أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 6th March,2001 العدد:10386الطبعةالاولـي الثلاثاء 11 ,ذو الحجة 1421

وثائق

أوراق من تاريخ مدينة الرياض)5(
بدايات الشرطة في مدينة الرياض
د. محمد بن عبدالله آل زلفة
لم تذكر المصادر التاريخية ولا الدراسات التي أعدت عن مدينة الرياض متى كانت البدايات لتأسيس إدارة للشرطة في مدينة الرياض تعنى بالحفاظ على الأمن الداخلي للمدينة بما فيها تلك الدراسات التي أعدت بمناسبة المئوية مئوية استعادة الرياض التي تمثل مرور مائة عام على إعادة بناء الدولة السعودية الحديثة في عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.ولكن المرجح لدي ان بداية التأسيس لهذا المرفق الأمني الهام في عاصمة البلاد كان في عام 1350ه/1930م، أو العام الذي يليه)1( فقد شهد هذا العام والعام الذي قبله بدايات تأسيس معظم المرافق الخدمية التي لم تكن معروفة في مدينة الرياض العاصمة من قبل مثل البلدية التي تحدثنا عنها في حلقة سابقة، والهاتف والبريد، وتطوير المرفق الصحي بالمدينة والتعليم. والحديث عن هذه المرافق الأخيرة سيكون مدار حديثنا في الأوراق القادمة.
تأخر تطوير الخدمات الحديثة في العاصمة، قياساً بالمدن الكبرى الأخرى مثل مكة وجدة، لأسباب اجتماعية واقتصادية ثم أخذت تنمو بعد ذلك بدافع ضرورة الحاجة لها بسبب نمو المدينة اتساعاً في العمران ونمواً في السكان من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب ما رآه الملك عبدالعزيز رحمه الله من ضرورة تقديم الأفضل من الخدمات، وبحسب الإمكانات المتاحة حينذاك، حيث أصبحت هذه المرافق الخدمية والحضارية تشكل ضرورة لا تستغني عنها أية مدينة، دعك عن كونها عاصمة البلاد. إضافة إلى ذلك الحرص الشخصي من قبل الأمير سعود بن عبدالعزيز ولي العهد وأمير نجد حينذاك المعروف عنه حب اقتناء كل جديد والأخذ به، وإدخال كل ما هو حديث إلى مدينة هي عاصمة البلاد ومقر إمارته بعد أن شاهد خلال زياراته لعدد من البلدان العربية، خاصة زيارته الأولى لمصر عام 1345ه والأردن وفلسطين فيما بعد وكان في كل مرة يعود فيها إلى الرياض من أية رحلة له إلى خارجها يعود وهو يحمل أفكاراً تطويرية لمدينته.ويجب الإشارة إلى ان الخدمات مثل البلدية والهاتف والمرافق الصحية كانت موجودة في مدن المملكة في الحجاز، خاصة مدنها الرئيسية مكة وجدة والمدينة، وهي خدمات موجودة بها منذ العهد العثماني.
عمل الملك عبدالعزيز بعد ضمه للحجاز على تطويرها بما يخدم المنفعة العامة، ويخدم حجاج بيت الله الحرام بشكل خاص الذين يفدون إلى الأراضي المقدسة في كل موسم.
وأثناء زيارات الأمير سعود للبلدان العربية التي زارها كان يلتقي ببعض من أهل نجد الذين يقيمون في تلك البلدان، وأصبحت لديهم مهارات في ميادين عمل كثيرة سواء كانت فنية أو إدارية أو خبرة عسكرية يمكن الاستفادة منها وكان يحثهم على العودة إلى بلادهم، وان بلادهم أحوج ما تكون إليهم ولخدماتهم ولخبراتهم. وقد استجاب له أناس كثيرون منهم محمد العطيشان من أهل بريدة في منطقة القصيم الذي تولى منصب أول مدير للشرطة في مدينة الرياض وهو موظف نال خبرته العسكرية السابقة في الجيش العراقي، ثم عمل تاجراً مثل والده والكثير من أبناء منطقة القصيم حيث ترك العسكرية في الجيش العراقي، ومارس التجارة وخاصة تجارة الماشية من خيول وجمال بين العراق وبلاد الشام ومصر )2(. وقد قام هذا الضابط السابق النجدي الموطن والسعودي الجنسية برئاسة الشرطة في مدينة الرياض ولعله مؤسسها وأول مدير لها وتعيين رجالها الذين تتشكل أغلبيتهم من بريدة وبلدات القصيم الأخرى، إضافة إلى البقية التي تتشكل من بلدات نجدية مختلفة.
ومن المعروف أن كثيرين من أهل نجد كانوا يقومون برحلات تجارية سنوية وفصلية وبشكل منتظم مع البلدان المجاورة كالعراق وبلاد الشام ومصر وفلسطين والأردن ومناطق الخليج. ثم بعد قيام الدولة السعودية الحديثة، وكذلك قيام الكيانات السياسية الحديثة في البلدان التي ورد ذكرها وإقامة حدود سياسية وتوقيع اتفاقيات ثنائية بين هذه البلدان والمملكة، أصبحت حركة التجارة النجدية بشكلها النمطي التي كان يقوم بها أهل نجد وهم مايعرفون بعقيل وجمعهم عقيلات محدودة أو أصابها شيء من الركود بشكل ملموس عما كانت عليه سابقاً في ظل الحدود المفتوحة، وخفت حركة تنقل هؤلاء السكان إلى هذه المناطق، ومنهم من استقر به المقام في تلك البلاد لأسباب سياسية وأمنية قبل عودة الملك عبدالعزيز. وبإزالة تلك العوائق والمسببات، عاد الكثيرون منهم، واشترك البعض منهم محاربين وإداريين في خدمة الملك عبدالعزيز وعوضتهم المملكة الواسعة التي أسسها الملك عبدالعزيز بامتدادها الواسع من البحر إلى البحر ومن مشارف اليمن إلى مشارف الشام فوجدوا في هذه المساحة مجالاً واسعاً للعمل في مجالات التجارة أو الإدارة أو الجندية في هذه المملكة الواسعة، فانحسرت موجات الهجرة من الداخل إلى الخارج، ونشطت الهجرة من الداخل إلي الداخل، بل بدأت أفواج ممن كانوا قد استقروا في مهاجرهم في العراق وبلاد الشام ومصر والهند من أهل نجد خاصة يعودون إلى بلادهم وشهدت المملكة هجرة عكسية، أخذت تتزايد يوما بعد يوم ولم تنقطع إلى يومنا هذا، بعد أن مَنَّ الله على هذه البلاد بالأمن والطمأنينة، والوحدة والاتحاد ثم الخير الكثير الذي أنعم الله به على هذه البلاد من خلال الاكتشافات البترولية الكبيرة.
وممن عاد في وقت مبكر محمد العبدالله العطيشان الذي قابله الأمير سعود حينذاك الملك فيما بعد في القاهرة أثناء زيارته الأولى لمصر عام 1345ه/1925م، وحثه وغيره من أبناء جلدته على العودة إلى بلادهم التي أصبحت بعد أن تم الله لها وحدتها وأمنها واستقرارها على يد الملك عبدالعزيز هي أكثر ما تكون حاجة إليهم كما سبق توضيحه.
وكانت عودة ابن عطيشان استجابة لدعوة الأمير سعود إلى المملكة عام 1345ه، وعين ضابطاً في خفر السواحل بجدة، ثم مساعداً لمدير شرطة جدة حتى سنة 1351ه وهي السنة التي انتقل فيها إلى الرياض ليؤسس في نفس العام وكما يبدو أول إدارة للشرطة بها، وظل في هذا المنصب إلى 1/5/1363ه حينما انتقل ليكون أميراً لقرية ولعلها قرية عليا الميناء البري المعروف في المنطقة الشرقية وقد أصبحت مدينة هامة ومزدهرة وظل بها إلى حين وفاته يرحمه الله في عام 1386ه.
ومن بيان أول تشكيل لجهاز الشرطة في الرياض يظهر به اسم اثنين من إخوان محمد العطيشان هما صالح، وكان كاتباً لدائرة الشرطة، وتركي وكان برتبة شاويش، وقد سطع نجم تركي حتى أصبح واحداً من أبرز شخصيات هذه البلاد لمشاركته في أحداث كبيرة شهدتها تطورات العلاقات السعودية البريطانية. وأصبح من أكثرالرجال خبرة في شؤون المقاطعات الشرقية والجنوبية الشرقية، وظل علماً بارزاً إلى حين وفاته يرحمه الله في عام 1405ه.
هذا ما أمكن الوصول إليه بشكل توثيقي للبدايات الأولى لشرطة مدينة الرياض التي بلغ عدد أفرادها )83( فرداً منهم المدير الذي لم تحدد رتبته، ومفوض وكاتب وأربعة برتبة شاويش وستة برتبة أونباشي، وهي مسميات رتب عسكرية تركية. ولكن مازالت هناك أمور نجهلها عن هذا المرفق، ونأمل ان نتمكن من معرفتها في ضوء ما نأمله أن يكشف عنه ما لم نتمكن من العثور عليه من الوثائق مثل المقر الأول لشرطة الرياض، ونوع ذلك المقر من حيث حجمه وموقعه من خارطة المدينة، وكذلك ملابس الجند وأنواع أسلحتهم، وطريقة مباشرتهم لعملهم والمهام المناطة بهم.
أشرت إلى أنه من الصعب في ظل غياب المعلومات الموثقة معرفة مقر الشرطة القديم في مدينة الرياض ونوع البناء وتحديد موقع المقر على خريطة مدينة الرياض ما لم تكشف عن ذلك دراسة موثقة أو صورة فوتوغرافية أو رواية تتوفر فيها شروط الرواية الموثقة.
وما لدينا من صور لمباني الشرطة القديمة هو ما قامت بنشره مجلة أطلال، وهي حولية الآثار العربية السعودية التي تصدرها وكالة الآثار والمتاحف في عددها الخامس عشر 1420ه/2000م نشرت في تقرير وصفي للمواقع الأثرية والتاريخية لمدينة الرياض. صورتين لمركز شرطة قديم يقع حسب التقرير في أسفل ضفة وادي نمار الشمالي، غرب حي عتيقة ويحده من الغرب حي السويدي، وقدم معد التقرير وصفا دقيقا للمبنى في ص139 من الحولية وأشار إلى أنه «مبنى متكامل محافظ على شكله الأصلي ما عدا وجود بعض التصدعات من أثر مياه الأمطار وكذلك انهيار درج المبنى».
ترى هل ستبادر إدارة الآثار بالتعاون مع أمانة مدينة الرياض إلى الحفاظ على هذا المبنى التاريخي الذي ربما أنه الوحيد الذي يعود إلى فترة الملك عبدالعزيز كما حدد ذلك معد التقرير المسحي بشكل تقريبي.
ومما يبدو بأن هذا المبنى لم يكن مبنىً مستأجراً كما هو حال معظم مباني أقسام الشرطة في مدينة الرياض حالياً وإنما بُني خصيصاً ليكون مركزاً للشرطة.
أما ما شهدته الشرطة في مدينة الرياض من تطور منذ فترة التأسيس إلى الآن وأسماء ورتب من تعاقب على منصب مديريتها فهذا ما نأمل أن نعرفه بشكل موثق من مديرية شرطة الرياض، ومن واقع إدارة محفوظاتها أو محفوظات إمارة الرياض. وكم هو مهم وضروري أن يكون للرياض العاصمة أرشيف مركزي خاص بها، وكذلك متحف خاص بها يحكي تاريخها مثلها مثل العواصم الكبرى.
وأخشى ما أخشاه أنه إن لم يتحقق هذا المطلب في عهد باني نهضتها الحديثة، وأميرها وابنها البار الأمير سلمان بن عبدالعزيز فإني أشك أن يتحقق مثل هذا الأمل.
وإلى أن نلتقي مرة أخرى مع ورقة من أوراق تاريخ مدينة الرياض.
شكر وتقدير
لايسعني إلا أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لأخي الزميل الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الربيعي أستاذ العلاقات الحضارية بين الشرق والغرب بقسم التاريخ بجامعة الإمام على جميل عباراته في حق أخيه كاتب هذه الحلقات عبر مداخلته الرزينة المنشورة في هذه الجريدة بتاريخ 27/11/1421ه تحت عنوان «الأرشيف الوطني» وتأييده لما ادعو إليه منذ سنوات بعيدة بضرورة إنشاء أرشيف وطني يضم كل وثائقنا الوطنية بدلا من تعددية الجهات القائمة حالياً، توفيراً للجهد والمال، وتعميماً للفائدة، ودخولنا مضمار نادي الأرشيف العالمي ومؤتمراته الدورية من خلال جهة واحدة لا من خلال عدة جهات، لا أحد منها يفي بالغرض، وإنقاذاً للملايين من وثائقنا الوطنية من الوضع المؤلم التي هي فيه.
الهوامش:
)1( ذكر الدكتور ابراهيم عويض العتيبي في كتابه القيم «تنظيمات الدولة في عهد الملك عبدالعزيز 1343 1373ه/ 1924 1953م مكتبة العبيكان 1414ه ص442» أنه في عام 1351ه تشكلت شرطة منطقة الرياض ولم يزد على ذلك عدا اطلاعه على قائمة برواتب منسوبي الشرطة في سجلات وزارة المالية.
)2( عبدالله زايد الطويان، رجال في الذاكرة سيرة ذاتية لبعض رجال نجد المعاصرين ج1 عنيزة، 1418 ص214.
أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved