أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 23rd February,2001 العدد:10375الطبعةالاولـي الجمعة 29 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

العشر.. ويوم الحج الأكبر
محمد بن سعد الشويعر
من نعم الله على المسلم، أن الفرص التي تتفاضل فيها الأعمال، تأتي بعضها بعد بعض، حتى يتجدد نشاطه في العمل، والأوقات المفضلة تتابع، حتى يزول عن النفس الكسل، مما يدفعه للمزيد من العمل الطيب الذي يربطه بخالقه، حيث ترغب نفسه في زيادة الخير، لما لعمل الخير من لذة وحلاوة. وما ذلك إلا أن من الطبائع أنها إذا سارت على وتيرة واحدة، يبدأ يتسرب إليها الملل، ويدب إليها الكسل تثبيطاً من عدو الله، وعدو ابن آدم الشيطان، ومن هنا نلمس الأثر النفسي، في الإخبار عن بني إسرائيل عندما قالوا: «لن نصبر على طعام واحد» )البقرة 61(.
ومما هيأه الله سبحانه للمسلم، معيناً على العمل، ومرغِّباً له في الخير، فقد جعل الله جلت قدرته، للأيام مفاضلة، وللمناسبات تجديداً، لكي يأخذ من كل فرصة تسنح، بقدر ما يستطيع، لأن الله جبل النفوس المستجيبة دافعاً على حب الخير، والانقياد للأوامر، وما فيها من ترغيب، لتزداد في العمل، أو ترهيباً فتقصر وترتدع عن التمادي، امتثالاً للأوامر، ووقوفاً عند الزواجر والنواهي.
والأيام العشر التي جاء ذكرها في كتاب الله عدة مرات، هي من الأيام التي تقترن بفريضة الحج، تلك العبادة البدنية، التي أعظم الله أجرها، وأعلا من شأنها، واقتران مناسبة بمناسبة، مما يزيد الترغيب إليها، ويحبب العمل فيهما، لأن زيادة الخير خير، مثلما أن الحاج يحرص على كثرة الصلاة، والعبادة في بيت الله الحرام، لما له من خصوصية، وما فيه من مضاعفة الأجر، إذْ الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، فيما سواه. وهذه المفاضلة، ومضاعفة الأجر لمن صلّى في المسجد الحرام، منّة من الله على عباده، إذا اخلصوا النية، وصدقوا العمل، وعرفوا التوجيهات الشرعية، وحرصوا عليها استجابة، واخلاصاً، وحباً في الخير. والترغيب في الأماكن والأزمنة، والمفاضلة فيها، ليست متروكة للبشر يقدِّسون ما يشاؤون، ويستهينون بما يريدون، كما نلمس هذا في معتقدات جاءت من البشر، وقدّسها أناس منهم، بما تصف ألسنتهم، ولكن القداسة جاءت في الإسلام: بنصوص شرعية، من كتاب الله، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا، أعلم حيث يجعل رسالته، حيث يثيب المستجيب، بمضاعفة الأجر المدخر عند الله، وارتياح نفسه لذلك، كإيحاء باطني بأهمية هذا الأمر، الذي وفقه الله إليه. والحاج الذي تجشّم المشاق، وعبر الفيافي والقفار، في رحلة خالصة لله سبحانه، متنصّلاً من الدنيا ومكاسبها، ومتجرداً من الزينة والمظاهر، يهيىء الله له فرصاً ذهبية، في أزهى ما يسنح للعمل، إذا هو اغتنمها، وحرص على التطبيق فيها مع الإخلاص في العمل، لأن الإخلاص شرط في جودة العمل، والله لا يقبل من العبد، إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم. حيث تحثه شريعة الإسلام: ترغيباً في حسن العمل، وإجادته.. وترهيباً في الوقوف عند حدود الله، والردع عن التجاوزات. فيصاحب الترغيب الأجر، وحسن الجزاء الذي تتطلع إليه النفس الراغبة، وتحرص عليه الأفئدة الممتثلة، ويقترن بالترهيب الخوف من الله، والحذر من الإساءة التي تقود إلى السيئات، والعقاب الأليم. ومن تلك الفرص المتاحة للحاج الليال العشر، التي أقسم الله بها في سورة الفجر، والله سبحانه يقسم بما شاء من مخلوقاته كما أن العرب تقول: إن القسم يدل على مكانة المقسم به.. ولذا فإن المخلوق، لا يجوز له أن يقسم بغير الله، لأن التعظيم له سبحانه، وهو المستحق لذلك لعظمته في ملكوته، وفي أسمائه وصفاته، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن القسم بغير الله من الشرك بالله.
يقول ابن كثير في تفسيره، لأول سورة الفجر: أما الفجر فمعروف، وهو الصبح، قاله علي وابن عباس وعكرمة ومجاهد والسّدّي، وعن مسروق ومحمد بن كعب، المراد به جميع النهار، وهو رواية عن ابن عباس.
والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة، كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف. وقد ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عباس مرفوعاً: «ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام» يعني عشر ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء».
وقيل المراد بذلك: العشر الأول من المحرم، حكاه أبو جعفر ابن جرير، ولم يعزه لأحد، وقد روى أبو كدنية عن قابوس ابن أبي ظبيان، عن أبيه عن ابن عباس قال: «وليال عشر»، «هو العشر الأول من رمضان، والصحيح القول الأول.. وأورد الإمام أحمد بسنده إلى جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العشر عشر الأضحى» والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر» ورواه النسائي عن محمد بن رافع، وعبده بن عبدالله، وكل منهما عن زيد بن الحباب به، وقوله تعالى: «والشفع والوتر» قد تقدم في هذا الحديث، أن الوتر يوم عرفة، لكونه التاسع، وأن الشفع يوم النحر، لكونه العاشر، وقاله ابن عباس وعكرمة والضحاك أيضاً.
وفيه قول ثان أورد بالسند إلى واصل بن السائب قال: سألت عطاء عن قوله تعالى: «والشفع والوتر» قلت: صلاتنا وترنا هذا؟. قال: لا ولكن الشفع يوم عرفة، والوتر ليلة الأضحى.
أورد رأياً ثالثاً قال بالسند إلى أبي سعيد بن عوف، حدثني بمكة قال: سمعت عبدالله بن الزبير يخطب الناس، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الشفع والوتر؟. قال الشفع: قول الله تعالى: «فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه» والوتر قول الله تعالى: «ومن تأخر فلا إثم عليه».
أما ابن الجوزي فقد ذكر في تفسيره: زاد المسير في علم التفسير في الأيام المعلومات ستة أقوال:
الأول: أنها أيام العشر: أي عشر ذي الحجة، التي قال في فضلها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله من هذه الأيام.. يعني عشر ذي الحجة». الثاني: تسعة أيام من العشر، الثالث: يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده. الرابع: أنها أيام التشريق.الخامس: أنها خمسة أيام أولها يوم التروية، السادس: أنها ثلاثة أيام أولها يوم عرفة. والصحيح عند كثير من التفسير في الأيام العشر: ما ذكره ابن كثير على أنها العشر من ذي الحجة.
وكان سلف الأمة يكبرون في هذه الأيام العشر، فقد روي عن عمر بن الخطاب وابنه عبدالله: أنهما كانا يكثران التكبير في هذه الأيام العشر، وكان أبو هريرة يغشى الأسواق، ويجهر بالتكبير وذكر الله، في عشر ذي الحجة، رغبة في أن يستأنس الناس به، ويقول: هكذا كا ن يفعل خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في كتاب جمع الفوائد: أن عمر بن الخطاب كان يكبر في مسجد منى، ويكبر من في المسجد، فترتج أسواق منى من التكبير، حتى يصل التكبير إلى المسجد الحرام، فيقولون: كبر عمر فيكبرون.. وأورد البخاري عن عمر وأبي هريرة أنهما: كانا يخرجان إلى السوق في أيام التشريق في أيام العشر، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
في اليوم التاسع من هذه الأيام يخرج الحاج من منى إلى عرفة، حيث يلتئم شمل المسلمين في صعيد عرفات، ويجب أن يراعي الحاج حدود عرفة، فيبتعد عن بطن عُرَنَة، لأنها ليست موقفاً، ونهي عنها بنص الحديث الشريف: «عرفات كلها موقف وأربعوا عن بطن عرنة».
ويصلي الحاج فيها الظهر والعصر جمعاً وقصراً، بأذان واحد وإقامتين، ويحسن بالحاج أن يستمع لخطبة الإمام في مسجد نمرة ليتعلم منها أمور دينه، ويتبصر فيما خفي عليه من أمور حجه، حتى يخرج الحجاج بفائدة تعينهم في أمور دينهم، وحتى لا ينصرفوا من عرفات قبل الغروب. وليس من السنة أن يصوم الحاج في هذا اليوم حتى يتقوى على حجه. وعلى الحاج أن يكثر من الدعاء والاستغفار، وقراءة القرآن في ذلك اليوم، لأنه يوم تسكب فيه العبرات، ويوم يباهي الله بالحجاج ملائكته، ويغفر الله لهم، حيث يذل الله الشيطان، فلا يرى أخزى ولا أحقر من ذلك اليوم. والحاج ليس ملزماً بصعود الجبل في عرفات، ولم يكن لذلك أصل، وإنما عرفة كلها موقف لأمر رسول الله بذلك. وبعد الغروب ينصرف الحجاج من عرفة إلى مزدلفة، ليصلوا فيها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، ويبيتون فيها ليلتهم، ويباح للضعفة من النساء والرجال الانصراف، بعد منتصف الليل، وغروب القمر، حيث رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، ويجب على الحاج عدم التسرع أو الخروج من مزدلفة، في غير الوقت المحدد للمعذورين، فالمعذور له أن ينصرف بعد نصف الليل، ومن لا عذر له، بعد الفجر والإسفار جداً.
وفي اليوم العاشر: يحط الحجاج رحالهم في منى، ليبدأوا أعمالاً أخرى، تبدأ برمي الجمار، في اليوم الأول جمرة العقبة ثم الحلق أو التقصير، والذبح لمن كان متمتعاً أو قارناً، والهدي لمن ساق الهدي، والأضحية لمن يريد أن يضحي، وبذلك يتم التحلل الأول.. وأيام التشريق كلها موعد للأضحية. وهذا اليوم هو يوم الحج الأكبر، حسب آراء جمهور العلماء، الذي جاء في الآية الكريمة: «وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر» )التوبة 3(، قال أبو السعود في تفسيره: أي اعلام منهما، وإنما قيل: «إلى الناس» أي كافة، لأن الأذان غير مختص بقوم دون قوم كالبراءة بالناكثين، بل هو شامل لعامة الكفرة وللمؤمنين أيضاً، «يوم الحج الأكبر»: هو يوم العيد، لأن فيه تمام الحج، ،ومعظم أفعاله، ولأن الإعلام كان فيه، ولما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم، وقف يوم النحر عند الجمرات، في حجة الوداع، فقال: هذا يوم الحج الأكبر، وقيل يوم عرفة لقوله عليه الصلاة والسلام: «الحج عرفة»، ووصف الحج بالأكبر، لأن العمرة تسمى الحج الأصغر، أو لأن الحج اجتمع فيه المسلمون والمشركون، أو لأنه ظهر فيه عز الإسلام والمسلمين، وأذل الله الشرك والمشركين )2:516(. وفي هذا اليوم لمن لم يحج أيضاً، أمامه أعمال عظّم الله شأنها، ففيه سنة الأضحية، وإراقة الدماء تقرباً إلى الله جل وعلا. فالأيام يكبر قدرها، بما يعمل فيها من الصالحات، وما يحصل فيها من الأجر الذي أمتن الله به على عباده.
أما الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله، فقد قال عند مروره بآية الحج الأكبر في سورة براءة: هذا ما وعد الله به المؤمنين من نصر دينه وإعلاء كلمته، وخذلان أعدائهم من المشركين، الذين أخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، ومن بيت الله الحرام، وأجلوهم مما لهم التسلط عليهم من أرض الحجاز، نصر الله رسوله والمؤمنين، حتى افتتح مكة وأذل المشركين، وصار للمؤمنين الحكم والغلبة، على تلك الديار.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، مؤذنه أن يؤذن يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر، وقت اجتماع الناس، مسلمهم وكافرهم، من جميع جزيرة العرب، أن يؤذن بأن الله بريء، ورسوله بريء من المشركين، فليس له عندهم عهد وميثاق، فأينما وجدوا قتلوا.. وقيل لهم: لا تقربوا المسجد بعد عامكم هذا، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة.
وحج بالناس أبوبكر الصديق رضي الله عنه، وأذن ببراءة يوم النحر، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ثم رغب الله تعالى المشركين بالتوبة ورهبهم من الاستمرار على الشرك، فقال سبحانه: «فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم، فاعلموا أنكم غير معجزي الله» )التوبة 3(، أي اعلموا أنكم في قبضته، وهو قادر على أن يسلط عليكم عباده المؤمنين «وبشر الذين كفروا بعذاب أليم» )التوبة 3(، أى مؤلم مفظع في الدنيا، بالقتل والأسر والجلاء، وفي الآخرة بالنار وبئس المصير، وهذه البراءة التامة من جميع المشركين )تفسير ابن سعدي، تيسير الكريم الرحمن 3: 198 199(.
أما شيخ المفسرين كما يسميه بعضهم ابن كثير رحمه الله : فإنه يتفق مع علماء الإسلام أن يوم الحج الأكبر هو: يوم النحر، الذي فيه أعمال كثيرة، من أعمال الحج، وهو أفضل أيام المناسك وأظهرها، وأكبرها جميعاً، وقد روى صفة النداء عن أحمد بن حنبل رحمه الله بسنده إلى محرز بن أبي هريرة، عن أبيه قال: كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، فقال: ما كنتم تنادون؟؟ قال: كنا ننادى أنه لا يدخل الجنة، إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فإن أجله المحدد أو مدته إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر فإن الله سبحانه، بريء من المشركين، ورسوله بريء منهم، ولا يحج هذا البيت بعد عامنا هذا مشرك..
قال: فكنت أنادي حتى صحل صوتي )2:333(.
وفي هذا رد على من يأتي في وقت من الأوقات، ولأي سبب وغاية في نفسه، ليقحم الحج في أمور خاصة متذرعاً بهذه الآية الكريمة، أو فاهماً معناها خطأ على غير، ما جاءت من أجله، وبمناسبة معينة، وضحها حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه .. فقد فهم علماء السلف، كما جاء في تفسيرهم لها: أن هذه الآية الكريمة أعطت حكماً مقيداً بزمن وعهد، وقد هيأ الله جلت قدرته حكومة تبذل جهدها وتتفانى في عملها لكي تكون الأماكن المقدسة التي شرفها الله بخدمتها محفوظة عن تدنيس المشركين، وتمنعهم من دخولها امتثالاً لأمر الله عز وجل بقوله الكريم: «إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد بعد عامهم هذا» )التوبة 28(، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم في اجلائه المشركين عن مكة، وإلزامهم بالإسلام أو القتل، وتطهيره الكعبة من الأصنام، ولن يكون بإذن الله لأي مغرض أو مشرك، سبيل إلى ذلك، أعان الله حكومة هذه البلاد على أعمالها الطيبة، ورزقها الأعوان المخلصين الصادقين مع الله في القول والعمل.
وفاء كافور:
جاء في كتاب العقد الفريد، للملك السعيد عن كافور الأخشيدي ووفائه، كما حكاه أبو الفتح المنطيقي قال: كنا جلوساً عند كافور الأخشيدي، صاحب الشاعر المتنبي، الذي قال فيه أهاجي كثيرة، منها قوله:


لا تشتري العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد

ذلك أن كافوراً كان عبداً، اشتراه الأخشيد ملك مصر، سنة 312ه، فاعتقه ونسب إليه بالولاء وقد اعتلى عرش مصر عام 355ه، وتوفي بالقاهرة سنة 357ه، وكان يومئذ صاحب مصر والشام، وله من البسطة والنفوذ في الأمر، وعلو الهمة والقدر الشيء الكثير.. هذا إلى جانب شهرة الذكر، الذي تجاوز به الوصف والحصر، فحضرت المائدة والطعام، فلما أكلنا نام وانصرفنا.
فلما انتبه من نومه طلب جماعة منا، وقال: امضوا إلى عقبة النجارين، واسألوا عن شيخ منجم أعور، كان يقعد هناك، فإن كان حياً فأحضروه، وإن كان قد توفي، فاسألوا عن أولاده، واكشفوا أمره. فمضينا إلى هناك، وسألنا عنه فوجدناه قد مات، وترك بنتين: أحداهما مزوّجة، والأخرى عاتق، فعدنا إلى كافور وأخبرناه بذلك، فسيّر في الحال، واشترى لكل منهما داراً، وأعطى كل واحدة منهما ثيابا وكسوة، وذهباً كثيراً، وزوّج العاتق، وأجرى على كل واحدة منهما رزقاً، وأشهر أنهما من المتعلقين به لرعاية أمورهما.. فلما فعل ذلك وبالغ فيه ضحك، وقال: أتعلمون سبب هذا؟!. قلنا: لا نعلم. فقال: اعلموا أني مررت يوماً بوالدهما المنجم، وأنا في ملك ابن عباس الكاتب بحالة رثة، فوقفت عليه، فنظر إلي واستجلسني. وقال: أنت تصير إلى رجل جليل القدر وتبلغ منه مبلغاً كبيراً، وتنال خيراً كثيراً، وطلب مني شيئاً فأعطيته درهمين كانا معي، ولم يكن معي غيرهما، فرمى بهما. وقال: أبشرك بهذه البشارة، وتعطيني درهمين، ثم قال: وأزيدك، أنت والله تملك هذا البلد، وأكثر منه.
فاذكرني إذا ما صرت إلى ما وعدتك به، ولا تنسني.
فبذلت له ذلك، وقلت: نعم. فقال: عاهدني أنك تفي لي، ولا يشغلك الملك عن افتقادي، فعاهدته، ولم يأخذ الدرهمين.
ثم إني شغلت عنه، بما تجدد لي من الأمور والأحوال، وصرت إلى هذه المسألة، ونسيت ذلك، فلما أكلنا اليوم ونمت، رأيته في المنام، قد دخل عليّ وقال: أين الوفاء بعهدك، وتمام وعدك، لا تغدر فيغدر ربك، فاستيقظت وفعلت ما رأيتم. ثم اشتهر إحسانه لبنتي ذلك الرجل، لوفائه لوالدهما، فتضاعف الدعاء له، والثناء عليه )ص 85(.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved