أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 19th April,2001 العدد:10430الطبعةالاولـي الخميس 25 ,محرم 1422

مقـالات

ضحى الغد
هاتف من الأرض المباركة!
عبدالكر يم الطويان
أي بني هذا الرقم الذي ظهر على شاشة هاتفك هو رقم «الأرض المباركة» التي مررت على أديمها نطفة، ثم غدوت نطفة امشاجاً، ثم نبت في تربتها فكنت علقة معلقة في نسيجها، تستقي من غذائها، وتتجذر في خلاياها، ثم كبرت فكنت مضغة، ثم تدرجت في اطوار الخلق حتى تكاملت لك الاعضاء والحواس!
أي بني: لو رأيت هذه الارض المباركة، وهي تحملك وهنا على وهن، وهي تمشي وئيداً من ثقلك، وهي تئن كثيرا من ألمك، وهي تستلقي على جنبها طويلاً من عنائك، وهي تعد الأيام ليوم المنى والفرج من كرباتك!
أي بني: هذه الأرض الطيبة، لطالما غذتك من عيونها وأنت تدب على الأرض ضعيفاً، فرعيت مرعاها، وتظللت بحماها، وسكنت كهوفها، ودرجت على أرضها الموطئة الأكناف،. الذلول الأجناب، المحميةالحدود!
أي بني: وكبرت اليوم فخرجت من محميتك بعد أن اشتد عودك، وصلب فقارك، واستقوى ساعدك، فدرجت في بلاد الله لا تخشى إلا الله!
أي بني: هذا الرقم الذي يهاتفك الآن هو رمز الأرض المباركة، والمحمية الطاهرة، التي شب فيها بإذن الله لحمك وعظمك، ونما فيها بصرك وبصيرتك، وخفق فيها قلبك، وتحركت فيها لأول مرة قدماك!
أي بني: هذا الرقم الذي ظهر على شاشة هاتفك، هو رقم القرار المكين، والحصن المنيع، الذي سكنته جنيناً، واحتميت به صغيراً ولُذت به طفلاً غريراً.
أي بني: هذا الرقم الذي يُهاتفك الآن هو الذي حملك جنيناً، ورعاك سنين، وعلق عليك الآمال والأماني والأحلام كلها يرجو ثمار الغرس، ويتمنى ربح الزرع ويأمل قطف الثمار!
أي بني: لا تهمل هذا الرقم، لا تتجاهله، أجبه في لحظته، وبادره في وقته، وافرح به، فهو من أرضك المباركة من أم تحملتك سنين، فبادر إلى تحمله سويعات قصيرة سريعة، ترى فيها وجهك، وتسمع صوتك، وتقضي لها حاجتها، ويصعد لك من فضاء الأرض المباركة دعوة بالتوفيق والفلاح والنجاح، تُفتح لها أبواب السماء، فتكون سر سعادتك حياً وميتاً!)1(
أحياء نائمون وأموات منتبهون!
عاشت الأسرة في سعادة فهي تقطن مزرعتها، الأب يكدح في الزراعة، والأم تدير البيت وتربي الأولاد، ومرت الأيام صافية لا يكدرها حدث، ثم وقع الأمر الجلل، ماتت الأم، وتركت للأب مسؤولية البيت والأولاد، وبعد زمن قرر الأب الزواج، فازدحم البيت الصغير بالمدعوين وتناولوا طعام العشاء، ثم ودعوا مباركين مهنئين، في تلك الليلة التي شُغل فيها الأب بضيوفه ثم بعروسه، كان طفله الصغير «علي» ذو السبع سنوات يمضي إلى بيت الدجاج ليتفقد بيتها وطعامها، كان الليل بارداً، والريح عاصفة، وتعب النهار شاقا، فغلبه النوم ونام على عتبة الدجاج، ولم يفقده أحد!
ونام الأب مع عروسه، وفي منتصف الليل غام عليه حلم عجيب، وكأن أم أولاده المتوفاة تهتف له:


أنت نيم، أنتت نيم؟!
ليت الضنا ما هو مرباه الحشا
ولا من معاليق الفؤاد غذاه..
«علي» بكا واجزان بقبري بكاه
لا «جدة» تلجي جنيني بحضنه
ولا «عمة» تضفي على «علي» غطاه
ولا «خالة» قلبه عليه رجوف
و«ابوه» لا هي بحب انساه!

وقام الأب مفجوعا، واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، واستعاد نومه، ولكن الحلم الغريب يتكرر للمرة الثالثة، فلبس ثيابه، وخرج إلى غرفة أولاده، فإذا هم نائمون جميعاً، وتفقد «عليا» فإذا هو ليس معهم، وأيقظ أكبرهم وسأله عن أخيه الصغير فإذا هو لا يعلم عنه شيئاً! فخرج يبحث عنه، حتى وجده نائماً على عتبة بيت الدجاج! فحمله بين يديه وعاد به إلى منامه وهو يهز رأسه، وكأنه يتخلص من بقايا ذلك الحلم العجيب!)2(
حمل الأخ مسؤولية أخته زمنا حتى جاءها نصيبها وانتقلت مع زوجها، ورزقها الله بالبنين والبنات ومضت الأيام، واستوفى الله روح الشقيق، وخلف ذرية ضعفاء ماتت أمهم قبله فكفلتهم الأخت ورعتهم وسهرت على راحتهم وعوضتهم عن فقد والديهم! وبقيت ذكرى أخيها حديثا ممتعا تقصه على ابنائها كلما حان الوقت السعيد لاستعادة الذكريات الجميلة!
وفي صيف رحل فيه الناس إلى حيث المناطق السياحية وجهت الأسرة وجهتها إلى إحدى المناطق الساحلية، هناك على الساحل قضت الأسرة ليلة جميلة!
ثم عادت الأسرة إلى مسكنها وغلب النوم الأم فلم تتفقد أولادها إلا صباحاً، وحين بحثت عن صغرى بناتها لم تجدها! فعرفت أنها لم ترجع معهم حين عادوا بعد منتصف الليل من ذلك الشاطيء البحري!
فعادوا على أعقابهم مسرعين، والحزن والخوف يأكل قلوبهم، وحين وقفوا على موقفهم شاهدوا شمس الصباح وقد ارتفعت وإذْ ابنتهم الصغيرة قد أفاقت من النوم، وجلست صامتة تنظر إلى البحر، وحين أقبلت عليها أمها وضمتها وهي لا تكاد تصدق بقاءها على الحياة!
سألتها الصغيرة ببراءة متناهية!: كيف تقولين يا أمي أن خالي قد مات؟!
لقد كنت البارحة نائمة في هذا الموقع، وأحس أن خالي بجواري يؤنسني! ودمعت عينا الأم، وأصمتها التعجب)3(!
)1( تعاطفا مع أم قالت إن أبناءها أصبحوا يتجاهلون الإجابة على مهاتفتها بعد ظهور خدمة كشف رقم المتصل!.
)2( مصدر الرواية «لولوة الطويان» خمسة وسبعون عاماً.
)3( مصدر الرواية «ابراهيم التويجري» خمسون سنة..
بريدة ص ب 10278 ASBT2@HOTMAIL.com

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved