أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 16th March,2001 العدد:10396الطبعةالاولـي الجمعة 21 ,ذو الحجة 1421

مقـالات

من عادات الشعوب
محمد بن سعد الشويعر
شعوب الأرض في عاداتها وتعاملها مع غيرها، تجور وتتجاوز الحدّ، ما لم يحجزها سلطان ديني، أو قوة عقدية، تبصرها بمكانتها، التي يجب أن تقف عندها، فلا يطغى أحد على أحد: بظلم أو استعلاء، ولا يتفاخر نوع على جنس: تعاظماً وتكبّراً..
لأن لهم مقياساً يجب أن يقفوا عنده، وحاجزاً ولا يتجاوزوه.. «كلكم لآدم، وآدم من تراب.. إن أكرمكم عند الله أتقاكم».. ومن العادات المذمومة في الشعوب التفاخر واحتقار بعضهم.. والعرب قبل الإسلام، كانوا طوائف وأقواماً، يتعالى بعضهم على بعض، ويفتخر بعضهم على جنس آخر، بأسباب ومسببات، نهاهم عنها الإسلام، ومقتها، لما وراءها من إثارة للنعرات، ودوافع للبغضاء والتحاسد.. حتى وصل بعضهم مع بعض، إلى التفاخر بالآباء والأجداد، ونبشوا من في القبور: قدحاً ومدحاً، فنهاهم الله جلّت قدرته عن هذا في سورة التكاثر.
وقد اختلف المفسرون في سبب النزول، فمقاتل وقتادة قالوا: نزلت في اليهود، حين قالوا: نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، ألهاهم ذلك حتى ماتوا..
والكلبي قال: نزلت في حيين من قريش، بني عبد مناف، وبني سهم، تعادوا، أو تكاثروا بالسيادة والاشراف في الإسلام، فقال كل حي منهم، نحن أكثر سيّداً، وأعز ولداً وعزيزاً، وأعظم نفراً، وأكثر فائدة، فكثر بنو عبد مناف، بني سهم، ثم تكاثروا بالأموات فكثرتهم بهم، فنزلت ألهاكم التكاثر، فلم ترضوا حتى زرتم المقابر، مفتخرين بالأموات.
وقال أبو بردة في الآية، نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار، في بني حارثة، وبني الحرث، تفاخروا وتكاثروا، فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان وفلان، وقالت الأخرى: مثل ذلك. تفاخروا بالأحياء، ثم قالوا: انطلقوا بنا إلى القبور، فجعلت احدى الطائفتين تقول: فيكم مثل فلان، يشيرون إلى القبر، ومثل فلان.. وفعل الآخرون مثل ذلك: فأنزل الله هذه الآية..
أي لقد كان لكم فيما زرتم عبرة وشغل، أخرجه ابن أبي حاتم )فتح البيان للقنوجي البخاري 15:365 366(.
ومثل هذا التفاخر، فإنه يقود إلى الاستعلاء والاحتقار، لمن يراه طرف، ضد الطرف الآخر، وانتقاص من مكانته، ووراء ذلك ما وراءه، من عداوات وحزازات.. تحدث جروحاً، يمتد أثرها، ولا يندمل جرحها.
ولذلك جاء من كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الردع والزجر، عن الخوض في هذا الطريق، لكي يتربوا بآداب الإسلام، يتآلفوا بقلوب صافية، تمثل أخوة الإسلام، وترابط مجتمعه، الذي ألف الله فيه بين قلوب أبنائه بالعقيدة الصافية، والتعاليم السامية..
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم: أن منطلق الإنسان في حسن تعامله مع ولاة الأمر، ومع الآخرين هو السمع والطاعة، وحسن الخلق، والتأدب بآداب هذا الدين الرفيعة، حيث أمر الله بالسمع والطاعة لولي الأمر وأكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الكريم: «اسمعوا وأطيعوا، وان تأمر عليكم عبد حبشي» وفي رواية «كان رأسه زبيبة فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً».
ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أخبر وهو الصادق المصدوق، أن أمته بها خصلتان لا تنفك منهما، وهي من أعمال الجاهلية الممقوتة في شريعة الإسلام، تلك الخصلتان هما: «التفاخر بالأحساب، والطعن في الأنساب».
فإن بروز هاتين الخصلتين، أو احداهما لا تأتي إلا مع ضعف الوازع الإيماني في القلوب، وقلة الورع الديني، الذي يتبعه التساهل في كثير من الأمور.
هذا الضعف يجر إلى الابتعاد عن مصدر التشريع في الاسلام، وما فيها من الكمال والوفاء بكل ما يحتاجه الانسان، والتوضيح المريح للأسباب والمسببات.
ولذا ينشأ تقليد الأمم الأخرى البعيدة عن منهج الله جل وعلا، وتفسير الأمور بما تهوى النفوس، وبما تشتهي الأفئدة، حيث يتغلب الشعور الأنا في تقسيم البشر إلى طبقات وتفضيل بعض هذه الطبقات على بعض.. بما تصف الألسن من قدح ومدح.
فمثلاً يقول عبد العزيز الثعالبي في كتابه: مسألة المنبوذين في الهند: الكتب عند الهنادكة، بها تعاليم مختلفة، وأحكام متناقضة، فمنها ما يدعو إلى الإيمان بالله الواحد الأحد، ومنها ما يعدد ويحدد عدد الآلهة ب 50 إلهاً؟. ومنهم من يزيد في هذه الآلة إلى 100 ألف، ومنهم من يرفعهم إلى 330 مليوناً من الآلهة؟ ومنهم من ينكر وجود الألوهية على الإطلاق. )ص 76(.
وما هذا الخواء الفكري، والتخبط في تعدد الآلهة عند هؤلاء وعند غيرهم كالعرب في الجاهلية الذين يختارون لأنفسهم نوع الأصنام التي تعبد، والتماثيل التي تتجه إليها العقول بكثرة، تفوق العدد، كل هذا حصل من الجهل وغلبة الشيطان والهوى، والبعد عن الحق، الذي أنزل الله به الكتب، وأرسل به الرسل.. فكان كل يتخذ إلهه هواه، ويشرع لنفسه ديناً بما يريد على لسان ذلك الصنم، الذي لا يسمع ولا يعقل.. ويتولد عن ذلك خزعبلات وخرافات يمجها العقل السليم.
خذ نموذج ذلك من خرافة الهنادكة كما ذكر الثعالبي في كتابه الآنف الذكر: فقال: والكتب القائلة بالوحدانية تجسم الإله، وتقول في صفاته: إن له ألف رأس، وألف يد، وألف رجل، ولما أراد خلق العالم أخرج البراهمة من فمه، والشَّترى من يده، والوايش من بطنه، والشودر من أرجله، ومن عدهم باريا أي الأنجاس المنبوذين أولاد شومترا، وكانوا من الشترى، فغضب على أولاده، ودعا عليهم فصاروا من أرذل الناس، والفرق بينهم وبين الشترى: أن هؤلاء يدخلون المعابد والهياكل، وأولئك محرم عليهم أن يدخلوها )ص 77(.
هذا التقسيم عند الهنادكه، يعني التفرقة بين طبقات الشعب، ويرجعون المفاضلة إلى مثل هذه الأسطورة، التي يرونها ديناً يجب التقيد به، وأمراً مسلماً لا يمكن الخروج عنه..
هذه الطبقية، التي فرقت بين أبناء الشعب في الهند، هي ذاتها التي امتدت جذورها في كل شبر على وجه الأرض، وتسلط فيها أصحاب المعتقدات على المسلمين في بلادهم، فكانوا هم الفقراء، وهم المسلط عليهم الغزو: بالجهل والعوز، وضعف مستوى المعيشة، واستأثر بالخيرات غيرهم، من الطبقات التي سيطرت على القوة الاقتصادية والمالية.
ففي الهند مثلاً: اعتبروا المنبوذين من أحط طبقات المجتمع، حيث حرموهم من التعليم ومن الأعمال الشريفة، ومن التجارة، بل ان التاجر لا يسمح للمنبوذ أن يمس نوعاً من بضاعته، لأنه في نظرهم نجس.. لأن منظمة سناتين دارم: وهي الهيئة العليا القائمة على حراسة، ديانة الهندوك، تتصلب ضد المسلمين، وضد المنبوذين، ورفضت مشروع غاندي الذي أراد فيه تأليف المنبوذين، بالسماح لهم بدخول المعابد والهياكل الهندوكية، وقالت هذه المنظمة: لا يجوز أبداً دخول المنبوذين إلى معابدنا، وأرواح الآلهة تفر من لقائهم، فلمن تكون عبادتنا بعد ذلك؟!، ولا سبيل أيضاً لاتصالهم بأنسابنا، لأنهم ينجسون الطاهرين، بمجرد المس فكيف بالزواج، وقالوا لغاندي في تعصب شديد: اكفف عنا بدعتك، وما نحن بتاركيك تمزج أدياننا بالاغراض السياسية، وتؤول النصوص المحكمة بما يطابق هواك.
بينما كان مقصد غاندي كسب مائة مليون من الهنود المنبوذين، يوشكون أن يفلتوا منهم، ويقعوا في أحضان المسلمين، )ص 6899 المصدر السابق( حيث يجدون في مبادئ الإسلام ما ترتفع به مكانتهم. ومن الطبقية التي تحصل عند شعوب الأرض، آمور تتعلق بالأشياء الاجتماعية، فيحصل بذلك الشقاق والنزاع، في طبقية طائفية، وفي تعصبات عنصرية، وفي تحزبات، تدمر ولا تصلح، وتورث الفرقة والحزازات.
لكن الاسلام يمقت ذلك كله، ويحذر من التفرقة التي تورث العداوة والبغضاء فيقول سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا، لا يسخر قوم من قوم، عسى أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن، ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون» )الحجرات آية 11(.
هذا هو منهج الإسلام دعوة إلى الأخوة والمحبة، واهتمام بتوجيه النفوس إلي الأخلاق النبيلة، التي تتقارب معها القلوب، وتتآلف النفوس، وتشيع المودة «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
أما الدعوة إلى الطائفية والحزبية، فإنها دعوة للخراب والدمار، ودعوة إلى الحزازات والشحناء، كما قال بعضهم: ما دخلت الحزبية بلداً إلا دمرته، وذهب معها الخير والبركة، في معيشة الناس، وفي سائر شؤونهم، وكأنهم أصحاب: يلعن بعضهم بعضاً، ويحفر كل منهم لصاحبه بئراً، يريد ايقاعه فيها.. ويا ترى من هو الذي يقع في هذه البئر: الحافر أم المحفورة له؟؟!
إنها دعوة للمصالح الشخصية، والمنافع الذاتية، ولا يهم معها أي عمل يقع على الآخرين، لأن المهم العلو والغلبة.. والوصول إلى الغايات التي في رؤوس المدبرين، وما تجره من منافع.
فلقد بلغ الأمر في بعض البلدان: أن تكاثرت الأحزاب، وتعددت الشعارات، وضاعت معها المصالح والمطالب العائدة على الأمة، وكل كما قال الشاعر:


يدعى وصلاً بليلى
وليلى لا تدين لذا وذاك

وزاد التطاحن على الغاية المرجوة، في الوصول للسلطة التي يطمح إليها الساعون.
ونضرب لذلك بما ذكره الثعالبي، في كتابه مسألة المنبوذين في الهند، وما أثمر عنه التعصب الممقوت، الذي عبر عنه المسلمون، في مؤتمر المائدة المستديرة، حيث قال المسلمون فيه: إننا لا نطلب الانتخاب الطائفي ولا نريده، ولما سكت الهنادكة عن اجابتهم، فقد أصبحت الحقوق أوزاعاً بين العناصر والطوائف الدينية، كل على حدة: المسلمون، الهنادكة، المنبوذون، الأوروبيون المستوطنون، الهنود المتهندون، السيك، الجمعيات التجارية، الجمعيات الزراعية )كتاب الثعالبي: ص 62 63( وإن فقدان الحاجز الذي رسمه الإسلام، يحول الطبائع البشرية إلى شريعة الغاب، القوي يأكل الضعيف.
ان تعاليم الإسلام، هي التي تهذب طبائع الشعوب، وتجعلهم اخوة متحابين لا تفاخر بينهم، ولا تزاود إلا بعمل الصالحات، كلهم حزب الله، وأتباع دين الله، ومتساوون في الحقوق والواجبات: عرباً وعجماً، سوداً وبيضاً، الفقير والغني سواسية.. وإنما التفاضل في زيادة الطاعات، وكثرة الأعمال الخيرية، والنصح للأمة بما يحب الله.
كذب بكذب: ذكر الجاحظ في كتابه البخلاء، قائلاً حدثني محمد بن يسير الشاعر، عن وال كان بفارس قال: بينما هو في مجلس، وهو مشغول بحسابه وأمره، وقد احتجب عن الناس، إذ ظهر شاعر من بين يديه، فأنشده شعراً مدحه فيه، ومجده، فلما فرغ قال: قد أحسنت ثم أقبل على كاتبه فقال: أعطه عشرة آلاف درهم، ففرح الشاعر فرحاً شديداً.
فلما رأى حاله قال: وإني لأرى هذا القول قد وقع منك هذا الموقع؟ يجعلها عشرين الف درهم.. وكاد الشاعر يخرج من جلده فلما رأى فرحه، قد تضاعف قال: وإن فرحك ليتضاعف، على قدر تضاعف القول، أعطه يا فلان أربعين ألفاً.. فكاد الفرح يقتله، فلما رجعت اليه نفسه، قال له: أنت جُعلت فداك رجل كريم وأنا أعلم أنك كلما رأيتني، قد ازددت فرحاً، زدتني في الجائزة، وقبول هذا منك، لا يكون إلا من قلة الشكر له، ثم دعا له وخرج.
قال: فأقبل عليه كاتبه فقال: سبحان الله!!. هذا كان يرضى منك بأربعين درهماً، تأمر له بأربعين ألف درهم، قال: ويحك.. وتريد أن تعطيه شيئاً؟ .. قال: ومن إنفاذ أمرك بد؟.
قال: يا أحمق، إنما هذا رجل سرنا بكلام، وسررناه بكلام..
هو حين زعم أني أحسن من القمر، وأشد من الأسد، وأن لساني أقطع من السيف.. وأن أمري أنفذ من السنان،
هل جعل في يدي من هذا شيئاً، أرجع به إلى شيء؟؟! ألسنا نعلم أنه قد كذب؟..
ولكنه قد سرنا حين كذب علينا، فنحن أيضاً نسره بالقول، ونأمر له بالجوائز، وان كان كذباً، فيكون كذب بكذب، وقول بقول.. فأما أن يكون كذب بصدق، وقول بفعل، فهذا هو الخسران الذي ما سمعت به )البخلاء: 59(. وذكر ابن الأثير: أن نقفور ملك الروم كتب لهارون الرشيد يتهدده، فكتب في ظهر رسالته: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم: قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه لا ما تسمعه والسلام.
وشخص إليه من فوره ففتح هرقله وغنم وأحرق، وفرض عليه مالاً يحمل إليه كل سنة )6:185(.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved