صالح بن سعد اللحيدان

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved