أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 19th April,2001 العدد:10430الطبعةالاولـي الخميس 25 ,محرم 1422

الثقافية

في أن الحرية رغيبةٌ والتزام)1(
أنا أفكر إذن أنا مفقود!
ماجد عبدالله الحجيلان
في أن الحرية رغيبة والتزام )2(
المصادرة بوصفها علامة رمزية
بما انه لايوجد احد مستعد لتبني رأي يقول ان )الحرية( غير مطلوبة وانه يجب قمعها ومصادرتها او أن يعترف ان الحرية تضره شخصيا وانه مضطر لإلغاء العمل بها وتعطيلها، لذلك كله فإنه لابد من الاحتيال على هذا الامر عبر تأويل مفهوم «الحرية» واعادة صياغته وتعريفه بحيث يكون المفهوم الجديد عوناً على إلغاء المفهوم القديم الذي هو الحرية عينها، يتم بعد ذلك رفع الحرية شعاراً خالياً من المضمون، مزركشاً بالشعارات والالقاب يحدث هذا مع الاشتراكية العربية على سبيل المثال فهي ترفع الحرية شعاراً ولكنها لاتعرف منه إلا هذا الرسم في الاوراق واللوحات المعلقة، لقد جرى تفريغ الحرية من مضمونها وحياكة اللفظ الاجوف ليناسب جسد الانظمة الاشتراكية المركزية، يمكن قراءة هذا المثال بوضوح عندما تدعي هذه الانظمة تبني الحرية في بياناتها وشعاراتها، ولا يذوق الناس للحرية طعماً بعد ذلك.
قد يكون هذا المثال عائماً وفضفاضاً ومحتاجاً لشواهد لا يُسعف هذه الورقةَ الخوض فيها، ولكنه من زاوية اخرى، اكبر الشواهد الحقيقية على ماتعرضت له الحرية العربية من تأويل واعادة تشكيل وعلى المعنى الضالّ المضلّ الذي يجري توصيفه للحرية بوعي او بغير وعي.
الشيوعية
ولأن الكلام السابق قابل للاختراق والمفاصلة بسبب انفتاحه على احتمالات وتأويلات اخرى، فإن من الجائز ان يرد بالقول: ان الرهان المبالغ فيه على الحرية غير ذي شأن، اذ يمكن عبر النظام وتوحيد الصفوف ان ينخرط الفرد في المجموعة ويذوب في النظام ليصنع الحاضر والمستقبل، ومقالة اوسكار وايلد:«ان الحضارة محتاجة الى ثقافة وحرية» مردودة عليه فهذا الاتحاد السوفيتي صنع اسطورة صناعية عبر نظام شمولي شيوعي لامكان للحرية المزعومة فيه، وقام على نظريات فلسفية كبرى لايزال العالم ينظر لها بعين الاحترام والإكبار.
قد يؤخذ القارئ بهذه المقولة، وقد تسلبه مكانة الشيوعية السابقة لبه فينساق مع هذا الادعاء، وهذا ما تورط فيه كثير من الحزبيين العرب، ينطلقون من هذا الايمان ليناقشوا دعاة حقوق الانسان عبر وسائل الاعلام، وذلك امر خطر، اذ يثبت بما لايدع مجالاً للشك قيمة وأهمية المراجعة الدائمة لمفهوم النظام الخاص تجاه كلمة )الحرية(.
مشكلة الحرية كما سبق انها مصطلح اشكالي لايمكن مسطرته او حسمه، ولذا فلا يمكن القول بحرية مبالغ فيها او متهاون فيها، فهي إما موجودة او غير موجودة، إما ان تعيش او تموت، ولا تعرف امراً وسطاً، قد يقال انها ملامح حريات او هوامش من حرية ولكن هذا لايعني انها موجودة على وجه الدقة.
اما الكلام على الشيوعية ونجاحها رغم قمعها للحريات وإلغائها لمعنى الفرد، فهو امر يثير السخرية حقا. وما يثير الحنق والسخرية معاً هو الادعاء بوجود نظريات فلسفية عميقة قامت عليها الشيوعية ان قمع الحريات والغاء ملكية الفرد في الحالة الشيوعية أوجد نظاما وأوجد بنية صناعية ضخمة، ولكنه لم يوجد حضارة ولم يصنع انساناً، ولم يستطع ان يجد انسانا واحداً ليعيش في وجدانه، يعرف ذلك من له اقل معرفة بالانسانية وبالحضارة، وأما وجود فلسفة او فلاسفة يحتفلون بفكرة النظام الشيوعي القائمة على المصادرة والشيوع فلا يمكن التسليم بها اذ يثبت تاريخ الثورة في العام 1917م ان رجال الفكر والادب انقسموا الى ثلاث فئات الاولى تراجعت امام الثورة بلا قتال او انسحبت من الارض الروسية كلها، مفضلة الاقامة النهائية في المهاجر، والثانية غادرت البلاد لفترة قصيرة ثم رجعت الى وطنها بسبب شعورها باللاجدوى من الغربة وآثرت الصمت الطويل، والفئة الثالثة سارت مع التيار السياسي مهتدية الى هموم جديدة لاتتعارض مع حيادها ومع الثورة وقد صور هذه المرحلة خير تصوير شولوخوف في )الدون الوديع( او )الدون الهادئ( والحق ان معظم هذه الفئات كانت تصفق فقط لثورة العمال وحرياتهم وتذم الاقطاع والاقطاعيين ولكنها لم تكن بحال تؤيد ما وصلت اليه الشيوعية فيما بعد من تعارض مع الانسانية، وتنافر مع سنة الكون.
يحدث هذا لأن المفكرين ينطلقون من طبيعة الانسان وحاجاته الغريزية ،هذه الاشياء التي لم يكن ستالين ورفاقه يعترفون بها، فقد حكي ان ديوانا غزلياً وصل الى ستالين مخطوطاً ليبدي رأيه في موضوع طباعته، فقال: يطبع منه نسختان، نسخة للشاعر واخرى لحبيبته فهما المعنيان بالموضوع و لا احد غيرهما!
لم يكن تسفيه المشاعر الانسانية ولا إلغاء الغرائز، وانكار جبلة التملك، ودهس الكرامة، الانسانية، لم تكن الاسباب الوحيدة لفشل الشيوعية، بل يضاف اليها انكار الشيوعية لإمكانية الآخر، وقمعها للحوار والجدل، وتغييبها للتيارات الفكرية المخالفة، وكبتها لحاجة من اهم حاجات الانسان وهي )الحرية(.
كانت نبوءة العقاد مدهشة حقاً، ولكنها في الوقت ذاته متوقعة وقابلة للاستقراء والمتابعة، لقد حسم موضوع الشيوعية وهي في ذروة انتصاراتها ولم يكن احد ليرجم بالغيب محدداً مستقبلها، لكن العقاد قال: انها ضد الانسانية ولذا فسوف تزول، وحدد لها عمراً قصيراً لم تتجاوزه بالفعل، حدث هذا كله رغم المراهنة على الصناعة والاسلحة والجيوش والقنابل، لأن الرهان الصحيح كان هو الإنسان وحريته.
الاعتبار
ترى هل درس الغرب مستقبل الاتحاد السوفيتي مع الانسان والحريات وأقام عليها حداثته؟ هل تنبؤوا بذلك؟
لقد حسم الغربيون الجدال مبكرا فآمنوا ألا حداثة مع الإيديولوجيا ولذا حاربوها، وأعلنوا عليها الثورة، ودخلوا مجتمع وعصر الحداثة القائم على التعددية.
«لقد جمعت الحداثة في الغرب الابداع المناهض لكل ايديولوجيا، فالمجتمع المدني مجتمع الحرية والتعددية..، وان مشكلة التعددية والايديولوجيا هي التنافر والتناقض، ففي الوقت الذي تسعى فيه الإيديولوجيا الى خلق تطابق، تسعى التعددية الى خلق اختلاف..».
نبيل ياسين
لأن التعددية هي رهان الحداثة سعى اليها طالبو دخول العصر الجديد، ولأن الايديولوجيا تعارضت مع التعددية زالت الايديولوجيا او ازيلت وهذا لايعني زوال الايديولوجيا كلياً فهذا امر مستحيل ولكن بقاءها كان مرهوناً بعدم تعارضها مع التعددية كأن تكون قابلة للتعاطي مع الآخر مثلاً ولما كانت التعددية شرطاً من شروط الديموقراطية والحداثة، صارت الحرية تعبيراً عن هذا العصر وعلامة عليه.
المصادرة والإغلاق بوصفهما علامة
من المفارقات ان غدت بعض مظاهر المصادرة والاغلاق علامة على امكانية الحرية وعلى وجود هامشها بشكل من الاشكال، فليست كل المصادرات والاغلاقات متساوية، حيث يعتمد هذا على مكان المصادرة وأجواء الحرية فيه، بكلام آخر ان الانظمة التي لاينتظر منها ان تعطي حرية او ان تقبل تعددية يمكن ان توصف بالاستعداد لقبول فكرة )الحرية( اذا ما جرى اغلاق او مصادرة على ارضها، وهذا ليس دليلاً على تغير في النظام ذاته و لكن تغير فيما يديره النظام. وستتطرق هذه الورقة الى هذا من خلال إغلاقين يعدان علامتين بارزتين ويثبتان شكل المفارقة ودلالاتها الرمزية الواضحة،
الاغلاق الأول هو ما شهدته وتشهده الساحة الإيرانية مؤخراً من اغلاق لعدد من الصحف المنتمية للتيار الإصلاحي او المحسوبة عليه، وردود الفعل على ذلك وما واكبه من احداث وتظاهرات وتفاعلات، هي في الواقع رغم ما يبدو من كونها استبدادية - علامة جلية على امكانية الآخر وقبوله، اذ الاغلاق يجري عبر احكام دستورية، ومحاكم معترف بها وقضاء مستند الى الادلة الشرعية المتوافقة مع الثورة، تلك التي ظل اليمينيون العرب يسخرون بها، وها هي تنتج اشكال التعددية ما عجزت عنه الكثير من بلدانهم خلال قرن من الزمان، فلا صحف تغلق ولا تفتح لانها لا تقول شيئاً على الاطلاق، وبغض النظر عن الاختلاف او الاتفاق المناصرة اوالمعاداة فانه لابد من الاعتراف بوجود هذه العلاقة الرمزية التي تقرأ من خارج الأحداث الجارية في طهران لا من داخلها.
الإغلاق الثاني هو اغلاق صحيفة الشعب القاهرية، وحكايات حزب العمل المصري وزعيمه الراحل التي رددتها ولاكتها الألسن السياسية المثقفة في الآونة الأخيرة، وخصوصاً بعد حادثة الوليمة وما اعقبها من أحداث لها دلالات وتوابع وقراءات.
تجربة حزب العمل تثبت ان السياسة أكبر من الشعارات والنضال والايديولوجيا والبيولوجيا وحتى المال..، حيث تخلى الحزب وزعماؤه عن توجهاتهم النضالية الاشتراكية «العمالية»، وجعلوا صحيفتهم «الشعب» لساناً للإسلاميين المحظورين، بل تبنوا اداء الاخوان في طرحهم السياسي، وسلموهم ما يمكن ان يسمى مفاتيح الحزب، سعياً لاستعادة الجماهيرية لحزب لم يعرف الشعبية رغم كل الظروف التي كانت مؤائمة في مصر، مما يثبت فشله الأول مضافاً الى فشله الأخير في حادثة الجريدة مع رواية «وليمة لأعشاب البحر» فقد خسر الحزب باستعدائه السلطة كل شيء، المثقفين ووزارة الثقافة والسلطة ذاتها، الصحيفة التي اوقفت والإسلاميين الذين رأوا في الحزب الرهان الخاسر.
بعد تجميد نشاط الحزب وصحيفته الناطقة باسمه ربما يلجأ الاسلاميون الى العمل السياسي عبر بوابة حزب آخر، كان هذا هو الخيار الوحيد الباقي أمامهم لو لا ان حدث امر غير متوقع هو وفاة عادل حسين زعيم الحزب السابق ونصير الإسلاميين ومطلق العنان للصحيفة المشهورة عبر صحيفة «الشعب» التي دوى بها عباس من الناس، اذ يفكرون حالياً بالعودة للحزب، وبخاصة انه قد اشيع ان عادل حسين كان هو العقبة الوحيدة أمام اعادة نشاط الحزب، اما وقد زالت هذه العقبة فان الطريق سالكة.
كان من الممكن ان تكون المبايعة على الموت فكرة جديرة بالتأييد والمناصرة لو كانت موجهة الي عدو متربص متفق عليه كاسرائيل مثلاً، لكنها وظفت توظيفاً سياسياً غرضه الاشعار بالوجود وحجمه وقوة تياره وكثرة مناصريه، وصيغت هذه الصيحة «البريئة» بطريقة تخدم اغراض الحزب الانتخابية، وتضفي عليه شعبية لم يكن يحلم بها.
ان استغلال المشاعر الوجدانية للناس وجعلها شعاراً بغية الوصول لاغراض سياسية امر ليس بريئاً بالمرة، ولا يليق بالسياسيين الشرفاء والنزيهين ان يصنعوا عدوا وهمياً يهددون به الناس ويسلبونهم به أصواتهم، غير ان هذه الأمور سرعان ما تنكشف بيسر اذ انهارت الفكرة برمتها وكشفت وعريت وحدث ما حدث.
ومن المناسب التعليق على ما حدث بعد ذلك ، فلم يكن الأمر ليتضح بهذه الصورة لو لا وقوف المثقفين ووزير الثقافة الى جانب الرواية ودفاعهم المستميت عنها، واصدار لجنة فنية ثقافية حكما لصالحها، حيث لم يجرؤ احد بعد ذلك على التشكيك في موضوعية لجنة تضم في عضويتها صلاح فضل وجابر عصفور وعبدالقادر القط.
حدث بعد ذلك ان اعترض وزير الثقافة على حالة نشر، بعد تقديم عضو في مجلس الشعب مساءلة للوزير، فأقيل رئيس هيئة قصور الثقافة وصودرت الروايات الثلاث في الحادثة المشهورة، والأمر المهم هنا هو اصرار المثقفين على الدفاع عنها «عن الروايات الثلاث» ودفع التهم الموجهة اليها، وقد طالبوا بحرية المبدع وكتبوا في ذلك ما كتبوا.. لكن الأمر الذي ظل غائباً هو: هل يحق لوزارة الثقافة ان تطبع بأموال عامة روايات وكتب قد لا تكون مرضية، وقد لا تكون مكتملة فنياً؟ واذا كان للمبدع الحرية في الوصف والتصوير كيف يشاء أفليس للمواطن حق رفض طباعة هذه الروايات بالمال العام؟ هذا هو السؤال المنصب على الحرية الذي نريد ان تطرحه هذه الورقة.
والخلاصة ان هذين الإغلاقين في الحالة الإيرانية والمصرية هما علامتان على وجود الهامش الذي تحركت فيه هذه الصحف ولكنه لم يكن تحركاً محموداً لان الهامش لم يكن واسعاً بما فيه الكفاية، فأدى الى الاغلاق والمصادرة، وذلك كله يشير الى حركة وكلام في حين لا حركة ولا هامش ولا كلام ولا شيء آخر يمكن رصده في حالات أخرى.
بعد هذا كله، أفليس مقولة: «هناك علاج واحد لمساوئ الحرية حين تكون في بداية عهدها. هذا العلاج هو الحرية نفسها.. صحيحة؟
في الحلقة القادمة الكلام على نماذج أخرى.
hajailan@hotmail.com




أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved