أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 16th March,2001 العدد:10396الطبعةالاولـي الجمعة 21 ,ذو الحجة 1421

محليــات

لما هو آت
المنجز البشري في وجهيه
د. خيرية إبراهيم السقاف
إن فكرة أن يتحول العالم إلى مساحة )القرية الصغيرة(، لم تعد تخايل أحلام الإنسان، ذلك لأنها تخطت واقعياً مساحة القرية، واختزل الإنسان هذه المساحة إلى مساحة الشاشة الصغيرة التي يحركها بأصبعه وهو يداعب )فأرة( بلاستيكية... أو يدس كلّه )جسده بما فيه من روح ونفس وعقل ومشاعر( في علبة حديدية كي يفيق وهو هناك، ثم هو هنا في أقل من ساعات اليوم..
والإنسان..
فرِح بإنجازاته حدَّ التخدير..
ونسي مع فرحه أن هذا )المنجز( الضخم الذي حققه... له مثالب، وعيوب، ومنه )نكبات(، وويلات، تعادل تماماً ما له من مكاسب، وفوائد، وعوائد، و )نجاحات(...
ونسي أنَّه بقدر ما ضحك، ويضحك، وفرح ويُسرُّ... أنه بكى، ويبكي، وغضب، ويحزن....
فهو إن حقّق أو تحقّق، أو سيتحقَّق له من هذا )المُنجز( الاتصالي، أو التقاربي، نجاحات التبادل الثقافي، والمعرفي، والتبادل الاقتصادي، والصناعي، والعلمي، والتعليمي، بل الفكري...، وأوجه من المتغيرات الإيجابية في الأنماط السلوكية الحضارية غير المرفوضة... بما يسعده، ويوفر له حياة جيدة، ناجحة، ميسرة، تتواكب مع احتياجات عصره، ومتطلبات تطوره...، ويضعه في مصاف )المستفيد( من زمنية مرحلته، أو )مرحلة زمنه( في أوجِّها الحضاري وفي وجهها المتفاعل مع هذه الحضارة بكل مفرزات )ثقافتها( المنتجة والمستهلكة...
إلا أنه سوف يجد أنه حقق، وتحقّق له، وسوف يتحقق له المزيد من )نكبات( هذا )المُنجز( الاتصالي، أو التقاربي في كل ما سبق...
ذلك أن لكل شيء وجهين...، فالتبادل الثقافي له وجه إيجابي، وآخر سلبي، وكذلك كافة التبادلات... ليست كلها خيراً، كما أنها ليست كلها شراً...
يبقى الضابط الحاكم بين الوجهين... هو ما تضعه كافة )المنافذ( عند نقطة التقارب والتلاحم والترابط والاتصال وعبور هذا )المنجز( وقيامه بفعله، عند محك الانتباه، والحذر، والاتقاء، والحماية من مثالبه، ونكباته، وعيوبه، أي اتقاء تأثيره في وجهه السالب...، من هنا تقوم )الحماية( بمنجز أكثر أهمية من منجز الاتصال، وتتنافس المجتمعات البشرية في مدى نجاحها في أمر تحقيق )حمايتها( من مثالب )الاتصال(، وترصد لذلك )الميزانيات(، والعقول البشرية، والإمكانات الثقافية، والعناصر الفاعلة المحركة، كلٌّ في موقعه واختصاصه. لذلك تتقي المثالب، والنكبات عند وضعها في مستوى )الأمراض المعدية( فتعزلها بكلِّ )وسيلة( تخترعها، أو تتخذها كي لا تتسلل إلى مجتمعاتها...
هناك حقيقة أقوى تؤكد أن كثيراً من )المثالب( عصية على الحماية، بمثل ما هو كثير من )الحسنات( عصية عليها، إذ تتساويان في قدرتهما على النفاذ دون تحديد لنوعيهما إيجابا كان أم سالباً... وهذا يتمثل في طوارئ ما يبدو على الإنسان )العالمي( كما يمكن أن نصفه، ذلك الذي يتعرض لمؤثرات )العالم ليس قرية صغيرة وإنا كنا واحداً(... سواء في فكره، أو سلوكه، أو صحته، أو وسائل حياته، أو ما يستهلكه بكيف يفعل، أو ما يؤديه بكيف يؤديه...
من آخر وأخطر )نكبات( منجز الاتصال... النكبات الصحية، في الأمراض الوبائية، التي لا تختلف عن النكبات الأخلاقية، في الأمراض الفكرية والسلوكية...
وبعد، جنون البقر...، والمتصدّع...، جاءت القلاعية... رعباً للإنسان من جهل الإنسان...
بمثل ماحدث من جنون الانفلات، والتحلُّل الخلقي، ورفع المدية في وجه الصفاء، والبراءة، وإراقة الدماء في سبيل البقاء...
و... حصنوا منافذ مُنجز الاتصال عند حدود )الكف( الواحد حيث يتكدس الناس إلى الناس... كي لا تتحول مساحات الإنسان إلى مقابر التحضُّر... تلك التي تئد في الإنسان نفسه وعقله وقلبه...
وها هي تئد فيه جسده.
فاللهم احرس... واللهم احفظ... واللهم اصرف عن المؤمنين برحمتك مثالب ونكبات الحياة تلك التي صنعها الإنسان فيها.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved