أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 4th April,2001 العدد:10415الطبعةالاولـي الاربعاء 10 ,محرم 1422

مقـالات

رؤى وآفاق
المجد للسيف ليس المجد للقلم
د. عبدالعزيز الفيصل
يكتب القلم ما شاء وتبقى الكلمة الأخيرة للسيف، وصاحب القلم يكتب تحت إمرة صاحب السيف منذ ان وجد القلم. لقد كتب القلم صلحا وحقن دماء في حالات كثيرة، وكتب كثيراً واطنب في حالات أخرى ، فلم يستطع ان يصل الى شيء من المجد، فابتعد وترك مكانه للسيف اخي المجد، وهذا دأب القلم منذ القدم.
لقد هُضِم حق قيس بن زهير عندما سبقت جياده فلجأ الى السيف مكرهاً مع علمه بقوة ذبيان، وتحالفها مع بني أسد وطيء، ومع ذلك اشعل حرب داحس والغبراء اربعين سنة، لقد نصره السيف في يوم الهباءة فقتل رؤوس ذبيان ومنهم حذيفة بن بدر، ونصره سيف عنترة بن شداد اقوى سيف قبل الاسلام، ومع ذلك عرف قيس بن زهير ان السيف تَفُلُّهُ سيوف، فاختار المصير المظلم على الصلح المهين مع ذبيان، لانه لا يرغب في الرئاسة بأي ثمن، وانما يرغب فيها في حالة كون سيفه قويّاً. لقد تنازل عن الرئاسة للربيع بن زياد، وقال لقومه اصلحوا مع ذبيان إن شئتم، أما أنا فسأمتطي ظهر الصحراء الى ما شاء الله، وهام على وجهه في صحراء نجد، والبحرين، حتى وصل الى عُمان، فعميت اخباره. ان السيف شر لا بد منه في حالات كثيرة، لقد لجأ المتنبي الى السيف عندما كان راجعاً من المشرق الى العرق، وكان باستطاعته ان يهرب من وجه قبيلة احاطت به، فثبت مع علمه بالخسارة فقدم نفسه وماله لقمة سائغة لأعدائه، فقد مجَّد السيف في شعره، واشاد به في قصائده، فلا مهرب من مصاحبته في ساحات القتال، مهما كان ثمن الخسارة. وصلاح الدين الأيوبي استكتب اشهر قلم عربي في عصور الإسلام الوسطى، وهو قلم القاضي الفاضل، الذي دبج الرسائل الكثيرة الممهدة لفتوح صلاح الدين، ومع اشادة صلاح الدين بالقلم، ومعرفة فضله، إلا أن مجد السيف مقدم عليه، فالسيف هو صاحب الانتصار في حطين، فبِحَدِّه مُنِعَت جيوش الاعداء من الاقتراب من الماء في بحيرة طبرية، فهم يرون الماء يترقرق ويبرق أمام أعينهم ولكن حد سيف صلاح الدين يمنعهم من ذلك، لقد كان المجد للسيف في ذلك الموقف، عندما كان المسلم يأسر الثلاثين من الاعداء في حبل واحد، فالقلم لم يستطع ان يحقق ما حققه السيف في تلك المعركة التي مهدت الطريق لفتح القدس، فسار الى المدينة القائد المظفر صلاح الدين الايوبي، وواصل السيف امجاده، فأعمل حده في رقاب الاعداء حتى فتحت المدينة ابوابها لصلاح الدين الايوبي، نعم المجد للسيف في تلك المواقف التي انتصر فيها الاسلام، وعلا شأن المسلمين، فلم يستطع القلم ان يحقق في سنوات ما حققه السيف في أيام. وفي تاريخ المملكة العربية السعودية مواقف مشرفة للسيف والقلم، ولكن السيف في مواقف الحرج يتقدم على القلم، فقد خط القلم رسائل يومية يمليها قائد الكتائب المنتصرة الملك عبد العزيز ويحملها الشيخ عبد الله العنقري الذي بدت جَادَّتُه واضحة في بُعُول اهل الزلفي وهو يحمل تلك الرسائل الى الإخوان، لعلهم يرجعون الى حظيرة الامن، وينأون بأنفسهم عن الشقاق والمخالفة، ان القلم يسيل مداده بالمواعظ المودعة في رسائل طويلة حرصاً من الملك عبد العزيز على حقن دماء المناوئين قبل حقن دماء الموالين، وقد سار القلم في طريق المجد وقطع اشواطاً ظن انه سيصل من خلالها الى قمة المجد، ولكنه لم يستطع ذلك، لقد انسحب عن منازلة السيف، وعند ذلك امر الملك عبد العزيز كبير ابنائه الامير سعود (الملك سعود) ان يسير في الكتائب ويبلغها بألا تبرح اماكنها، وسار سعود على جواده الاشهب منفذاً امر والده في صباح بدت فيه السيادة للسيف، ولم تزل شمس ذلك اليوم إلا والسيف قد حقق المجد وابرزه علامة تسير بها الركبان، فقد انقطع دابر الشر، بفضل الله ثم بفضل السيف، الذي حقق الانتصار، فتوحدت الكلمة وعم التآخي ونأى الخلاف، وزالت الفرقة، فالسيف الذي حسم المعركة سيف بطل صحبه النصر في مواقف كثيرة.
ان مداد القلم سيسيل عندما تكون الخيارات مبسوطة امامه، لان حقن الدماء حثت عليه الاديان السماوية وختمها الاسلام الذي يحترم دم الانسان ايا كان، ولكن عندما تضيق الخيارات يبرز خيار السيف، وان كان مصير حامله محفوفاً بالاخطار، واذا كان المجد للسيف فيجب ألا ننكر ما حققه القلم من انجاز في تاريخ الانسانية ومنه تاريخ الاسلام، فقد دون القلم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ودون فتوحات الصحابة والتابعين، واشاد بالابطال من امثال سعد بن ابي وقاص، وخالد بن الوليد، وابي عبيدة والمثنَّى بن حارثة وعمرو بن معد يكرب، وحذيفة بن اليمان، ومحمد بن القاسم، وموسى بن نصير، وغيرهم، ومن خلال استقراء التاريخ يظهر التلازم بين السيف والقلم، فلا يعلو شأن امة إلا عندما تمسك القلم بيد والسيف باليد الاخرى.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved