أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 13th April,2001 العدد:10424الطبعةالاولـي الجمعة 19 ,محرم 1422

شرفات

أزمنة المتنبي
ورد في لسان العرب لابن منظور : الزمن والزمان: اسم لقليل الوقت، وكثيره، وفي المحكم: الزمن والزمان: العصر والجمع ازمن وازمان وازمنة . وزمن زامن: شديد.
وازمن الشيء: طال عليه الزمان، والاسم من ذلك الزمن والزمنة وازمن بالمكان: اقام به زمانا .. وقال شمر: الدهر والزمان واحد، قال ابو الهيثم: اخطأ شمر، الزمان زمان الرطب والفاكهة وزمان الحر والبرد، قال : ويكون الزمان شهرين الى ستة اشهر، قال: والدهر لا ينقطع، قال ابو منصور: الدهر عند العرب يقع على وقت الزمان من الازمنة وعلى مدة الدنيا كلها.. والزمان يقع على الفصل من فصول السنة وعلى مدة ولاية الرجل وما اشبه.
وورد في الموسوعة الامريكية )1985(: يعد الزمن واحداً من الامور غير المفهومة او المعروفة للانسان، ولا يستطيع اي كائن من كان ان يقول ما هو الزمن.. وقد ادت قدرة الانسان على قياس الزمن بان تصبح حياته ممكنة ومقبولة... فالتغيرات والتبدلات المختلفة التي تحدث من حولنا مهما كانت قصيرة او طويلة هي التي ساعدتنا ومكنتنا من معرفة ان الزمن قد مر وفات وعدى وانه موجود بالفعل.. فحدوث التغيرات والظواهر الكونية المتعددة في عالمنا الواقعي لا تتوقف ابدا عن الحدوث..
وتقول الايوبي )1401ه-1980م(: هذه اللفظة - الزمن - كم هي مشحونة بدلالات لا تنتهي وانفعالات لا تنفك تنتابنا كلما سمعناها او عشناها، فالزمن سر من اكبر اسرار الوجود وحوله تتمحور هموم العيش ومعاناة الانسان.. ولقد ميز كثيرون بين الوقت والزمان والزمن، فالوقت مفهوم عام وموضوعي يمكن تحديده، انه مفهوم فيزيائي شائع نستعين به بواسطة الساعات والتقاويم وغيرها، لكي نضبط حياتنا الاجتماعية. اما الزمن فهو مفهوم خاص، شخصي ذاتي، او كما يقال غالبا نفسي، او كما يقول برجسون: انه معطى مباشر في وجداننا.
ويقول الخولي )1976م(: يمكننا ان نميز نوعين من الزمان: الزمان الرياضي او الفلكي، والزمان النفسي او الوجداني. اما الزمان الفلكي فهو مقياس الحركة، وهو يقاس بالسنين او الايام او الساعات او غير ذلك. وبعبارة اخرى يقاس بالمدة التي يقطعها متحرك، فهو مقياس للزمن تستغرقه حركة شيء في قطع مسافة، فهو وثيق الصلة بالمكان، ولذا يسمى الزمان المكاني ... ويتكون الزمان الفلكي ما ماض ومستقبل، اما الحاضر فيه فيكاد لا يوجد.اما الزمان الوجداني فهو احساسنا الداخلي بالزمن، وللحاضر فيه وجود لانه لا يتكون كالزمان الفلكي من مجموع لحظات كل منها صفر. )لقد سبق وان تطرقنا لمفهوم الزمن وقياسه بالتفصيل في جريدة الجزيرة(.
قال ابو الطيب المتنبي في قصيدة قالها بمصر:


1- صحب الناس قبلنا ذا الزمانا
وعناهم في شأنه، ما عنانا
2- وتولوا بغُصَّة كلهم من
ه وان سر بعضهم احيانا
3- ربما تحسن الصنيع ليالي
ه ولكن تُكدر الاحسانا
4- وكأنا لم يرض بريب الدْ
هر حتى اعانه من اعانا
5- كلما أنبت الزمانُ قناةً
ركّب المرءُ في القناة سِنانا
6- ومراد النفوس اصغر من ان
نتعادى فيه وان نتفانا
7- غير ان الفتى يلاقي المنايا
كالحات ولا يلاقي الهوانا
8- ولو ان الحياة تبقى لحيّ
لعددنا أضلّنا الشجعانا

يقول العكبري في شرح البيت الاول: عناه يعنيه: اذا اتعبه واهمه. والمعنى : يقول: قد صحب الناس زمانهم قبلنا، واتعبهم في شأنه الذي اتعبنا . يريد ان كل الناس يهمهم الزمان. ويقول العكبري عن البيت الثاني: الغصة: ما يتجرعه الانسان من مرارات الزمان.
وسرّ: أفرح. وأحيانا: جمع حين، وهو الوقت. والحين، على وجوه، الاول بمعنى سنة. ومنه قوله تعالى في سورة إبراهيم: "تؤتي أكلها كل حين" اي كل سنة. والثاني يوم القيامة، ومنه قوله تعالى :"ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين". والثالث ساعات النهار، ومنه قوله تعالى:"فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" والرابع بمعنى اربعين سنة، ومنه قوله تعالى:"هل أتى على الإنسان حين من الدهر" وهو بقاء آدم جسداً من غير روح . واما قوله: "ولتعلمنَّ نبأه بعد حين" فقال المفسرون: اراد يوم بدر. والمعنى: يقول: صحبوا الزمان، ثم ماتوا بغصة، لم يبلغوا ما املوا من الزمان، وان كان قد فرحهم حينا، فقد نغصهم اكثر مما فرحهم. والمعنى: يريد ان احداً لم ينل مراده من الزمان. ويقول العكبري عن البيت الثالث: الصنيع: الاحسان. والمعنى : يقول: الدهر إن احسن اولاً، كدّر وأساء آخراً، هذه عادته يعطي ثم يرجع، واذا احسن لا يتم الاحسان. ويقول العكبري عن البيت الرابع: المعنى: قال ابو الفتح: هذا والذي قبله احسن ما قيل في الزمان، وان طباعه الشر، وفعل الزمان منسوب الى القضاء، فالزمان لا يفعل شيئاً، وانما يفعل فيه، وكذا قولهم: يوم سعيد، فاليوم لا يوصف بسعد، وانما يوصف به من يشتمل عليه اليوم. وقال الواحدي: يريد هو الذي اعان على الدهر، كأنه لم يرض بما يصيبني من محنه حتى اعانه علي. ويقول العكبري عن البيت الخامس: السنان: زج الرمح الذي يطعن به. والمعنى: قال الواحدي: يقول : اذا ابتدر الزمان للاساءة بما جبل عليه، صارت عداوة المعادي مددا لقصده نحوك، فجعل القناة مثلا لما في طبع الزمان. والسنان مثلا للعداوة. وقال ابو الفتح والخطيب: الزمان اذا انبت قناة، انما ينبتها بالطبع، ولا يشعر لاي شيء تصلح، فيتكلف بنو آدم اتخاذ القناة، توصلا الى هلاك النفوس، فالزمان يفعل ولا يشعر ما يراد به. وهذا من كلام الحكيم: يقول: من صحة السياسة ان يكون الانسان كلما ظهرت سنة عمل بها، بحسب السياسة . ويقول العكبري عن البيت السادس: المعنى: يقول : الدنيا فانية، والمراد فيها فان، وهي اقل من ان يعادي بعضنا بعضا، لاجل مراد النفس وهو ذاهب فانٍ. وهذا نهي عن التحاسد والمعاداة، وفيه نظر الى قول النبي صلى الله عليه وسلم المجمع على صحته حديث انس وغيره"لا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا" وما احسن هذا ! ولقد احسن ابو الطيب في هذا المعنى. وهو من كلام الحكيم: ليس الحزم افناء النفوس في طلب الشهوات، بل في درك العالم العلوي. ويقول العكبري عن البيت السابع: كالحات: معبسات. والمعنى: يقول : لقاء الموت الكريه اهون من ملاقاة الهون ، لان الحر يرى الموت اهون عليه من الهوان. ولله دره - وما احسن هذا ! وما اخفه على الالسنة ! فلا ترى احدا يناله ادنى شيء الا استشهد به. ويقول العكبري عن البيت الثامن: المعنى: يقول: لو كان الجبان يسلم من الموت ويلقاه الشجاع، كان الشجاع ضالا في اقدامه، لانه يتعرض للقتل، ولكن الحياة لا تبقى لشجاع ولا لجبان، بل الموت ينال الجميع.
لقد اشار ابو الطيب في بيته الرابع من ابياته السابقة الى الدهر. والدهر كما ورد في لسان العرب لابن منظور: ان الدهر هو الامد الممدود، وقيل : الدهر الف سنة. قال ابن سيدة: وجمع الدهر ادهر ودهور . الدهر : الزمان الطويل ومدة الحياة الدنيا.لقد تطرق شاعرنا في ابياته السبعة الاولى من ابياته الثمانية السابقة للزمان وعلاقته بالانسان في الماضي والحاضر والمستقبل، فقد صحب الناس زمانهم قبله، وهو يصحبه الان في حاضره، وسيصحبه غيره من الناس في الايام اللاحقة. وعلى ضوء ابيات شاعرنا السابقة نقول: لقد منح الله سبحانه وتعالى الانسان عقله الخلاق المبدع فبواسطة قدرات الانسان العقلية استطاع ان ينظم حياته واموره الدنيوية بان حدد لنفسه ازمانا واوقاتا معتمداً بذلك على ما يراه من حوله من ظواهر كونية متكررة الحدوث فعرف اليوم والاسبوع والشهر والسنة والفصول.. الخ، ومع كل هذا فنحن لا نزال لا نعرف.. او نستوعب ماهية الزمان، ولكن يمكن ان يقال: ان الحوادث الكونية او الطبيعية المتكررة حددت للانسان ما يسمى بالزمن الطبيعي او الميكانيكي الآلي.. اما الزمان في مفهومه الخاص او مفهومه الانساني فهو في نظرنا ما يحدث للفرد في حياته - قصرت ام طالب مدة زمانه او بقائه في الدنيا - من امور وحوادث مختلفة.. وعلى هذا الاساس فلكل انسان زمنه، ولكل جيل زمنه، ولكل امة زمنها، بما يشمله هذا الزمان من خير او شر، او سرور او محن .. الخ، وقد يلعب الانسان الدور الاساسي في هذا..
تقول الايوبي )1401ه- 1981م(: الزمن في الادب هو "الزمن الانساني" انه وعينا للزمن كجزء من الخلفية الغامضة للخبرة مفهوم الزمن مفهوم نسبي، فلكل انسان زمنه الذي يختلف عن زمن الآخرين، وهذا الزمن لا يمكن قياسه لانه متقلب، ويتغير بتغير تجاربنا وانفعالاتنا وعواطفنا. وكل ما يمكن ادراكه من هذا الزمن المتغير دائما هو احساسنا اثناءه. )نرجو من القارئ اعادة قراءة بيت الشاعر الاول والثاني(.
ويقول الدسوقي )1408ه-1988م( في تعليق له على الابيات السابقة: هنا يلقي الفارس السيف ويستسلم حزينا مدحورا، امام الوحش الرهيب الذي صحب الناس قبله ، فداروا في فلكه، واهتموا به كما اهتم به وذاق منه الغصص والحسرات، كما ذاقوا منه الحسرات والغصص، وسر به احيانا كما سروا. ان ذلك الوحش الرهيب هو الزمان.وقال ابو الطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


1- فأتيتَ من فوق الزمان وتحتِه
متصلصلاً وامامِه وورائه

يقول العكبري في شرح هذا البيت: المتصلصل: الذي له صلصلة وحفيف، واصله الصوت، ومنه: الصلصال: الطين اليابس، الذي له صوت. والأمام : قُدَّام، وهو ضد الوراء.
وطابق بين الفوق والتحت، والقدام والخلف. والمعنى: يقول : منعتني من نوائب الزمان بإحاطتك عليه من جوانبه. كالشيء الذي يحاط عليه من جميع اركانه فصار ممنوعا.
والمعنى: انك منعتني من الزمان، وحميتني منه.
وقال المتنبي في قصيدة يذكر فيها خروج شبيب ومخالفته كافوراً:


2- رأتْ كل من ينوي لك الغدر يُبتلى
بغدر حياة او بغدر زمان

يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول : الاعداء قد رأت كل من نوى لك غدراً انه يبلوه الله بالموت او بغدرة الزمان فيهلك، والموت خير للعاقل من غدر زمانه.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


3- وسعى فقصَّر عن مداهُ في العُلا
أهلُ الزمان وأهل كل زمان

يقول العكبري عن هذا البيت: المدى: البعد. والمعنى: يقول : لما سعى في طلب العلياء ، وهو ما يكسبه من المعالي، قصر عن بلوغه في بعد ما طلب اهل زمانه، واهل كل زمان.
وقال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها سعيد بن عبدالله:


4- خف الزمان على اطراف أنُْمله
حتى تُوهمنَ للازمان ازمانا

يقول العكبري عن هذا البيت: الانامل: اطراف الاصابع. الواحدة: انملة. والمعنى: يقول: ان الزمان في يده وفي تصرفه، فهو يصرفه على ارادته، فكأن انامله ازمان للازمان، لتقليبها اياه، والزمان يقلب الاحوال، وانامله تقلب الازمان، فكأنها ازمان للازمان.
لقد ربط ابو الطيب في ابياته الاربعة السابقة بين الانسان والزمان، ففي البيت الاول يقول لنا: ان صاحبه )ممدوحه( حماه واجاره من الزمان وغدره، وفي البيت الثاني يدعو شاعرنا بالموت لمن عنده رغبة في غدر ممدوحه، واذا لم يأته الموت يغدر به الزمان فيتلفه. وفي البيت الثالث بين الشاعر ان لكل زمان اهله، اما في البيت الرابع فقد جعل الشاعر الزمان كآلة يتصرف بها ممدوحه بانامله، فأنامل ممدوحه تتصرف بالزمان، فصارت ازماناً للازمان.
مما سبق يمكن القول إن الشاعر قد ربط بين حياة الانسان وزمانه، فلكل زمان اهله، ولكن الناس تفنى والزمان لا يفنى.. والانسان هو المحور الفعال في الزمن، فحوادث الزمن هي ما يقوم بها الانسان ذاته من افعال وحروب وقتل.. الخ بغض النظر عن الحوادث والكوارث الكونية الطبيعية، ومن هنا يمكن القول إن الانسان هو الزمان وما يحدثه من تفاعلات متنوعة مع اخيه الانسان.
وقال ابو الطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها المغيث بن علي العجلي:


1- لقد خَفِيَ الزمان به علينا
كسلك الدر يخفيه النظام

يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: قال ابو الفتح: قد اشتمل على الزمان، فخفي بالاضافة اليه، وشبهه بالدر اذا اكتنف السلك لنفاسته وشرفه، فاجتمع فيه الامران: الاشتمال والنفاسة.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها القاضي احمد بن عبدالله الانطاكي:


2- جمح الزمانُ فما لذيذٌ خالص
مما يشوب ولا سرور كامل

يقول العكبري عن هذا البيت: الجماح: الاسراع . ومنه قوله تعال:" لولوا اليه وهم يجمحون" اي يسرعون. والجموح من الرجال: الذي يركب هواه، فلا يمكن رده. وجمح الفرس: اذا غلب فارسه. وجمححت المرأة: اذا خرجت من بيت زوجها الى اهلها بغير طلاق. والمشوب: المختلط . والمعنى : يقول: جمح الزمان، اي قهر وغلب، فما تخلص اللذة من اذى يشوبها به الدهر، فلا يكمل سرور للانسان.وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


3- فتى يتبَع الازمانُ في الناس خطوَه
لكل زمان في يديه زمامُ
4- تنام لديك الرُّسْل امناً وغبطة
واجفان رب الرسل ليس تنامُ

يقول العكبري عن البيت الثالث: المعنى: يقول: الزمان يتبعه، من احسن اليه من الناس احسن اليه الزمان، ومن اساء اليه اساء اليه الزمان، فالزمان في الناس يتبع خطوه، ولا يخالف امره وحكمه ، حتى كأن لكل زمان في يديه زماما يملكه به، وخطاما يذلله، يشير الى قوة سعده، واقبال جده، ويقول العكبري عن البيت الرابع: المعنى: ان الرسل تنام عندك امنة تتفيأ ظلك، مستبشرة بمشاهدة فضلك، واجفان الملوك الذين بعثوهم اليك ساهرة، لما تتوقعه من خيبة رسلهم، والمعنى: الرسل تنام آمنة لما تحسن اليهم، وهم آمنون بمقامهم عندك، والذين بعثوهم يخافونك، لانهم ليسوا على امان منك، فلا تنام اجفانهم خوفا منك.تطرق شاعرنا ابو الطيب المتنبي في ابياته الاربعة السابقة الى الزمان والانسان في وقت واحد. ففي البيت الاول يقول الشاعر إن ممدوحه اشتمل على الزمان وخفي الزمان بسبب هذا الاشتمال كسلك الدر الذي يخفيه الدر عن الناظر، وهذا يعني ان كرم ممدوحه ابعد صروف الزمان من ان تحدث وتؤثر فيه. ويقول الشاعر في بيته الثاني: ان حياة الانسان لا تستقر على حالة واحدة، ونمط واحد، فمرة سرور، ومرة اخرى كدر وغصة، وهذا بسبب قهر الزمان وغلبته للانسان. وفي البيتين الثالث والرابع يقول الشاعر: ان لكل زمان ظروفه وعوامله فسيف الدولة المعني بالبيتين كان في مركز القوة والسلطة والقدرة، وهذا يعنى ان ازمان الناس وحالاتهم تتأثر بحالة ووضع سيف الدولة ، هذا الذي بامكانه ان يصير ازمانهم الوقتية والمحددة بزمانه ووقته سرورا وغبطة او اكدارا ومصائب. ونلاحظ في البيت الرابع ان الشاعر اشار الى حالتين من احوال الزمان فهو ذكر لنا ان رسل ملك الروم تنام مطمئنة عند سيف الدولة، لان الرسول لا يصيبه اذى على حسب العرف العربي الاصيل، لذا فان زمانهم ووقتهم الذي قضوه عند سيف الدولة ينساب بسلاسة ويسر ولين ولطف بسبب انهم كانوا امنين نفسيا بعكس زمان ارسلهم فزمانه ووقته يمر ببطء وملل وترقب، حتى ان النوم ابتعد عن جفونه، وهنا فقد ربط الشاعر بين الزمن والحالة النفسية للانسان.
ومما سبق يمكن القول: إن الزمان هو احوال الناس انفسهم مهما كانت هذه الاحوال . وقد عرف بعض الفلاسفة الزمن بانه شعور، فالنائم والمسرور لا يشعر بالزمن ووطأته، اما من كان في حالة نفسية قلقة، وفي حالة من الترقب والانتظار، فان اللحظات تمر بالنسبة اليه وكأنها ايام طويلة ممتدة، ولهذا السبب قيل : الزمن هو الشعور.
وقال ابو الطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها عضد الدولة وولديه:


1- مغاني الشِّعب طيباً في المغاني
بمنزلة الربيع من الزمان

يقول العكبري في شرح هذا البيت: مغاني: واحدها: مغنى، وهو المكان الذي فيه اهله. والربيع: الزمان الطيب، وهو الفصل الذي بعد فصل الشتاء، تخرج فيه الازهار، وتورق الاشجار، والمعنى: يقول: مغاني الشعب- وهو شعب بوان، وهو موضع كثير الشجر والمياه، يعد من جنان الدنيا، كنهر الابلة ، وسفد سمرقند، وغوطة دمشق - طيبة في المغاني بمنزلة الربيع من الزمان، فهي تفوق سائر الامكنة طيبا، كما يفوق الربيع سائر الازمنة.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها الحسين بن اسحاق التنوخي:


2- تغيَّر حالي والليالي بحالتها
وشِبتُ وما شاب الزمانُ الغرانِقُ

يقول العكبري عن هذا البيت: الغُرانق: الشاب الناعم، وجمعه: غَرانق، بفتح الغين. وقيل من جمعه الغرانيق والغرانقة، واصله من الغرانيق، وهو نبات لين، يكون في اصل العوسج، الواحد: غُرنوق وغُرانق، شبه الشاب الناعم به ، لنضارته وطراءته. والمعنى: يقول: الليالي تمر وتجئ، وهي على حالها، وبمرها تُغير حالي وتشيبني، وهن لا يشبن.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


3- وإذا حل ساعةً بمكان
فأذاهُ على الزمان حرامُ

يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: اذا نزل ساعة بمكان، صار ذلك المكان في ذمته، فلا تنزل به الحوادث، ولا يصيبه الزمان بأذى من قحط وجدب، والمعنى ان سيف الدولة اذا نزل ببلد اجاره على الدهر، وكف عنه صروفه، وحرم اذاه وامن ببركته المكروه.لقد اشار الشاعر في ابياته الثلاثة السابقة الى الزمان بصفته تكرارا لظواهر كونية محددة، فهو ذكر الربيع والليالي والساعة، وهذه ازمنة معينة قد تطول وتقصر على حسب اعادة تكرارها. ومن المعروف علميا ان للارض دورة سنوية حول الشمس ، وهذه الدورة ينتج عنها حدوث ما نسميه بالفصول الاربعة المناخية وهي: الصيف والخريف، والشتاء والربيع ولكل فصل من هذه الفصول ظروفه المناخية الخاصة به اعتمادا على دورة الارض السنوية حول الشمس. اضافة لذلك فقد اشار الشاعر الى الليالي وهي الناتجة عن غروب الشمس، وهي جزء من اليوم، وهذه الظاهرة ناتجة ايضا من دوران الارض حو ل الشمس، واشار الشاعر ايضا الى الساعة التي هي جزء من تقسيمات اليوم الى اربع وعشرين ساعة.
د. عبدالرحمن الهواوي






أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved