أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 7th April,2001 العدد:10418الطبعةالاولـي السبت 13 ,محرم 1422

مقـالات

ميميَّةُ بشار .. (بين أبي جعفر وأبي مسلم):
أبوعبد الرحمان بن عقيل الظاهري
في رواية أبي الفرج بإسناده إلى التيميِّ: أن بشاراً حوّل القصيدة من مدح إبراهيم بن عبدالله بن حسن إلى مدح أبي جعفر المنصور بعد قتل إبراهيم، وهي بهذا النص:


أبا مسلم ما طول عيش بدائم
ولا سالمٌ عما قليل بسالم
على الملك الجبار يَقتحم الردا
ويصرعه في المأزق المتلاحم
كأنك لم تسمع بقتل متوَّج
عظيمٍ ولم تسمع بفتك الأعاجم
تقسَّم كِسْرا رهطُه بسيوفهم
وأمْسا أبو العباس أحلام نائم
وقد كان لا يخشا انفلات مكيدة
عليه ولا جَرْيَ النحوس الأشائم
مقيماً علا اللذات حتّا بدت له
وجوه المنايا حاسرات العمائم
وقد ترد الأيام غُرّاً وربما
وردن كلوحاً باديات الشكائم
ومروان قد دارت على رأسه الرحا
وكان لما أجرمتَ نزرَ الجرائم
فأصبحت تجري سادراً في طريقهم
ولا تتقي أشباه تلك النقائم
تجردت للإسلام تعفو سبيله
وتعري مطاه لليوث الضراغم
فما زلت حتى استنصر الدين أهلَه
عليك فعادوا بالسيوف الصوارم
فَرُمْ وزراً ينجيك يا ابن وشيكةٍ
فلستَ بناج من مَضِيم وضائم
لحا الله قوماً رأسوك عليهمُ
ومازلت مرأُوساً خبيث المطاعم
أقول لبسّامٍ عليه جلالة
غدا أريحياً عاشقاً للمكارم
سراجٌ لعين المستضيإ وتارة
يكون ظلاماً للعدو المزاحم:
إذا بلغ الرأي المشورةَ فاستعن
برأي نصيحٍ او نصيحة حازم

ثم مضا ينثر لآلأه عن المشورة.
وعند البلاذري:
غدا أريحياً في الرجال الأكارم.
وعند أبي هلال العسكري: ما كل عيش بدائم.. ولم تعلم بهلك الأعاجم.. وقد ترِد الأيام عزاً.. كلوماً باديات الكشائم.. دارت على نفسه الردا.. لإجرامه لا بل قليل الجرائم.. تلك الفقائم.. تعفو رسومه.. وتعري مطايا.. فعاذوا بالسيوف.. غداً أريحياً.
قال أبوعبدالرحمن: كثير من هذا: إما تصحيف أو تحريف، وإما تطبيع، وإما اجتهاد أديب لم يستحسن الرواية، أو لم يفهم وجهها فاجتهد في التعديل كما يفعل رواة الشعر العامي.
وورد هاهنا «أبا مسلم» بدل «أبا جعفر».. كأن بشاراً يتهدد أبا مسلم باسم أبي جعفر.. ووشيكة ام أبي مسلم، وسلامة أم أبي جعفر، فغيّر سلامة إلى وشيكة.. وحذف بيتاً صريحاً في إبراهيم لا ينطبق على أبي جعفر جاأ بعد «أقول لبسام....»، وهو:


من الفاطميين الدعاة إلى الهدا
جهاداً ومن يهديك مثل ابن فاطم

وعند البلاذري: قياماً وما يهديك.
قال أبو عبدالرحمن: وفي رواية أبي الفرج الأصفهاني الأخرا: «وخاف بشار أن تشتهر فقلبها، وجعل التحريض فيها علا أبي مسلم، والمدحَ والمشورة لأبي جعفر المنصور».
وعند أبي أحمد العسكري: «خاف بشار؛ فقلب الكنية، وأظهر أنه قالها في أبي مسلم».. ولم يحذف أبو أحمد: من الفاطميين الدعاة.
أما تلميذه أبو هلال العسكري فقد أورد القصيدة علا وضعها الأول في تهديد أبي جعفر، واكتفا بإشارته إلى أنه قلب الكنية، ولم يذكر حذف: من الفاطميين الدعاة.. إلخ.. وكلا العسكريين لم يذكرا البيت الذي فيه ابن وشيكة. وورد البيت المحذوف عند بعضهم هكذا في الديوان:


من الهاشميين الدعاة إلى الهدا
جهاراً ومن يهديك مثل ابن هاشم

فهذا يشمل إبراهيم بن عبدالله بن حسن، وأبا جعفر المنصور، فكلاهما هاشمي.. فإن صح أن بشاراً حوَّل القصيدة إلى مدح أبي جعفر المنصور: فهو غيَّر هذا البيت ولم يحذفه.. إلا أن هذا التصرف غير مقنع للدولة العباسية، لأن أبا مسلم لا يُفاضل بأدنا العرب، فكيف ببني هاشم!.. وبغير هذا التعديل ورد البيت في الديوان الذي حققه مهدي محمد ناصر الدين بنفس سياق أبي الفرج، وبذكر أبي مسلم وابن وشيكة.
قال أبوعبدالرحمن: عُلم من كلام أبي الفرج والعسكريَّيْن فيما رووه عن غيرهم : أن بشاراً أظهر القصيدة للناس ولأبي جعفر بعد قتل إبراهيم بن عبدالله عام 145ه، وجعلها تحريضاً على أبي مسلم.. وهذا لا يُقبل إلا بدعْوا أخرا مضمرة، وهي أن بشاراً ادّعا قدم قصيدته، وأنه لم يُشهرها إلا بعد سنوات.. هذا ضروري لقبول ادعائه أنها في التحريض على أبي مسلم وليست هجاأ لأبي جعفر، لأن أبا مسلم قتل عام 137ه.. فكيف يقول بشار قصيدة في التحريض على قتله عام 145ه. أي بعد قتله بثماني سنوات؟!.
قال أبو عبدالرحمن: مدار الأمر عندي على أحد احتمالين: إما أن يكون هذا التحويل طرفة أدباإٍ لا نصيب لها من الواقع، وإما أن يكون بشار ساذجاً غبياً، لأن أبا جعفر وبلاطه ممن لا يجوز عليهم هذا التحويل الساذج.. والاحتمال الأول أرجح.
وقد ضرب بشار الأمثال لأبي مسلم على دَعْوا التحويل بملوك استلحمتهم سيوف أعدائهم أو أبعدتهم عن ملكهم.. وأبو مسلم ليس ملكاً ولا خليفة تُضرب له الأمثال بالملوك، ولهذا فلن يصدِّق أبو جعفر بأن الشعر في أبي مسلم.. ولو صدَّق جدلاً لكان ذلك مستهجناً عنده، لأن أبا مسلم ليس نظير الملوك.. وبشار أذكا من إبقاإ التعديل على هذا الحد الساذج.
وأجمل بشار ضرب المثل بأحد الأكاسرة الذي ثار عليه قومه، وتوسع في ضرب المثل بالدولة الأموية، فذكر أبا العباس الوليد بن يزيد بن عبدالملك بن مروان، وهو خليع متهتك(1) اغتاله قومه، فجعله بشار في سياق كِسرا، ثم ذكر مروان الذي شقي بالثورة العباسية، ثم قال عن عموم بني أمية:


فأصبحت تجري سادراً في طريقهم
ولا تتقي أشباه تلك النقائم

فهذا بيت لا يليق بأبي مسلم عدو بني أمية المتشيع لآل البيت، وإنما يليق بأبي جعفر وبني العباس الذين كانوا أشد قسوة على العلويين.. ولو حوَّل بشار القصيدة إلى مدح ابي جعفر لأبت ألمعيته بقاأَ هذا البيت على هذه الصيغة.. وبعد هذا كله فليس أبو مسلم المرأوس بخليفة هاشمي في مصف خلفاإ بني أمية، فيوصف بأنه سادر في طريقهم ولا طريق لهم إلا مطاردة العلويين ؛ فَيُخَوَّف بما حل بهم من نقمة!.
ومن غفلات الكبار الصُّلع قول عبدالسلام محمد هارون رحمه الله: «كانت كنية إبراهيم بن عبدالله أبا جعفر، وكان بشار قد قال فيه:


أبا جعفر ما طول عيش بدائم
ولا سالم عما قليل بسالم»(2).

قال أبو عبدالرحمن: نعم القصيدة في مدح إبراهيم، ولكن المعنيَّ بهذا البيت من هذه القصيدة أبو جعفر المنصور هجاأً لا مدحاً.. ولو كان المعنيَّ إبراهيمُ لكان مهجواً!!.. ولم يدَّع أحد أنه حوَّل القصيدة من مدح إبراهيم إلى هجائه، ولو ادُّعي ذلك لأبا السياق الدعْوا، لأن إبراهيم ليس ابن وشيكة، ولا ابن سلامة، ولأنه ليس على طريقة بني أمية، والله المستعان.
الحواشي:
(1) انظر عن أخباره الردِيْأة جمل أنساب الأشراف 9/3741 3801.
(2) المصون ص 162 «حاشية».

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved