أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 31th March,2001 العدد:10411الطبعةالاولـي السبت 6 ,محرم 1422

مقـالات

وداع حاج
د. عبدالله بن محمد الرميان*
لقد منّ الله تعالى علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى كما قال تعالى : « وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها» وكما قال جل وعلا «و ما بكم من نعمة فمن الله».
وكم يتقلب المسلم بالنعم ولا يحس بها ولا يعرف قدرها،وإنما يعرف قدرها حق المعرفة عندما يفقدها ولذا قيل في المثل «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى».
وأعظم نعمة منّ الله بها علينا هي الهداية للإسلام فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
الا وان نعمة العيش في الديار المقدسة والبلاد الطاهرة قبلة المسلمين ومهبط الوحي من أعظم النعم بعد نعمة الإسلام يعرف المواطن ذلك عندما يقارن سهولةوصوله لهذه الديار وأدائه للمناسك إن لم يكن من سكانها مع حال الذين يفدون كل سنة من شتى بقاع الأرض يقطعون الفيافي والقفار يتجاوزون عقبات كثيرة وينفقون أموالا طائلة للوصول الى ر حلة عمرهم.
ولذا نرى شوق الحاج للوصول لهذه الديار أمرا يصعب وصفه فهم يسيرون والأمل يحدوهم للوصول لأطهر البقاع فتسبق قلوبهم أجسادهم الى هذه الأماكن المقدسة ومع بعد المسافة وخوف الطريق تتقطع قلوبهم حسرة قبل الوصول إليها خوفاً من عدم بلوغها وهذا عبدالرحيم البرعي يرحمه الله يصف حال أولئك وهو واحد منهم حيث داهمه المرض قبل وصوله بقليل مما زاد من شوقه للوصول لكن المرض أعاقة عن المأمول فقال هذه القصيدة التي لفَظ مع آخر بيت منها نفسه الأخير:


ياراحلين الى منى بقيادي
هيجتمو يوم الرحيل فؤادي
سرتم وسار دليلكم ياوحشتي
الصوت أقلقني وصوت الحادي
حرمتمو جفني المنام ببعدكم
يا ساكنين المنحنى والوادي
ويلوح لي ما بين زمزم والصفا
عند المقام سمعت صوت منادي
ويقول لي يا نائما جدّ السرى
عرفات تجلوا كل قلب صادي
من نال من عرفات نظرة ساعة
نال السرور ونال كل مرادي
تالله ما أحلى المبيت على منى
في ليل عيد أبرك الأعيادي
ضحوا ضحاياهم وسال دماؤها
وأنا المتيم قد نحرت فؤادي
لبسوا لباس البيض شارات الرضا
وأنا المتيم قد لبست سوادي
يارب أنت وصلتهم صلني بهم
وبحقكم يارب فك قيادي
فإذا وصلتم سالمين فبلغوا
مني السلام أهيل ذاك الوادي
قولوا لهم عبدالرحيم متيم
ومفارق الأحباب والأولادي

ثم تراهم بعد ذلك يتقلبون بين هذه المشاعر ويتنقلون بين هذه المناسك لا يصدقون أنهم في هذه الديار التي طالما سمعوا بها وحُدثوا عنها وشوّقهم إليها الآباء والأجداد الذين ربما حالت الظروف دون وصولهم إليها.
ولذا ترى الحاج يتلذذ في هذه المشاق ويعيش في هذه الرحلة رغم صعوبتها أحلى ليالي عمره فلا عجب إذاً من صعوبة مغادرة هذه الديار على نفسه وقد عاش فيها أوقاتا إيمانية لا تتكرر أقول هذا وقد عشت قبل أيام وداعا مؤثرا لثلة من الحجاج ما ظننت أن التعلق يصل بهم الى هذه الدرجة فقد أقبلوا علينا في المسجد يودعون ويبكون رغم ان لغة التفاهم مفقودة بيننا لكن لغة الدموع أبلغ وربما ظن الرائي لحال أولئك أنهم فقدوا بعض أبنائهم لشدة تأثرهم حتى ان أحدهم ليهادى بين الرجلين في خروجه من المسجد.
هذا الوداع المؤثر ذكرني بهذه النعمة التي غفلنا عنها وذكرني بما ذكر لنا أحد العاملين مع الحجاج قبل سنوات من قصة تلك المرأة المسنة التي جاءت من الهند لأداء المناسك فلما هبطت الطائرة في مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة ووقفت بقدميها على أرض المطار قالت: أوصلنا الى الديار المقدسة؟ قالوا: نعم قالت: الحمد الله ثم سجدت لله تعالى على أرض المطار فكانت هذه السجدة آخر عهدها بالدنيا حيث قطع الشوق قلبها وحولها الى جثة هامدة.
* جامعة أم القرى

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved