أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 24th April,2001 العدد:10435الطبعةالاولـي الثلاثاء 30 ,محرم 1422

مقـالات

مدخل لدراسة الإبداع القصصي والروائي والمسرحي في المملكة
د. حسن بن فهد الهويمل
وبقدر ما أجد في رواية «ثمن التضحية» من جاذبية دلالية وأسلوبية، لا أجد مثله عند كثير من روائيي مرحلة التأسيس، وبخاصة فيما يتعلق بلغة النص، وهي إشكالية الإبداع السردي، وقد لا نجد تقاربا في البعد الموضوعي. أما البعد الفني فالمبدعون من الروائيين والقصاص يتزودون منه على قدر مواهبهم ، والمغايرة الموضوعية الخارجة على الأنساق نراها في كل روايات سميرة الخاشقجي التي عرفت فنيا باسم «سميرة بنت الجزيرة»، وسميرة التي درست في مصر كما درس الدمنهوري وعاشت حياة باذخة لم يعشها الدمنهوري، لا تعبر بالضرورة عن هموم «بنت الجزيرة» وهو الاسم المستعار الذي تقنعت به الروائية ، مثلما تقنعت عائشة عبدالرحمن الأديبة المصرية برمز «بنت الشاطئ» ، ولا يجوز لأحد أن يتوقع ذلك من مثلها في تحررها واندفاعها ولا أن يستدل بما تكتب على ملامح الحياة الاجتماعية في بلد محافظ، لا يتخلق بشيء مما ساقته الروائية، وإن كان الروائيون أو بعضهم على الأقل كالشعراء يقولون ما لا يفعلون.
وهي إذ لا تقترب دلاليا من كتاب جيلها، لا تقترب فنيا ولا دلاليا من كتاب الجيل الأول: الأنصاري، والمغربي، والسباعي، الذين عبروا عن طموحاتهم وتطلعاتهم، ورصدوا بعض ما يجول في خواطر ناشئة البلاد، وهي أيضا لا تلتقي مع جيلها من الروائيين والقصاص في معالجة القضايا الاجتماعية، وللمتابع أن يقرأ لعبد الله بوقس «خدعتني بحبها»، أو لعصام خوقير«الدوامة»، أو لخيرية السقاف «أن تبحر نحو الأبعاد»، أو لطاهر عوض سلام بعض أعماله، أو للسباعي أحمد عثمان، أو لمحمد زارع عقيل، أو لغير أولئك، ليرى كم هو الفرق بين بعدها الموضوعي وأبعادهم، وهو بلا شك واجد مسافة بعيدة تكاد تفصلها عن كل سياقاتها ومثل هذا الانقطاع يقع فيه روائيون من أقطار عربية أخرى، وعلى سبيل المثال لا نجد الطيب صالح في «موسم الهجرة إلى الشمال»، ولا نجد محمد شكري في «الخبز الحافي»، ولا تركي الحمد في ثلاثيته يمثلون مجتمعهم، بل أكاد أقطع بأن نجيب محفوظ الذي يوصف بالواقعية لم يكن يمثل المجتمع المصري، والروائية بما أعطته لنفسها من حرية، لم تبلغ ما بلغه أولئك من إسفاف لا يليق ، ولكنها مع هذا لا تمثل الحياة التي مثلها الأنصاري والمغربي من جيل الرواد، أو محمد زارع عقيل ومحمد عبده يماني وهند باغفار من جيل التأسيس. ومن ثم فإن رواياتها الثماني التي طبعت كلها خارج البلاد وعلى مدى عشر سنوات من 1963م حتي عام 1973م نسيج واحد لا تربطه بالحياة العامة أدنى رابطة، وكل رواياتها تدور حول الحب غير العفوي، وغير البريء، وهو حب لا يتهتك، وليس هو على شاكلةما يكتبه بعض الروائيين العرب ممن يمثلون عراقة الفن وجرأة في التهتك وأدب الاعتراف، ولكنه في الوقت ذاته حب عنيف، لا يحتشم، ولا يعبر عن أوضاع بلادها، وكل الذي تؤديه تلك الروايات أنها ترصد هواجسها وتحاكي مقروءها، ثم إن مآلات هذا الحب مليئة بالمآسي، والأحزان والعذابات، وأبطال الروايات وبطلاتها ليسوا من عامة الناس والعادات والتقاليد السائدة لا تتسع لأحلام الكاتبة، ويبدو لي أنها تخلق الأحداث ولا تسجلها، ومن ثم فهي تفكر بقلمها، وتسجل هذا التفكير، ولنأخذ واحدة من بطلات رواياتها، ولتكن «شروق» بطلة رواية «بريق عينيك» هذه الفتاة تعمل مضيفة طائرة، تتشابك علاقاتها وتختلط أمورها وتتداخل أحداثها دون مراعاة للاعراف أو العادات أو التقاليد فللكوارث والمفاجآت والأحداث الرهيبة تعترض أزواجها ومحبيها وفي الأخير تصاب بالجنون وتحاول الانتحار ولكنها تقرر البقاء على قيد الحياة بكل مرارتها لتربية ولدها الوحيد، والرواية لا تعالج أي قضية وإنما هي سيل من المغامرات والمصائب، لمجرد توتير الأعصاب، وشد الانتباه ثم لا شيء بعد ذلك. وكل رواياتها مأساوية ظلامية، نجد ذلك في «وتمضي الأيام» و «ودعت آمالي» و «وراء الضباب» و «ذكريات دامعة» و«قطرات من الدموع» و «مأتم الورد» . وعندما تنزلق أو تكاد تقف تاركة فراغاً للقارئ ليكمل الحدث، وفق حالته النفسية ورؤيته للحياة، وهي بهذا لا تقع فيما وقع فيه المتأخرون من أدب الاعتراف الذي بلغ دركه عند بعض المتهتكين، كما أنها بهذه الرومانسية العنيفة والإمعان في استدرار عواطف القراء لا تندرج في أنساق الحياة القائمة وهي حين تتخذ سبيل المنفلوطي في عنف الاستدرار وتملقه لا تنطوي على مقاصده النبيلة.
وإذ تكون قضاياها مثيرة للرأي السائد فقد تقنعت تحت اسم فني وأدارت أحداثها في أمكنة سياحية خارج أرضها، وكأنها إذ رضيت الخروج على الأنساق الثقافية والاجتماعية خرجت عن جغرافيتها، وباستقراء أبعادها الفنية، نجد أن لغتها جيدة وفنياتها عالية وحواراتها موزونة وسردها جميل وعاميتها نادرة، وكل رواياتها رومانسية تبدأ بالحب وتعود إليه وهي تلح على دغدغة العواطف وإثارتها وخلق أجواء من الخلوة تثير الانفعال ومجمل أعمالها متشابهة إلى حد الاندماج. أبدعت أولى رواياتها في سن العشرين، وتجرعت مرارة الطلاق، وتوفيت دون الخمسين من عمرها، وأنجبت «دودي الفايد» الذي مات مع عشيقته «ديانا» في حدث مثير. ولا أحسب الغربة هي العامل الوحيد في انقطاعها ولو كانت كذلك لكان تأثيره مماثلاً في عمل المذيعة المهاجرة «هدى عبدالمحسن الرشيد» «غداً سيكون الخميس» .
كما أن هناك قاصات وروائيات أخريات ضربن في فجاج الأرض من أزواجهن، وكتبن أعمالا أقرب إلى الواقعية الاجتماعية وأبعد عن الرومانسية.
وتأتي في سياقها الانقطاعي الروائية «رجا عالم» في مجموعة أعمالها «نهر الحيوان» و «طريق الحرير» و «مسرى يا رقيب» و «سيدي وحدانة » و «4 صفر» وتمثل في مجمل رواياتها نزوعا حداثيا متطرفا في الشكل والفن واللغة والأسطورة والانقطاع وحتى في لعبة السواد والبياض في الكتابة، وقد درس رواية« طريق الحرير» الناقد معجب العدواني من خلال «التناصية» في رسالة أكاديمية تقدم بها لجامعة البحرين. ولإغراقها الأسطوري وإمعانها في الخروج المتعمد على كل ضوابط الفن، فهي تمثل انقطاعاً مضاعفاً وتأتي كما سميرة الخاشقجي نشزاً في سياق العمل الروائي المحلي.
وإذ تناقض سميرة خاشقجي روائيي مرحلة التأسيس فنياً ودلالياً وتبدو رواياتها نشزاً في سياق العمل الروائي في المملكة، يبدو التناظر والتساوق والتنميط بين الروائيين الآخرين، من أمثال حامد دمنهوري بوصفه رائد التأسيس ومحمد عبده يماني وإبراهيم الناصر وعبدالله سعيد جمعان، وصفية أحمد بغدادي، وعبدالله جفري، وعمر طاهر زيلع، وفؤاد صادق مفتي، وحمزة بوقري، وغالب حمزة أبو الفرج.
مع تفاوت واضح في المستويات الفنية وبخاصة عن غالب أبو الفرج الذي تخلى عن الشرط الفني أو كاد، ولست أدري هل هو تخلي العاجز أو المتطاول؟
وأبو الفرج لم يكن وحده الذي تخلى عن الشرط الفني ولكن تخليه يمثل انقطاعا تاما بحيث لا تكون أعماله التي اطلق عليها روايات تحمل أدنى حد من السمة الروائية ولكم أن تقرؤوا له «وجوه بلا مكياج» و «قلوب ملت الترحال» وهما روايتان صدرتا في بيروت عن دار الأفق عام 1985م و «سنوات معه» وله عدد من الروايات مثل «الشياطين الحمر» و «غرباء بلا وطن» و «احترقت بيروت» و «المسيرة الخضراء» وهو في قصصه أقرب إلى الفنية ولهذا يبدو الملمح القصصي في مجموعته القصصية «وتقرع الطبول»، وأبو الفرج الذي يفقد العنصر الفني، يتوفر على عناصر دلالية في غاية الجودة، ولكنها لا تشفع له، فاحترام الشرط الفني مهم والنقاد العرب أباحوا الضرورات الشعرية احتراماً للفن، وهذا الخروج المتعمد وغير الموفق في كثير من وجوهه، يزامنه تحرف وحضور متميز لروائيين آخرين احترموا الشرط الفني.
ومن بين أولئك الروائي إبراهيم الناصر الحميدان الذي لم يكمل دراسته النظامية، نشر أولى رواياته عام 1381ه «ثقب في رداء الليل» ثم «سفينة الموتى» عام 1389ه ولست أعرف سبباً لهذا الانقطاع الذي امتد ثماني سنوات ثم «عذراء المنفى»، وله إلى جانب ذلك «أرض بلا مطر» و «أمهاتنا والنضال» وله مجموعات قصصية مثل «غدير البنات» ومن أطول رواياته «ثقب في رداء الليل» حيث تقع في ثلاثمائة وأربع عشرة صفحة وقام بدراسة روايته «عذراء المنفى» كل من الدكتور منصور الحازمي والدكتور السيد محمد ديب ولست أعرف سببا لذلك فالرواية لم تكن الرائدة في أعماله الروائية، ولم تكن الأفضل، فقد سبقتها روايتان «ثقب في رداء الليل» و «سفينة الموتى» ويبدو لي أن الديب اتكأ على الحازمي سعياً وراء التخفف.
والحازمي يعده من المقلين، ولست معه ثم إن العبرة عندي ليست بالكثرة، وإنما هي في الجودة والروائي إبراهيم الناصر لم يحظ بدارسين يتعقبون إنتاجه الروائي الذي ينطوي على فنيات ودلالات بحاجة إلى مزيد من النقد، وبخاصة في لغته التي لم تكن بمستوى فنياته وأبعاده الدلالية، فلغته شائعة مترهلة وغير انزياحية، ولكنه يحمل موهبة وهماً، ولا أجد فيما بين يدي من دراسات مما يعول عليها لاكتشاف عالمه الروائي، وإبراز خصائصه الفنية وقضاياه وشخوصه وبحث كهذا لا يتسع لأكثر من اللمحات الموجزة، إذ هو رصد تاريخي فني للأعمال الروائية في المملكة منذ النشأة، وذلك أمد طويل يشتمل على أعمال كثيرة لا مجال فيها للاستقصاء والتعمق والأمل منوط بطلاب الدراسات العليا وأساتذتها في جامعاتنا فهم الأوفر جهداً والأوسع وقتاً والأكثر إمكانيات، وهم الذين يقدرون على الوفاء بحق روائيينا.
والروائي إبراهيم الناصر ليس وحده في الميدان وليس هو الأمكن، ولكنه مع كل هذا يستحق صدارة جيله، وهو في تواصله وحضوره يمثل الخضرمة الفنية والزمانية إذ يمكن عده من جيل التأسيس والانطلاق، على أنه لم يحدث في أمره الإبداعي أو الدلالي ما يمكن وصفه بالتجاوزية بحيث يمتد بعمله إلى مرحلة الانطلاق. ويضارعه في ذلك عدد من الروائيين المكثرين والمقلين المقتدرين الموهوبين، وأكثرهم لم يفرغوا لهذا الفن فراغه من أمثال الدكتور محمد عبده يماني، وحجاب الحازمي، وعبدالله عبدالرحمن العتيق، ويأتي بعد ذلك مقلون لهم محاولات قصصية وروائية، لم يكن لهم ولا لأعمالهم حضور، وليس في ذلك منقصة فالنقاد يشغلهم الشعر وتلهيهم التبعية، وما كل من شغل المشهد الإعلامي جدير بهذا الحضور، وممن كاد يطويهم النسيان ويجني عليهم التهميش عبدالمحسن بن عثمان البابطين وله «ثمن الكفاح» المطبوع بدار الاتحاد العربي بالقاهرة عام 1969م ومحمد عمر توفيق وله «الزوجة والصديق» المطبوع بدار ممفيس بالقاهرة، وحسن عبدالله القرشي في عمليه «أنات الساقية» و «حب في الظلام» وكلتاهما من طبع دار المعارف في مصر. والقرشي عرف شاعراً، ولم ينظر الناس إلى دراساته النقدية ولا إلى إبداعاته السردية، وعبدالله سعيد جمعان. وله «بنت الوادي» و «رجل على الرصيف» وهاشم سالم حسين وله «خيط الأمل» طبع عام 1967م. وعبدالقادر بصراوي، وله «الجوهرة الزرقاء» و «القروية الحسناء وقصص أخرى» وكلتاهما طبعتا في عام 1384ه - 1964م بالمؤسسة العربية للطباعة بجدة، وغير أولئك كثير كأمين سالم رويحي، ومحمد أمين ساعاتي وعبدالرحمن الشاعر، وعبدالله مناع، ومحمد عبدالله مليباري، وعاشق عيسى الهذال، ولكل أولئك ومثلهم معهم أعمال روائية وقصصية لم تحظ بدراسات أدبية تقر بها من القراء، وتكرس أصحابها في ساحة العمل الروائي، ولولا الرصد «الببليوجرافي» لكانت مع اصحابها في الذاهبين الأولين.
على أن روائيي التأسيس لم يبعدوا النجعة ومن ثم نجد التواصل قائما فيما بينهم وبين روائيي الجيل الأول وبالذات أحمد السباعي الذي واصل عطاءه واحتفظ بحقه الريادي والتأسيسي لقد أخرج أكثر من رواية وسيرة فنية.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved