أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 23rd February,2001 العدد:10375الطبعةالاولـي الجمعة 29 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

ثقافة Culture المجتمع السعودي سبب رئيسي في حوادث المرور
د.عبد الإله بن سعد بن سعيد
اهتم الكتّاب والمحللون على اختلاف فئاتهم واهتماماتهم بمسألة حوادث المرور في المملكة العربية السعودية، وذلك في سياق الحملات الأمنية والمرورية الشاملة التي اطلقتها وزارة الداخلية. وفي تضامن مع هذه الحملات ذات الأهداف النبيلة وما تمثله من أهمية خاصة، بعض الأرقام المخيفة التي كشفت عنها الوزارة وعلقت على اعمدة اشارات المرور والتي اظهرت نسبة عالية من الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية وارتفاع نسبة الوفيات الناتجة عن هذه الحوادث والتي تعتبر من بين اعلى النسب في العالم.
كان معظم تركيز هؤلاء الكتّاب على المسائل المادية، والفنية، والتصميمية على أساس انها السبب الرئيسي لحوادث المرور. والواقع ان هذه الأسباب المذكورة قد لا تكون وحدها السبب الرئيسي لحوادث المرور. فالملكة العربية السعودية تحظى بوضع متميز مقارنة بالدول الأخرى فالطرق والجسور والانفاق مصممة هندسياً بمستويات ممتازة، كما ان معظم السيارات من النوعيات الفاخرة والجيدة الصنع والمطابقة للمواصفات العالمية. وهنا يبرز السؤال مرة اخرى لماذا المملكة العربية السعودية تحتل اكبر نسبة حوادث مرورية قاتلة ومسببة للاعاقة الأبدية؟ الإجابة على هذا السؤال الملح تتطلب منا وبشكل جاد عمل دراسة اجتماعية متعمقة على الانسان القائد لهذه السيارة في المجتمع السعودي. وعلى الانسان المسؤول عن تطبيق العقوبات القانونية لمخالفي انظمة المرور. فكلا الاثنين يعيشان في وسط اجتماعي واحد. دراسة تتعلق بملامح وخصائص الشخصية السعودية وارتباطاتها السلوكية، والأسرية، والتزاماتها الدينية والمهنية والاجتماعية. دراسة شاملة لثقافة المجتمع وما تحويه من عادات وتقاليد وقيم.وسوف اطرح في هذا المقال مجموعة من النقاط لعلها تساعد في توضيح هذه العوامل الاجتماعية، والتي غالباً ما يغفل عنها الدارسون، وارتباطها بحوادث المرور.
أول ملاحظة على سلوكيات الكثير منا كسعوديين هي صفة العجلة، في انجاز أعمالنا اليومية. فلا تكاد تأتي الى مكان عام مثل الأسواق او البنوك او الجوازات او المستشفيات او المحاكم الا وتجد الفرد منا يحاول بشتى الطرق الاسراع في انجاز ما جاء من أجله فكلمة «بسرعة» تكاد تكون مصطلحا مسموعا بشكل لافت للنظر. فنحن وضع طبيعي في مجتمع يؤدي التواصل والتزاور فيه وظيفة اجتماعية هامة.
ان أهم الملاحظات التي تؤكد على ارتباط ثقافة المجتمع بالحوادث المرورية هي السماح لصغار السن بقيادة السيارة فلظروف اجتماعية واقتصادية معينة يتم اصدار تصاريح قيادة لمن هم دون السن القانونية.. ورغم ان هذه الظروف تكون في الغالب مقدرة الا ان مبدأ السلامة يجب ان يكون مقدماً.. والقاعدة الشرعية تؤكد على ان دفع الضرر مقدم على جلب المصلحة. ومع محدودية هذه التصاريخ التي تعطى لقيادة السيارة من قبل ادارة المرور والتشدد فيها الا ان الضغوط التي يواجهها رب الأسرة من قبل الأبناء ساهمت في انتشار مثل هذه الظاهرة والسماح لأبنائهم بقيادة السيارة ولتأكيد ذلك يمكن ان نلقي نظره سريعة على المدارس المتوسطة والثانوية لنلاحظ كماً هائلاً من السيارات أمام تلك المدارس التي لا يتجاوز معظم طلابها السادسة عشرة من العمر. ألا يوضح ذلك العلاقة القوية بين ثقافة المجتمع وحوادث المرور.
ان مفهوم الهوة الثقافية caltural Lag كأحد النظريات في علم الاجتماع يمكن ان يفسر لنا سبب ارتفاع نسبة الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية. فالتغيرات السريعة في وسائل النقل وتطورها المستمر وسهولة استيرادها لم يواكبها تغير وبنفس السرعة للمفاهيم والقيم المرتبطة بهذا المخترع الحديث مما اوجد كثيرا من المظاهر السلبية.. وفي الاخبار ان السلطات في دولة الامارات العربية المتحدة سجلت عدد خمسة آلاف مخالفة مرورية على سعوديين خلال اجازة الصيف الأخيرة. ان مثل هذه التصرفات يمكن ان تصف مجتمعنا بالهمجية والاستهتار، وواقع الفرد في المجتمع السعودي في تعامله اليومي وبدون قيادة سيارة عكس ذلك تماماً.
ان تنشئة الفرد وتربيته تحث على اعطاء الأفضلية دائماً لمن يسير على اليمين حتى اننا نلاحظ حينما يختلف اثنان التقيا عند احد المداخل ومن باب الاحترام يعطي كل منهما الفرصة للآخر بالدخول الا ان الخلاف يحسم لصالح من يقف على اليمين. هذا الاجراء كثيرا ما يطبق وبطريقة لا شعورية عند قيادة السيارة. ان نظام المرور وحسب تصميم الطرق ينص على ان الأفضلية دائماً للقادم من اليسار خاصة عندما يلتقي اثنان في دوار آتيا من طريقين مختلفين.. ان عدم سرعة استيعاب القيم المتعلقة بقيادة السيارة لا ينطبق على الأفراد فقط، بل يشمل حتى العاملين في اجهزة المرور فهم جزء من ثقافة المجتمع.
دائما في عجلة من أمرنا ونحاول انجاز الأمور في اللحظة الأخيرة.. مثل اللحاق بالأسواق او البنوك في الدقائق الأخيرة قبل ان تقفل للصلاة.. وزيارة قريب في المستشفى في آخر ثوان قبل انتهاء وقت الزيارة.. والوصول الى المطار قبل دقائق من وقت إقلاع الطائرة.. هذا التسرع هو الذي تتصف به تصرفاتنا اليومية وسبب رئيسي من أهم أسباب الحوادث المرورية، فالعجلة تعني زيادة السرعة ومحاولة اللحاق بالأمور في الثواني الأخيرة تعني قطع الاشارة المرورية والتجاوز الجنوني.
إذن السؤال الذي يبرز هنا لماذا هذه العجلة؟ في رأيي ان لذلك أسبابا كثيرة مرتبطة بثقافة culture المجتمع السعودي، المتعلقة بالالتزامات اليومية خارج المنزل، والتي تعتبر من الأعمال المرهقة جداً. والسبب يعود الى عدم انسجام التوسع العمراني السريع في مدينة الرياض مثلا مع خصائص الأسرة السعودية فتخطيط الحي لا يخدم الخصوصية للمرأة وبالتالي لا تستطيع ان تساهم مع الرجل الذي يقوم بانجاز معظم مهام الأسرة اضافة لواجباته الأخرى وهذا يزيد من الضغوط على الرجل، اذ يتعين عليه ان يوصل الأبناء الى المدارس والذهاب الى الدوام، وفي آخر اليوم عليه ان ينجز مهام الأسرة الأخرى من زيارات او تسوق او مراجعات في المستشفى وغيرها من المهام ويزيد من الضغط النفسي والبدني ارتباط هذه المواعيد بمواعيد وأوقات محددة كاغلاق المحلات للصلاة او انتهاء اوقات الزيارات وأوقات الدوام او مواعيد العودة من المدارس.. وبالمناسبة اعرف عددا كبيرا من الأسر تسكن في الغرب من مدينة الرياض وتدرس اولادها في الشرق من المدينة اي تقطع المسافة بمعدل خمسين كيلومترا يوميا فمن المسؤول عن ذلك هل هي الجهات المعنية بالتخطيط؟ ام غير ذلك؟ كل هذه العوامل تجعل الفرد في المجتمع السعودي دائماً في عجلة من أمره. لقد لوحظ ان نسبة الحوادث المرورية تكون مرتفعة بين صلاة المغرب وصلاة العشاء لارتباط هذا الوقت بخروج الناس لقضاء حوائجهم من الأسواق، فالوقت بين صلاة المغرب وصلاة العشاء هو في العادة ساعة واحدة وهو وقت لا يسمح لغالبية الناس بانجاز مهامهم لذلك نجد الكل يسرع للوصول الى هدفه مما يسبب وقوع الحوادث المرورية.ان كبر مساحة مدينة الرياض لم يثن او يقلل من الالتزامات الاجتماعية بين الأسر وفي الغالب تكون الوسيلة لتأدية الواجب الاجتماعي هي السيارة بالدرجة الأولى. على الرغم من وجود معظم الأجهزة الحديثة من تلفون، وفاكس، وانترنت، وبريد الكتروني.. ولهذا يشاهد الفرد منا الكثير من المخالفات المرورية التي ترتكب بشكل عفوي مثل تجاهل افضلية السير، والتجاوز من اليمين بسرعة جنونية والدخول الخاطئ الى الشارع العام والوقوف الخاطئ، وعدم ربط حزام الأمان دون إيقاع العقوبة الصارمة على مرتكب تلك المخالفات وكأن المخالفة هي قطع الاشارة فقط.
موضوع حوادث المرور يحتاج الى دراسة اجتماعية عميقة تبحث في خصائص الشخصية وثقافة المجتمع. والله الموفق...
*جامعة الملك سعود

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved