أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 4th April,2001 العدد:10415الطبعةالاولـي الاربعاء 10 ,محرم 1422

الثقافية

مواسم الحب
حوار آخر
عبير عبدالرحمن البكر
حوار يدور في الأفق.. يحتل الزوايا.. يصعد الى أسقف أسمنتية يخترقها ويخنق القمر..!! تتهاوى النجمات.. تسقط بيدي..!
الحوار ولا شيء غيره يبدأ لك حياة جديدة وينهي لك أخرى.. الحوار الذي يصنعه الآخر ويصفق له الكثير.. ويراه سفاهة كثير وآخرون.
الحوار.. الذي يجعل للحياة أشرعة نطير بها نرفأ الحلم المثقوب.. والحوار الذي يئد الحياة حيث تنام في ثرى النهاية..
هو الحوار الذي دار بين والدي والعم سعد.. الحوار الذي خنقني وكتف ارادة والدي وصلابة موقفه.. الحوار الذي جعله العم سعد له ومنه ولأجله.
الكلمات النارية المهددة المتوعدة التي تركت عندي برقيات عاجلة الى المبادرة نحو صنع موقف وافتعال حدث.. الأسهم التي كان العم سعد أشهر رامٍ لها ووالدي أضعف طير.. تخترقه وهو لا حول له ولا طول..!!سوى ترديد كلمات مقتضبة: «مستحيل.. أنت تخلط الأمور..!!» والعم سعد يساوم.. ويساوم.. ويساوم.
الزيارة الأولى للعم سعد كانت هادئة يطالب فيها والدي بالمبلغ الذي استدانه منه
والزيارة الثانية كانت أكثر هدوءاً للعم سعد وأكثر وجعاً لوالدي.. أكثر حصاراً.. أكثر سطوة وظلماً.. العم سعد يطلب سداد الدين المتراكم.. أو حواراً آخر.. يكون العم سعد الزوج سعد.. لهذه المسكينة التي بدون تخطيط مسبق سمعت هذا الحوار الآخر..
العم سعد.. يساوم سداد الدين أو الزواج من الابنة الكبرى للشيخ صالح التي تدرس في المرحلة الثانوية.. التي وقفت بدون أدنى معرفة.. ليفاجئها حديث هادىء ملغوم.. التي جعلت من أذنها قنبلة تتفجر في مستقبل قادم لأنها التقطت هذا الركام..
هذا الغبار.. أو الدخان.. التي هي أنا!!
أبي يقاوم الضعف البادي والعجز الذي يكبل شموخه الذي اعتدناه وتعلمناه ولا حيلة له بسداد الدين ولا في استطاعته ان يهبني للعم سعد وهو من علمني بهاء الاختيار وغرس بروحي جمال المستقبل.
كل ما أملكه أنا أيضا حوار ساخن دافئ يشعل برودة هذا التعب الذي سرى بأطرافي وأحالها الى دهشة.. الى موقف عاجل أنهي به تعب والدي وذله للعم سعد الذي يملك الكثير.. المال والزوجات والأولاد والكثير من الذل والمهانة للآخرين ولا ينقصه الا اضافة زوجة شابة يملؤها الخنوع والاستسلام لأنها مغلوبة على أمرها سمعت ما دار علها تنقذ ضياء حياتها، والدها الشيخ الكبير الذي قضى عمره يركض بشقاء لمنحنا ابتسامة مسروقة من جهده ومرضه وعذاباته اليومية التي ما جعلته إلا ذاك الودود الرحيم المبتسم المبحر معنا نحو مستقبل نشمخ به ويعلو بنا..
كل ما اسعفتني الدهشة والوجع ومرارة الاكتشاف انطلاقة متعبة الى والدتي القابعة خلف تواصل من الأفكار التي ما وجدت لها مرسى أو دليلاً.. تكومت كلماتي قبل أن انطلق.. فنطقت وتلعثمت وتكلمت فتداخلت كل المعاني الأكبر في قلبي.. كل ما استطيع قوله «أمي إنني موافقة»..!! والحيرة والاستغراب يعلوان عيونها. تباشر روحها الخائفة.. من نظراتي الزائغة. من كلماتي المبعثرة تهزني «تسألني على ماذا موافقة..».
أجيب.. «وأنا اختار فارسي.. الكهل العم سعد..».
لا هي تعرف ما الخبر ولا أنا أدرك بماذا أقرر واختار..
طفت.. وعدت حلقت وهدأت..سافرت.. ورسوت
«أنا موافقة على الزواج بالعم سعد.. عفوا بالشيخ سعد»
الذي أتى طالبا الزواج مني هذا المساء.. هذه الدقيقة..!! صفقت بالباب.. وبروحي ومشاعري وآلامي وربما انتهاء تعبي. عفوا تعب والدي.. وبداية شقاء لا ينتهي مع كهل..!! هكذا اقنعت نفسي وأحيانا حواراتنا هي التي تختار حياتنا، لذا حواري خلاص لوالدي ولنا جميعا ولعل الحياة تبدأ حيث سعد لأواصل تعليمي. استقر بحياتي وهكذا اقنعت والدي. وهكذا عقد عليّ العم سعد وهكذا انتظر اليوم المحتوم الذي أزف فيه عروسا لذلك الكهل الذي حاولت ان اتوافق به مع مستقبل غائم مبهم..!!وهكذا يدخل والدي مذهولا مشدوها مبهورا خائفا شاردا.. العم سعد مات في حادث مروري أثناء سفره لإحدى القرى القريبة. العم سعد ترك لي ثروة طائلة ودهشة قد لا أفيق منها إلا بعد حوار آخر.
abeeralbaker@maktoob.com
أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved