أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 24th March,2001 العدد:10404الطبعةالاولـي السبت 29 ,ذو الحجة 1421

بحوث ودراسات

كراريس استشرافية
إطلالة على المستقبل SEIZING THE FUTURE
حصار المرض وانحسار الشيخوخة
الدم الصناعي في متناول المحتاجين خلال السنوات القريبة القادمة
* إعداد د.عبدالله بن مصلح النفيعي :
حاول الأطباء عام 1960م القيام بجراحة لتصحيح فتاق في الحجاب الحاجز وهو عيب خلقي مميت منذ الولادة يحدث في طفل واحد من كل ألفي طفل.. والعيب عبارة عن ثقب في الحجاب الحاجز للطفل لاينقفل مما يتسبب في دخول المعدة والأمعاء والأعضاء الأخرى في تجويف الصدر... وما يحدث أن طفلاً كامل الصحة يولد دون مقدرة على التنفس ويموت ثلاثة أرباع من أولئك الأطفال.
وما يميز هذا النوع من الجراحة عن غيره أنه يتم إجراؤه في الجنين قبل أن يولد... وفي تلك العملية التي أثارت جدلاً عنيفاً حرك الأطباء الجنين جزئياً وأعادوا ترتيب أعضائه الداخلية وأعادوه إلى الرحم لينمو طبيعياً كجنين معافى. وقد توفي الستة أطفال الأوائل الذي حاول الطبيب مايكل هاريسون الذي طور تلك التقنية الفريدة انقاذ حياتهم.. ولكنه نجح في العمليتين اللاحقتين حيث قام بقطع رحم الأم وبعد ذلك سحب ذراع الجنين من خلال الثقب وأوصل فوراً أسلاكا مع ذراع الطفل لمراقبة قلبه ومستويات الأوكسجين.. ومن ثم قام بقطع في الجنين المكشوف جزئياً وأعاد الأعضاء بما في ذلك المعدة والأمعاء إلى مكانها الصحيح وقام بقفل الثقب في الحجاب الحاجز برقعة لاصقة جوري تكس )GORE TEX(. وفي الحالة الأصلية الناجحة حملت الأم الجنين ذا ال 5.24 أسبوعاً سبعة أسابيع أخرى وبعد ذلك انجبت طفلاً ذكراً قبل الميعاد. وكانت هناك معارضة أخلاقية لتلك العمليات.. أولاً يتم اجراء العملية في جنين ليس لديه جهاز مناعة كامل النمو لمقاومة العدوى المحتملة من مثل تلك الجراحة.. ثانياً لأن ربع عدد الأطفال المصابين يعيش، وعلى أي حال على الأطباء أن يتأكدوا أياً من الأطفال سيتوفى إذا لم يتم اجراء العملية الجراحية.. ولأن العملية نفسها من الممكن أن تكون خطرة لابد أن يزن الأطباء حقيقة أنهم قد يعرضون طفلاً لمخاطر طبية غير ضرورية إذا كان سيتغلب على فتاق الحجاب الحاجز دون تلك الجراحة. ومن المدهش حقاً أن نتيجة من نتائج تلك الجراحة التي تم اكتشافها بالصدفة
تؤكد النتيجة الثانية لحتمية النمو... وتقول تلك النتيجة إن النظام عندما يبحث عن النمو )في هذه الحالة القضاء على عيب خلقي عن طريق اجراءات متقدمة( لن يتطور في الخط المعني المقصود ولكنه سيتوسع وربما يعيد صياغة مفهومه الذاتي للتطور والنمو.. ونحن لا نرمي لإعادة تعريف الاتقان والكمال بل إلى تحقيق مستوى جديد يصبح منصة للانطلاق لتطور في المستقبل.
وهذه النقطة تم شرحها تراجيدياً بالقيام بجراحة الجنين.. حيث اندهش فريق هاريسون عندما اكتشف أن الجنين عندما يخضع لتلك الجراحة الأساسية يبرأ من الجروح دون تأثير )دون لحام( وحرفياً دون ندبات.. والتئام الجروح في الإنسان دون ندبات مستحيل فالحوادث والجروح والجراحة تترك في البالغين آثاراً وندوباً قبيحة وضيقاً والتصاقاً بطنياً.
ولاحظ هاريسون وآخرون أن الجنين يقوم بترسيب كولاجين )COLLAGEN( بطريقة فريدة.. وهذه العملية الكيماوية التي تساعد في شفاء الجرح دون ندبات قد يتم فقدانها بعد الولادة.. ووفقاً لهاريسون «سوف يعلمنا الجنين كيف يلتئم الجرح دون ندوب»... والآن بعد القيام بجراحة الجنين لانقاذ حياة طفل نستطيع تطبيقها في احتياجات أوسع.. فربما نتمكن من استخدام جراحة تجميل الجنين لعلاج تشوهات أكثر خطورة مثل الشفة الأرنبية أو الشذوذ في الجمجمة والوجه قبل الولادة.
وفي مجال تلك الجراحة تقنيات لزراعة خلايا سليمة من جنين لآخر.. وإحدى المناطق الواعدة تتضمن احتمال زراعة نخاع عظمي من أجنة بحالة صحيحة جيدة لم تولد في أجنة محكوم عليها بالموت المبكر نسبة لأمراض في الدم... وحقن الخلايا الأساسية )STEMCELLS( الصحية من جنين لآخر سوف تنقل دون مشاكل إلى النخاع العظمي للمستقبل قبل أن يكتمل نمو نظام المناعة لديه ويرفضها )الرفض يظل المشكلة عند الزراعة من إنسان بالغ إلى آخر(... ومن المهم أن تلك الخلايا المتبرع بها قد تمد جسم المستقبل بخلايا دم صحية طيلة الحياة.
والنقطة المهمة هنا أنه طالما أن جراحة الجنين هجوم مباشر على نسبة الوفيات في الأطفال فإنها سوف تقود مباشرة إلى ازدياد في فترة العمر.
السيطرة على الصحة
في عصر الصناعة الكلية لن يتم التوصل إلى تحسينات الصحة وفترة الحياة بالاكتشافات الطبية والبيوتكنولوجية وحدهما.. بل سوف يطالب الجمهور بدور أكثر نشاطاً في العناية بصحته وعافيته.. وهذا حقاً تضامن مشترك بين الجمهور والعلم.. وبتغيير أسلوب حياتهم تغذية أفضل وتمارين وتقليل الضغط النفسي يؤدي الأفراد دورهم لمساعدة العلم في أن يحيوا فترة أطول وللحد الأمثل.
ومثال قوي لهذا الاتجاه محاولات القضاء على أمراض القلب... ولايزال مرض الشريان التاجي المرض رقم واحد في الأمراض المؤدية للوفاة في أمريكا ولكن المعركة ضد ذلك المرض يتم كسبها جزئياً بواسطة الناس بتغيير تصرفاتهم الخطرة.
وتختلف أسباب مرض انسداد القلب التاجي ولكنا نعلم أن البدانة المفرطة وتدخين السجائر وعدم الحركة هي أكثر الأسباب المشكوك فيها كأسباب لهذا المرض.. وأدت تغييرات أسلوب الحياة والعادات الشخصية إلى انخفاض نسبة مرض الانسداد التاجي 46% من عام 1968م إلى عام 1988م... ورغم أن كثيراً من هذه النسبة بسبب الأدوية التي تمنع أو تعالج تصلب الشرايين )تراكم ترسبات دهنية في الشرايين تؤدي إلى ذبحات قلبية( فنحن نعرف أن التخفيض في تناول الكلسترول كان له بعض التأثير.
ونسبة لتلك الزيادة في التمارين وتخفيض الكلسترول فقد ازدادت فترة الحياة المتوقعة خمس سنوات ووصلت إلى خمسة وسبعين عاماً منذ الستينيات ومن المقدر أن 000.420 أمريكي يعيشون اليوم كان من الممكن أن يتوفوا عام 1989م فقط إذا ظلت نسبة الوفاة من الانسداد التاجي كما كانت عليه عام 1963م.. وعامة تؤثر هذه الفوائد على مختلف الأجناس والطبقات بصورة مختلفة.
وبالإضافة إلى تغيير أسلوب حياتهم وتناول طعامهم من الممكن أن يسيطر الأفراد على حياتهم بأن يصبحوا مستهلكين للمنتجات الطبية بصورة أفضل.. فمثلاً تتوفر للمستهلكين الآن تقنية لتوقع حدوث الانسداد التاجي مبكراً وأكثر دقة... والاختبارات توضح احتمال مشاكل قلبية في المستقبل عند مواطنين يبدون بصحة وعافية وبرامج الحاسب من الممكن أن ترسم إطاراً للتعرض للانسداد التاجي على أساس مختلف العناصر الطبية والديموغرافية.. ومن الممكن أن يعدل الناس من سلوكهم طبقاً لذلك.
وسوف توضح لنا الاختبارات الوراثية قريباً أياً من الجينات يجعل أفراداً معينين لديهم نزعة للإصابة بمرض القلب. ومن ثم حتى وقبل أن نصحح تلك الجينات عن طريق علاج الجينات سوف نستطيع أن نوصي أولئك الأفراد بتغيير أسلوب حياتهم وطعامهم.
الفيتامينات وارتباطها بالصحة
تعود الناس في الغرب تناول الفيتامينات الطبيعية والصناعية بكميات معتدلة لسنوات حيث كانت حبة في اليوم جزءاً من التغذية في الغرب لسنوات... والاتجاه الناشىء اليوم تناول جرعات كبيرة من الفيتامينات للعلاج وللوقاية من مختلف المشاكل الطبية.
وقد كشفت البحوث عن علاقة جوهرية بين فيتامينات معينة وفوائد طبية... حيث يمنع فيتامين )أ( )A( العمى الليلي وقد يقلل من امكانية الاصابة بسرطان الصدر والرئة وأنواع أخرى من السرطان. وفيتامين ب12 )B12( يقي من فقر الدم الخبيث ويقي فيتامين ج )C( من الحفر )تورم اللثة( وتفكك الأسنان ويمنع فيتامين )ه( )E( فقر الدم.
وقد دهش العلماء حالياً مما اكتشفوه من أن مجموعة من الفيتامينات تشمل )ج( و )ه( وبيتاكاروتين )B CAROTENE( أصل فيتامين )أ( كيميائياً تمثل عوامل ضد الأكسدة وقادرة على إذابة الجزئيات السامة المتطايرة وجذور الأوكسجين المتحررة ومخلفات الأيض والتفاعل الحيوي )METABOLISM(في الخلايا... كما يتم تواجد تلك السموم في الجسم من تأثير التدخين وعادم السيارات وضوء الشمس... وتلك العناصر الثلاثة )الجذور( من الممكن أن تسبب فوضى في الجسم بتدمير دي.أن.أي )D.N.A( وتغيير المركبات البيوكيمائية وحتى قتل الخلايا مباشرة.
وبعض البيوكيمائيين يعتقدون أن الناس يجب أن يكشفوا عن وجود جذور )RADICALS( متحررة في دمائهم كما يكشفوا عن الكلسترول.. فإذا اكتشف الشخص ذكراً أو أنثى أن لديه نسبة مرتفعة من الجذور المتحررة فيجب تناول علاج ضد التأكسد يتكون من الفيتامينات المذكورة أعلاه. كما كانت هناك اقتراحات هي أن الذين يتمتعون بصحة عالية يعززون نظام المناعة لديهم بتناول كميات كبيرة من فيتامين )ه( )E(... وبهذه الطريقة يقللون فرص اصابتهم بعدوى تهدد الحياة.
وفي عام 1993م أكدت دراستان منفصلتان الفوائد الجيدة لفيتامين )ه(.. وورد في الدراستين أن الناس الذين يتناولون كميات كبيرة من فيتامين )ه( في شكل حبوب بمعدل عشر مرات أعلى من متوسط ما يتناوله الفرد في العادة فإن هؤلاء تقل لديهم نسبة الإصابة بأمراض القلب بحوالي 40% موازنة بأولئك الذين يتناولون جرعات متوسطة... والدراستان أجريتا على 000.12 شخص لفترة من أربع إلى ثماني سنوات ووضع في الحسبان متغيرات مثل أسلوب الحياة والوراثة.
ومن المتوقع أن يتبنى الجنس البشري العلاج الذاتي بالفيتامينات بمثل القدر الذي بدؤوا فيه التمارين وتقليل السجائر واستهلاك اللحوم الحمراء الدهنية... وكلما اقتنع الجنس البشري أن الصحة تعتمد جزئياً بالسيطرة عليها فسوف يبدؤون نظام التغذية بالفيتامين.
الأفكار الجيدة
يبدي الناس شغفاً شديداً بالتأمل العميق وطرق مختلفة لتغيير التفكير أو التحكم في العقل في نظام الرجيم الخاص بهم... وسوف نتعامل مع ذلك في فصل مستقل بتطويل أكثر إلا أن الفوائد الطبية من تلك الممارسات تستحق ذكرها هنا.
وطبقاً لدراسة أجراها الطبيب جاي جلاسر أن كبار السن الذين يمارسون التأمل العميق لساعة واحدة على الأقل لديهم مستوى أعلى من هرمون )دي.أتش.إي.أيه.أس()D.H.E.A.S( في دمائهم.. وغياب ذلك الهرمون في الجسم يرتبط بمرض القلب ووهن العظام وأمراض الشيخوخة الأخرى. وذلك الهرمون الذي تفرزه الغدة الكظرية يعتبر مؤشراً للصحة العامة.
ورغم أن العلاقة بين التأمل العميق وتوقعات العمر الطويل ليست مفهومة بعد إلا أن تأثير الحالات المتغيرة للوعي في وظائف الجسم قد تشكل أساساً جديداً للبحوث الطبية. فنحن نعرف من دراسة واحدة مثلاً أن الذين يتأملون بعمق لفترة طويلة يتحصلون على نقاط أفضل في ميزان «مورجان» الذي يقيس ضغط الدم والرؤية وقوة السمع.. وتشير النتائج إلى حصول أولئك الذين يتأملون بعمق في المتوسط على مستوى ضغط دم ونظر وسمع لشخص أصغر باثني عشر عاماً.
والسؤال هنا هو هل يبطئ التأمل العميق عملية الشيخوخة؟ يبدو أن الاختبار الموضوعي يشير إلى صحة هذا الاحتمال.
رفع مستوى الأطباء لمواكبة سرعة التطور
في عصر الصناعة الكلية يتحقق الناس أنه يجب عليهم الحصول على الأفضل من النظام الطبي سوف يتبنون سلوكاً أكثر نشاطاً فيما يختص بالأطباء والمؤسسة الطبية وحقهم في المعلومات.
وقد أصبحت الثقافة الذاتية جزءاً لايتجزأ من هجوم البشر على نسبة الوفيات... والمعرفة والمهارة موزعة دون تساو على الأطباء ويدرك المرضى أن الحصول على طبيب جيد يعتمد على الحظ... فقد يعرف أحد الأطباء كيف يعالج مرضاً ما بينما آخر لايقرأ الجرائد الطبية أو النشرات الشهيرة ليلم بالأخبار الطبية.
لقد بدأ الجمهور يدرك أن هناك هوة عميقة بين الاكتشافات الطبية وممارسة الأطباء لتلك المعرفة، أو حتى رغبتهم في ممارستها... وطبقاً للطبيب توماس شالمرز أحد باحثي كلية الصحة العامة بهارفارد فإن خبراء العيادات دائماً متخلفون عن المستجدات في معالجة الذبحات القلبية. وأشار في دراسته إلى أن المرضى لم يتم ابلاغهم بالعلاجات الجديدة لانقاذ الحياة بل يتم تقديم نصائح طبية قديمة لهم أثبتت التجارب أنها تضر أكثر مما تنفع.
وفي دراسة أخرى للباحث نفسه وجد أن كثيراً من الأطباء يصرون على استئصال الثدي بالكامل في حالة سرطان الثدي بينما الاقتصار على استئصال ورم الثدي مع الإشعاع من الممكن أن يكون علاجاً مفيداً بنفس القدر... كما أن الرجال الذين لديهم سرطان البروستات من الممكن أن يتحسنوا بالعلاج الاشعاعي ولكنه عادة ما يحالون للجراحة.
وطبقاً للطبيب جيفري اسنر أخصائي أمراض القلب في كلية الطب جامعة تفتس، إن الأطباء عامة رجعيون عندما تواجههم أفكار جديدة.. ورغم أن الدراسات كشفت بوضوح أن القرحة من الممكن أن تتعالج بالمضادات الحيوية إلا أن الأطباء نادراً ما يتبعون هذا المسار العلاجي مع مرضى القرحة... وبدلاً من ذلك يعتقدون أن الأدوية التي تؤثر على حوامض المعدة هي أفضل الطرق للعلاج. ويدعي الطبيب «كورنليوس دولاي» أخصائي الجهاز الهضمي «بسانت في» أن الأطباء يجدون «أنه من الصعب جداً أن يكون لبعض أنواع الباكتيريا علاقة بهذا الأمر».
ووفقاً للطبيب «شارلز هينكنز» كلية الطب من جامعة هارفارد فإن شركات الأدوية ومجلاتها الدعائية تقلل من تبني نتائج البحوث... فمثلاً أدت دعاية لشركة أدوية إلى أن يستخدم الأطباء قنوات جاهزة للكالسيوم كأسلوب لمنع الذبحات القلبية رغم أن الحقائق لاتؤيد ذلك. ومن جانب آخر لأن شركات الأدوية لم تروج لعلاقة تخفيض الذبحات القلبية واستخدام الاسبرين فهناك جزء قليل من مرضى الذبحات القلبية يتلقون ذلك العلاج.
والسبب المهم في التردد نحو الإقبال على تبني العلاجات الجديدة هو أن كثيراً من الأطباء لا يقضون وقتاً كافياً لقراءة وفهم المواد الطبية المنشورة. كما يلعب تأثير حال التأمين دوراً في اختيار علاج دون آخر.. ويعتقد «اسنر» أن الأطباء لن يختاروا علاجاً أفضل يأخذ ضعف الزمن الذي يأخذه العلاج الآخر رغم أنه يعوض ذلك الزمن في النتائج.
وفي عصر الصناعة الكلية سوف يتبدد الغموض الذي التف حول الطب والعلوم عامة مما يحث أعضاء من الجمهور على تجريد المؤسسات الطبية من كثير من سيطرتها على الصحة... وسوف تتبعثر المؤسسات الطبية ويتحرر الجمهور من دوره كمستفيد سلبي ويتحول إلى دور المشارك النشط في عملية العلاج.
وعندما يصاب الشخص بمرض مخيف سوف يتصرف بسرعة مدهشة لجمع معلومات وبيانات عالية التقنية حول أسباب المرض. وعادة مايعتبر المريض هذه المعلومات التقنية بعيدة المنال بالنسبة له، ولكن الضرورة تلعب دوراً مساعداً قوياً في قدرتنا على المعرفة والفهم لمواد كانت مستعصية سابقاً.
وفي عصر الصناعة الكلية سوف يكون هذا المستوى من مشاركة المريض هو المبدأ.. حيث توفر قاعدة بيانات الحاسوب معلومات أكثر حول البرامج والمعلومات والأمراض والأعراض والأطباء أنفسهم عامة... والمهم هنا الظهور الفوري لمجموعات مساعدة وشبكات عندما تظهر أمراض جديدة لكي تخدم كقنوات ممتازة للمعلومات.
وقد تكون تجربة الايدز مفيدة... حيث إنه عندما انتشر المرض في الثمانينيات رفض المرضى والمؤيدون قبول رأي المؤسسات الطبية والصيدلانية حول أسباب المرض ودوائه وعلاجه... وأثر كثير من تلك المجموعات في سرعة موافقة الولايات المتحدة وحكومات أخرى على أدوية مثل أيه.زد.تي )A.Z.T(... وتم عرض ذلك التصرف من المرضى في فيلم «زيت لورنزو» عام 1993م.. ويعرض الفيلم المثابرة والجهد الذي بذله والدا طفل أصيب بمرض مخيف للتوصل إلى علاج للمرض بأنفسهما... وبعد رفضهم لقبول حكم المؤسسات الطبية بالموت على طفلهم جندا نفسيهما وآباء وأمهات المرضى الآخرين للقيام بمختلف الأعمال لاكتشاف أسباب المرض والعلاج المحتمل... وأنشأوا شبكات شخصية والكترونية في جميع أنحاء العالم واتفقوا على مجهودات المؤسسات الطبية في مكافحة ذلك المرض.
والعائق الأخير لمساعدة الفرد لنفسه طبياً هو العلاقة الغامضة بين الأطباء وشركات الأدوية من جهة ومستهلك الخدمات الطبية من جهة أخرى... وفي هذه النقطة تخدم المؤسسات الطبية كحارس بوابة لتوزيع الأدوية بين الجمهور... ويستطيع المريض أن يحصل على الدواء فقط إذا كتب طبيبه وصفة )روشتة( بذلك... وهناك علامات مبكرة بأن هذه العلاقة قد بدأت تضعف.. ويهاجم الطبيب «توماس سزاز» وهو كاتب طبي مشهور في أحدث كتبه «حقوقنا في الدواء» و «أسباب أهمية السوق الحر» يهاجم احتكار المؤسسات الطبية للعلاج الدوائي في المستشفى وخارجه... ويقدم أسباباً مقنعة لتفكيك تلك الروابط أهمها أن ذلك الاحتكار يمنع الناس الذين يحتاجون إلى أدوية معينة لأسباب طبية حيوية من الحصول عليها.
وفي العصر القادم سوف يسيطر الناس على الموارد الطبية وغيرها لحاجتهم للتطور... وتبشر الأحداث المعاصرة بتطور الوعي حول حقيقة أن الناس سيعيشون أطول بإرادة الله عندما يرغبون أن يعيشوا أطول.
تكنولوجيا «النانو» وأمل التجديد المستمر
سوف تتصارع البشرية إلى الأبد مع قضية الموت والحياة... ونحن نعرف أن التقنيات والطرق البيولوجية التي تم اكتشافها حتى الآن سوف تطيل الحياة وتجعل الصحة أفضل وراثياً.
ولكن تقنية «النانو»، أي علم الجزيئات والأجسام المتناهية الصغر تقدم حلاً فريداً للحياة والموت.. ففي الطب ستمثل حلاً هندسياً صناعياً لمشكلة نسبة الوفيات باستخدام آلات دقيقة لإصلاح الخلايا التالفةوتجديدها، وهذا العلم المكتشف الذي واجهناه من قبل يشرح مصطلح «التطور الكاسح» )HYPERPROGRESS(.
وبالاضافة لذلك فإن النانو وتقنية الأجسام الدقيقة تعمل في أصغر مستويات المادة من جزيئات وذرات وأجزاء الذرات. وطبقاً لباحث المواد الدقيقة «جون رولاند» أنه من الممكن استخدام آلات من جزيئات )صغيرة جداً( لاعادة بناء الأعضاء التالفة كما أنها تقوم بتعديلات تجميلية أو توفر للناس أعضاء كاملة جديدة قادرة على القيام بوظائف معززة وقوية بصورة دراماتيكية... وطبقاً لرولاند من الممكن تجديد الأطراف المفقودة والعيون والأذن المعطوبة وإعادتها إلى حالتها السابقة وربما يتم تحسينها لتعمل بصورة أفضل مما كانت عليه.
وفي الحقيقة يعتقد الباحثون الطبيون أن أجهزة النانو بحجم الجزيئات من الممكن أن تقوم بتقوية نظام المناعة باصطياد وتعطيل الباكتيريا والفيروسات غير المرغوب فيهما.. كما يحلم الباحثون بمضخات ليس أكبر من المساحة بين كلمتين تسبح في دماء المريض وتقوم بتنظيفه من خلايا أتش.آي.في )H.I.V( المصابة.
ويعتقد الخبير كي. اريك المتخصص في تلك الأجهزة الجديدة أنها تستطيع القيام بإعادة ترتيب الذرات وتنظيمها بصورة صحيحة. وتعني تقنية النانو أن يتمكن الأطباء من استخدام آلات الجزيئات بتوجيه حواسيب آلية متناهية الصغر )نانو( لفحص وربما لاصلاح مكونات صغيرة من الخلايا البشرية مثل الجزيئات.
ولدينا الآن فعلاً طريقة لإصلاح الجزيئات هي العلاج بالأدوية وكما لاحظنا فإن تلك التطورات في علوم العقاقير سوف تأتي بثمارها... ولكنه من المهم ملاحظة أن الأدوية والجرعات تحث الخلايا على إصلاح نفسها.. أما الآن فالجزيئات التي تقودها تقنية النانو سوف تمكن الأطباء والفنيين من اصلاح الخلايا مباشرة.
والتكنولوجيا في هذا المستوى تصبح مثيرة للاهتمام.. فسوف تكون آلات اصلاح الخلايا صغيرة في الحجم لدرجة يمكن مقارنتها بالباكتريا والفيروسات. ومن الممكن أن تتحرك في الأنسجة مثل كريات الدم البيضاء وتدخل الخلية )كما تفعل الفيروسات( وتقوم باتخاذ أي إجراء حسب البرمجة... وسوف تقود تحركاتها حواسب آلية من نوعية النانو ليس أكبر من عشر حجم الخلية النموذجية... وفي نظام اصلاح مثل ذلك فإن تلك الحواسب الآلية من نوعية النانو تقود الآلات لتقوم أولاً بفحص التركيبة وفصل الأجزاء ثم إصلاح التلف.
ومعاني ومضامين كل ذلك مذهلة.. حيث إن تلك الآلات الدقيقة وهي تسبح على طول الجسم وتستمد طاقتها من الخلايا نفسها سوف يكون لديها القدرة على اصلاح كامل الخلايا والأنسجة والأعضاء ومن ثم ايصال المريض إلى الصحة الشاملة. ورغم ان الآلة ستعمل خلية فخلية فإن الأنسجة والأعضاء جميعها من الممكن إصلاحها في أيام أو أسابيع.
التطبيقات:
إلى أين يقود هذا الطب «النانو» في النهاية؟ يتفق معظم المراقبين أن فوائد تقنيات النانو سوف تغير الأسلوب الذي نفكر به حول العناية الطبية وسوف تجبر البشر على مواجهة مفهوم إطالة فترة الحياة بصورة بارزة.
ورغم أن تقنية «النانو» أساساً تقنية للبناء إلا أن إحدى فوائد النانو الفريدة تنبع من قدرتها على تحقيق )التدمير المختار( في جسم الإنسان... ولأن جسم الإنسان عرضة للسرطان والأمراض المعدية فهو يحتاج إلى ميكانيكية تستطيع تحطيم العناصر الخطرة مثل البكتريا وخلايا السرطان والفيروسات أو الدود... ويعتقد البعض أن تلك الأجهزة الصغيرة من الممكن أن تعالج الجسم من تلك الأمراض. فمثلاً فيروس الهربس )القوباء( يعزل جيناته داخل )D.N.A( للخلية المضيفة ويقرأ جهاز تقنية النانو لإصلاح الخلية والمجهز بحاسب آلي وذراع ربوتي دقيق مادة )D.N.A( الخاصة بالخلية ويزيل الجين الإضافي الذي يتسبب في القوباء دون تأثير على التكامل الوراثي للخلية المضيفة.
وسوف تلعب تقنية النانو دوراً رئيسياً في التئام الجرح بعد العملية... فبكل بساطة ستساعد آلات إصلاح القلب على إنتاج عضلات جديدة بإعادة تنظيم ميكانيكية التحكم في الخلايا... وسوف تتم مساعدة ضحايا السكتة الدماغية لتجديد أنسجة المخ حتى تلك التي كان بها تلف كبير.
والهدف النهائي هنا ليس معالجة المرض فقط ولكن للإبقاء على صحة الإنسان مدى حياته... وسوف يظهر ذلك عندما يتحقق فهم متكامل حول تركيبة الجزيئات للأنسجة الصحيحة.. وبعد ذلك ستكون لدينا المعرفة الكافية لرسم أي تركيبة لخلية قلبية متعافية أو تركيبة لخلية كبد متعافية ونقل البيانات الصحيحة حول جزيئات وخلايا وأنسجة ذلك العضو إلى الجهاز المتناهي في الصغر.
فلنفترض أننا نحتاج إلى آلة متناهية في الصغر لإصلاح كبد تالف... فعلى الباحث فقط أن يصف للآلة تركيبة الجزيئات والذرات الخاصة بالكبد الصحيح المتعافى... وتقوم آلة الإصلاح بالاستفادة من المعلومات وفحص الكبد وايجاد الاختلافات بين الصورة التي تحملها وبين الخلايا والأنسجة التي تواجهها في العضو التالف... وتبدأ الآلة في تصحيح الكبد مرة أخرى بتغيير تركيبته الذرية والجزيئية لتتوافق مع الصورة التي تحملها للكبد الصحيح المتعافى.
وبالطبع هذه التقنية تعتبر حالياً أكبر من قدرتنا ومن الخبرات الطبية... حيث يجب أن تحتوي البرامج في هذه الآلات الدقيقة على تفاصيل من المعلومات لمئات أنواع الخلايا وربما مئات الآلاف من تركيبة الجزيئات... كما أنها لابد أن تكون قادرة على اعادة تركيب الخلايا التالفة من جديد وتصحيحها.
نهاية الشيخوخة
تعتبر المؤسسة الطبية، بصورة متزايدة، أن الشيخوخة مرض آخر يجب التغلب عليه... وقد حققنا تطوراًمذهلاً في إطالة فترة الحياة من خلال أدوية وتغذية أفضل وظروف صحية أحسن للمعيشة.
وفي تجارب المختبر تطيل تركيبة من الأدوية وتغذية خاصة فترة حياة الفأر ب 25 إلى 45% وتشترك كثير من الشركات في الحملة ضد الشيخوخة... وفي الثمانينيات اشتركت شركة ايستمان كوداك و آي. سي. لصناعة الأدوية في مشروع يكلف 45 مليون دولار لإنتاج أدوية مثل ايسورينوساين )ISORINOSINE( لإطالة فترة الحياة.
والآن سوف تبدأ تقنية النانو عصراً جديداً في الصراع ضد الشيخوخة.. ويعتقد كثير من المراقبين أن آلات إصلاح الخلايا سوف تستطيع تحسين وظيفة الخلية طالما أن تركيبة الخلايا الرئيسية ليست بها عيوب.. ورغم أنها لا تستطيع خلق خلايا جديدة ولكنها تستطيع بالتأكيد تجديد الخلايا الموجودة.
وعندما نتأكد من أن تأثير الشيخوخة بما في ذلك العظام الهشة والجلد المجعد والتئام الجروح ببطء والذاكرة الضعيفة والعلامات الأخرى )علامات الشيخوخة( عبارة عن عدم ترتيب للخلايا والجزيئات كما ينبغي، يمكن أن نتصور ما تستطيع القيام به آلة ببرنامج صحيح من اعادة تنظيم تلك التركيبات بحيث نتمكن من اعادة الصحة إلى حالة الشباب والمحافظة عليها.
وليس مصادفة أن أحد أحجار الزاوية في عصر الصناعة الكلية هو أن إطالة العمر سوف تنتج من تحويل العملية الطبية من عالم الطب إلى عالم الهندسة وإن كان عالم الهندسة هو الحاسب الآلي... وتلك الحواسب الآلية من نوع النانو وأجهزة إصلاح الخلايا المتناهية الصغر لاتفرق بين المواد العضوية وغير العضوية. وسوف نقوم باعادة ترتيب الذرات والجزيئات بالتنسيق مع طواقم من الأوامر من برنامج معد مسبقاً أو عند رؤية التنظيم الصحيح لمثل تلك التركيبات.
وإعادة بناء الأكباد والقلوب والأعضاء التالفة ستصبح تجارة صناعية بل من عمليات عصر الصناعة الكلية يقوم بها الفنيون والمهندسون الطبيون.
وهناك جدل ساخن حول متى ستظهر هذه التقنية في الحياة العامة؟.. فعند التعامل مع التقنية المبنية على الحاسوب فالآلات نفسها تصبح جزءاً من عملية التصميم والابتكار... ومن الممكن أن تساعدنا أنظمة ذكاء اصطناعي بصورة جيدة تحاكي التفكير الإنساني في القيام بقفزات ابداعية نحتاجها لاتقان هذه التقنية.
ونحن ندري أنه عندما يحصل ذلك التطور فإن مفهومنا الأساسي عن الصحة والتئام الجروح والحياة نفسها سوف يتغير دراماتيكياً.
الهجوم المتشعب المتكامل
إن الناحية المشجعة لحملة الصناعة الكلية ضد المرض حقيقة هي أنها لاتتضمن تقنية أو علاجاً واحداً. بل هجوماً متشعباً مكثفاً على الشيخوخة والمرض، دون هوادة وبدقة وباصرار.
ويقدم الهجوم على تليف الرئة الكيسي مثالاً نموذجياً عن كيف أن المرض عامة سيتم التغلب عليه خلال عصر الصناعة الكلية... ويصيب تليف الرئة الكيسي 000.25 أمريكي ويقتل 500 شخص في السنة معظمهم من الشباب... والأسلوب الذي يقتل به هذا المرض ضحاياه يحدث قشعريرة... حيث يمر ضحاياه بتراكم تدريجي لمادة مخاطية زرقاء في ممرات الهواء بما في ذلك الرئتان.. وبمرور السنين ينسد جهاز مرور الهواء في الضحية... ثم يتكون ذلك المخاط في الرئتين والبنكرياس والكبد ويصبح أرضاً خصبة للالتهابات المدمرة ويقفل أيضاً تدفق انزيمات الهضم الحيوية إلى الأمعاء.. حتى السائل المنوي يتوقف في الخصيتين.. وبعد مرور 13 19 سنة وفي بعض الأحيان بعد أكثر من عشرين عاماً يموت الضحية.
والعلاج المعروف لتليف الرئة الكيسي متخلف جداً رغم أنه فعال لدرجة ما... وهو صفع المرضى الصغار على ظهورهم وصدورهم عدة مرات في اليوم لتنظيف الرئة ومنحهم تغذية غنية ومسكنات للألم. وقد أطالت هذه العلاجات متوسط فترة الحياة للضحايا من خمس سنوات فقط في الخمسينيات إلى 28 عاماً.
وبينما نقترب من العصر الجديد فقد تقدم الاكتشافات الدوائية حلولاً أفضل لتليف الرئة الكيسي.. وأحد تلك الأدوية قد يمنع «الستاز» )ELASTASE(، البروتين الذي ينتجه مريض تليف الرئة الكيسي من الهجوم على أنسجة الرئة... ودواء آخر دي ناسا )DNASE( يذيب )D.N.A( التي بقيت من خلايا المناعة الميتة مما يسمح للجسم باستخدام ميكانيكية ذاتية للنظافة وذلك لتنظيف السوائل المترسبة الرقيقة.
ويعتقد الباحثون أنهم يستطيعون السيطرة بصورة فعالة أكثر على هذا المرض المخيف بإيقاف إنتاج ذلك المخاط الكثيف في مصدره. لقد اكتشفنا أن سبب تليف الرئة الكيسي خلل وظيفي في الخلايا يحث الخلايا على إنتاج ملح زائد مما يقود لخروج الماء خارج المخاط... والمخاط المتبقي سائل كثيف للغاية يتسبب في قتل المريض.. والآن تم اكتشاف دواءين يعالجان ذلك الخلل الوظيفي في الخلايا، والخلايا التي تم اصلاحها لاتنتج بعد ذلك الملح ولايتكون المخاط الكثيف في جسم المريض.
ولكن التقنية الواعدة لعلاج تليف الرئة الكيسي لن تكون العلاج بالدواء بل بالجينات الوراثية.. فقد اكتشف باحثان «فرانسيس كولينز» و «لاب شي تسوى» جين تليف الرئة الكيسي في الكروموزوم 7 في صيف عام 1989م.. والتحدي الآن هونقل صيغ صحيحة من دي.أن.أيه )D.N.A( إلى رئتي مريض تليف الكبد.. وقام بعض العلماء بابتكار طرق لاستخدام فيروسات «الزكام» كمركبات لنقل الصيغة الصحيحة ل دي.أن.أيه )D.N.A( وتستخدم طريقة أخرى عبارة عن مرشة )SPRAY( هواء تحتوي على )D.N.A( الصحيحة يستخدمها المريض كل شهرين أو ثلاثة، وقطعت المناقشات شوطاً كبيراً في استخدام الماعز لزراعة وانتاج )D.N.A( الصحيحة بكميات كبيرة.
وفي أواخر عام 1992م صوتت اللجنة الاستشارية ل )D.N.A( التابعة ل )N.I.H( للسماح لثلاث مجموعات طبية ببخ محلول من فيروسات البرد يحتوي على جين تليف الرئة الكيسي في الممر الأنفي ورئتي المرضى. وسوف تختبر كل مجموعة العلاج الجيني في عشرة مرضى تقريباً أعمارهم فوق الواحد والعشرين، مصابين بأعراض خفيفة إلى متوسطة من تليف المرارة. ويقول «روبرت درسنج» رئيس مؤسسة تليف الرئة «نحن ننتظر نتائج هذه التجارب بفارغ الصبر» ويجب أن نشجع السرعة التي تسير بها أمور مرضى تليف الرئة... حيث إن ذلك قد يكون له أثر مهم في حياتهم.
والعلاج الاجمالي قد يشمل خليطاً من الأدوية والهندسة الجينية )الوراثية( والتغذية وتغييرات في نمط الحياة... ويبدو أن المهنة الطبية لديها اتجاه في المغامرة إذ تضع في الحسبان علاجات جديدة ضد تليف الرئة مما يبشر بتغييرات جذرية في قبول حلول مبتكرة للمشاكل الطبية.
وذلك الأسلوب المتشعب المتعدد الجوانب برهن على فاعليته في البحوث العلمية والطبية كما تشرح الطرق المختلفة التي يتسم تطويرها لايجاد «بديل، للدم» صادق وغير زائف.. ولكي يكون مفيداً يجب أن يحمل الدم الصناعي الأوكسجين إلى أنسجة الجسم بفاعلية كما يفعل دم الإنسان... كما يجب أن تكون تلك البدائل قادرة على القيام بوظائف الدم الأخرى مثل التجلط.
وكما رأينا سابقاً فقد استطاعت شركة )D.N.X( زراعة الجينات بتكوين صفوف من الخنازير تحمل جينات هيموجلوبين الإنسان. كما أن شركة «سوماتجن» اتبعت تلك الطرق لإنتاج كميات كبيرة من انسولين الإنسان.. وينتج الراقود)وعاء ضخم( الخاص بها الذي يمتلئ بالبكتيريا المهندسة وراثياً كميات كبيرة من أشكال مختلف الهموجلوبين الإنساني... واتبعت شركة «بيوبيور» طريقة مختلفة تماماً لاستخلاص الهيموجلوبين من دماء البقر ثم معالجة الجزيئات كيميائياً بحيث تتمكن من حمل الأوكسجين بأمان في جسم الإنسان.
وتعتقد بعض الشركات ان الهدف الحقيقي يجب ألا يكون إنتاج الهيموجلوبين، بل تطوير مواد تعمل مثل الهيموجلوبين، وتخصص شركة «هنس آلاينس الدوائية» )PFCS()PERFLUOROCARBONS( وهي جزيئات لا علاقة لها بالهيموجلوبين ولكن عند حقنها في الدماء لديها القدرة على حمل الأوكسجين من الرئتين واطلاقه في أنسجة الجسم.
وفي الوقت الراهن لم تحقق بدائل الدم المدة الزمنية لبقاء الدم الطبيعي. فعند حقنها في الجسم يعيش الدم الطبيعي ثلاثة أسابيع في الجسم ولكن الدم الصناعي الذي تنقصه كريات الدم الحمراء والغشاء الواقي لابد من تغييره خلال 24 ساعة... والشركة التي تتمكن من إنتاج بديل مشابه للهيموجلوبين الإنساني سوف تكون وكأنها نجحت «في انزال التقنية الحيوية في المريخ» حسب ما ذكر نائب رئيس شركة «سوماتوجين» جاري ستيتلر.
وسوف تسرع عملية التنافس الشريف حول حل هذه المشكلة في تطوير بديل متوفر للدم... ففي عام 1993م توقع رئيس مجلس إدارة شركة )D.N.X( بول سميث أنه خلال عشر سنوات من الممكن أن نرى «ناقلات الدم» تنقل بديل الدم في جميع أنحاء العالم.
الرغبة والعزيمة في البقاء
كلما اقتربنا من عصر الصناعة الكلية كلما طورنا تقنيات وأدوية عجيبة ستغير من مفهومنا لفترة حياة البشر الطبيعية.. وسوف تواجه البشرية فجأة آلاف التطورات الطبية اختراع الأدوية السوبر وتخفيض امكانية الأمراض والقضاء على أعطال الجينات وتقدم في الجراحة وامكانية اعادة تجديد الأنسجة عن طريق تقنية النانو. وأنه لمن السذاجة أن نعتقد أن تلك التطورات لن تعيد تشكيل المؤسسات الاجتماعية والتوقعات الشخصية وربما معنى الحياة نفسها.
كما لاحظنا طيلة هذا الفصل فإن الاكتشافات الطبية لاتضيف سنين إلى الحياة فقط... ولكن إذا نجحت الاكتشافات الجديدة في تقنية النانو كما هو متوقع فلن يقضي الناس حياتهم التي قد تفوق القرنين كعجائز يكبرون كل يوم بل كشباب في عنفوان قوتهم.
ماهي تأثيرات إطالة فترة الحياة بصورة بارزة؟ نستطيع أن نتخيل أن حياة أطول سوف تقود إلى فوائد خطيرة جداً للجنس البشري... لأن الناس يعيشون مدة أطول فتكون معرفتهم الذاتية وقدرتهم على استخدام تلك القدرات والخبرات أكثر قيمة لمنظماتهم ومجتمعهم وعائلاتهم... حيث تمتد حياة الفرد خلال جزء كبير من وجود المجتمع... مثلاً كيف تؤثر إطالة العمر؟ فلنقل 200 عام على الأمريكي العادي.
وإذا كانت تلك الاكتشافات الطبية قد حدثت عام 1776م سوف يكون عمر كثير من الأمريكيين الذين يعيشون اليوم كعمر البلاد... ونستطيع أن نتخيل النظرة إلى التاريخ الأمريكي وقيمه وإنجازاته وأخطائه سيكون لدى المجتمع أعداد من الأفراد بذكريات تغطي كافة مراحل تطوره... ولأن أولئك الناس سيكونون بحالة جيدة بدنياً وعقلياً يمكن أن يستمروا في لعب دور مهم في تطور البلاد ولكن بوجهة نظر ومنظور لم يسبق له مثيل.
وكلما زاد عمر الناس كلما استفاد منهم المجتمع أكثر ... ولأنهم ربما يظلون أحياء ليشهدوا نتائج أعمالهم فانهم سوف يدركون أن تصرفاتهم لها تأثير شخصي أكبر.. والشخص الذي يبلغ عمره 70 عاماً أو مائة سوف يفهم أنه بغير حادث أو قتل فسوف يتمتع بسنين أكثر من الحياة.. ولن نرى الناس تعتزل الأنشطة الاجتماعية والعمل والعائلة والثقافة والسياسة... بل يتوجب عليهم أن يظلوا مشغولين بأنفسهم لأنهم لن يتقاعدوا عن العمل والأنشطة الثقافية الأساسية.
ويستفيد المجتمع عندما يؤمن أفراده بأنهم سيتأثرون بصورة كبيرة بعدم طي أحداث أواسط عمرهم... وسيكون لديهم نزعة أقل بالشعور بالمرض واتخاذ القرارات التي ستغير المجتمع بايجابية.. نستطيع ان نتخيل بدرجة من التأكيد ان الأمريكيين اليوم الذين يعلمون أنهم سيعيشون حتى عام 2092م سوف يقومون بمجهودات أكبر لتخفيض العجز في الميزانية الوطنية... بينما يقلقون حالياً في عصر الصناعة الكلية من سداد الديون الوطنية المتراكمة منذ قرن.
ونستطيع أن نتخيل كيف أن الناس سيواجهون ليس فقط منظور الكبر في السن ولكن أيضاً المستقبل الشخصي الذي سيقاومون فيه الزمن والعمر أو يظلون شباباً لفترة طويلة... وسوف يصبح صاحب العمر 200 عام في المجتمع الجديد ليس كبيراً في السن رغم المقاييس الحالية كافة.. وسوف يهيئ تجديد وإعادة بناء الخلايا والأنسجة والأعضاء مجتمعاً من الشباب على الأقل يتميز بالصحة البدنية.
وسوف يتغير إدراك الأفراد لأنفسهم ومكانتهم في العالم تغييراً جذرياً... والسبب في ذلك أنه سيكون لديهم وقت أطول لتحقيق أهداف معينة. ومن جانب آخر نسبة لأنهم سيشهدون نتائج قراراتهم الشخصية لفترة أطول من الزمن لابد أن يثابروا ويجتهدوا أكثر في مسألة تحقيق النجاح المالي والشخصي.
مصادر المقاومة
رغم أن الجنس البشري قد يكون في مفترق حرج في صراعه مع نسبة الوفيات يظل هناك عدم ارتياح في المجتمعات المتقدمة حول أي زيادة جوهرية في فترة العمر... ولاشك أن أي تغيير من أي نوع سيواجه مقاومة معتبرة. ومع أنه موضوع في الحسبان أن الموت أكثر رفيق مرعب للإنسانية منذ أزمان غابرة إلا أنه لمن المدهش أن يقلق الناس للسيطرة عليه.
هل نود أن نحيا حياة طويلة للغاية؟
إن أول رد فعل سلبي لتمديد فترة الحياة سيكون شخصياً بحتاً، الناس ليسوا متأكدين مما إذا كانوا يرغبون أن تمتد حياتهم التي يحيونها إلى عمر أطول ورغم أن أكثر من نصف الناس الذين شملهم الاستفتاء ذكروا أنهم يرحبون بأن يعيشوا لفترة )200( عام إلا أن آخرين ينظرون إلى ذلك بمنظار مختلف تماماً... حيث كانت معظم الاجابات السلبية حول اطالة العمر )التعمير( ناشئة عن الاعتقاد بأن المعيشة في القرن الثاني من ذلك العمر ستكون بضعف ووهن بدني وصحي. ويفترض معظم الناس أنهم سيقضون أواخر سني حياتهم في جسم بأسلوب 1994م ولكن بعمر فرد يعادل خمسة وتسعين عاماً.
وفي الحقيقة فإن تحقيق إطالة العمر يتكامل مع الاكتشافات التقنية الكثيرة التي تمت مناقشتها سابقاً بما في ذلك تجديد الخلايا واصلاح الأنسجة واستبدال الأطراف والقضاء على معظم الأمراض المتلفة للخلايا والأنسجة. وفي عالم توجد فيه هذه الأعمال الفذة فلن يبدو الشخص كأنه في الخامسة والتسعين كما هو الحال الآن بل سيكون شاباً... لهذا فاطالة عمر شخص ما كذلك تتضمن استمرار الشباب والصحة.
والناس الذين يعارضون فكرة اطالة العمر دون حدود يتفاعلون بمنظور صنعته تجارب الإنسان الحالية مع الشيخوخة والمرض. وسوف يغيرون رأيهم عندما يتحققون أنه في العصر الجديد حياة أطول تعني حياة صحية أكثر.
وهناك مصدر شخصي آخر لمعارضة اطالة العمر وهو نزعة الناس لنقل تجاربهم الذاتية إلى المستقبل... والناس الذين عاشوا أوقاتاً عصيبة من الحياة يخافون من أن يعيشوا نفس الحياة التعيسة لقرن آخر.
ولاشك أن رد فعل كهذا من الممكن تفهمه والتعاطف معه. وفي عصر الصناعة الكلية عندما تظهر فترة اطالةالعمر جذرياً لأول مرة فسوف تصبح جزءاً لايتجزأ من النسيج الاجتماعي... ويعني ذلك للفرد أن كل حقبة تمثل بالنسبة له فرصة للتدريب على مهارات جديدة ويعيش في كوكب آخر ويساهم مساهمة غريبة. ولأن فترة الحياة نفسها سوف تطول، فإن فترة المراهقة حتى المبكر منها سوف تتضمن سنيناً أكثر يستطيع فيها الإنسان أن يجدد نفسه ويغير ويحسن حظوظه وربما يجد رفيق دربه )زوجة(.
وبعكس الفكرة بأن اطالة العمر سوف تمد من مشاكلنا فإن حياة أطول سوف تبرهن على أنها مصدر الأمل الأكبر لكل فرد.
التعمير )طول العمر( مستحيل
قد يبدو من المفارقة أنه رغم الاكتشافات الطبية إلا أن كثيراً من المؤسسات العلمية تعتقد أن البشر قد وصلوا إلى أعلى درجات اطالة العمر... والبعض يبدو مرتاحاً وهو يتخيل أن الوجود الإنساني محدد بحدود عليا زمنية..
وفي عام 1990م استخدم خبير الديمغرافيا جاي اولشانساكي وخبير الشيخوخة كرستين كاسل وخبير الاحصاء الاحيائي بروس كارنيس من مختبر آرجوني الوطني عدداً من المقاييس ليبرهنوا ان عصر الزيادة السريعة في عمر الإنسان قد انتهى في الدول المتقدمة... وتوصلوا بعد استخدام معادلات رياضية بسيطة أنه حتى لو قضينا على أمراض القلب والسرطان والأمراض الخطيرة الأخرى فسوف يؤثر ذلك تأثيراً محدوداً في نسبة الوفيات...وطبقاً لحساباتهم فإن الحد الأعلى لمتوسط حياة الإنسان خمسة وثمانون عاماً.
ويعترض علماء آخرون بحماس على ذلك ويفترضون أن أبناء الغد سيعيشون حتى 130 ، 150 وحتى 170 سنة... ولكنهم يخلصون إلى أننا يجب أن نكتشف سر الشيخوخة بتخطي الحدود التي تفرضها خلية الإنسان... حيث إن خلاليا الإنسان في التجارب المختبرية تنقسم إلى خمسين مرة فقط قبل أن تتفكك مثل الآلات البالية.
ورغم أن الخلايا إذا تركت لأجهزتها محددة بعدد المرات التي يمكن أن تتضاعف فيها إلا أنه بروح عصر الصناعة الكلية ترغب البشرية بشدة في مساعدة الجسم ليسمو فوق حدود استراتيجيته وميكانيكيته لاصلاح الخلايا.
كيف نساعد الطبيعة البشرية لتحقيق أفضل ما لديها؟ يقترح البعض أننا في النهاية سنستخدم الحواسب الآلية «النانو» لإبلاغ الخلية لوقف التضاعف ومن ثم نقضي على السبب الرئيسي للتلف الخلوي... والرأي المستحدث الآخر هو اصلاح الخلية قبل حدوث التفكك... وكما اشرنا فإن اصلاح الخلية قد يجدد العظام الواهنة والجلد المجعد وضعف انشطة الأنزيم وانخفاض التئام الجروح وضعف الذاكرة. وحسب ما رأينا من تجارب تقنية النانو فإن تلك الخلايا من الممكن اعادة بنائها عن طريق هندسة الصناعة الدقيقة.
ومن المتوقع أن أولئك الذين تظل تركيبة خلاياهم جيدة حتى ذلك الزمن الذي نمتلك فيه آلة اصلاح الخلايا فسوف يستردون صحة شبابية وبدن شبابي.
وكما رأينا أن الاعتلال الرئيسي في الشيخوخة بما في ذلك مرض الخرف المبكر )الزهايمر( ووهن العظام من الممكن اخضاعه للهندسة الوراثية عند الولادة أو في فترة من فترات الحياة.. ويشعر البعض أن بحوثا مثل التي يقوم بها مشروع الجينات الإنسانية )HUNMAN GENOMEPROJECT( قد تكشف عن جين معني بالشيخوخة يمكن اعادة برمجته ليعدل عملية الشيخوخة.
وقد اكتشف الباحثون في المركز الطبي بجامعة تكساس بدلاس برنامجين منفصلين للجينات، الفنائية )MORTALITY"1"()1( والفنائية )MORTALITY"2"()2( يبدو أنها تسبب هرم الخلايا البشرية. ويتسبب كل من البرنامجين في اضمحلال الخلايا ومن ثم موتها... وفي تجارب خاصة اجريت على خلايا الإنسان اكتشف الفريق أنه عندما أوقفوا نشاط أحد تلك البرامج )الفنائية 1( عاشت الخلايا 40 إلى 100%زمناً أطول... ولدهشتهم عندما أوقفوا نشاط الفنائية)2( أصبحت الخلايا مستمرة في التكاثر دون حدود. وقد حددت شركة بحوث من كاليفورنيا تدعى جيرون )GERON( مجموعة من الجينات تساعد على الهرم في خلايا المخ وخلايا الجلد وخلايا الأوعية الدموية وتقوم بتطوير عدد من المركبات تسمى سنستاتينز )SENSTATINS( تقلب عملية الشيخوخة في تلك الخلايا. وتعتقد الشركة أن سنستاتينز سوف تشكل أساس علاج لايقاف عملية الشيخوخة أو قلبها عكسياً واعادة الجلد المنكمش إلى شكله الشبابي.
الترتيب الطبيعي للأشياء
ناقشنا امكانية مقاومة الناس لامتداد فترة الحياة نسبة للتحفظات العميقة حول تأثير مثل تلك التغييرات في حياتهم الشخصية ولكن مقاومة اطالة العمر موجودة على مستوى ثقافي وفلسفي أكثر عمقاً... ويبدو أن هناك افتراضاً مشتركاً أن كل الأشياء لديها وجود طبيعي محدد مسبقاً سوف تخالفه البشرية بعبثها بالعمليات المبدئية مثل وظائف الخلية والذرة.
والاعتقاد بأن هناك ترتيباً طبيعياً يجب ألا يغيره البشر أويحاولوا السيطرة عليه موجود في جميع مراحل الحضارة والعلوم والأديان والبيئات.
ودعونا ننظر إلى رد فعل أحد العلماء حول استخدام أدوية الهرمونات لاطالةالعمر... فطبقاً للطبيب روبرت ماركوس من ستافورد إن كل مفهوم اطالة الحياة عبارة عن كلام فارغ... والهدف الوحيد الذي يستحق بذل الجهد لتحقيقه هو مساعدة كبار السن للعيش في سعادة وعجز أقل.. وماعلينا إلا الانتظار لنرى استجابة ذلك الطبيب للتأثير الجذري لتقنية النانو والتقنية الدقيقة حول توقع طول فترة الحياة.
ولنفترض أن الاكتشافات العلمية والتقنية تقدمت لدرجة أنه تلوح في الأفق اطالة العمر بصورة مذهلة. هل ستتحدث القوى التي كانت تقول كفى بمعاونة قوى معارضة النمو مثل «جيري ريفكن» وزملاؤه حول موضوع إطالة العمر؟ هل سيعوق الانحياز الثقافي حول عدم التدخل في الترتيب الطبيعي للأشياء التكنولوجية كلما اقتربت من السيطرة على الطبيعة؟.
ويأخذ النفور من تغيير الطبيعة أشكالاً مدهشة... دعونا نتأمل رد فعل البعض لنجاح البشرية الحديث في تخفيض حوادث الأمراض القلبية... ،ويتركز ذلك في أحد الجوانب المعاكسة أو المضادة لذلك النجاح: بتخفيض نسبة أمراض القلب عند الأفراد في الأربعينيات والخمسينيات من العمر تزيد من فرص إصابتهم بتصلب الشرايين عند بلوغهم الثمانينيات وما يزيد عليها... واستغل البعض هذه الحقيقة للتقليل من نجاحنا في القضاء على مرض القلب المبكر. وفي المناقشات حول التطور الطبي يظهر الجدل التالي باستمرار: إذا مددت فترة الحياة ألا تزيد من امكانية أن البشر ستواجههم مشاكل أخرى مثل التهاب المفاصل والزهايمر في سنواتهم الأخيرة من الحياة؟.
وهذا المنطق لن ينتصر أبداً ولكنه يصبح جدلا قانونيا وفلسفيا آخر يستغله «ريفكن وأنصاره» وزملاؤه لتخفيض سرعة التطور في الحقل الطبي... وهذا يعني قليلاً لأولئك النقاد لأنه كلما تطورنا في علوم الصحة في أي نقطة من دور الحياة تعزز منظور البقاء الأطول للجنس البشري. ويبرهن القضاء على مرض القلب المبكر ذلك... وطبقاً للكينت مانتون خبير ديموغرافيا من جامعة ديوك «ان تخفيض أعداد الذبحات الصدرية المبكرة )غير مميتة( قد يعني عدم حدوث مرض تلف )اضمحلال( القلب فيما بعد»... لهذا فمعالجة مشاكل القلب في مرحلة مبكرة تقود إلى صحة أفضل في مرحلة لاحقة.
وإذا كانت الثقافة مرتبطة حقاً بمفهوم الترتيب الطبيعي سوف تصبح تلك الاكتشافات العلمية لا علاقة لها بالثقافة. ولاشك أن الثقافة عنصر مهم في تحديد التطور الاجتماعي المستمر كأهمية التقنية التي تكتشفها.. والتقنية النابعة من عقل المكتشف والاختراع المتواجد على منضدة عالم سيصبحان حقيقيين فقط عندما تقبل الثقافة قانونية التقنية وترغب في تطبيقها.
الخوف من فجوة بين الأجيال
إن أحد المخاوف التي تحدث دون وعي فيما يتعلق بتحقيق اطالة العمر تتضمن فترة التحول غير المريحة التي تحدث فيها الاكتشافات الأساسية لاصلاح الخلايا واعادة الشباب ولكن لأسباب طبية ما لايمكن تطبيقها على أحد.
لاشك أن ذلك اللغز المحير سيواجه البشر لسنين عدة ويعقد مسألة اطالة العمر أكثر... فلنفترض أنه تم اكتشاف تقنية لتجديد الخلايا من الممكن أن تنقذ الخلايا السليمة وتؤمن حياة طويلة للمستفيدين من تلك التقنية... لاشك أن كثيراً من الناس ستكون خلاياهم تالفة بقدر لا يمكن مساعدتهم... ونواجه ذلك في حالة تليف الرئة الكيسي )C.F( حيث لدى كثير من المرضى المراهقين رئتان تالفتان لدرجة لايمكن معها أن يستفيدوا من الاكتشافات الدوائية والاستراتيجيات الوراثية.
ففي المراحل المبكرة من تنفيذ تلك المعجزات الطبية سوف يكون لدينا جزء من السكان ولدوا متأخرين بعيداً عن التمتع بتلك الإنقاذات الطبية التي سيستفيد منها آخرون في أواسط العمر.
ونحن على وعد مع التقنية بإطالة فترة الحياة في المستقبل القريب ومساعدتنا بصورة فورية في رفع مستوى الصحة... وعلى أي حال فالمستقبل البيولوجي لن يتم البت فيه بقدراتنا ولكن برغباتنا. ونحن نعبر عن خوف معين عند محاولة اكتشاف العالم الخفي للخلود... ورغم أن الموت مصدر للخوف والذعر إلا أنه يؤمن لكل منا احساساً بالراحة وحدوداً معروفة تماماً حول حياتنا بمنحنا شعوراً بالاقفال والنهاية.
ومن المفارقة أن يتم أخيراً تحقيق الحلم الذي ندعي أننا نتمناه منذ زمن بعيد وهو طول العمر... وعندما نتوصل لذلك هل سنرغب في الشباب الدائم الذي يحدثه تجديد الخلايا؟ أم ستبدأ الإنسانية الشعوذة التي أدمنتها لقرون عن الحدود العليا الملائمة لفترة حياة البشر؟ هل سنصل أخيراً إلى هذا المفترق الحرج وندهش أنفسنا باتفاق جماعي ونهتف بصوت كالرعد لا؟
بالتأكيد عندما نقترب من تطوير الأساليب لاعادة برمجة خلايانا وجيناتنا بصورة أساسية لابد أن نتوصل إلى اتفاق جماعي حول الطرق والاستراتيجيات للاستفادة من تلك التقنيات... ويجب أن تبدأ قيادات المجتمع بتوضيح واحاطة المواطنين بمثل تلك الاحتمالات وتحث على اجراء حوار حول قضية اطالة العمر.
والخطر الموروث في مثل ذلك الحوار أن أولئك الذين يعارضون التطور سوف يستخدمون الحوار كمنطلق لافشال المشروع برمته... وربما يوفر لهم منبراً عاماً لادانة البيوتكنولوجيا وتقنية النانو وعلم العقاقير واطالة الحياة عامة.
وفي النهاية
لقد عرضت ماتوصل إليه العلماء، مؤمناً بأن ماتحقق وسوف يتحقق إنما هو بمشيئة الله وإرادته، وأنه دون ذلك لن يتحقق أي إنجاز.
أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved