أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 2nd March,2001 العدد:10382الطبعةالاولـي الجمعة 7 ,ذو الحجة 1421

مقـالات

حجة الوداع وخطبتها
د. محمد بن سعد الشويعر
إذا جاءت جملة حجة الوداع، في الكلام مفردة، فيراد حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ودّع فيها المسلمين، ولم يحج بعدها، وكانت خطبته عليه الصلاة والسلام، وافية وجامعة، فكانت بمثابة وصية للمسلمين في أمور دينهم، وفي تعاملهم، ولما كان موعد يوم عرفة سيطل بعد هذه الجمعة بساعات وما الحياة كلها إلا دقائق وثوان فقد أحببت أن تكون كلمة هذه الجمعة عن خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرفات، ذلك اليوم الذي حجَّ فيه المصطفى بالمسلمين، في أكبر تجمّع إسلامي، تكوّن بعد فتح مكة، وبعد أن تدافع الناس للدخول في دين الله أفواجاً.
كانت هذه الخطبة التي وقعت في تلك الحجة، قد وردت بروايات متعددة، ولكن أوفاها وأكثرها اعتماداً عند المحدثين، رواية جابر بن عبدالله الأنصاري، رضي الله عنهما، وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة المنورة، في عام 78ه.
ولأنها رغبة كثير من القراء، فسوف أورد ما أخرجه مالك وأبو داود والنسائي، فقد حدّث جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رحمه الله عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبدالله، فسأل عن القوم؟. حتى انتهى إليّ، فقلت: أنا محمد بن علي بن الحسين، فأهوى بيده إلى رأسي، فنزع زرّي الأعلى، ثم نزع زرّي الأسفل، ثم وضع يده بين ثدييّ وأنا يومئذ غلام شاب، فقال: مرحباً بك يا ابن أخي، سل عما شئت. فسألته وهو أعمى، وحضر وقت الصلاة، فقام في نساجة ملتحفاً بها، كلما وضعها على منكبه، رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه على المشجب، فصلّى بنا، فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعقد بيده تسعاً، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذّن في الناس في العاشرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجّ، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله.
فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس: محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال: اغتسلي واستشفري بثوب وأحرمي، فصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب ناقته القصواء، حتى استوت به ناقته البيداء، نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه وعن يساره مثل ذلك.. ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به، من شيء عملناه.
فأهلّ بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.. وأهلّ الناس بهذا الذين يهلّون به، فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن،فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ: «واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى» )البقرة 125(، فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول، ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين «قل هو الله أحد» و«قل يا أيها الكافرون».. ثم رجع إلى الركن فاستلمه،ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: «إن الصفا والمروة من شعائر الله» )البقرة 158(، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا، فرقى عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبّره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك قال هذا ثلاث مرات .
ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبّت قدماه في بطن الوادي رمل، حتى إذا صعّدنا مشى، حتى أتى المروة. ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طواف علا على المروة قال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ وليجعلها عمرة، فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا، أم للأبد؟ فشبّك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه، واحدة في الأخرى، وقال: دخلت العمرة في الحج هكذا مرتين لا بل لأبد أبد، وقدم عليٌّ من اليمن، ببدن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة ممن حلّ ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن إبي أمرني بذلك، قال: وكان عليّ رضي الله عنه يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرّشاً على فاطمة للذي صنعت، مستفتياً لرسول الله فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقالت: أبي أمرني بهذا، فقال: صدقت، صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟. قال: قلت: اللهم إني أهلَّ بما أهل به رسولك، قال. فإن معي الهدي فلا تحلّ، قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به عليّ من اليمن، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة. فحلّ الناس كلهم، وقصّروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية، توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم الظهر والعصر، والمغرب والعشاء والفجر.. ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فركب فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية، تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائكم، دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد، فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا، ربا العباس بن عبدالمطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضرباً غير مبرّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده، إن اعتصمتم به: كتاب الله.
وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟. قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بأصبعه الشَّبابة، يرفعها إلى السماء ثم ينكبها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات، ثم أذّن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً، حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها، ليصيب مورك رحله، ويقول بيده: أيها الناس، السكينة السكينة، كلّما أتى حبلاً من الحبال، أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء، بأذان واحد وإقامتين،ولم يسبِّح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فرقى عليه، فاستقبل القبلة، فحمد الله وكبّره وهلله ووحّده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرّتْ ظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، فحوّل الفضل وجهه إلى الشقِّ الآخر ينظر، فحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل من الشق الآخر، فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى أتى بطن محسِّر، فحرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج إلى الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده، ثم أتى علياً فنحر ما غبر، وأشركه في هديه.
ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها، )يريد الرسول وعلياً(.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفاض إلى البيت، فصلّى بمكة الظهر، فأتى بني عبدالمطلب، وهم يسقون على زمزم، فقال: «انزعوا بني عبدالمطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم، لنزعت معكم، فناولوه دلواً فشرب منه».
وفي رواية: بنحو هذا وزاد: «وكانت العرب يدفع بهم في الجاهلية أبو سيّارة على حمار عربي، فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم من المزدلفة بالمشعر الحرام، لم تشكّ قريش أنه سيقتصر عليه، ويكون منزله ثَمَّ، فأجاز ولم يعرض له، حتى أتى عرفات فنزل».
وفي أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف، ووقفت ها هنا، وجمع كلها موقف» هذه رواية مسلم.
وأخرج أبو داود الحديث بطوله.. وله في أخرى عند قوله: «واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى» )البقرة125(.
قال: «يقرأ فيها بالتوحيد و«قل يا أيها الكافرون» وقال فيه: «فقال عليّ بالكوفة، قال أبي: هذا الحرف لم يذكره جابر، يعني: فذهبت محرّشاً.. وذكر قصة فاطمة».
وأخرج النسائي من الحديث: أطرافاً متفرقة في كتابه، وقد ذكرناها.. قال محمد: «أتينا جابراً رضي الله عنه، فسألناه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم؟. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة،فمن لم يكن معه هدي فليحلل، وليجعلها عمرة، وقدم عليّ من اليمن بهدي، وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة هدياً، وإذا فاطمة قد لبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، قال عليّ: فانطلقت محرّشاً استفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن فاطمة قد لبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، وقالت: أمرني أبي، قال: صدقتْ صدقتْ أنا أمرتها.
وله في موضع آخر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بالمدينة تسع حجج، ثم أذّن في الناس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج هذا العام، فنزل المدينة بشرٌ كثير، كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفعل كما فعل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة وخرجنا معه.
قال جابر: ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ينزل عليه القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فخرجنا لا ننوي إلا الحج.
وله في موضع آخر قال: إن علياً قدم من اليمن بهدي، وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة هدياً، فقال لعليّ: بم أهللت؟. قال: قلت: اللهم إني أهللت بما أهل به رسول الله، ومعي الهدي، قال: فلا تحل إذاً، وله في موضع آخر: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى ذا الحليفة صلى وهو صامت، حتى أتى البيداء».
وفي موضع آخر قال: «أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين،لم يحج، ثم أذّن في الناس بالحج، فلم يبق أحد يريد أن يأتي، راكباً أو راجلاً إلا قدم، فتدارك الناس ليخرجوا معه، حتي حاذى ذا الحليفة، وولدت أسماء بنت عميس، محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اغتسلي واستثفري بثوب ثم أهلّي ففعلت».
وفي موضع آخر قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ودخل المسجد، فاستلم الحجر، ثم مضى عن يمينه، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم أتى المقام، فقال: «واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى»، فصلى ركعتين، والمقام بينه وبين البيت، ثم أتى البيت بعد الركعتين، فاستلم الحجر، ثم خرج إلى الصفا».
وفي موضع آخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد وهو يريد الصفا، وهو يقول: نبدأ بما بدأ الله به، ثم قرأ: «إن الصفا والمروة من شعائر الله» وفي موضع آخر قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم رقى على الصفا حتى إذا نظر إلى البيت كبّر».. وفي موضع آخر: قال: «طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت سبعاً؛ رمل منها ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم قام عند المقام، فصلى ركعتين، وقرأ: «واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى» ورفع صوته ليسمع الناس، ثم انصرف فاستلم، ثم ذهب، فقال: نبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا، رقى عليه، حتى بدا له البيت، وقال: ثلاث مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وكبّر الله وحمده ثم دعا بما قدّر له، ثم نزل ماشياً حتى تصوّبتْ قدماه في بطن المسيل فسعى حتى صعدت قدماه، ثم مشى حتي أتى المروة، فصعد عليها، حتى بدا له البيت، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، قال: ثلاث مرات، ثم ذكر الله وسبحه، وحمده ودعا بما شاء، فعل هذا حتى فرغ من الطواف.
وفي موضع آخر: قال: سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، ووجد القبة قد ضربت له بنمرة، حتى اذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، حتى إذا انتهى إلى بطن الوادي، خطب الناس، ثم أذّن ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلّ بينهما شيئاً، وفي موضع قال عليه الصلاة والسلام: عرفة كلها موقف.. وفي موضع آخر قال: المزدلفة كلها موقف.
وفي موضع آخر: «أن رسول الله دفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس، فأردف الفضل بن عباس حتى أتى محسّراً حرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى، التي تخرجك على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبّر مع كل حصاة منها، حصى الخذف، ورمى من بطن الوادي». )جامع الأصول لابن الأثير 3: 458 472(.
وقد حرصنا على إيراد جميع الروايات، لأن في بعضها اختلافاً، يفيد القارىء والباحث، والحريص على التطبيق.. خاصة وأن يوم عرفة.. قد اقترب موعده، تقبل الله من الجميع أعمالهم.. وأعادهم لبلادهم سالمين فائزين.
رسول الله في سوق عكاظ:
جاء في كتاب أسواق العرب، أن عبدالرحمن بن عامر، روى عن أشياخ من قومه قالوا: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن بسوق عكاظ، فقال: ممن القوم؟.. قلنا: من بني عامر بن صعصعة.. قال: من أي بني عامر أنتم؟!.
قلنا: ابنو كعب بن ربيعة، قال: كيف المنعة فيكم؟. قلنا لا يرام ما قبلنا، ولا يصطلى بنارنا. فقال: إني رسول الله، فإن أتيتكم تمنعوني حتى أبلغ رسالة ربي، ولم أكره أحداً منكم على شيء؟. قالوا: ومن أي قريش أنت؟ قال: من بني عبدالمطلب. قالوا: فأين أنت من بني عبد مناف؟. قال: هم أول من كذّبني وطردني، قالوا: ولكنّا لا نطردك ولا نؤمن بك، ولا نمنعك أن تبلّغ رسالة ربك.
فنزل إليهم والقوم يتسوقون، إذ أتاهم بجرة بن قيس القشيري، فقال: من هذا الذي أراه عندكم أنكره؟. قالوا: هذا محمد بن عبدالله القرشي. قال: وما لكم وله؟. قالوا: زعم أنه رسول الله، ويطلب إلينا أن نمنعه حتى يبلّغ رسالة ربه، قال: فبماذا رددتم عليه؟. قلنا: في الرحب والسعة، نخرجك إلى بلادنا، ونمنعك مما نمنع منه أنفسنا. قال بجرة: ما أعلم أحداً من أهل هذا السوق، يرجع بشيء أشرّ من ترجعون به، بدأتم لتنابذكم الناس، وترميكم العرب عن قوس واحدة، قومه أعلم به، لو أنسوا منه خيراً لكانوا أسعد الناس به، تعمدون إلى مرهّق قد طرده قومه وكذّبوه، فتؤوونه، فبئس الرأي ما رأيتم..
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: قم.. الحق بقومك، فوالله لولا أنك عند قومي، لضربت عنقك.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ناقته فركبها، فغمزها بجرة، فقمصت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقته، وعند بني عامر يومئذ ضباعة بنت عامر، بن قرط، وكانت من النسوة اللآتي اسلمن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة.. جاءت زائرة إلى بني عمها، فقالت: يا آل عامر، أيصنع هذا برسول الله، بين أظهركم، لا يمنعه أحد منكم.. وحثتهم على نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقام ثلاثة من بني عمها إلى بجرة، وثلاثة أعانوه، فأخذ كل رجل منهم رجلاً، فجلد به الأرض، ثم جلس على صدره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك على هؤلاء، وألعن هؤلاء.
فلما صدر الناس، رجعت بنو عامر، إلى شيخ لهم، قد كان أدركته السن، حتى لا يقدر أن يوافي معهم الموسم، فكانوا إذا رجعوا إليه، حدثوه بما كان، وما يكون في ذلك الموسم، فلما قدموا عليه، سألهم عمن كان في الموسم؟
فقالوا: جاءنا فتى من قريش، ثم حدّث أنه أحد بني عبدالمطلب، يزعم أنه نبيّ، يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه، ونخرج به معنا إلى بلادنا، فوضع الشيخ يده على رأسه، ثم قال: يا بني عامر، هل لها من تلاف؟ هل لذناباها تطلب؟ فوالذي نفس فلان بيده، ما تقوّلها اسماعيلي قط، إلا أنها الحق، فأين كان رأيكم.
[أسواق العرب ص 217].

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved