أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 22nd February,2001 العدد:10374الطبعةالاولـي الخميس 28 ,ذو القعدة 1421

الثقافية

كتابة
وأعلنت عليك الحب!
وجدتني اردد هذا العنوان الذي مضى على قراءاته عشرات السنين، منذ كنت في الصفوف الاولى يافعا، تدغدغ هذه الكلمات خواء عقلي وفكري، وما احسب ان كاتبا له قضية وهمّ ثقافي، يمكن له ان يستريح لحظة تحت مثل هذا العنوان، ولو كان براقا )أعلنت عليك الحب( بما فيه من لغة توحي بالتحدي لا الحب، ليس زهدا في الحب، وقد عفا الله عما سلف، وما بقي من تلك الازمنة، البراءة والطفولة والامل، الى حياة ملؤها الايمان والجد والصبر والكفاح، بما كتب الله للانسان من خير وشر.
وما جعلني اردد هذا العنوان الاثير لدى كاتبة ك )غادة السمان( فيما اظن، بعد كل هذه السنوات العجاف، من هجر قراءات تحمل هذا البريق الزائف، وقد نسيته والتبس في ذهني في البدء، وجعلني في محاولة يائسة وبائسة في ذات اللحظة، ثم اعود الى ادراج مكتبتي، للبحث عما يضيء لي هذا العنوان الذي صار كمطرق يلوح في وجهي )أعلنت عليك الحب( والواقع ان مثل هذه الحالة ليست بدعة )اعادة انتاج الهوية( الادبية طبعا فهنا بحث ودراسة فكرية لاحمد حيدر تحمل هذا العنوان، يدور حول الحالة ونقيضها، كرؤية حياتية، دون الانقطاع عن الحوار مع الآخرين، الذين يشكلون جزءا من الواقع، ليصل الباحث الى شبكة مفاهيمية تقترب من التفسير الدقيق للوضع الانساني، لان الحياة ما بين الواقع والممكن مبعثها الذات المستلبة، والناس مستلبون بدرجة ما، لان الاستلاب هو الاغتراب عن الذات التي تختلف في مستوى الممكن، والذات منذ الطفولة هي موضوع الآخر، لذلك هي دائما تسعى لتحقيق هوية هذا الآخر دون ان تعي ذلك، ولا تكشف هويتها المكبوتة، الا من خلال عذاب الممكن او عذاب الاستلاب.
وفي حالتي وقد توزعت بين مجموعة قراءات، دعوني اولا اخلص من هذه البوابة الكبيرة )أعلنت عليك الحب(، حيث بدأ ان هذه ربما تكون من مفردات الراحل الاكبر )نزار قباني( فتراجعت وطردت الاحتمال مباشرة من ذهني، على يقين ان كاتبة مثل غادة السمان، رهنت حياتها الكتابية، تترصد خفقان قلبها وخلجات ورهافة حسها، لتثري المكتبة العربية بسلسلة من عناوين مثل زمن الحب الجسد حقيبة سفر صافرة انذار داخل رأسي مواطنة ملتبسة بالقراءة الحب من الوريد الى الوريد الخ، ولان لا شأن لي في مثل هذا العمر على الاقل، بقضايا الحب وقصص وكتب غادة السمان، بقدر تحسسي من كتابات خائفة، وجدتها تتناول بتركيز شديد موجه للشباب )عيد الحب( الذي لم اسمع به في حياتي، وهل من الضروري ان يكون للحب عيد )؟(. سألت نفسي في البدء هذا السؤال التلقائي، وقلت في نفسي، لا بأس دعني اتثقف بعد هذا العمر فيما لا اعرف.ووجدت ان هذا العيد )الكذبة( كما تشير هذه الكتابات هو من اعياد الرومان، قبل ما يزيد على سبعة عشر قرنا! وهو تعبير في المفهوم الروماني عن الحب الآلهي، ولهذا العيد اساطير، استمرت عند الرومان وورثتهم الى يومنا هذا، ومنها الاعتقاد ان )رومليوس( مؤسس مدينة روما، ارضعته ذات يوم في طفولته ذئبة، فأمدته بالقوة ورجاحة العقل، فصاروا يحفلون بهذه الحادثة، في منتصف شهر فبراير من كل عام، ويقيمون احتفالا كبيرا تذبح يه عنزة وكلب، ويدهن بدمهما جسدي شابان مفتولا العضلات، ثم يغسلا باللبن من الدم، ليؤذن بمسيرة كبيرة.
وظلت الاسئلة معلقة في ذهني لم تبرح مكانها، ووجدتني بعد صلاة الجمعة، اهاتف صديقا لي في هذا اليوم الفضيل، بعد ان تبرمت مما بقي في ذهني من اسئلة..
واسأل: ما الامر؟ وما سبب هذه الهجمة التي قصمت ظهر الحب، بادرني في راحة بال، وفي اذني صب كلمات .


الا كل حب ما سوى الله بلقع
وكل انحراف عن هدى الله اضيع

لم اسأله مرة اخرى عن معنى الانحراف، لاني لاحظت ان هذه الابيات مكتوبة امامي، في ذات الصحيفة التي جعلتني اهاتفه متسائلا، ومستفيدا من علمه الغزير.
ايقنت لا محالة مما يريد ان يوحي به الي، والى اي فضاء يريد ان يأخذني اليه، قدرت اننا في يوم جمعة، ولست ادري ما الذي جعلني اسأله عن قائل البيت التالي:


الا كل شيء ما سوى الله باطل
وكل نعيم لا محالة زائل

شعرت انه استوعبني بسرعة، ضحك وقال:
انها معارضة لشاعر قديم..!
قلت اعرف انها معارضة.
ويقصد البيتين اللذين سمعتهما منه، وصارت سبب اتصالي به، لم تطل حيرتي، اذ وجدته مثلي لا يعرف من القائل، فقلت بعد كل هذه السنوات الطويلة، اظن ان الذاكرة شاخت وعجزت، لا ينفع يها لا حب ولا غيره، أما القصيدة فأظن قائلها شاعر جاهلي، احسبه )امية بن الصلت( وانت تعرف من السياق ما يوحي به زمنه، هذا الزمن الجاهلي، وما حسبت صاحبك يتكئ على مقولة شاعر جاهلي، واذا خانتني ذاكرتي في شيخوختها، فانها قطعا لن تخونني لمعرفة الفرق ما بين مفردتي )شيء( و )حب( حتى لو اراد صاحبك ان يغير قافية القصيدة!
وجاءني الرد على غير ما توقعت وما اعتدت )على الاقل احسن مما يكتب صاحبك تركي الحمد..!( ولاني بدوري لم اقرأ شيئا ل د. تركي الحمد، غير ما تنشره الصحف له بين حين وآخر، وقد سمعت باصداره الروائي الذي لم يشجعني اصدقائي من كتاب القصة والرواية على قراءتها، ربما تشكل في وعي احكام، تتعلق بفني السرد والعالم الروائي لدى كاتب ما، فبعد هذا العمر نبحث عن طرائق وحيل فنية، لا عن احجار يضعها الكاتب بعضها فوق بعض، ولا عن كتابة تقريرية، تنطلق من ارضية وخلفية معينة، تحكمها رؤية محددة..
استدركت وقلت لمحدثي:
ما به صاحبي الذي لا اعرفه..!
فجاء السؤال والجواب معا، الا تعرف المقصود بأطياف الازقة المهجورة..؟ قلت وصلت وكفى.
أحمد الدويحي

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved