أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 24th April,2001 العدد:10435الطبعةالاولـي الثلاثاء 30 ,محرم 1422

مقـالات

مدينة الرياض والتحديات المستقبلية السكنية والسكانية
د. عبد الله بن سالم الزهرانى
لقد دفعني لكتابة هذا المقال ما انتابني ربما من دهشة أو لنقل مفاجأة عندما اطلعت على ثلاثة تقارير أصدرتها هيئة تطوير مدينة الرياض عام 1421ه تتعلق بالهجرة والنمو السكاني بمدينة الرياض وتحديد احتياجات الرياض المستقبلية من الإسكان وتقرير آخر يتعلق بمقدرة السكان المالية ومعدل الإنفاق على السكن في مدينة الرياض. وكانت هذه التقارير الثلاثة في الملف الذي وزع بمناسبة انعقاد ندوة مستقبل الإسكان في مدينة الرياض التي نظمتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض والتي افتتحها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة الهيئة في مساء يوم الأحد الموافق 14/1/1422ه.
المفاجأة جاءت من الأرقام التي تضمنتها هذه التقارير عن أعداد السكان والمساكن وأعداد المهاجرين محليا الى مدينة الرياض.
سيصبح عدد سكان مدينة الرياض في عام 1442ه أكثر من 10 ملايين نسمة. لا تندهش، أخي القارىء وكن واعياً وبكل حواسك وأحاسيسك مع مدينة الرياض فيما يتعلق بالموضوع أعلاه حيث لا يزال الحديث في أوله وأحسب أنه قد يجذبك ويحتاج إلى متابعة. ولكي أذكرك بعدد سكان مدينة الرياض هذه الأيام أي في بداية عام 1422ه فهم حسب تقديرات الهيئة يزيدون عن 4 ملايين نسمة بل ان التوقعات تقول إنهم سيبلغون خلال عام 1422ه 700000.4 نسمة. وبالمناسبة فإن هذا الرقم يفوق عدد سكان المملكة بكاملها في عام 1982ه.
الذي يعرف مدينة الرياض منذ عشرين سنة ويعرفها هذه الأيام يدور في ذهنه مقارنات عديدة تتعلق بالسكن وطبيعة السكن ونوعية هذا السكن وحياة الناس والشوارع. ليس هناك شك في ان التغير كان الى الأفضل في جوانب معيشية وخدمية في مدينة الرياض وهكذا بقية مدن المملكة. صحيح ان الناس وخاصة الجيل الأقدم من جيلنا الحالي افتقد بعض العادات والسلوكيات المتعلقة بجوانب الحياة الاجتماعية غيرتها إيقاعات الحياة المتسارعة لكن المؤكد ان ظروف الحياة بكل جوانبها تغيرت في الأغلب الى الأفضل.
إن هيئة تطوير مدينة الرياض مشكورة بذلت جهدا كبيرا في التخطيط لنمو مدينة الرياض ولو لم يكن من نتاج جهودها إلا الحي الدبلوماسي لكفى ولكنها من خلال الكفاءات القائمة عليها مستمرة في التفكير وفي التنفيذ لكل ما من شأنه أن يجعل مدينة الرياض في وضع يليق بمكانتها كعاصمة سياسية واقتصادية تقدم جهوداً خدمية متنوعة ومتعددة. ولعل ندوة مستقبل الإسكان في مدينة الرياض واحدة من الجهود التي تقدمها هيئة تطوير مدينة الرياض في هذا الإطار.
أنا في اعتقادي ان هيئة تطوير مدينة الرياض من خلال سعيها الحثيث لبناء قاعدة معلومات عن وحول مدينة الرياض فيما يتعلق بأوضاعها الحالية المختلفة من حيث السكن والسكان والأسر وأنواع الخدمات يشكل أساساً لوضع تصورات وتوقعات على أساس علمي لما يمكن أن تكون عليه مدينة الرياض في العقود المقبلة. وهذا ما بدا واضحا في تقاريرها الثلاثة المذكورة أعلاه. إن الدراسات التي أجرتها الهيئة عن السكن والإسكان في مدينة الرياض أظهرت للهيئة أرقاما يبدو لي أنها استفزت الهيئة واستثارتها بحيث لم يعد الأمر مجرد تخطيط للمدينة وإجراء دراسات وتنفيذ بعض المشاريع العمرانية التطويرية حسب ميزانية الهيئة التي مهما تكن تظل محدودة لمدينة عملاقة مثل الرياض. ولعل عقدها لهذه الندوة هو دعوة جهات مختلفة أخرى للتفكير مع الهيئة بصوت عال في هذه الأرقام المخيفة المتعلقة بأعداد السكان والأسر وما تتطلبه هذه الأعداد من السكان خلال العقدين المقبلين في مدينة الرياض.
إذا عدنا للغة الأرقام فإن مدينة الرياض اتسعت وامتدت بل تمددت دون أن يحبسها حابس طبيعي أو بشري. مدينة الرياض في موقع جغرافي منبسط يخلو من الجبال أو التلال مساحتها قرابة 2000 كم2 . وكما لم يوجد رادع طبيعي لامتداد مدينة الرياض فإن الرادع البشري كان ولا يزال في نظري غائبا أو مغيبا عن كبح جماح هذا التمدد. يبدو أننا مغرمون بكبر الأشياء والمقارنات على مستوى العالم وعلى مستوى الوطن العربي وعلى مستوى البلدان وعلى مستوى القارات. نتجاهل في أحايين كثيرة الجوهر والنوعية للأحجام الكبيرة وأن العبرة ليست بالكبر بقدر ما تكون بالنوعية والكفاءة في الخدمة والوظيفة والدور الذي تلعبه المشاريع أو الأشياء المنفذة بشكل عام. يعيش على هذه المساحة في الوقت الحاضر أكثر من 4 ملايين نسمة. يقوم على هذه المساحة في الوقت الحاضر أكثر من 550 ألف وحدة سكنية. يسكن هذه الوحدات السكنية قرابة 710 ألف أسرة. تشير دراسات وتقارير الهيئة ان سكان مدينة الرياض سيصبحون أكثر من 10 ملايين عام 1442ه وأنهم بحاجة الى 1200000 وحدة سكنية لكي يكون هناك توازن بين زيادة عدد السكان والمساكن. وهذا قد يعني زيادة مساحة مدينة الرياض الى 4000 كم2 إذا بقيت طريقة البنيان ونمطه والحيز المكاني الذي تشغله الوحدات السكنية على ما هي عليه في الوقت الحاضر.
لقد توقعت الهيئة العليا لمدينة الرياض هذه الأرقام على أساس حسابات ومعادلات معينة مبنية على ما هو موجود في الوقت الحاضر وعلى الزيادة الطبيعية وحساب الهجرة. وعلى الرغم من أن هذه الدراسات قد لا تكون بتلك الدقة المنشودة لاعتبارات متعلقة بجوانب متعددة إلا أنها يمكن الاعتماد عليها بشكل كبير كمؤشرات لنمو مدينة الرياض سكنيا وسكانيا، والباب مفتوح باستمرار للبحث في هذه الجوانب. ولعل أقسام الجغرافيا والاجتماع والهندسة والعمارة والتخطيط يسهمون في مواصلة جهد الهيئة والتعاون الدائم معها.
إن ما يقلق في ارتفاع عدد سكان مدينة الرياض وبالتالي زيادة الوحدات السكانية هو أن نسبة كبيرة من هذه الزيادة السكانية هو نتيجة للهجرة الداخلية من مدن ومناطق المملكة المختلفة الى مدينة الرياض. على سبيل المثال كانت نسبة النمو السكاني نتيجة للهجرة الداخلية 5.5% عام 1411ه بينما يتوقع ان يصبح 9.7% في عام 1422ه. وتشير الدراسة التي أصدرتها إدارة البحوث والتطوير بالهيئة العليا لمدينة الرياض عام 1421ه الى ان السبب الرئيسي في الهجرة الى مدينة الرياض من كل مناطق المملكة بشكل عام هو من أجل العمل والبحث عن فرص أفضل للعيش وكسب الرزق حيث كان متوسط النسبة 77% في عام 1417ه.
وتشير الدراسة أيضا الى ان 91% و 87% تقريبا هم من المنطقتين الجنوبية والجنوبية الغربية على التوالي حيث جاءوا لمدينة الرياض بحثا عن فرص عمل عام 1417ه )هذا تقسيم للهيئة قد يكون مشتملا على منطقة الباحة ومنطقة عسير ومنطقة جازان ومنطقة نجران(.
وكانت النسبة من المنطقة الشمالية - وهي أيضا قد تشتمل على منطقة حائل ومنطقة الجوف ومنطقة تبوك - تصل الى 78% . وأحسب ان الوضع لم يتغير حتى الوقت الحاضر فيما يتعلق بنسب الهجرة.
إن الهجرة من الريف الى المدن وكذلك من المدن الصغيرة إلى الكبيرة أمر طبيعي إذا كان في حدود نسب معقولة يدركها المخططون ولكن نسب الهجرة عالية لمدينة الرياض الى درجة أنها تقريبا ضعف نسبة الزيادة الطبيعية. أين الخلل؟ ولماذا الهجرة بأعداد كبيرة؟ لماذا نفكر كيف نستعد لاستيعاب هؤلاء المهاجرين من خلال بناء المزيد من بناء الوحدات السكنية في مدينة الرياض بدلا من العمل على الحد من الهجرة للمدينة؟ كيف نحد من الهجرة لمدينة الرياض؟ هل هناك إمكانية لتبني تخطيط جديد للأنماط العمرانية؟ هل هناك تفكير في مساحات الوحدات السكنية؟ هل سيكون هناك إعادة نظر في نوعية الوحدات السكنية؟ هل سيتم تبني فكرة التوسع الرأسي في البنيان بدل التوسع الأفقي؟ وهناك العديد والعديد من الأسئلة تحتاج لإجابات وإجابات. إن الخلل يكمن في التنمية. لا شك ان التنمية شملت مناطق المملكة جميعها دون استثناء ولكن النسب متفاوتة بشكل كبير. لا ضير ان تكون نسب التنمية متفاوتة وبشكل كبير وذلك حسب نسب السكان والاحتياجات ولكن الضير في أن يكون هذا التفاوت بشكل مخل دون أن يراعى الاحتياج وعدد السكان. على سبيل المثال تجد ان هناك قرية عدد سكانها ربما 1000 نسمة في منطقة من المناطق ويمد لها طريق معبد بمسافة 40 أو 50 كم بينما قد يكون هناك مجموعة من القرى تحتاج لطريق طوله 10كم وعدد سكانها بالآلاف ولا يمد هذا الطريق. وإذا سألت قيل لك التكلفة عالية في ذلك الطريق لأنه جبلي بينما في المنطقة الأخرى منبسط. ألا ترون أن الاهتمام هنا بالطبيعة أكثر من الإنسان. القرية في المنطقة الأولى والقرى في المنطقة الأخرى من حق كل منها أن تحصل على الخدمة ولكن من خلال تخطيط سليم مبني على أسس علمية وأولويات.
من حق كل مواطن أن يفخر بأن لدينا ثماني جامعات ولكن من واجب المخططين أن يقولوا أن هذه الجامعات لا تكفي لاستيعاب خريجي الثانوية وأن هناك مناطق بحاجة الى جامعات أو على الأقل إلى فروع لجامعات تمهدا لتصبح جامعات فيما بعد. فتح الجامعات أو فروع لها جانب تنموي يحد من الهجرة للمدن ويوجد فرص عمل. الشيء السائد في العديد من المناطق هو فتح كليات للمعلمين وللمعلمات وكأن أبناء وبنات تلك المناطق كتب عليهم أن يصبحوا معلمين ومعلمات فقط، ولو كانت تستوعب لأصبح الأمر كذلك، ومن هنا فإن أعدادا كبيرة من خريجي الثانوية من المناطق التي ليس بها جامعات يشدون الرحال للمدن الكبيرة للالتحاق بكليات الطب والهندسة والحاسب وغيرها من الكليات العلمية.
ولكي نحد من هجرة سكان الريف والقرى والمدن الصغيرة فإن الحاجة ماسة في اعتقادي لتيسير القرض من صندوق التنمية العقارية في المناطق الريفية والمدن الصغيرة كزيادة مدة التقسيط مع زيادة قيمة القرض وتوفير الأرض وتوفير جوانب أساسية من جوانب التنمية.
كما ان مشكلة المياه أصبحت هاجسا ومبعثا للتفكير للهجرة في اعتقادي من المناطق التي لا تتوفر فيها تحلية أو تنقية حيث قد تصرف الأسرة على المياه ما يقارب عشرة الاف ريال ولا ننسى التعب والمعاناة والبحث عن أماكن توفر المياه والانتظار. أعتقد أن هذا الجانب يحتاج الى أخذه بعين الاعتبار في التخطيط للحد من الهجرة. على كل حال كنا نتوقع أن يكون هذا الخلل في التخطيط للتنمية موجودا مع بدايات التخطيط في التسعينات الهجرية ومع بداية ما عرف بالطفرة حيث كانت الدراسات سريعة والخدمات على قدر المطالبة والعلاقات. لقد زادت وتنوعت الدراسات عن المناطق واحتياجاتها وأصبحت الرؤيا واضحة ومع ذلك لا نزال نرى الخلل في التنمية موجوداً والدليل على ذلك هو هذا التدفق الهائل من السكان بحثا عن فرص عمل في مدينة الرياض، وأحسب هذا ينسحب على بقية المدن الكبيرة الأخرى. إن هذا التدفق السكاني على المدن الرئيسية سيكون له تأثيرات سلبية على المدن الرئيسية. ولعل من هذه السلبيات تدني مستوى الخدمات المختلفة. سيكون هناك صعوبة في ملاحقة الخدمات للتمدد العمراني. إن عدم القدرة على توفير كافة الخدمات الضرورية موجود هذه الأيام حيث إن كثيرا من الأحياء في مدينة الرياض تفتقر لمنشآت الصرف الصحي وهو من الأهمية بمكان.
لقد كان من الخطأ أن تتسع مدينة الرياض هذا الاتساع الأفقي. لقد منع التوسع الرأسي لأكثر من دورين في كثير من الأحيان من قبل المخططين. دفعت أموال طائلة في مساحات محدودة وأصبح أحيانا يصرف في قيمة الأرض أكثر مما يصرف على البناء. إنه ونتيجة لهذا التوسع الأفقي صرفت أموال طائلة على تمديد الكهرباء والهاتف والمياه ورصف الشوارع وإنارتها كان بالإمكان صرفها في جوانب تنموية أخرى مثل الصرف الصحي لو كان التوسع رأسيا.
هناك أحياء تطالب في إيصال الماء والكهرباء ورصف الطرق منذ سنوات ولم يتم بسبب هذا التوسع الأفقي. التوسع الأفقي سيكلف أموالا طائلة لصيانة ما تم إنجازه من طرق وأنابيب مياه وكهرباء وغير ذلك.
ولنا أن نتخيل ما الذي سوف يحدث عندما تتوسع مدينة الرياض لتستوعب 10 ملايين نسمة. نحتاج الى طريق دائري آخر على الأقل بل أعتقد عدة طرق دائرية. نحتاج الى طرق عرضية وطولية شبيهة بطريق الملك عبدالعزيز وطريق الملك فيصل وطريق الملك فهد. إن الحاجة لهذه الطرق بدأنا نشعر بها الآن حيث إنه ورغم سعة هذه الطرق إلا أنه وقت الذروة - وكل ساعات أيامنا ذروة ما عدا بعد منتصف الليل - يبدأ الفرد وخاصة من عاصر الازدحام في طريق الملك عبدالعزيز ) البطحا( في التخوف من عودة تلك الاختناقات المرورية. كلي أمل في أن نرى توصيات لندوة مستقبل الإسكان في مدينة الرياض تكون قابلة للتنفيذ والتطبيق لتستمر تنعم بالعيش في عاصمة المجد والعز.
* جامعة الملك سعود - كلية الآداب - قسم الجغرافيا

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved