أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 16th March,2001 العدد:10396الطبعةالاولـي الجمعة 21 ,ذو الحجة 1421

شرفات

ابن «سي السيد» الحقيقي وأحفاده يتحدثون لـ « الجزيرة»:
لم نكن نستطيع الجلوس بجواره خوفاً واحتراماً .. !
رغم «ديكتاتوريته» كان حريصاً على تعليم بناته
نتذكر أبانا حينما نشاهد أداء يحيى شاهين لشخصيته
شخصية السيد أحمد عبد الجواد «سي السيد» التي أبدعها عميد الرواية العربية نجيب محفوظ في ثلاثيته الخالدة، ومنحها الفنان يحيى شاهين على الشاشة حضورها الشعبي كرمز للأب المرهوب الذي يعيش في بيته في صورة الحاكم بأمره يفرض عى زوجته وبناته وأبنائه قبضة حديدية من المحافظة، بينما يكشف بين اصدقائه عن شخصية مختلفة تماماً حيث يسهر ويتخذ من احدى الراقصات عشيقة له.
وقد تعود نجيب محفوظ الاحتفاظ باسرار شخصياته، وخصوصا سي السيد الشخصية الأشهر في الأدب العربي، وترك الباب مفتوحا لتخمينات النقاد، حتى ان البعض قال ان سي السيد هو والد نجيب محفوظ!
«الجزيرة» تركت تخمينات النقاد وذهبت الى حي الجمالية في القاهرة بحثا عن سي السيد الحقيقي لكننا للأسف لم نجده، لأنه مات كما أخبرتنا الرواية، ولكننا التقينا بابنته وأحفاده في العطارة التي ورثوها عنه في حي الحسين!
*حينما سئل نجيب محفوظ.. هل كنت تعرف السيد احمد عبد الجواد في الحياة؟.
قال: «ما من شخصية كتبت عنها الا وقد أخذتها من الحياة المعيشة، الشخصية الواحدة لها أصل في الحياة وان كانت في الرواية غير هذا الأصل حيث تصبح شخصية روائية وأستطيع ان اقول مطمئنا انه من كان يخرج في عصره عن الخطوط الأساسية في شخصية أحمد عبد ا لجواد يعتبر شاذا.. او ساقطا.. أعني ساقط الرجولة.
و «سي السيد» الحقيقي اسمه عبد الجواد محمد سعيد، ولد سنة 1905 في درب الأتراك الذي تغير اسمه لشارع الشيخ محمد عبده خلف الجامع الأزهر بالقاهرة وكان يعمل بالعطارة، أما والده فقد تزوج من تسع نساء أنجبت له ثلاث منهن، فكان ل «سي السيد» أخ شقيق واحد أكبر منه بينما كان اخوته وأخواته لأبيه كثيرين في صعيد مصر حيث كان أبوه يسافر ليجلب بضاعته.
بدأ « سي ا لسيد» العمل مع والده في محل العطارة منذ ان كان عمره 12 عاما وكون سمعة طيبة حتى اصبح من أكبر تجار العطارة في الحسين. وما زال المحل قائما ويحمل نفس الاسم وان كانت محتوياته قد تغيرت، فهو في الرواية «دكان متوسط الحجم ، مكدسة رفوفه وجنباته بجوالات البن والأرز والنقل والصابون»، أما اليوم فهو مكدس بعبوات الشاي والينسون والنعناع والقرفة والحناء وغيرها من العبوات الورقية او البلاستيكية بالاضافة الى محتوياته من العطارة العادية.
ويديره ابن «سي السيد» الحاج محمد عبد الجواد «64 سنة» الذي ورث العطارة عن والده ويعاونه فيها أبناؤه سامح وإيهاب.
يستعيد الحاج محمد علاقة والده بنجيب محفوظ، يقول: تعرف ابي على الاستاذ من خلال اصدقائه حيث كان أبي من رواد مقهى الفيشاوي وكان معظم اصدقائه من المثقفين أمثال يوسف السباعي ويحيى شاهين والشيوخ طه الفشني وعبد الباسط عبد الصمد وعبد العظيم زاهر والشيخ ابو العينين شعيشع وغيرهم من نجوم ذلك العصر، وقد قابلت الاستاذ محفوظ منذ سنوات فسلمت عليه وقلت له أنا ابن سيد عبد الجواد فابتسم وضغط على يدي.
بيت سي السيد في الرواية يقع عند التقاء شارعي النحاسين وبين القصرين، وهو مكون من دورين وبه المشربيات والفناء الترب والدهليز والصالة وبئر الماء العميقة وعدد من الحجرات .. ربما لأن الروائي أراد ان يخلق مستوى الرؤية الذي يسمح لأمينة بأن تراه من خلف المشربية وترتعد، كما يسمح له بوصف مئذنتي مجموعة قلاوون ليعطي ملمحا بارزا من ملامح الجمالية، هذه حرية الروائي المسموح له بل ربما المطالب بالخروج عن الواقع، أما بيت السيد عبد الجواد فكان يقع في عطفة الباب الأخضر بالحسين وكان يتكون من ثلاثة طوابق تم هدمها في توسعات ميدان الحسين سنة 1957.
نظام لا يتغير
وفي التزم نجيب محفوظ بنظام بيت سي السيد، أكثر من التزامه بمكان ذلك البيت، فعن تفاصيل اليوم العادي في حياة أسرة سي السيد الحقيقي يقول ابنه الحاج محمد:كانت حياتنا منظمة ودقيقة جدا، فكانت أمي تستيقظ مبكرا لتحضر لأبي طربوشه وتساعده في لبسه عند خروجه لصلاة الفجر ثم تبدأ في اعداد طعام الإفطار حيث كان ابي يعود ليفطر بعد الصلاة ونكون نحن قد استيقظنا أنا وأخواتي فنقف أمامه ويجلس الى الطبلية وكنت أجلس معه أنا والبنتان الصغيرتان أما أخواتي الكبيرات فكن يأكلن بعده مع أمي، وبعد الافطار كان يذهب ليفتح الدكان، وبعد الظهر كان يعود الى البيت لتناول طعام الغداء وبنفس طريقة الافطار فلا تجلس البنات الكبيرات معه على المائدة، وبعد الغداء كان ينام لساعة او ساعتين ثم يستيقظ ليعود الى المحل ولم أكن أراه عند عودته ليلا.
* ماذا عن علاقتك أنت به؟.
رغم ان أبي كان يدللني لأنني كنت الولد الوحيد الا أنني كنت أحترمه وأهابه جدا فلم أكن أستطيع ان اجلس بجواره الا ان يدعوني هو حينما يكون هناك موضوع مهم يريد ان يتحدث معي فيه، وأذكر انه ذات مرة نزلت الى المحل قبله وقال لي انه سيتأخر فأشعلت سيجارة وما ان فعلت حتى لمحته يقترب من المحل فوضعتها وهي مشتعلة في جيب الجاكيت فاحترق.
ومن الذكريات ايضا انه حينما كنا نصرف التموين عندنا في المحل بالبطاقات كان من بين الزبائن فتاة من أصل تركي وكانت جميلة جدا وأردت ان أتزوج منها ولكنني لم استطع ان اتحدث معه في هذا الموضوع فطلبت من أمي ان تحدثه لكي يخطبها لي وسألت أحد أصدقائه ان يطلب منه ذلك ايضا، فوافق وذهب اليها ولم يكن هناك نصيب.
أنا ياسين .. إلا قليلا!
* أبناء «سي السيد» في الرواية ثلاثة .. ياسين .. فهمي .. كمال ..أيهم تشعر انه أنت او ان شخصيته قريبة منك؟.
أقرب شخصية لي هي شخصية ياسين فقد كنت متمردا مثله ولكن بأدب ودون ميل الى الهلس لأننا كنا معروفين في المنطقة ولنا سمعة طيبة ولم يكن ابي يترك الفرصة لي فذات مرة تأخرت الى الساعة الثانية صباحا في السينما، وكنت أذهب اليها اسبوعيا بعلمه، ولكن في ذلك اليوم كانت هناك منافسة بين دور العرض السينمائي فعرضت ثلاثة أفلام وعندما عدت وجدته ينتظرني عند الشباك وضربني بعصاه ولم تستطع امي او اخواتي الدفاع عني.
* تم تقديم الثلاثية في صورة فيلم سينمائي ومسلسل تليفزيوني .. وجسد كل من يحيى شاهين ومحمود مرسي دور سي السيد .. فأيهما في نظرك كان أقرب الى الواقع؟.
حينما أرى الفيلم حتى اليوم أتذكر حياتنا وكلما يظهر يحيى شاهين على الشاشة أشعر كأن أبي يقف أمامي فقد جسد شخصيته بكل دقة وأعتقد انه استفاد من معرفته الشخصية لوالدي، وعندي الفيلم على شريط فيديو وأراه دائما وأتابعه حينما يعرضونه في التليفزيون.
ابن الوز.. !
*كانت الست أمينة تنتظر سي السيد بالماء الساخن ليضع قدميه وتقف حتى ينتهي من طعامه، هل تفعل زوجتك معك هذا؟.
يبتسم ابن الوز، ويقول: في بداية زواجنا كانت تفعل أشياء قريبة من ذلك، أما الآن فقد تغير الزمن، وبقيت علاقة الاحترام التي ربطتني بها منذ البداية.
* كانت معاملة سي السيد تتسم بالحزم والشدة.. فكيف تعامل أبناءك؟.
عندي ولدان وبنتان وكل ما كنت أحرص عليه معهم حسن التربية، الزمن تغير فلم تعد هناك امكانية ان يكون الأب ديكتاتورا او متسلطا والمثل الشعبي يقول «ان كبر ابنك خاويه» فالشدة الزائدة قد تأتي بنتائج عكسية وأنا حاولت ان أكون صديقا لأبنائي وقد نجحت في ذلك.
*توفي سي السيد في الرواية بعد مرض أقعده عن الخروج، وبدأت الست أمينة تسترد بعضا من حريتها وتخرج بدون إذن الرجل المريض لتزور قبر فهمي الذي استشهد في ثورة 1919، كم عاشت الست أمينة «والدتك» بعد سي السيد .. ؟.
توفي والدي في الخامس من ديسمبر 1955 وكان مريضا بالسكر، وفي آخر أيام حياته ضعف نظره، أما والدتي فقد عاشت بعده ثلاثين عاما وحزنت عليه حزنا شديدا وظلت معي حتى ماتت سنة 1985.
العودة لطب الأعشاب
* أرى ان محل العطارة لم يعد كما كان في الماضي.. فما الفرق بين عطارة اليوم وعطارة سي السيد؟.
فعلا المهنة تغيرت تماما وأصبح كل شيء معلبا وان كان البعض ما يزالون يفضلون شراء العطارة غير المعبأة لأنهم يجدونها طبيعية أكثر بدون أية اضافات، كما لم تعد هناك نفس التركيبات التي كنا نركبها في الماضي وهذا التطور مساير للزمن ففي السابق مثلا كانت الأدوية يتم تركيبها في معامل الصيدليات وهو ما لم يعد مقبولا اليوم، ولكن بالنسبة للعطارة أرى انها ستعود لسابق عهدها خاصة مع الاهتمام بالعودة لطب الأعشاب بعد التأكد من اضرار الأدوية الكيماوية التي تفسد قدر ما تصلح واذا عالجت مرضا ما تتسبب في غيره، ويزداد الطلب يوما بعد يوم على ماسكات من الأعشاب للقضاء على حبوب الشباب وتتركب من خليط مطحون من لويه مغربي والترمس البلدي والحلبة الحصى ويتم عجنه بالماء او بياض البيض ويقضي ايضا على النمش والسواد الذي يظهر تحت العين، كما ان هناك مجموعات لانقاص او زيادة الوزن وتتميز بانها مواد طبيعية ليس لها اية اضرار جانبية.
الدكتور العطار ..!
أحفاد سي السيد يعملون في مهنة جدهم رغم حصولهم على الشهادات الجامعية، وهم سامح خريج السياحة والفنادق والذي يتقن عدة لغات أجنبية وينادونه بالدكتور، ويقول سامح:
أحببت مهنة العطارة من والدي وجدي فقرأت كثيرا عنها وعن الأعشاب والعقاقير والتركيبات وأستفيد من دراستي للغات والسياحة جدا في عملي الحالي لأن معظم الزبائن وخاصة بالنسبة للعطور من الأجانب.
الحفيد الثاني لسي السيد هو إيهاب الذي يحمل شهادة البكالوريوس في التجارة ويؤكد ان دراسته كانت مهمة جدا ولكنه لا يستطيع ان يترك مهنة أجداده خاصة انه يحب جده بصورة كبيرة جدا وكان يتمنى ان يرعاه ويعيش في عصره لما كان يتمتع به من سمعة طيبة وحب من جميع من تعامل معه.
كان صديقاً لنجيب محفوظ ويحيى شاهين والشيخ عبد الباسط عبد الصمد .. !

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved