أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 7th April,2001 العدد:10418الطبعةالاولـي السبت 13 ,محرم 1422

متابعة

الطب النفسي.. وصمة عار
د. مهدي بن محمد العنزي*
في ساعة متأخرة من إحدى الليالي، كان رنين الهاتف يملأ أجواء الاسعاف، رفعت سماعة الهاتف وإذا به يسأل: ممكن أكلم الطبيب؟ قلت له: معك الطبيب، وبدون تحفظ بدأ يسرد شكواه وبعد حديث طويل دار بيننا قلت له لابد من الحضور وفتح ملف ومقابلة الطبيب، فقال: لا أستطيع، ماذا سوف يقول الناس عني؟.. هل أنا مجنون؟ حاولت وبكل ما أوتيت من قوة أن أشرح وأبين له لكنه كان أكثر اصرارا على أن أصف له العلاج بواسطة الهاتف، حاولت عبثا أن أبين له ان هذا الأمر غير صحيح وغير علمي. فما كان منه إلا أن شكرني على هذه النصائح وأغلق سماعة الهاتف.
هذا الحوار تكرر مرات ومرات معي أو مع زملائي، كما أن خلفية المتصلين تختلف وتتدرج من الإنسان العادي الأمي حتى تصل الى خريج الجامعة ذكورا وأناثا، وأنا لا أستغرب هذا التصرف فما زال مجتمعنا وكثير من المجتمعات في العالم يلحق وصمة الجنون بكل من يذهب الى مستشفى للأمراض النفسية، وأنا أعتقد أن لهذه النظرة الخاطئة والقاصرة أسبابا كثيرة، لن أتطرق في هذه العجالة إليها كلها ولكن سوف أناقش أهم سبب أدى الى ترسيخ هذه النظرة وعدم تغيرها على مدى السنين ألا وهو قضية التوعية ورفع الوعي لدى أفراد المجتمع. ويتحمل هذه المسؤولية كافة أفراد المجتمع بكل فعالياته ويتحمل الاعلام النصيب الأكبر في هذا المجال ولعله من المؤسف ان الإعلام وبصودة غير مقصودة ومن خلال المسلسلات التلفزيونية قد أظهر المريض النفسي على انه ذلك الرجل المجنون الذي يتم القبض عليه بواسطة ممرضين هم أقرب في هيئتهم الجسدية الى أبطال المصارعة الحرة في الوزن الثقيل، تخلو قسمات وجوههم من أي معاني للاحساس والرحمة وبطريقة غير إنسانية يضعون المريض في ثوب مخصص ثم يُذهب به الى أحد المعسكرات النازية حيث هناك يتم ربط المرضى ويتم صعقهم بالكهرباء كنوع من العقاب والتأديب ويتم ذلك بمباركة من الطبيب الذي لم يسلم من التشويه فالطبيب هو ذلك الشخص الذي في هيئته أقرب الى المريض فتصرفاته وطريقة تصفيف شعره توحي بأن هذا الطبيب تحول وبمرور الزمن ونتيجة احتكاكه بالمرضى الى هذه الصورة.
أعود وأشدد على ان الإعلام هو المسؤول الأول عن هذه النظرة ويجب ان يغيرها فالأمراض النفسية كثيرة ومتنوعة والأمراض العقلية التي يفقد المريض فيها الاستبصار ويحدث تدهور في القدرات العقلية والذهنية لا تشكل إلا نسبة بسيطة من مجمل الأمراض النفسية كما أن هؤلاء المرضى لا يشكلون إلانسبة بسيطة أو أقل بكثير من المرضى العصابيين والذين يعانون من الاكتئاب القلق والوسواس القهري اضطرابات النوم والأكل الخ.
أقول ان كثيرا من هؤلاء المرضى هم أناس يمارسون حياة يومية طبيعية ويعتلون أعلى المناصب فمنهم المعلم ومنهم المهندس ومنهم الطبيب فنحن في عصر الأمراض والمشاكل النفسية، حتى ان في الغرب الكثير من المشاهير وأغلب الفئة المثقفة ربما اتصل بمستشاره النفسي وناقش الضغوط التي تعرض لها خلال يومه المليء بضغوطات الحياة وإيقاعها السريع.
في الحقيقة لا أطالب المجتمع ان يصل الى هذه المرحلة ولكن على الأقل ان يتم تصحيح هذه النظرة الخاطئة وتجديد الثقة وتعزيزها بالطب النفسي وبالمريض النفسي ولندفع شعار منظمة الصحة العالمية «بالصحة النفسية تكتمل العافية فأرعوا إخوانكم ولا تزدروهم».
* مستشفى الصحة النفسية بالرياض

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved