أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 23rd February,2001 العدد:10375الطبعةالاولـي الجمعة 29 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

فربما صحت الأجسام بالعلل
يوسف بن محمد العتيق
لم أتذكر شيئا كما تذكرت هذا الجزء من البيت الشعري من قصيدة شهيرة للشاعر العربي الكبير المتنبي حينما تناقلت وسائل الإعلام في كل مكان الكلمة المختصرة )والمركزة( التي ألقاها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية في تقديم سموه للإعلان عن مرتكبي التفجيرات الغادرة والآثمة التي حدثت في شهر شعبان المنصرم بشمال العاصمة الحبيبة مدينة الرياض.
***
يقول الأديب المصري عبدالرحمن البرقوقي )ت1944م( وهو يشرح هذا البيت في كتابه المعروف في شرح شعر المتنبي: فربما تكون علته أمان له من أدواء أخرى فينجو جسمه بسبب هذه العلة مما هو أصعب منها. ا.ه
قلت: صدق البرقوقي؛ وهذه سنة معروفة ان كثيرا من العلل تكون سببا في دفع ما هو أعظم منها شررا وأكبر منها خطرا إذا تعامل الناس مع هذه العلة بالطرق التي تكون كفيلة بأن يكون العدوان في نحر صاحبه والإجرام يعود لمرتكبه ومدبره؛ شريطة أن يكون التعامل مع العلة مدروساً؛ لا أن يكون من قبيل العواطف الجياشة والحماسة الملتهبة التي هي أقرب ما تكون إلى المسكنات المؤقتة منها إلى العلاج الناجع والدواء الفعّال طويل الأمد بإذن الله.
وما جرى في رياضنا الحبيبة لا شك في كونه علة تأذى منها القريب والبعيد والقاصي والداني فكل إنسان سوي يعرف أن القيام بمثل هذه الأمور محرم شرعا وجناية كبرى نظاماً والقائم به سيتعرض لا محالة لأشد العقوبات.
***
أما الحديث عن هؤلاء الذين قاموا بهذه الجناية الإرهابية يطول ويطول جدا؛ وليس هو مجال حديثنا الآن لكن يكفي في بيان سوء ما قاموا به الحديث عن ترويعهم للآمنين في بلد آمن؛ ويكفي أيضاً الحديث عن اصطيادهم في الماء العكر ومحاولة ضربهم لفئات من الناس بعضها ببعض حينما أقدموا على هذه الجناية في وقت ثورة الانتفاضة الفلسطينية وأن الوجود الغربي في كثير من الأماكن قد يكون مستهدفا )!( فأي جناية ضد الوجود الغربي في أي مكان من العالم العربي والإسلامي سيكون المتهم بها معروف سلفا ولن تكون بعض الجنسيات الغربية ممن يظن بهم الإقدام على مثل هذه الجناية في مثل هذه الظروف الراهنة.
ويكفي في الحديث في هذا الموضوع التذكير بأن الطبيب هو عنوان رحمة ووفاء بغض النظر عن جنسه أو دينه أو بلده، فالطب مهنة نبيلة ورسالة إنسانية للعلاج ومتابعة الحالة الصحية لا لإزهاق الأرواح وترويع الرجال والنساء من الآمنين!
ومع أن الحديث جميع هذه الأمور في غاية الأهمية إلا أني أعرج عليها في مقالي هذا لأن أكثر الناس اتصالا بهذا الموضوع وعناية أجل الحديث عن هذه القضية حتى يستوفى التحقيق والدراسة فيها إلى الوقت المناسب لوضع الأمور في نصابها وهو وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز شكر الله له ولكل رجل أمن غيور كان سبباً في كشف هذه الفئة الإرهابية.
وإذن سيكون حديثي هنا لك أخي المواطن وأخي المقيم وأقول: ألا ترى أن مثل هذه الأحداث توجب علينا أن نعيد النظر في بعض الأمور وأن نتمسك ببعض الثوابت التي كنا مقصرين فيها أو اننا نتساهل فيها مع علمنا بأهميتها.
***
فمن أهم هذه الثوابت التي يجب علينا ألا نقصر فيها أو نتساهل هو أن نكون جميعاً على كلمة واحدة لأن روح الجماعة في كل بلد ووطن ستكون بإذن الله هي الضربة القاضية لكل خاطرة أو فكرة إرهابية؛ ولا يكون الاجتماع إلا على مسلماتنا العقدية والاجتماعية والأخلاقية التي توارثناها كابرا عن كابر؛ تحت لواء ولاة الأمر في بلادنا ولايخفى على كل مسلم ان ديننا الحنيف جعل الجماعة مطلبا مهما )واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا( وصح الخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: )الجماعة رحمة والفرقة عذاب( وهل تستقيم أمور الجماعة دون الانضواء تحت حاكم يسوس أمور الناس صغيرهم وكبيرهم ويأخذ لكل منهم حقه كاملاً.
وأمر آخر في غاية الأهمية.... دائماً ما نسمع ونقرأ ونشاهد في وسائل الإعلام؛ بل حتى في اللافتات في الطرق أن كل مواطن رجل أمن... لكن هل نطبق هذه الكلمة ولو ان كل مواطن سارع وسابق للإبلاغ عن كل ما يعتقد أنه يعكر صفو الأمن بالطرق المناسبة هل ستكون أرضنا تحمل موطئ قدم لمثل أهل هذه الأفكار المنحرفة والإرهابية؟! لاشك أن الإجابة ستكون كلا وألف لا.
ومن دروس هذا الحدث أن المواطن يجب عليه ألا يكون دابة سهلة الانقياد للشائعات والأقاويل وكلام كل من هب ودب من أشخاص أو أجهزة إعلام لايهمها شيء سوى نقل الإثارة سواء كانت هذه الإثارة نابعة من أصول صحيحة وكلام رسمي أو كان منبعها كلام الناس فبعضهم يهمه بالدرجة الأولى أكبر قدر من المتابعين بغض النظر عن حمل رسالة إعلامية تجعله محترماً في الأوساط الإخبارية، بل القصد كل القصد المشاهد دون تفريق بين ما تحقق من صحة الخبر أو كان الخبر شائعة تتلذذ الألسن بروايتها...
فهل مثل هؤلاء يحترمون المتلقي؟!
وسؤال يفرض نفسه هنا وأتمنى أن أجد له إجابة مقنعة: هل من سارع إلى نقل هذه الأخبار التي جرت هل سارع إلى نقل خبر الكشف عن هؤلاء المجرمين في وقت قياسي؟! وهل هؤلاء يضعون الصورة في وضعها الحقيقي أم الرأي العالمي أم أن أي حدث لدينا يجعل منه وكأنه حرب نجوم جديدة يجب أن يصل إلى كل )باحث عن الحقيقة( حينما يكون خبراً مؤسفاً؛ وأما الأخبار التي تشرّف كل مسلم وعربي فهي تنقل على استحياء وكأنها خبر نقل لمجرد ألا يقال لم ينقل؟وقبل أن أتجاوز موضوع الشائعات ألا يحق لي أن أسأل القارئ الكريم لو جرى لك )لا قدر الله( أمر مؤسف فهل كنت تحب أن يروى عن طريق كل أحد وكل ثقة وكل متهور... طبعاً ستقول )لا( فإذا كان هذا جوابك عن نفسك وأنت مواطن محدود الإمكانات فما بالك بدولة تقوم على المواطن الذي قد يتأثر بسماع ما لا يحمد من الأخبار، وسؤال آخر: هل يعذر أحدهم شرعا ونظاماً حينما يروى قذفا أو تهمة لأحد تحت حجة أن الناس يقولون هكذا؟!فهل ناقل الكلام السيئ لا يحاسب على نقله هذا الكلام لأنه وبكل بساطة ناقل وليس بقائل!!
***
ومن دروس هذه الأزمة: انه لا يوجد جنس أو بلد أو عرق يجب أن يكون فوق الشكوك أو التهم؛ بل يجب أن يكون الجميع في ميزان العدل الدقيق فالمحسن يشكر على إحسانه والمسيئ يأخذ جزاء ما اقترفت يداه فالإرهاب لا يعترف بدين أو بلد فهو يكون في الجميع وهذا ما يجب أن يكون في أذهاننا جميعا؛ وخاصة من يتولى توزيع التهم على فئة دون فئة فعليه ان يتريث؛ ولايعني هذا توزيع التهم على من هب ودب لاعتبارات شكلية أو عرقية أو غير ذلك، فتوزيع التهم يجب ألا تكون هواية لبعض الناس فالأمر خطير وضع الناس في المكان الذي تحب أن يضعوك فيه.
***
الوطن هو الذي يجب ان نعطيه ونعطيه حتى نرد شيئا من حقوقه علينا ؛ ومتى ما كانت المواطنة شعوراً قويا لدينا جميعاً لذابت الكثير من الرواسب التي مكنت أو ستمكن الخصم من مقاتل كل ثروة من ثروات الوطن.فكل وطن رأس ماله الأساس هو سمعته ومنها تستمد هيبته فكن نواة صالحة في مجتمعك حتى تكون صورة مشرفة لوطنك ؛ وكن وطنا مصغراً.والوطن هو أنت وإن المواطن له الدور الأكبر في صيانة وطنه من كل ما يدنس نقاءه من مظاهر تخل بأمنه لأن وطنا نقيا سيسعى لإبعاد كل أمر مشين؛ وحفظ الله لنا ولكل إخواننا المسلمين أوطاننا.
أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved