أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 22nd February,2001 العدد:10374الطبعةالاولـي الخميس 28 ,ذو القعدة 1421

الثقافية

جذور الأدب العالمي
المسرح الروسي )التأسيس والتصميم(
انطلق عصر النهضة الاوروبي في القرن 15 ميلادي من مسارع ايطاليا فإسبانيا فانجلترا، الا ان المسرح الروسي لم تقم له قائمة تذكر الا في القرنين 19، 20 ميلادي، وكان للمرحلة الاولى مرحلة التأسيس والتصميم الفضل في مزاحمته لكتاب الأدب الدرامي العالمي، رغم استعانته في الكثير من انتاجه بالنموذجين الايطالي والفرنسي على وجه الخصوص، اضافة الى بعض المساعدات الالمانية.
فترة ما قبل التأسيس:
بدأت جهود المسرح مدرسية كما هو الحال في
العالم اجمع. تذكر المصادر جهود اكاديمية كييف لانشاء مدرسة الدراما بها حيث كان يجري التمثيل باللغة اللاتينية، بعدها انشئت الاكاديمية السلوفاكية اليونانية اللاتينية في موسكو للعناية بشؤون التمثيل والمسرح. وقدمت فرقة مسرحية المانية بقيادة الالماني يوهان كونست عروضاً درامية في موسكو، ولما استقرت افتتحت مدرسة لفنون التمثيل هناك. واستضافت زوجة القيصر الروسي آنا ايفانونا فرقة ايطالية للتمثيل، وكتبت النبيلة ناتاليا احدى الدرامات واخرجتها كذلك على المسرح، ثم وصلت فرقة ايطالية ثانية بقيادة المؤلف الموسيقي الايطالي فرانسيسكو آرايا لتقديم اوبرا )الحب وسلطة الكراهية(، وضمن اهتمامات الدولة يفتتح الالمان مسرحاً صغيراً في مدينة بيتر فار يعمل بفن الارتجال، وتتعاقب الفرق المسرحية والاوبرا على روسيا من الالمان والايطاليين والفرنسيين، وباللغات الاجنبية حتى انبثق فن التمثيل باللغة الروسية الأم في عهد زوجة القيصر كاتلين الثانية.
مسرح العبيد الروس:
وهو مسرح ثمرة الاقطاعية الروسية التي كانت سائدة في المجتمع قبل تحرير 23 مليوناً من العبيد عام 1861م بقرار قيصري. ظهر المسرح في العديد من قصور الاقطاعيين والاثرياء يمثله ويقيم مناظره ويصمم ديكوراته وازياءه الخدم العبيد. بل ان تاريخ المسرح العالمي يشير الى تأليف العبيد لبعض الدرامات وتأليفهم الموسيقى المصاحبة للعرض المسرحي، ويبقى مسرح العبيد ظاهرة فريدة في التاريخ، بعد احصاء 173 فرقة مسرحية عملت في قصور الاقطاعيين والاثرياء )خمسون منها في موسكو وحدها(.تنافس النبلاء في حيازة فرق مسرح العبيد، وطالما انها اول مرة يكتب فيها عن هذا المسرح بلغة الضاد . لذا نسجل اسماء النبلاء في هذا المقال تقديراً لتشجيعهم فكرة المسرح، وهم ياجوشنسكي ، شارماتيف ، شاهو فسكوي، يوسوبوف )1(.
والغريب ان هذه الفرق كانت تقدم عروضاً من الادب الدرامي العالمي )كالدرون، شيكسبير وشيللر( وبعض العروض الغنائية والاستعراضية الراقصة، وكان الممثلون العبيد يتعرضون للضرب بالكورباج من سيدهم حين يخطئون في الاداء التمثيلي، حقاً لقد كان مسرحاً غريباً. ومع ذلك فقد سجل مسرح العبيد تاريخاً غير مسبوق، فقد بدأ التمثيل باللغة الروسية الأم. التي بدأ بها الروسي فيودور جريجور يافتش فولكوف )1729 1763( أول المقعّدين لمسرح قومي روسي يؤكد لخشبة المسرح الواقعي، وكما يسميه بالينسكي المؤرخ الروسي )أب المسرح الروسي( ويسجل التاريخ المسرحي اسم ايفان افاناسيافتش ديمتريافسكي كأول ممثل يصبح عضواً في الاكاديمية العلمية الروسية بعد افتتاحه مسرح البولشوي في سانت بيترفار.
طغى على الروس احساس عارم بضرورة اللحاق بنهضة المسرح بعد دول اوروبا، وكان لابد من بدء مرحلة التأسيس والتصميم، جاء بناء الدور المسرحية على رأس الاولويات. فافتتح في شارع باتروفكا مسرح بتروفسكي في موسكو بجهود الانجليزي ماروكس ثم مدرسة لفنون التمثيل المسرحي عام 1807م في العام التالي 1808م تم انشاء مسرح خشبي بتصميم المعماري الروسي الايطالي الاصل كارل ايفانوفتش روسي . عام 1824 يبني المعماري اوسيب ايفانوفتش بوفا المسرح الصغيرويتابع بناء المسارح، في موسكو المسرح الكبير بولشوي، خمسة صفوف من المقصورات وصالة تتسع لألفي متفرج، ليستقبل المسرح اوبرات المؤلفين الموسيقيين جلينكا، تشايكوفسكي، موسورجسكي، رمسكي كورساكوف، بوروجين )2( اضافة الى انشاء مسرح المنصة في الساحات والميادين الكبيرة. عدة موائد خشبية عالية تعرض عليها انواع من الاكروبات والمشاهد المسرحية الخفيفة المسلية لمختلف افراد الشعب العام.
في عام 1880م ينشأ مسرح بوشكين بجوار تمثال بوشكين في شارع اتفارسكايا، ثم يتم افتتاح مسرح فيودود اداموفيتش كوش عام 1882م في موسكو يقدم الكوميديات، الفورفيل، الميلودراما. ويقدم كبار الكلاسيكيات للمؤلفين الروس والفرنسيين جريبو يادوف، جوجول، استروفسكي، موليير، الالماني شيللر )3(، وفي نفس العام 1882م يفتتح المسرح الخيالي ويتبعه انشاء مسرح اسكوموروه ليقدم كلاسيكيات المسرح الروسي )سلطان الظلام للروسي ليو تولستوي اول عروضه(.
في عام 1850م يتم بناء المسرح الدائري الذي يخصص للاوبرات باللغة الروسية الأم وفي 1859م يبنى المسرح الكبير في بيترفار. اما النصف الثاني من القرن 19 فيكشف عن خطة الدولة في بناء مسارح الريف الروسي في مدن تانيبور، كييف، فورويناج، كالوجا، هاركوف، اوديسا، نيجني نوفجورود، كمسارح وابنية تستقبل الفرق المسرحية الزائرة لها.
عصر الأدب الدرامي:
بعد تأسيس الدور المسرحية اللازمة حتما لبناء اية نهضة مسرحية ترجى، يجيء دور الأدب الدرامي، والكلمة التي ستصعد على خشبات المسارح لتكون العروض المسرحية والجماهير المسرحية في آن واحد، وكان طبيعياً ان تتقدم الدراما الروسية بحكم احتكاكها بالدراما الاوروبية التي سبقتها )تأثر الروسي جريبويادوف( في كوميدياته بدرامات الفرنسيين روسو، فولتير.
وفي الأدب الدرامي بدأت الرومانتيكية الروسية طريقاً يختلف عن طريق الرومانتيكية الغربية، مختارة عناصر الفولكلور الشعبي شكلاً ومضموناً، ومؤثرة درامات الفلاحين الروس، وحياتهم لشرح الرومانتيكية الدرامية الروسية الخاصة بأهلها ووطنها.
الدرامي الكسندر سرجيافتش جريبويادوف مفجر الرومانتيكية الروسية )17901829( بكوميدياته )في الاسرة او الخطيبة المتزوجة، العقل اصل المتاعب(. يتبعه اعظم الرومانتيكيين الروسي الكسندر سرجيافتش بوشكين )17921837( السائر على خطى الانجليزي شيكسبير خصوصاً في التعمق داخل الشخصية المسرحية ، وفي التصميم الدراماتورجي للمشاهد والفصول. وهنا تجدر الاشارة الى انه يعزى الى القيصرة )زوجة القيصر( كاتاليد الثانية دخول درامات شيكسبير الى بلاد روسيا عندما اعدت درامته الكوميدية الشهيرة سيدات وندسور المرحات الى مسرحية روسية حملت اسم )سلة الملابس القذرة( وهي السلة التي كان يتخفى فيها بطل المسرحية فلاشتاف احد شخصيات شيكسبير الباهرة، وتظل دراما بوشكين التاريخية )بوريس جودونوف( حتى اليوم شاهداً على القيمة الدرامية التي تتمركز في تأنيب الضمير لدى الانسان الحي ليعيش بقية حياته مؤرقاً تائهاً.
وثالث الدراميين الكبار الشاعر ميهائيل يوريافتش لارمنتوف 18141841 حياة قصيرة لكنها مليئة بالشعر الرومانتيكي والرواية والدراما، تأثر في اول اشعاره ببوشكين، وترجم اعمال بايرون الانجليزي وشيللر الالماني. ترك نفير الحرية عالياً في كل اعماله، وداعياً الى استقلالية الذات الانسانية.
درامته المعنونة )حفلة تنكرية( تفضح الغيرة وكراهيتها الصفراء وتقود الى الترجيديا المهلكة ثم تبرز اعمال نيكولاي فاسيليافتش جوجول 18091852 التي سببت لها الشهرة رواياته في اول الطريق، تمركز عنصر الساتير في اغلب دراماته، وهاهي درامته )المفتش( تمتلئ بالواقعية الروسية رغم جذورها الرومانتيكية ، احداثها تدور في الريف، ومع ذلك فو يرى ان الحياة بين المدينة والريف مليئة بالكوميديا كما هي مليئة بالتراجيديا، في درامته المفتن يسخر جوجول من ملاك الاراضي كما يسخر من الفلاحين السذج الابرياء الذين يعيشون تحت وطأة الخوف والرعب، وفي قصته الطويلة ذات الشخصية الواحدة )المونودراما( يحتل بطله الوحيد خشبة المسرح لثلاث ساعات كاملة معتقداً حب احدى النبيلات له وهو رجل بسيط من عامة الشعب لكنه لا يستطيع قبول علاقات مجتمعه الظالم، فيظل يعيش بين الاذلال والفقر في حجرته الحقيرة، حتى يجن جنونه في النهاية، لقد سعى جوجول الى عرض واقع مجتمعه الروسي بكل حسناته وسيئاته عبر واقعية درامية روسية من الارض ذاتها، مسمياً عمله بعنوان )مذكرات رجل مجنون( )4(.وتدخل اعمال الروائي والدرامي ايفان سرجيفتش تورجنيف 18181883 تاريخ الادب الروسي. وقف الى جانب عتق العبيد الروس، تابعاً لفلسفة هيجل ومستفيداً من كثرة اقامته خارج روسيا من آداب الفرنسيين ميريميه، جورج صاند، فلوبير، موباسان، اميل زولا.
تأثر في كتابة دراماته بكل من سكريب، موسيه، ميريميه )المرأة الريفية، شهر في القرية، ليلة في سورنتو( تميزت شخصيات رواياته بابراز شخصيات الفلاحين في البطولة على غير عادة الادب الروسي. وعمد الى فضح الاقطاعيين وملاك الاراضي بخبثهم ونفاقهم وظلمهم ايضاً.ويفجر الكسندر نيكولايوفتش استروفسكي 18231886م الادب الواقعي السيكولوجي في الدرامات الروسية، كتب 50 مسرحية في ثلاثين عاماً من حياته تحمل شخصياتها العلاقات النفسية بالدرجة الاولى، في درامته الاولى 1850م )الغراب للغراب( يعرّي طبقة التجار وعالمهم الخيالي امام الجماهير في واقعية جريئة وديالوجات جديدة.
بعد ان عرف عادات الناس، وأفكارهم، فرتب مشاهده ومواقف دراماته على اساس هذا العدد الواقعي، تقبلت الجماهير دراماته الساتيرية بكثير من الفهم والتحليل، والنجاح ايضاً في دراماته العاصفة، ذئاب وخرفان، وظيفة المستقبل. في دراماته الاخيرة يناقش مختلف الطبقات البرجوازية التي آل اليها المجتمع الروسي في عهده، لتصبح دراماتورجيته نموذجاً يحتذى عند باقي الدراميين الروس، ذكر نقاد عصره )لم يكن من السهل فهم دراماتورجية تشيكوف بدون دراماتورجية استروفسكي(.
يحقق نيكولاي الكسندروفتش روبرليوف )18361861م( اهداف ثورة الديمقراطية الروسية في الآداب، ورغم موته السريع بداء الرئة )السل( الا ان ما تركه من افكار ديمقراطية وانسانية ظلت تشغل الكثير من المهتمين بترقية الادب في بلاده، شغل تعبير )الانسان بلا قيمة( كل جهوده للارتقاء بالانسان الروسي من اجل تبديل صفته الى انسان بقيمته وحياته، وظهر هذا التعبير في اشعاره رغم قلتها.
ترك للادب داستين مهمتين ، الاولى بعنوان )امبراطورية الظلام( والثانية بعنوان )اشعة النور على امبراطورية الظلام( ضمنهما القوة والعنف المسيطرين على السلطة(.
ويعتبر الدرامي الكساي كونستنتينوفتش تولستوي )18171878( اكبر داعية للدراما التاريخية الواقعية في روسيا. شاعر وقاص ودرامي. ينتمي بقرابة الى الدرامي ليوتولستوي، وكان زميل لعب مع الاسكندر الثاني قيصر روسيا، ومع ذلك فقد نقد في اعماله سلوكيات البلاط الروسي، كتب الثلاثية الدرامية التي رفعته الى مصاف كبار الدراميين الروس )موت القيصر ايفان الرهيب، القيصر فيودور ايفانوفتش، القيصر بوريس( اتخذت قصصه الشكل التاريخي ايضاً )النبيل سارا برياني(.اما خاتمة الدراميين فهو ليونيكولا يفتش تولستوي 18281910م القاص والروائي والدرامي ومحرر الدراسات الادبية والاخلاقية والفنية عن عصره من البداية الى النهاية. بعد عدة رحلات الى سويسرا وفرنسا وايطاليا وبدء علاقات مع زملاء عصره تورجنيف، استروفسكي، نيكراسوف يعود ليفتتح مدرسة يعلم فيها اولاد الفلاحين وهو المنحدر من اسرة نبيلة في روسيا. يتأثر وهو في لندن بالفيلسوف الروسي الكسندر هرزن وبعرض مسرحي تربوي من تأليف الكاتب الانجليزي تشارلس ديكنز فيفتتح مدرسة ثانية لابناء الفلاحين في ارضه تختص بالتربية في الحياة.يكتب قصة )الحرب والسلام( التي تعد مسرحية فيما بعد. ثم دراما )الجثة الحية( ودراما )ثمرات التعليم(.
هكذا يتضح من مسيرة الادب الدرامي ان درامييه السابق الاشارة الى اعمالهم لم يكونوا على دراية علمية بالدراماتورجيا، او قواعد البناء الدرامي الارسطوطالي الكلاسيكي ، ولم يكونوا من المتخصصين في الكتابة الدرامية، فأغلبهم قصاصون وشعراء وروائيون، ومع ذلك وبصدق الاحاسيس عندهم، واستشعارهم لمواقف المجتمع في بلادهم الروسيا، وبرفاهية احاسيسهم المائلة ناحية حق الانسان، والمناهضة للعبودية، واستغلال الحاكم او القيصر لاخيه الانسان المواطن، التائه امام جشع الاقطاعيين من ناحية وملاك الاراضي الصغار من ناحية اخرى، كل هذه الحقائق التي سيطرت على مقدرات المجتمع الروسي قد جعلت كتاب الادب قصة ورواية وشعراً ودرامات يسخرون اقلامهم لصالح انسان عصرهم، آخذين في الاعتبار النهوض بأدب بلادهم، لاجئين الى وسائل ادبية وفنية صادقة تخترق هذا العالم الغربي، عبر رؤى واقعية بحتة بعيدة عن الاحلام وصور الزيف ، ناقلين صورة امينة لمظالم المجتمع، وباحثين عن حلول حقيقية للخروج به الى المسار الطبيعي والانساني في الوقت ذاته.
أ.د. كمال الدين عيد

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved