أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 25th February,2001 العدد:10377الطبعةالاولـي الأحد 2 ,ذو الحجة 1421

الثقافية

من رائدات الصحافة
3 حبوبة حداد )1897 - 1957م(
إعداد: حنان بنت عبدالعزيز بن سيف
حبوبة حداد، رائدة في الصحافة والادب والوطنية، كان ميلادها ورؤيتها للنور في الخامس عشر من آذار العام سنة 1897 في بلدة الباروك، وقد وصفت هذه الصحفية اللامعة بالتفوق والنجاح حينما كانت تتلقى دراستها في الجامعة الامريكية في بيروت، خاصة في الاقتصاد والسياسة، غير انها لم تمارس اختصاصها الذي درسته بل شغفت بحب الادب، وقد ضحكت لها الاقدار، وجعلتها تعتلي في الأدب أعلى مراتبه ، ومن الصحافة ذروة سنامها، حيث اصبحت بعد حين صاحبة اول مجلة اصدرتها في اوروبا ثم تابعت اصدارها في لبنان، وجعلتها تحمل الاسم التالي: )الحياة الجديدة( وفعلا كان الاسم مطابقا لمسماه، حيث كانت هذه السيدة الفاضلة رئيسة لمنتديات الأدب والسياسة والوطنية، وقد فتحت قلبها اولا ثم بيتها ثانيا لجديد الادب وقديمه، وكانت تقوم برحلات وجولات في كبريات مدن العالم.
وقد جاءت هذه الصحفية البارزة في وقت سيطر على المرأة فيه الف قيد وقيد من الجهل والامية والخرافات فرفضت هذا الوضع نهائيا وعملت على تعليم المرأة وتثقيفها وجعلت من الصحف وسيلة من وسائل هذه الهدف النبيل، وقد تركت هذه المرأة بصمات واضحة في تاريخ الحركة النسائية الثقافية والعلمية وقد بدت عليها علامات النبوغ وبوادر الذكاء، وميزات الهمة الطموح، منذ نعومة اظفارها فحينما كانت في السنة السادسة عشرة من عمرها الزاهر كتبت لها الأقدار بأن تلتقي في بلدتها الباروك بالمستشرق الفرنسي المعروف )موريس باريس( حيث مثلت مدرستها بكلمة جميلة انيقة القتها امامه، فما كان من هذا الرجل الا ان حمل لها اطيب الذكرى ثم كتب لها ان تلتقي به في فرنسا، يوم شدت اليها الرجلات، عندما سافرت بحثا عن الحقيقة ومن اجل طموح علمي كبير، وهمة متعالية كبيرة، وقد تزوجت حينما كانت في السادسة عشرة من عمرها من قريب لها يدعى بركات حداد، الا ان رحلة هذا الزواج قد انتهت بعد عام واحد من زواجها وكان ثمرة هذا الزواج ابنا يدعى )فؤاد( وقد حدث الطلاق وهي في الثامنة عشرة من عمرها.
وقد رهنت حياتها على وحيدها فؤاد وسهرت على تنشئته وتعليمه وفي عام 1920م وحينما انهت الدراسة الاكاديمية الجامعية سافرت الى باريس ثم انتقلت منها الى الولايات المتحدة الامريكية وكتب لها ان تلتقي بالأديب الكبير والشاعر المبرز جبران خليل جبران واستفادت منه في امور ادبية عميقة الكثير الكثير، واستمر هذا التلقي والنهل من معين فيضه السامي حتى عام 1932.
وفي باريس فرنسا عملت بدأب ونشاط على اصدار مجلة اختارت لها اسما جميلا وهو )الحياة الجديدة( وقد ساعدها على اصدار مجلتها المستشرق )موريس باريس( ثم اعطت رئاسة تحريرها الى الكاتب المعروف انطوان فرح الذي احسن كل الاحسان واجاد كل الاجادة في ادارتها، وقد كانت حبوبة حداد متفرغة لكتابة المقالات فيها والاهتمام بالعلاقات العامة وتأمين التمويل لهذه المجلة الرائدة وحينما مضى عام واحد على صدور هذه المجلة اشتد بها الحنين، وبرح بها الشوق وكبلها الوجد الى وطنها الذي كان راسفاً تحت نير الاستعمار وقهره وظلمه وقد ارادت ان تجند نفسها لخدمته وخدمة القضية العربية، ثم استقرت بها الحال في بيروت العامرة وتابعت اصدار مجلتها )الحياة الجديدة( وقد استمرت هذه المجلة طيلة تسع سنوات متتاليات ثم اضطرت الى ايقاف صدورها بعد ان حكم عليها المستعمر بهذا والسبب ان هذا المستعمر لاحظ سرعة انتشار هذه المجلة ومدى تأثيرها في نفوس ابناء الوطن حيث انها خرجت من حيزها الصغير كمجلة نسائية الى افق اوسع وفضاء ارحب وهو قضايا البلاد الوطنية والسياسية، وقد كان لحبوبة حداد علاقات فكرية وثقافية وانسانية ونسائية لاسيما في اوروبا، حيث التقت برجالات الفكر والثقافة والسياسة والوطنية خاصة ان هؤلاء الاعلام كانوا منفيين من اوطانهم مثل لبنان وسوريا.
ومن رجالات الفكر الذين رأتهم وحاورتهم كان لها اكثر من لقاء مع محمد محسن واسماعيل الشافعي وانطوان فرح وسعد الله الحويك وشريف النعماني والياس الشويري وغيرهم الكثير الكثير.
وحين عادت الصحفية حبوبة حداد الى مسقط رأسها لبنان، سعت الى اعادة اصدار مجلتها )الحياة الجديدة( ولكنها وجدت ان المنع من قبل المحتل ما زال ساريا فما كان منها الا ان شرعت ابواب بيتها امام العديد من شخصيات البلاد اللبنانية خاصة والعربية عامة فتحول بيتها الى ناد ادبي وفكري قوامه العديد من الادباء البارزين منهم الشيخ امين تقي الدين، شبلي الملاط، رامز سركيس، جرجي باز، جبران تويني، امين الريحاني، فيلكس فارس، علي ناصر الدين، الياس ابو شبكة، حافظ ابراهيم، احمد شوقي، جميل بيهم وسواهم الكثير الكثير من الشخصيات الادبية البارزة في ذلك الوقت الذي مضى وفات، غير ان الادب والشعر خلدا ذكراهم وانتاجهم وعطاءهم الفياض المهمر.
ولم يقتصر مجهودها الادبي على الرجال الادباء فقط، بل امَّ ناديها اديبات كثيرات منهن سلمى صائغ، نجلاء ابي اللمع، ماري يني، جوليا طعمة دمشقية، وغيرهن كثير من رائدات الحركة النسائية الادبية والشعرية والثقافية في لبنان.
ومن خلال الاستعراض السابق يتضح لنا المستوى الثقافي الرفيع الذي كان عليه منتدى حبوبة حداد حيث انه ضم عددا كبيرا من رجالات الفكر والادب والسياسة والوطنية والثقافية عامة، وبهذا لم يستطع جور المستعمر ان يكبل حريتها ويقيد ثقافتها بل تابعت هذه الرائدة جهودها واتمت رسالتها في خدمة وطنها وخدمة الانسان وخدمة الكلمة.
وقد كان لحبوبة حداد نشاط بارز وعطاء داعم في الاطوار الاولى، والبواكير الصغيرة لاذاعة لبنان فقد اخذت على عاتقها ان تخاطب الطفولة عبرها وتعلم اطفال الوطن اسمى معاني الحياة عبر قصص قصيرة تدور في غالبيتها حول القرية والجمال والوطن بأسلوب قصصي مشوق، ونستطيع بهذا ان نعدها رائدة ايضا على صعيدي ادب الاطفال والبرامج الاذاعية والتي خاطبت عبرها ازاهير الطفولة وثمار الغد، ومن خلال تأمل حياة حبوبة المليئة بالاهداف السامية والرسالات الواعدة نجد ان حياتها اغنى من نتاجها الادبي وقد اهدت المكتبة العربية كتابين الاول كان يحمل العنوان التالي: )نفثات الافكار( والثاني عنوانه )دموع الفجر( غير ان هذين العنوانين يوحيان الي بالتالي: ان حبوبة حداد كانت تنفث افكارها وتبوح بأدبها وتعلي بصحافتها سماء لبنان المحتل، وهي تواصل الخطو تلو الخطو ممنية نفسها بزوال شبح الاستعمار عنها واخطبوط الذلة والمهانة والقهر عن شعبها الباسل وهي في بكاء مستمر، ونحيب مفجع وحزن عميق عميم حتى اذا طلع عليها فجر جديد استبشرت حبوبة حداد به وظنته فجرا جديدا وحلما واقعيا جميلا وهي تمني النفس بمنية عزيزة عظيمة فاذا ما طلع هذا الفجر الجديد اذابه قديم قديم حالك مسود بالاستعمار الغاشم والاحتلال القاهر ففاضت دموع العين حزينة ثكلى فهي دموع الفجر التي طالما تمنت حبوبة حداد ان تكون ابتسامة الفجر، وضحكة الفسق، قهقهة الشفق، لذا اسمت كتابها دموع الفجر المنكية القلب، والآسية الفؤاد والمقرحة لجفن العين فلله درها من وسام جميل، طرز به جبين لبنان المحتل.
ولحبوبة حداد كتاب ثالث يدور حول تقاليد وعادات بيروت قبل مائة وخمسين سنة هذا الى جانب مجلتها ومقالاتها وقصصها للاطفال ولها ايضا نتاج ادبي وتراثي آخر لم ينشر.
هذا الى جانب ان حبوبة حداد قد زارت اشهر مدن العالم وشاهدت آثارها فقد كانت تجوالة رحالة لكنها لم تنس ابدا او تتناس ذلك الوطن الذي احبته وتعشقه وكانت دائمة الحنين والشوق الى ارضه وسمائه وذراه.
وقد كانت وفاتها في الثامن من كانون الاول لعام 1957 ومع غيابها اقفل ذلك المنتدى الادبي الى الابد وغابت شمسه وخبت ناره لان هذه الاديبة المتألقة قد ودعت حياتها الفانية المعدودة واستقبلت حياة ممتدة متطاولة مستعصية على العد والحصر وطموحات حبوبة حداد طويلة متسعة لا ولن تتسع لها الآفاق فحينما كانت في عمر الورود خرجت من بلدة الباروك في لبنان لتجوب الدنيا طولاً وعرضاً مدافعة عن حق وطنها في الحرية والاستقلال والكرامة رائدها الحقيقي الحب والاخلاص والتفاني والتضحية وسلاحها كلمات لا امضى ولا اقوى منها وقد عادت الى وطنها الاصلي بعد رحلة طويلة شاقة ومضنية لتغفو في رحاب باروك لبنان غفوة الابد.
* الترجمة:
نساء من بلادي تأليف : ناديا الجردي نويهض ،طبعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الاولى لعام 1986م.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved